مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

3 “عفاريت” أمام القمة العربية!

القمة العربية: هل ستعقد في موعدها في بيروت أم لا؟ السؤال لا زال قائما. Keystone

".. وهل ستعقد القمة العربية حقا؟". بدا ان المسؤول الرسمي اللبناني البارز، المكلف بالتحضير لمؤتمر القمة العربية في بيروت في الـ 27 و28 من مارس-آذار المقبل، لم يفاجأ كثيرا بهذا السؤال الذي طرحته عليه "سويس انفو". إذ أنه سارع الى القول "اننا نتصرف ونعمل على أساس ان القمة ستعقد في المكان والزمان المحددين. لكن الباقي على الله"..

يعتقد الكثيرون في الشرق الاوسط ان القمة في حاجة بالفعل الى “تدخل إلهي” ما! فمنذ شهرين والشكوك والشائعات والهمسات من وراء الكواليس، توحي وان القمة على كف سلسلة من العفاريت دفعة واحدة وليس فقط العفريت الاسرائيلي.

ويلخّص مصدر دبلوماسي أوروبي لـ “سويس أنفو” هذه “العفاريت” على النحو الاتي:

– خشية الملوك والرؤساء العرب من ان يتعرضوا الى ضغوط أميركية قوية خلال القمة على جبهتين اثنتين: الاولى، اتخاذ موقف واضح وصريح ضد من تعتبرهم الولايات المتحدة منظمات ارهابية، وهي “حماس” و”الجهاد” و”حزب الله”، وفي الوقت ذاته التقدم بمبادرة جماعية لـ”أرضاء الاغلبية الصامتة في اسرائيل” ( على حد تعبير المصدر) تعرض الاعتراف العربي الجماعي بالدولة العبرية، مقابل اعتراف اسرائيل بـ “دولة فلسطينية ما” وفق الاسس التي اقترحها بيل كلينتون وايهودا باراك.

اما الجبهة الثانية، فهي ضغوط أميركية أخرى لمنع القمة من اتخاذ اي موقف ذي معنى، يعارض الحرب الاميركية الوشيكة ضد العراق.

وثالثا فان خروج القمة بأية قرارات تشتم منها الشعوب العربية رائحة تنازلات جديدة لاميركا واسرائيل، سيسفر لا محالة عن دفع الشارع العربي الى اشكال جديدة من التطرف او التمرد على حكوماته وانظمته.

وجدير بالذكر هنا ان استطلاعات الرأي الاخيرة أشارت الى ان نصف الشعب السعودي يؤيد أسامة بن لادن، فيما نصفه الاخر يعرب عن كراهيته الشديدة ليس فقط لاسرائيل بل ايضا للولايات المتحدة. هذا في حين اوضح مروان بشارة، أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة الاميركية في باريس، انه لاحظ خلال زيارة أخيرة للقاهرة ان المصريين “استبدلوا روح النكتة لديهم، بروح الغضب الشديد الخارج عن السيطرة ضد الولايات المتحدة”.

وضغوط غير مسبوقة من معارضة شعبية..

ثم ثمة “عفريت” ثالث لا يقل اهمية. فهناك الان اطراف معارضة وشعبية عربية عدة تنشط بكثافة هذه الايام لمواكبة القمة العربية المقررة، بحملة سياسية لم يسبق لها مثيل لعرض مطالب الشعوب العربية على الملوك والرؤساء.

وقد حصلت “سويس أنفو” على مسودة بيان اعدته سبعة اطراف سياسية عربية بارزة سيعرض خلال ايام للتوقيع على النخب في كل المنطقة تضمن المطالب والنقاط الاتية:

“أولا: ان ضرب الانتفاضة واقتلاع السلطة الفلسطينية، عبر الاتفاق الأميركي–الإسرائيلي على مساواة المقاومة المشروعة بالإرهاب المرفوض، هما حلقة من سلسلة حلقات لإعادة رسم خارطة المنطقة العربية. وبالتالي فإن دعم الشعب الفلسطيني الكامل، والمبادرة إلى الاعتراف بدولة فلسطينية وفق الشروط العربية المستندة إلى القرارات الدولية ثم تحديد مواقفنا من دول العالم استناداً إلى ذلك، يعتبر مسؤولية قومية عليا كما هو مصلحة استراتيجية عربية عليا مشتركة.

كذلك، فان الحرب المحتملة على العراق تحمل تهديدات تفتيتية مماثلة لتلك الموجودة في فلسطين وتفرض، بالتالي، مواقف قومية واستراتيجية واضحة وقوية إلى جانب الشعب العراقي والهوية الوطنية العراقية. ولعله من الضروري هنا التشديد على أن وجود القوات الأجنبية في بلادنا، لا يفعل شيئاً سوى المزيد من إضعاف الموقف العربي وإلحاق الضرر بالكرامة العربية. ولذا نطالب بقوة بانسحاب كل القوات الأجنبية من أراضينا.

ثانيا: إن أحد أهم أسباب العجز الذي يعيشه النظام الرسمي العربي هو الهوة السحيقة التي تفصله عن الشعوب. إن القمع المزمن والمتمادي، والمتعدد الأساليب والأشكال الذي يمارسه النظام الرسمي عموماً وبما خلفه من حالة ركود وتمزق، يشكل العامل الأساسي في إضعاف الأمة العربية، بل والنظام الرسمي نفسه. لذلك نرى ضرورة عرض هذه المشكلة في قمتكم المرتقبة بجدية وصراحة كاملتين، واتخاذ القرارات الجماعية لرفع حالة المصادرة والقهر عن الشعب العربي. إن حالة الطوارئ المعلنة وغير المعلنة يجب أن ترفع فوراً وأن تجري إدانتها والإقلاع عن ممارستها. وإذا كان من الملح إدانة إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل ضد شعبنا الفلسطيني فإنه من باب أولى يجب إدانة إرهاب الدولة الذي يمارسه النظام الرسمي العربي ضد شعوبه.

ثالثا: إن أهمية التكامل الاقتصادي بين الدول العربية لم تكن خافية في السابق، وهي اليوم في مرحلة “العولمة” ترتقي إلى مستوى أقصى من الضرورة، ومن دونها تصير الكيانات العربية –القائمة والمحتملة– إلى مزيد من التبعية والتهميش، وتتحول إلى مجرد محميات وأسواق استهلاكية للسلع والخدمات الوافدة. إن عدم تحقيق هذا الهدف كان مرده الأساسي غياب الإرادة السياسية المستقلة لدى النظام الرسمي العربي قبل أي سبب آخر. وإذا كانت القمم السابقة قد كررت غير مرة الوعد بالعمل على تحقيق التكامل الاقتصادي، فإن القمة المقبلة مطالبة بما هو أكثر من الوعد، أي باتخاذ القرار السياسي الواضح والبدء بتنفيذ الآليات اللازمة. ولا تفوتنا الإشارة إلى أن إسرائيل ترصد مبلغاً يزيد عن أربعة مليارات دولار سنوياً من أجل تطوير البحث العلمي، وهو مبلغ يفوق ما تنفقه الدول العربية كلها في هذا المجال.

إن الشعوب العربية تطالب أولاً وأساساً باستثمار الأرصدة العربية الموجودة في الخارج، والتي تقدر بتريليون دولار، في مشاريع زراعية وصناعية وتكنولوجية عربية، وبتفعيل التجارة البينية بين الدول العربية واتخاذ خطوات حقيقية نحو السوق العربية المشتركة. فليس من المعقول ولا من الحق أن تعوم الأمة العربية على بحر من الثروات، فيما غالبية مواطنيها غارقون في لجج الفقر والأمية والعوز” (آنتهى الاقتباس من البيان الذي سيوجه إلى القادة والزعماء العرب).

صلوات مزدوجة

هذه العفاريت الثلاثة، أي الضغوط الاميركية الشديدة، وضغوط الشارع العربي، وبدء تبلور معارضة ديموقراطية عربية حقيقية للانظمة الكليانية (التوتاليتارية) العربية، تدفع بعض الملوك والرؤساء العرب الى تمني تأجيل او حتى الغاء القمة، فيما تحفز البعض الاخر على العمل لـ “خلق” المبررات الكفيلة بتحقيق التأجيل او الالغاء.

لكن هل تنجح هذه المحاولات ؟.

احداث مفاجئة كثيرة قد تحدث بالفعل خلال المدة التي تفصلنا عن موعد السابع والعشرين من مارس – آذار. وهذا ما يتمناه غالبية الملوك والرؤساء ويطلقون بسببه الدعوات الى السماء كي تدعمهم “العناية الالهية” في هذا المسعى. بيد ان هذه العناية الالهية قد تتلقى دعوات اقوى من جانب آخر: من الشعوب العربية، التي يقال في الشرق الاوسط ان ارادتها هي من إرادة الله!.

سعد محيو – بيروت

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية