مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

3 قوى إقليمية قد تـرث “الرجل العربي المريض”

الرئيس التركي عبد الله غول يستقبل محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية في أنقرة يوم 7 فبراير 2009 AFP

هل بات العرب فعلا "رجل العالم المريض"، كما كانت تلقب الدولة العثمانية في أواخر القرن التاسع عشر أو "الرجل التّـائه" بعد أن حمَـل اليهود هذا اللّـقب طيلة نيف وألفي سنة؟ هذا السؤال ليس افتراضياً أوعاطفيا، بل هو حضاري - استراتيجي ومن الطِّـراز الأول أيضاً، لأنه يتساوق مع تطورين تاريخيين إثنين:

الأول، بدء تبلور نظام عالمي جديد سيحُـل مكان النظام أحادي القطبية الرّاهن، يستند إلى كلّ من مجموعة “البريك” (أي الصين، الهند، البرازيل، وروسيا) ومجموعة العشرين، هذا النظام الصّاعد الذي اعترف به الرئيس الأمريكي أوباما في خِـطاب القسم، سيؤدّي إلى بروز دور كبير للقوى الإقليمية في مناطقها الجغرافية، خاصة بعد أن يبدأ النفوذ الأمريكي، كما هو متوقّـع، بالانحِـسار النِّـسبي في هذه المناطق.

والثاني، تواصل سقوط النظام الإقليمي العربي في الوقت نفسه الذي تصعد فيها إيران وتركيا وإسرائيل بوصفها القوة الإقليمية الصاعدة المرشحة لوراثة “الرجل العربي المريض” في الشرق الأوسط، وبالطبع، هذا التطور سيتطابق في نتائجه ومحصِّـلاته مع نشوء النظام العالمي الجديد.

علائم انهيار أو على الأقل تآكل، الدّور العربي في الشرق الأوسط (والتاريخ) بدت بوضوح خلال حرب غزّة وما تخلّـلها من “كوكتيل القِـمم”، التي شهدتها المنطقة العربية.

فقد كرّست كلّ من الحرب والقِـمم وفي شكل غير مسبوق، انفجار النِّـظام الإقليمي العربي الذي نشأ بُعَـيد الحرب العالمية الثانية وحوّلته إلى رُكام.

صحيح أن أحداث هزيمة 1967 ثم الغزو العراقي للكويت وبعده الغزو الأمريكي للعراق، وجّهت ضربات عنيفة إلى هذا النظام، إلا أنها لم تقتُـله، فبقت الجامعة العربية جامعة وبقيت القمم العربية الدورية، كما بقيت الجهود منصبة على محاولات إعادة شكل من أشكال التضامن العربي، لكن الآن، وبعد “كوكتيل” القِـمم التي غاب عن أحدها (الدوحة) القوّتان الإقليميتان الرئيسيتان، مصر والسعودية، وحضرها القوتان الإقليمتيان غير العربيتين، إيران وتركيا؛ وبعد الانقسام العربي الخطير حول الموقف من الحرب الإسرائيلية في غزة، بات في الوسع الحديث عن مرحلة “ما بعد النظام العربي”.

إيران وتركيا

السِّـمة الرئيسية لهذه المرحلة، هي الدخول القوي لتركيا وإيران على خطّ “وراثة” النظام العربي جنباً إلى جنب أو بالأحرى بالتنافس مع القوة الإقليمية الثالثة، إسرائيل، كل من هذه القوى الثلاث يتحرّك وِفق مشروعه الخاص، لكنها تشترك في تقاسُـم النفوذ في العديد من الدول العربية.

فجنوب العراق على سبيل المثال، وقع في دائرة النفوذ الإيراني، فيما شماله يشهد وجوداً تركياًً (اقتصادياً وعسكرياً) قوياً، وحيوية أمنية واستخباراتية إسرائيلية لا تقل قوة.

وسوريا تجِـد نفسها في الحُـضن الإيراني، في الوقت نفسه الذي تُـغازل فيه تركيا وتجهد لتجنّب الاختراقات الإسرائيلية لها، ولبنان ساحة مفتوحة لكلّ هذه القِـوى مُـجتمعة، مع أرجحية كاسحة لإيران.

ثم هناك فلسطين، التي عُقدت باسمها قمة الدوحة العربية والتي كان نجماها السّاطعان، الرئيس أحمدي نجاد ورئيس الوزراء أردوغان، وليس أحد زعيم عربي.

أما منطقة الخليج، فلا يزال مصيرها معلّـقاً بانتظار حصيلة الصِّـراعات الإيرانية والتركية والإسرائيلية في العراق، إضافة إلى نتائج شدّ الحبال بين إيران وأمريكا.

.. والحروب الأهلية

هذا الانهيار العربي لم يكُـن لِـيحدُث لولا الحروب الأهلية العربية المستعرة بين الدّول العربية وفي داخل هذه الدول نفسها.

أبرز علائم هذه الحرب، كانت الحملات العنيفة المتبادلة حول دور مصر خلال حرب غزّة. فلم يكن بسيطاً أن يدعو زعيم حزب الله السيد حسن نصر الله القوات المسلحة المصرية إلى الثورة ولا هو تفصيل أن تعتبر القاهرة هذه الدعوة بمثابة “إعلان حرب” عليها من جانب إيران – سوريا. بيد أن هذا ليس كل شيء.

فالمحور الإيراني – السوري اتّـهم المحور المصري – السعودي بالتواطُـؤ مع الدولة العِـبرية لتصفية حليفه الحماسي في فلسطين، كما سبق أن اتّـهمه عام 2006 بتغطية الهجوم الإسرائيلي على لبنان لتصفية حليفه الآخر حزب الله.

وفي الوقت نفسه تستمرّ الحرب الأهلية، تارة باردة وطوراً ساخنة، بين منظمات الإسلام السياسي وبين بعض الأنظمة العربية، من دون أن يبدو في الأفُـق أن ثمّـة مخرجاً ديمقراطياً ما لهذا المأزق: فلا الأنظمة في وارد الاحتكام إلى سلطة الشعب لتقرير مصير الجميع، ولا المنظمات أوحت أنها يُـمكن أن ترضخ لقوانين اللعبة الديمقراطية التي تفترض القبول بالآخر، كما هو (حتى ولو كان غير مؤمن) كشريك مضارب في هذه اللعبة.

ثم تأتي العوامل الإقليمية والدولية لتصُـب المزيد من الزّيت على نار هذه الحروب الأهلية. فتعّثر التدخّـل الأمريكي في العراق وقبله في أفغانستان، أسفر عن ميزان قوى رجراج في الشرق الأوسط مكّن إيران وبعض المنظمات الإسلامية من الانتقال من الدّفاع إلى الهجوم، كما أن رفض إسرائيل الدّائم لعروض السلام التي يقدّمها منذ عام 2002 “محور الاعتدال” العربي، مكّـن هو أيضا المِـحور الآخر من تعزيز وبلورة منطق المقاومة ومن مواصلة صعوده المستمر منذ عام 2006.

ثم جاءت الحرب الإسرائيلية في غزّة لتُـضيف فصلاً آخر على هذه الحروب الأهلية، لكنه فصل خطير هذه المرّة، لأنه استهدف كأمر واقع تغيير الأنظمة، خاصة في مصر، وهذا ما لم يحدث في حرب لبنان 2006، حيث اكتفت أطراف الحروب الأهلية آنذاك بتبادل اتِّـهامات التواطُـؤ والمغامرة، من دون الدّعوة إلى تغيير الأمر الواقع الراهن.

يفترض أن تكون واضحة: الحروب الأهلية العربية والإسلامية ستتكثّف كلها (حتى الآن على الأقل) في فلسطين، وبدلاً من أن تكون فلسطين وإنقاذها هي الهدف، ستصبح هي الوسيلة لتصفية الحسابات وتغيير موازين القوى.

هذه الحمّـى الانشطارية العربية اللاّهبة تذكِّـرنا تاريخياً بحمّى مشابهة سرت في أوصال الشرق الأوسط العربي – الإسلامي عشية نهاية النظام الإقليمي – الإمبراطوري العُـثماني في أوائل القرن العشرين، وبداية النظام الإقليمي – الإمبراطوري البريطاني الفرنسي، والتّـشابه يتجلّى في مجالات عدّة في آن.

فعلى الصعيد الدولي، سقطت في أوائل القرن العشرين إمبراطوريات عُـظمى إثر حرب مدمّرة وحلّـت مكانها إمبراطوريات أخرى قديمة وجديدة. وفي أواخر ذلك القرن، سقطت الإمبراطورية السوفييتية وصعد نجم الإمبراطورية الأمريكية.

وكما كان يحدُث في كلّ التاريخ غَـداة التحوّلات الدرامية، أدت الانقلابات الدولية إلى انقلابات إقليمية، وهكذا انتهى عصر النظام الإقليمي العثماني في الشرق الأوسط وأقِـيم مكانه النظام الإقليمي البريطاني – الفرنسي، في إطار إتفاقيات سايكس – بيكو. والآن، يجري التّـمهيد لإقامة نظام إقليمي جديد في المنطقة متطابِـق مع طبيعة النظام العالمي الجديد.

وعلى الصعيد الأيديولوجي، أدّت هزيمة تركيا إلى سقوط فِـكرة الأمة العثمانية الجامعة، التي بذَلت إسطنبول جهوداً مُـضنية طيلة قرنين، لجعلها بديلا عن الأفكار القومية المحلية الصاعدة، والآن، تبذل جُهودا مماثلة لإحلال الفِـكرة الشرق أوسطية والنظام الشرق أوسطي (بطبعتيهما الإسلامية غير العربية واليهودية)، مكان فكرة الأمة العربية والنظام الإقليمي العربي.

وماذا أيضا؟ هناك التّـشابه الأهم: الأمة العثمانية أطلق عليها منذ القرن التاسع عشر إسم “رجل أوروبا المريض”، والآن، يُـطلق على الأمة العربية التسمية نفسها، لكن مع شمولية أكبر: “رجل العالم المريض”.

مشروع قتل

ماذا تنوي القِـوى الإقليمية والغرب أن تفعل بهذا المريض؟ قتله أم التلاعب بجيناته مع الإبقاء على تركيبته العامة؟

كل الدلائل تُـشير إلى أن اليد العُـليا هي لمشروع القتل، وهذه تتّـضح أول ما يتّـضح في التمهيد لإعلان الوفاة السريرية لجامعة الدول العربية، التي كانت طيلة نصف القرن، التعبير الرمزي عن وجود النظام الإقليمي العربي.

والحال، أن النظام الإقليمي العربي، الذي نشأ في أربعينات القرن العشرين والذي كانت الجامعة العربية الممثِّـل المؤسساتي الأبرز له (إلى جانب “مؤسسة” القمّة العربية)، كان يعاني أصلاً من مرض عُـضال منذ اتفاقات كامب ديفيد عام 1979، ثم الغزو العراقي للكويت عام 1990، وعودة هذا النظام إلى العمل، بعد عودة مصر إلى الصف العربي، كانت أشبَـه بتحريك جُـثة هامِـدة ثمّ الادِّعاء بأن الرّوح عادت إليها. لماذا؟
لأن الأفكار المؤسِّسة الرئيسية للنظام، وأهمّها الأمن المشترك والتضامن القومي، أصِـيبت بضربة قاسية خلخلت أسُسَـها. فالأمن القومي المشترك انقلَـب إلى شُـكوك قومية مُـشتركة، تتباين فيها النظرة إلى العدو كما إلى مصادر الخطر كما إلى وسائل تحقيق الأمن في كل دولة عربية. ثم جاء التَّـتويج الأكبر لتهاوي النظام الإقليمي مع تحّول بعض الدول القومية الثورية الرّافعة لشِـعارات الوِحدة في العراق وسوريا واليمن الجنوبي والجزائر، إلى ألدّ أعداء الاتِّـحاد القومي العربي وإلى أشرس القِـوى المُـناهضة لبناء كِـيانٍ قومي يتجاوز سُـلطات وحدود ومصالح الدّول القُـطرية.

والآن، الأنشوطة الشرق أوسطية تضيق رُويدا رُويدا حول عُـنق الفكرة العربية، وهي ستستكمل إحكام الخِـناق عليها في وقت قريب.

رُبَّ قائلٍ هنا أن مثل هذا الخوف على الهوية العربية (والخوف من الشرق أوسطية) مبالَـغ فيه ونابِـع من مشاعر شوفينية أو إنغلاق قومي عربي، وهذا افتراض كان يُـمكن أن يكون صحيحا لو أن الأتراك أو الإسرائيليين والإيرانيين، وهم الأطراف الأخرى في لعبة الرّقصة الإقليمية، سيدخلون الحمّـام الشرق أوسطي وهُـم مجرّدون من كل أردِيتهم القومية.

لكن هذا، كما يعرِف الجميع، ليس واقِـع الحال. فالأتراك، سواء بالعِـلمانية أو الإسلام، يزدادون تركية، كما الإيرانيين إيرانية، كما اليهود صهيونية. وحدهم العرب مطالبون بالوقوف عارين في بلاط النظام الإقليمي الجديد، الذي يكاد يولد الآن، ووحدهم العرب سيدفعون من جَـيب هويتهم الخاصّ ثمن الهوية الشرق أوسطية الجديدة، وأول غيثِ هذه الأثمان، بدْء تقسيم المنطقة العربية إلى ثنائيات جديدة متصارعة.

فقد بات هناك أولا “الدّول الصغيرة”، التي تتبنى السياسات الأمريكية وتقف في وجه “الدّول الكبيرة” العربية المقاومة لها، وبات هناك ثانيا، المشرق والمغرب، اللذين بدءا بالتّـباعد وكأنهما كتلة جيولوجية شطرهما زلزال عظيم إلى شطرين، وهناك ثالثاً، الدول العربية الملتزمة بالحداثة والتطوير، على الأقل على الصعيد الثقافي والفكري، والدول التقليدية والمحافظة، ثم هناك أو سيكون هناك قريباً، الدول العربية الإفريقية والدول العربية الآسيوية. (الأمير الأردني الحسن، يدعو الآن إلى تبني مفهوم “إقليم غرب آسيا”).

بيد أن التقسيمات لن تتوقّـف عند هذا المنحى الأفقي. ثمّـة احتمال كبير بأن تكون عمودية أيضا، إذا ما تطلّـب الأمر، وهذا قد يعني تقسيم بعض الدّول العربية إلى دويلات، في الغالب وِفق أسُـس طائفية وقبلية أو حتى إثنية.

أمريكا وأوروبا تكرِّسان الآن هذا المنحى العام. فهما تتعاطيان مع المنطقة العربية بالمفرّق لا بالجملة، وهما تركِّـزان على تطويرات اقتصادية واجتماعية هامشية في كل بلد عربي على حِـدة وتغفلان الموضوع الرئيسي، وهو حاجة هذه المنطقة الى تطوير سوق عربي إقليمي كبير قادر على المنافسة والاستمرار في صِـراع البقاء الاقتصادي الدولي، وهذه بالطبع، لم تكن صُـدفة أو سقطة فكرية.

فأمريكا، وربما أوروبا أيضا، لا تزال تعتبِـر التوحّـد العربي، الخطر الاستراتيجي الرئيسي عليها، كما أنها لا تزال تطل على هذه الرّقعة الحضارية العريقة من العالم، بصفتها مجرّد كمّ جغرافي – بشري مُـلقى على ضفّـتيْ نهر التاريخ: الضفّة الأولى تحتوي على النفط، والضفة الثانية تعسكر فيها إسرائيل.

وبالتالي، كل ما هو مطلوب، غربيا، مند الشعوب العربية، هو مواصلة خِـدمة صنابير النفط وإستخدام أمواله لاستهلاك السِّـلع الغربية، لا لتطوير التكنولوجيا والعلوم العربية، وأيضا قبول الحالة الإسرائيلية كامتداد للهيمنة الغربية في الشرق الأوسط.

أما بالنسبة إلى القِـوى الإقليمية الإيرانية والتركية والإسرائيلية المتنافسة، فإن ما تريده أكثر وضوحاً:

إيران تسعى إلى أمريْـن في آن: لعب دور الزّعامة الإسلامية في المشرق العربي والعالم عبر مدخل الصِّراع الإيديولوجي والأمني مع القوّة الإقليمية الإسرائيلية المُـسيطرة والتوصّل في الوقت نفسه إلى اتفاقات مع أمريكا، تضمن أمن نظامها ومجال نفوذها الحيوي.

وتركيا، عبر فلسفة “العثمانية الجديدة”، تسعى هي الأخرى إلى استعادة نفوذها الإمبراطوري (وإن يكن غير الإمبريالي) في المنطقة العربية من جهة، وإلى استخدام هذا النفوذ كورقة تفاوض مع الغرب الأوروبي بوصفها بوّابة العالم الإسلامي ونَـموذجه الإسلامي الديمقراطي.

أما إسرائيل، فهي كانت ولا تزال تسعى لأن تكون القوّة الإقليمية الوحيدة المُـهمينة على كل الشرق الأوسط الكبير.

حتى الآن، لا تزال هذه القِـوى الثلاث، إما في مرحلة الصِّـدام العنيف عبْـر الحروب بالواسطة (إيران وإسرائيل) أو عبر التنافس السِّـلمي (تركيا – إسرائيل وتركيا – إيران) لتحقيق مشاريعها، لكن، في وقت ما، قد تجد هذه القِـوى مصلحة في تشكيل نظام إقليمي جديد تتشاطر فيه مناطق النّفوذ أو تتعايش في إطاره في شكل سِـلمي، وهذا أمر يُـمكن أن يتحقّـق سريعاً، إذا ما أدّت الأزمة الاقتصادية الامريكية الرّاهنة إلى انحسار سياسي أمريكي كبير (وإن مؤقّـت) في الشرق الأوسط، الأمر الذي سيُـعطي هذه القِـوى حرية حركة غير مسبوقة.

هذه المُـعطيات في كل من تركيا وإيران وإسرائيل، وهي العناصر الرئيسية التي تشكـل مع العرب بنية إقليم الشرق الأوسط، توضِّـح بعض جوانب الدِّيناميات التي تجري في المنطقة، وهي ديناميات تُـشير إلى أن الصِّـراعات الإقليمية هي في العُـمق صراعات قومية، وإلى أن الهدف هو احتلال موقع، سواء أكان مُـهيمناً أو متساوياً مع الآخرين في نظام الشرق الأوسط، الذي يُـفترض أن يرث النِّـظام الإقليمي العربي.

أي مخرج؟

أين العرب من كلّ هذه الديناميات، وهل ثمّـة مخرج ما من هذه النهاية المُـحزنة لدور العرب في التاريخ؟

قبل محاولة الإجابة، تذكير بأن ما يحدث للعرب الآن يبدو بديهياً للغاية ومنطقياً للغاية، إنه في الواقع محصِّـلة وليس سبَـباً.

محصلة ماذا؟ فشل العرب أولاً في تأسيس الدولة – الأمّة الموحّدة ونجاح الإيرانيين والأتراك، وإلى حدّ ما اليهود في ذلك، هذا ما يعطي الآن القوى الإقليمية الثلاث، إيران وتركيا وإسرائيل، القدرة على صياغة مشاريعها الخارجية الخاصة لمستقبل الشرق الأوسط، فيما الأمة العربية عاجِـزة حتى عن ضبط سياساتها الداخلية.

وفشلهم (العرب) ثانياً في تعويض عجزهم عن إقامة الدولة – الأمة العربية عبر بلورة سيناريوهات أخرى تستبدل الوحدة بحدٍّ أدنى من التنسيق والتضامن، والدولة – الأمة المحاربة بأمّة في سلام مع نفسها داخل أطرها الكيانية.

ثم لا يجب أن ننسى أيضاً أن العرب يتعرّضون بالفعل منذ عهد محمد علي باشا (في النصف الأول من القرن التاسع عشر) وحتى الآن إلى عمليات ضرب وتدمير وإنهاك لم يتعرّض إلى مستويات عنفها الشديد سوى اليهود في تاريخهم القديم والصينيون في القرن التاسع عشر والأرمن في بداية القرن العشرين.

مصر، وبسبب موقعها المحوري في قلب الأمة العربية، قُـدّر لها أن تتلقّـى الكمّ الأكبر من الضّربات واللّـكمات على امتداد القرنين الماضيين، وقد وصلت هذه الضّربات إلى ذِروتها مرّتين: مرّة حين تكاتفت الدّول الكبرى الأوروبية لتحويل شِـبه إمبراطورية إبراهيم باشا إلى شِـبه مستعمرة بريطانية، ومرّة أخرى، حين دمّـرت هذه الدّول “إمبراطورية” جمال عبد الناصر القومية العربية، ثم قلبتها إلى “غيتو” يُحظر على مصر مغادرته حتى إلى عُـمقها الجغرافي الحيوي في السودان.

كل هذه الوقائع، مضافاً إليها عوامل ذاتية عدّة، أسفرت عما نشهده الآن من انحسار كبير للدّور العربي ومن تقدّم أكبر للأدوار الإيرانية والتركية واليهودية في صياغة مستقبل الشرق الأوسط، لكن هذه قد لا تكون بالضرورة نهاية المطاف بالنسبة إلى العرب لأسباب عدة.

ففي المدى المنظور على الأقل، لن يكون وارداً أن تتّـفق القوى الإقليمية الأخرى، خاصة إيران وإسرائيل، لا بل وحتى تركيا وإيران، على تقاسم النفوذ في نظام إقليمي شرق أوسطي جديد، وهذا ما يجعل العرب، موضوعياً، قادرين على تجنّـب أن يُـوضعوا على لائحة طعام الولِـيمة الإقليمية الجديدة.

والديموغرافيا سبب آخر: فالعرب سيصبحون قريباً 350 مليوناً، أي ضعف الشعوب الإيرانية والتركية واليهودية مجتمعة. وبالطبع، لن يكون في الوسع إقامة نظام إقليمي جديد مع شطب هذه الكُـتلة السكانية الضخمة من مكوناته. لكن، وعلى الرغم من هذه المعطيات الإيجابية، ينبغي على العرب الإعتراف بأن نظامهم الإقليمي قد إنهار وأن أفضل ما يُـمكن أن يقوموا به الآن، ليس الرفض أوالاستسلام، بل بلورة أفكار جديدة حول نظام إقليمي جديد يكون أكثر تنوّعاً وشمولاً.

كيف؟ أساساً عبر التذكـّر بأن إيران الحالية دولة إسلامية لا قوة قُـورَشِـية فارسية، وأن تركيا هي الأخرى دولة إسلامية ديمقراطية، لا إمبراطورية بيزَنطية أو حتى سلطنة عثمانية، وبالتالي، ثمّـة – برأي عدد من المحللين والمراقبين – فرصة حقيقية لتأسيس شرق أوسط عربي – إسلامي جديد، تنضم إليه الجمهوريات الإسلامية “التركية – الفارسية” الستّ في آسيا الوسطى وتُـستعبد منه إسرائيل الصهيونية، لكن هذا حديث الغد، أما أحاديث اليوم، فتتعلق كلها بديناميات ومخططات ومستتْـبعات وراثة “الرّجل العربي المريض”.

سعد محيو- بيروت

(رويترز) – أفاد التقرير السنوي الذي تصدره وزارة الخارجية الأمريكية عن حالة حقوق الانسان في العالم والذي نشر يوم الاربعاء 25 فبراير 2009 بأن حقوق الانسان في كثير من بلدان الشرق الأوسط ظلت تحت الحصار في عام 2008. وفيما يلي ملخص لبعض النتائج التي انتهى اليها في المنطقة:

العراق

تحسن الوضع الأمني في العراق الى حد كبير في عام 2008 حيث تراجع عدد القتلى في صفوف المدنيين بنسبة 72 في المئة وفرضت قوات الامن العراقية سيطرتها على مناطق أكبر من البلاد وتخلت الميليشيات المستقلة عن ممارسة العنف ضد العراقيين. ولكن استمرار العنف والفساد والخلل التنظيمي قوض قدرة الحكومة على حماية حقوق الانسان.

ايران

تدهور سجل حكومة ايران في حقوق الانسان السيء أصلا مع فرض قيود صارمة على حرية التعبير والاجتماع والحرية الدينية فيما استمر الفساد الرسمي. وفرضت الحكومة قيودا على الانتخابات الحرة والنزيهة ونفذت أحكاما بالاعدام بعد محاكمات غير عادلة. واحتجزت قوات الامن الافراد بطريقة تعسفية وتورطت في التعذيب وأعمال قتل يغير سند قانوني وتطبق الحكومة عقوبات قاسية من بينها الموت رجما وبتر الاطراف والجلد.

السعودية

استمرت الحكومة في تقييد حرية التعبير والاجتماع والحرية الدينية وظل النظام القضائي غير شفاف ولم يتمتع المواطنون بالحق في تغيير حكومتهم. وظل العنف ضد المرأة والتمييز على أساس النوع شائعا وعملت الشرطة الدينية دون خوف من العقاب. ولكن المعلومات عن الفساد الحكومي أصبحت متاحة على نحو متزايد.

مصر

ما زال احترام الحكومة لحقوق الانسان ضعيفا واستمرت الانتهاكات الجسيمة واعتقلت قوات الامن مواطنين اعتقالا تعسفيا وعذبتهم وأساءت معاملتهم مع إفلات من العقاب في معظم الحالات. وتراجع احترام الحكومة لحرية الصحافة وحرية تكوين جمعيات والحرية الدينية. واستمر الفساد.

إسرائيل والاراضي المحتلة

احترمت الحكومة بشكل عام حقوق مواطنيها على الرغم من استمرار التمييز ضد العرب واليهود غير الارثوذكس والمجموعات الدينية الاخرى. وأبقت الحكومة على نظامي تعليم غير متكافئين لكل من الطلاب اليهود والعرب.

سوريا

ساء احترام الحكومة لحقوق الانسان واستمرت في ارتكاب انتهاكات جسيمة. واعتقلت قوات الامن مواطنين بصورة تعسفية وعذبتهم وفرضت قيودا شديدة على حرية التعبير وحرية الصحافة وحرية الاجتماع في ظل مناخ من الفساد الحكومي. وفي ظل من مناخ الإفلات من العقاب كانت هناك حالات للحرمان من الحق في الحياة بطريقة تعسفية أو غير مشروعة.

الاردن

احترمت الحكومة حقوق الانسان في بعض المجالات ولكن سجلها العام ظل يعكس مشاكل. وسجلت جماعات مستقلة تدافع عن حقوق الانسان حالات للتعذيب والاعتقال التعسفي وظلت العملية الواجب اتباعها مشكوك فيها. وتحرشت الحكومة بالنشطاء وأعضاء أحزاب المعارضة وفرضت قيودا بدرحات متباينة على حرية التعبير والاجتماع والصحافة.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 25 فبراير 2009)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية