مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بيلاي تُعدّد الإنجازات وتعترف بالإخفاقات وتقيّم الربيع العربي

السيدة نافي بيلاي، المفوضة السامية لحقوق الإنسان تتحدث أثناء الندوة الصحفية التي عقدتها في جنيف يوم 2 ديسمبر 2013 Keystone

بمناسبة مرور عشرين عاما على انعقاد مؤتمر فيينا حول حقوق الإنسان، توقفت المفوضة السامية لحقوق الإنسان عند الإخفاقات التي شهدتها مسيرة حقوق الإنسان دوليا وعربيا. في الأثناء، أشارت نافي بيلاي إلى أن ثورات الربيع العربي "سمحت بتبديل في الحكومات والأنظمة لكن التغييرات لا زالت هشة".

في سياق الإستعدادات للإحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان في العاشر من ديسمبر، عقدت المفوضة السامية لحقوق الإنسان السيدة نافي بيلاي ندوة صحفية في جنيف تطرقت خلالها لحصيلة مسيرة حقوق الإنسان منذ انعقاد مؤتمر فيينا في عام 1993، الذي كان بمثابة القاعدة التي أرست المعايير الحديثة لتطبيق مبادئ حقوق الإنسان في العالم.

الحصيلة الإجمالية التي قدمتها نافي بيلاي اشتملت على العديد من النقاط الإيجابية والسلبية بطبيعة الحال، لكن القسم الأكبر منها كان مخصصا للمنطقة العربية عموما ولسوريا ومصر على وجه التحديد.

المزيد

المزيد

تتعدد أشكال الإنتهاك ويبقى الإنسان هو الضحية

تم نشر هذا المحتوى على كل شخص يجب ان يكون قادرا على اختيار من يمثلونه في جميع مؤسسات الحكم، ومن هم مرشّحين للمناصب العامّة، وللتصويت على المسائل الأساسية التي تشكّل مصيرهم الفردي والجماعي. وفقا للمسؤولة الأولى بالمفوّضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، نافي بيلاي، نجح السكان في السنوات الأخيرة في اسقاط حكومات في بلادهم، ليس فقط في الشرق الأوسط…

طالع المزيدتتعدد أشكال الإنتهاك ويبقى الإنسان هو الضحية

نظام “أقوى مما كان عليه”

في سياق تعدادها للجوانب الإيجابية التي تم تحقيقها على مستوى منظومة حقوق الإنسان منذ انعقاد مؤتمر فيينا، ذكّرت بيلاي أولا بتأسيس مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان الذي يُعتبر “نقطة تركيز الجهود والقوى” العاملة من أجل تعزيز احترام حقوق الإنسان عالميا.

وبعد أن ذكّرت المفوضة السامية بأن منظومة حقوق الإنسان أصبحت اليوم مُعززة بحوالي 17 اتفاقية دولية ما بين معاهدة وبروتوكول انضمت إليها غالبية دول العالم، أكدت أن المؤتمر الذي احتضنته العاصمة النمساوية قبل عقدين “عزز نشاطات منظمات المجتمع المدني بشكل لم يسبق له مثيل”.

فيما يتعلق بالمحافل الدولية الساهرة على متابعة قضايا حقوق الإنسان، اعتبرت بيلاي أن مجلس حقوق الإنسان “قد استطاع تجاوز الإنتقادات التي راجت بشأنه في البداية، وذلك بتنظيم الدورة الثانية من آلية الاستعراض الدوري الشامل، وبتنظيم العديد من الدورات الخاصة لمعالجة حالات طارئة لانتهاك حقوق الإنسان وأزمات مُزمنة”. وفي هذا السياق، عدّدت بالخصوص وجود لجنتين لتقصي الحقائق اليوم، تُعنى الأولى بالوضع في سوريا وتهتم الثانية بما يحصل في كوريا الشمالية.

على مستوى العدالة الدولية التي لم تعرف قبل عام 1993 سوى محكمة نورمبرغ (التي أنشأها الحلفاء لمحاكمة القادة النازيين إثر نهاية الحرب العالمية الثانية)، اعتبرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان أن العالم عرف بعد فيينا، تأسيس ست (6) محاكم دولية خاصة إضافة إلى إنشاء المحكمة الجنائية الدولية في عام 2002.

في هذا السياق، أشادت المسؤولة الأممية بغالبية دول أمريكا اللاتينية التي “تمتلك اليوم الإرادة والطريقة لتطبيق العدالة على المستوى الوطني لإنصاف ضحايا انتهاكات ارتكبت قبل 20 أو 30 عاما”، لكنها صنفت الإنتهاكات المرتكبة في دول العالم العربي ضمن خانة “تحديات العشرين عاما القادمة”.

نافي بيلاي، المفوضة السامية لحقوق الإنسان

أدى الربيع العربي إلى تغيير الحكومات والأنظمة في بعض البلدان ولكن تلك التغييرات لا زالت هشة

حالات “فشل ذريع” تم الإعتراف بها

في ندوتها الصحفية، قالت السيدة نافي بيلاي: “أتمنى أن أرى اليوم الذي يأتي فيه مفوض سام ويتحدث فقط عن الإيجابيات”، لكن الحديث عن واقع حقوق الإنسان في العالم اليوم يقترن بالدرجة الأولى بالفشل في تحقيق الأهداف المعلنة أو بفضح الإنتهاكات والتنديد بها.

من بين حالات “الفشل الذريع” التي اعترفت بها منظمة الأمم المتحدة واستعرضها الأمين العام بان كي مون مؤخرا، وذكّرت بها المفوضة السامية نجد “حرب الإبادة في رواندا عام 1994، والفشل في منع عمليات القتل الجماعي في سريبرينيتشا في عام 1995، والإعتراف مؤخرا بفشل  نظام الأمم المتحدة في الحد من الانتهاكات أثناء المرحلة الأخيرة من الحرب الأهلية في سريلانكا”.

في هذا الصدد، أكدت المفوضة السامية لحقوق الانسان على أنه “يجب وضع حد لتصرف بعض قطاعات المجتمع الدولي المتمثل في دسّ الرؤوس في الرمال والقول بأن لا علاقة لنا بما يجري.. لنا مهام أخرى نقوم بها”، وأضافت أن “من بين الحالات التي قد تُعد بمثابة اختبار للمجموعة الدولية حول مدى قدرتها على التدخل في الوقت المناسب نجد الوضع السوري الذي تُرتكب فيه انتهاكات من الطرفين وبشكل خطير يفوق كل التصورات، وكذلك الوضع المتدهور بشكل سريع في جمهورية إفريقيا الوسطى”، كما تطرقت إلى الأوضاع في بنغلاديش ومصر، وعبّرت عن الأمل في العودة سريعا للهدوء في تايلاندا.

في 25 يونيو 1993، اعتمد ممثلو 171 دولة بتوافق الآراء إعلان وبرنامج عمل فيينا الصادرين عن المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان، وبذلك اختتموا بنجاح المؤتمر العالمي الذي استغرق أسبوعين وقدموا إلى المجتمع الدولي خطة مشتركة لتعزيز العمل في مجال حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.

تميز المؤتمر بدرجة غير مسبوقة من المشاركة من جانب المندوبين الحكوميين والدوائر الدولية المعنية بحقوق الإنسان. فقد اجتمع في فيينا نحو 7000 مشارك، بمن في ذلك أكاديميون وممثلو هيئات منشأة بموجب معاهدات ومؤسسات وطنية وممثلو أكثر من 800 منظمة غير حكومية – ثلثاهم على مستوى القاعدة الشعبية – لاستعراض خبراتهم المشتركة والإستفادة منها.

في رسالة وجهها إلى المؤتمر، أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك بطرس بطرس غالي المندوبين، أنهم، باعتمادهم إعلان وبرنامج عمل فيينا، جددوا التزام المجتمع الدولي بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها. وتوجه الأمين العام بالتحية إلى الإجتماع لأنه وضع “رؤية جديدة للعمل العالمي من أجل حقوق الإنسان في القرن المقبل”.

وبالمثل، اتخذ المؤتمر خطوات تاريخية جديدة لتعزيز وحماية حقوق النساء والأطفال والشعوب الأصلية وذلك، على التوالي، بدعم إنشاء آلية جديدة، مقرر خاص معني بمسألة العنف ضد المرأة، وقد تم تعيينه بعد ذلك في عام 1994؛ والتوصية بأن تعلن الجمعية العامة عن عقد دولي للشعوب الأصلية في العالم، وهو ما أدى إلى الإعلان عن عقدين (1995-2004 و2005-2014)؛ والدعوة إلى التصديق العالمي على اتفاقية حقوق الطفل بحلول عام 1995. وحتى اليوم، صدقت جميع البلدان، باستثناء الصومال والولايات المتحدة، على الإتفاقية.

يقدم إعلان فيينا أيضاً توصيات محددة لتعزيز وتنسيق قدرة منظومة الأمم المتحدة على الرصد. وفي هذا الصدد، دعا الإعلان إلى أن تنشئ الجمعية العامة منصب مفوض سام لحقوق الإنسان ، وبعد ذلك أنشأت الجمعية العامة المنصب في 20 ديسمبر 1993 (القرار 48/141). وعين الأمين العام السيد خوسيه أيالا لاسو ليكون أول مفوض سام، وقد تولى مهام منصبه في 5 أبريل 1994.

(المصدر: مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، جنيف)

تركيز على سوريا ومصر …

بحكم الأحداث والتطورات الجارية، استحوذت قضايا حقوق الإنسان في العالم العربي على قسم هام من ندوة المفوضة السامية. ومع أنها اكتفت في كلمتها التمهيدية بالتركيز على الأوضاع السائدة في كل من سوريا ومصر، إلا أنها وجدت نفسها مُجبرة على الخوض في باقي بؤر التوتر في العالم العربي لدى الإجابة على تساؤلات الصحفيين.

وفي سياق ردها على السؤال المتعلق بالقائمة الإسمية السرية المتواجدة في مكتبها بخصوص الشخصيات السورية الرفيعة المستوى المُورطة في ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، اضطرت نافي بيلاي للإحتماء بتقارير لجنة تقصي الحقائق المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان التي سبق أن ورد فيها بأن “هناك دلائل كثيرة على وقوع جرائم خطيرة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأن هناك أدلة بأن المسؤولية في ذلك ترقى إلى أعلى مستويات السلطة بما في ذلك الرئيس”.

ولدى سؤالها عن سبب عدم الافصاح عن هذه القائمة، أجابت المفوضة السامية: “إنها قائمة أودعت لديّ، وأحتفظ بها سرية إلى أن يأتي وقت تنصيب لجنة تحقيق ذات مصداقية إما وطنية أو دولية، والسبب الثاني قانوني وهو أنه يجب الإحتفاظ بحق البراءة وعدم إدراج أسماء شخصيات علانية إلا بعد صدور حكم قضائي”.

بالعودة إلى حصيلة الربيع العربي من منظور حقوق الإنسان، وفي رد على تساؤل طرحته swissinfo.ch حول المخاطر المترتبة عن استياء أبناء المنطقة العربية الذين خرجوا للشوارع مطالبين بمزيد من الحقوق والحريات، واحتمال إصابتهم بخيبة أمل بعد الرد المحتشم الذي تتعامل به آليات حقوق الإنسان والمجموعة الدولية عموما مع الإنتهاكات المرتكبة من قبل الأنظمة الحالية، أجابت السيدة بيلاي: “إن الربيع العربي، رغم التساؤل المتكرر بهذا الخصوص، لم يكن فشلا، بل حقق إنجازات ومنها إزاحة أنظمة ديكتاتورية بعد أن خرج ملايين الناس إلى للشوارع للمطالبة باحترام حقوقهم الإنسانية، كما أن دولا مثل تونس وليبيا ومصر واليمن لن تعود إلى ما كانت عليه من قبل من حكم ديكتاتوري.. وهذا ما عبّر عنه الناس بشكل جليّ”.

مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان اعترفت أيضا بأن “ما تم إنجازه حتى اليوم ليس بالمستوى المطلوب، وأن تأثيرات ذلك على سوريا كانت كارثية بالخصوص”. وبعد أن أشارت إلى أن الربيع العربي “أدى الى تغيير الحكومات والأنظمة في بعض البلدان، ولكن تلك التغييرات لا زالت هشة”، خلُصت إلى القول بأن “التحديات التي نواجهها كبيرة، ومفعمة بالإضطرابات وهذا ما نراه في وضع مصر مما أجبرنا قبل أيام على إصدار بيان نُحذر فيه من أخطار الحد من حرية التجمع والتظاهر”.

إضافة إلى ذلك، أعربت السيدة نافي بيلاي عن القلق بخصوص أوضاع المرأة التي خرجت بقوة الى الشوارع للمطالبة في البلدان التي شهدت ثورات الربيع العربي بمزيد من الحقوق والحريات لكنها “لا زالت تعتبر مواطنة من الدرجة الثانية”، على حد قولها.

نافي بيلاي، المفوضة السامية لحقوق الإنسان

لن تعود تونس وليبيا ومصر واليمن إلى ما كانت عليه من قبلُ من حكم ديكتاتوري

… وعدم ذكر العراق وفلسطين!

أثناء تعدادها للإخفاقات الكبرى في مجال حقوق الإنسان منذ انعقاد مؤتمر فيينا قبل عشرين عاما، لم تتطرق المفوضة السامية لحقوق الإنسان لا إلى وضعية العراق ولا إلى ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فهل تعتبر السيدة نافي بيلاي أن هاتين الحالتين تمثلان إنجازا من وجهة نظرها؟ هذا السؤال الذي طرحته swissinfo.ch أجابت عليه المسؤولة الأممية بالقول: “قد أكون آخر من يقول بأن أوضاع حقوق الإنسان في العراق وفي الأراضي المحتلة هي تجارب ناجحة”.

بخصوص العراق، عبّرت المفوضة السامية عن “القلق بخصوص ارتفاع أعمال العنف ضد المدنيين، وبسبب أعمال الإرهاب الشنيعة التي تقوم بها عدة مجموعات ضد أفراد وجماعات”، كما أعربت عن “القلق بخصوص تنفيذ واسع لعقوبة الاعدام عند تطبيق قوانين محاربة الإرهاب، وعدم الإستجابة إلى النداءات المتكررة من أجل الإلتزام بمهلة في تنفيذ عقوبة الإعدام”.

في الوقت نفسه، استعرضت السيدة بيلاي جملة من الإنتهاكات المرتكبة في العراق من بينها “الخلل في تطبيق العدالة، والإعتقال لفترات مطولة بدون محاكمة أو توجيه تهم، وممارسة التعذيب ضد المعتقلين”. كما عبّرت عن القلق بخصوص المساس بحقوق الأقليات الدينية التي تعرضت للإنتهاكات خصوصا وأن البعض منها هاجر الى خارج البلاد.

بخصوص الأراضي الفلسطينية المحتلة، قالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان: “إنني مازالت قلقة لكون العديد من نشاطات السلطات الإسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة تتعارض مع القانون الانساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان”. وفي السياق، اعتبرت المفوضة السامية أن الإستمرار في محاصرة قطاع غزة “يتعارض مع الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، وله تأثيرات عقاب جماعي ضد المدنيين”، كما طالبت برفع الحصار المفروض لأسباب أمنية إسرائيلية .

المفوضة السامية تطرقت أيضا إلى وضع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وأكدت أنها “تتعارض مع بنود القانون الدولي” مشيرة إلى أن السلطات الإسرائيلية “لا تتخذ أية إجراءات للحد من عنف المستوطنين” كما أن أن لها (أي السلطات) “ممارسات تمييزية في  المجال الإداري من أجل تدمير المنازل وطرد السكان والإستخدام المفرط للقوة من قبل قوات الأمن الإسرائيلية، وأخيرا طرد البدو من وادي الأردن”.

أخيرا، شدّدت المفوضة السامية على أن الوضع في العراق والأراضي الفلسطينية المحتلة هو “محط متابعة من قبل مكتب المفوضية”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية