مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

35 عـامـا.. مع أطـفـال المـغرب

swissinfo.ch

منذ انطلاق مسيرتها في المغرب عام 1968، نجحت منظمة "أرض البشر" السويسرية في تحقيق جملة من الإنجازات في المجال الصحي وكسر بعض المحرمات في المجال الإجتماعي.

ويتميز عمل المنظمة غير الحكومية المعنية بحماية حقوق الطفل بتمرير المشعل للشركاء المحليين. سويس انفو التقت بمندوب “أرض البشر” بالدار البيضاء وأبرز مساعديه.

انطلق مشوار منظمة “أرض البشر” السويسرية في المغرب عام 1968 بإنجاز مشاريع في المجال الصحي، حيث قامت آنذاك وإلى بداية السبعينات، بتنظيم رحلات إلى الخارج من أجل خضوع أطفال مصابين بأمراض القلب لعمليات جراحية لم يكن بالإمكان إجراؤها في المغرب.

وبعد مضي عشرة أعوام، أقامت مندوبية المنظمة في المغرب مشروعا لـتقويم اعوجاج الأعضاء بهدف التكفل بالعمليات الجراحية، وتوفير الأعضاء الإصطناعية وتركيبها، ومتابعة الحالة الصحية للأطفال الذين كانوا يعانون من أمراض مثل الشلل.

وفي هذا السياق، أوضح السيد جيرار غزافيي، مندوب “أرض البشر” في المغرب -في لقاء أجرته معه “سويس انفو” بالمقر الرئيسي للمندوبية في الدار البيضاء- أن “أرض البشر” أنشأت ثلاثة مراكز لتقويم اعوجاج الأعضاء، وكونت عددا كبيرا من تقنيي وصانعي الأحذية الطبية والموظفين المحليين. وأضاف السيد غزافيي أن “أرض البشر” تمكنت إلى بداية التسعينات من إجراء عمليات جراحية لـ2200 طفلا، سواء في المغرب أو في الخارج.

الطلبات كثيرة والإمكانيات قليلة

من ناحيتها، ذكـّرت السيدة لطيفة أوزهرو، المسؤولة عن المشروع الطبي الإجتماعي لـ”أرض البشر” في الدار البيضاء -الذي يُعنى بالمشاكل الصحية للأطفال وخاصة المصابين بأمراض القلب- أن “أرض البشر” كانت من أولى الجمعيات في المغرب التي تكفلت بمرضى القلب تحديدا. إذ تخصصت في مرحلة أولى بالأطفال الذين يعانون من أمراض القلب الخلقية أو أمراض القلب الروماتيزمية.

وشددت السيدة أوزهرو، التي التحقت بـ”أرض البشر” عام 1992، على أن “أرض البشر” كانت سباقة في هذا المجال وساهمت في إنقاذ مئات الأطفال من الموت بتوفير العلاج لهم خارج البلاد.

وبعد التطور الذي شهده الميدان الطبي في المغرب، والذي بات يتيح إجراء عمليات القلب الروماتيزمية في مستشفيات البلاد، تخصصت “أرض البشر” في أمراض القلب الخلقية التي مازالت تتطلب إرسال الأطفال إلى الخارج. لكنها واصلت الإشراف على عدد من العمليات التي لم يعد المغرب في حاجة إلى أوروبا لإجراءها.

وبحكم مشوارها الطويل في مساعدة الأطفال المرضى بالقلب في المغرب والصيت الذي اكتسبه على مدى 35 عاما، تتوصل مكاتب “أرض البشر” في كل من الدار البيضاء والرباط وأغادير بمئات طلبات الإغاثة من مختلف أنحاء البلاد، سواء من أسر الأطفال التي تقرع باب الجمعية أو الأطباء والمستشفيات التي توجه المرضى إلى المسؤولين في “أرض البشر”. وهنا تدرك الجمعية مدى صعوبة الاستجابة لكافة الطلبات، ومنها المئات التي مازالت على لائحة الانتظار من بينها حالات ملحة. فالطلبات كثيرة لكن الإمكانيات قليلة.

وتشير السيدة أوزهرو بهذا الشأن إلى أن المساعدات الرئيسية التي تتلقاها “أرض البشر” تأتي من مقر المنظمة السويسرية في لوزان. فيما تتطوع بعض المستشفيات والأطباء بتقديم خدمات مجانية للمساهمة في علاج أطفال “أرض البشر”.

وقد حرص السيد غزافيي على التذكير بأن “أرض البشر” مدعومة أيضا من قبل السفارة السويسرية في الرباط التي تقدم لها عددا التسهيلات، من أبرزها توفير تأشيرات مجانية للأطفال الذين يُرسلون إلى سويسرا للخضوع لعمليات جراحية.

الانخراط في نشاطات المجتمع المدني

لكن نشاطات “أرض البشر” لا تقتصر على العناية بالأطفال المعوزين المصابين بأمراض القلب. فهي تحاول أيضا تسجيل حضور ملموس في المجتمع المدني عبر الانخراط في نشاطاته والإسهام في تقدمه. وعن هذا الحضور المتواصل منذ 35 عاما، يقول السيد غزافيي: “إنه مشوار طويل بالفعل، نحن متواجدون في دول أخرى أيضا منذ سنوات طويلة، وهذا قرار سياسي لأرض البشر. نهدف إلى البقاء بما فيه الكفاية لتحقيق التحركات ورؤية النتائج والمشاركة بطبيعة الحال في تطوير البلد ومجتمعه المدني”.

وعلى مدى هذه السنين الطويلة، أوضح السيد غزافيي أن “أرض البشر” عايشت أيضا “أوقاتا متوترة أو صعبة على المستوى الوطني وعلى مستوى تاريخ المغرب”. كما “رافقت الانفتاح الذي ظهر تدريجيا خاصة منذ بداية التسعينات ومنذ تولي الملك محمد السادس العرش”.

ونوه السيد غزافيي إلى أن معالم هذا الانفتاح تجلت في “إقامة المجتمع المدني وتعزيزه، وتغيير تدريجي في العقليات والقانون إزاء المرأة مع اعتماد المدونة الجديدة”. ووصف مندوب “أرض البشر” تلك المدونة (قانون الأسرة) بـ” تقدم جميل جدا، وتغيير مرتبط بوضع وحقوق الطفل”، وبـ”أقوى الأحداث” التي لمستها “أرض البشر” في المغرب.

من جانبه، شدد السيد فؤاد المنور، المسؤول عن الشؤون الإدارية، على أن المجتمع المدني المغربي اكتسب حركية ملحوظة وأصبح له دور جد فعال خلال السنوات الأخيرة. وأشار في هذا السياق إلى التسهيلات التي أدخلتها الحكومة من أجل تشجيع إنشاء المزيد من الجمعيات التي يقدر عددها حاليا في البلاد ما بين 30 و50 ألف، حسب اعتقاد السيد المنور.

أما السيدة لطيفة أوزهرو، التي أضافت أن الدولة المغربية تشجع الجمعيات والمجتمع المدني، فقد نوهت إلى ضرورة تضافر جهود الحكومة ومختلف مكونات المجتمع المدني “للوصول إلى نتيجة”.

تمرير المشعل لترسيخ المشاريع

ولعل سياسة تمرير المشعل هي العلامة المُميزة لعمل “أرض البشر”، إذ يظل هدفها الرئيسي إطلاق المشاريع وتكوين الشركاء المحليين ليواصلوا المشوار ويمرروا بدورهم ما اكتسبوا من خبرات إلى أبناء البلاد. ويقول السيد غزافيي عن هذه السياسة: “أكثر ما يسعدنا هو المساعدة على إقامة جمعيات تتسلم نشاطاتنا لضمان ديمومتها، ورؤية جهود سنوات طويلة تتواصل من طرف شركاء ندعمهم سواء ماديا أو تقنيا ونظل بجانبهم إذا ما احتاجوا إلينا”.

تمرير المشعل لا يتم فقط في إطار الحقل الجمعوي، إذ تُسلم “أرض البشر” أيضا بعض المشاريع للحكومة المغربية مثل مشروع تقويم اعوجاج الأعضاء الذي سلمته المنظمة إلى وزارة الصحة في بداية التسعينات. وأكد السيد غزافيي أن “أرض البشر” تحرص بشكل خاص على تأميم وظائف المسؤولية حيث نوه إلى أنه هو الأجنبي الوحيد في مندوبية المغرب، وأن عددا قليلا من الأجانب يعمل في الدول التي تنشط فيها المنظمة بشكل عام.

كـسر المحرمات

حضور منظمة سويسرية الأصل -وبالتالي غربية- في بلد عربي ومسلم له تقاليده وعاداته مثل المغرب، لا يخلو أحيانا من اختلاف في وجهات النظر ومن الصعوبات، خاصة عندما يتجرأ الجانب الغربي على فتح الباب لمعالجة قضايا تعد من المحرمات في المجتمع.

ويشرح السيد غزافيي أن أكثر المراحل صعوبة في مشوار “أرض البشر” في المغرب كانت في بداية الثمانينات عندما أطلقت مشاريع خاصة بمساعدة الأمهات العازبات لتفادي التخلي عن الأطفال وتفاقم ظاهرة أطفال الشوارع، في فترة كانت فيها تلك المسألة من “التابوهات”. وأوضح السيد غزافيي أن “القيام بذلك النوع من التحركات كان نوعا من المخاطرة خاصة وأن الوضع في البلاد كان يجعل ذلك العمل صعبا”.

من جهته، أشار السيد فؤاد المنور إلى أنه لمس من خلال تجربته مع “أرض البشر” منذ انضمامه إلى فريقها عام 1992، تقدما وتطورا واضحا في العقليات، إذ ذكـّر أن قضية الأمهات العازبات على سبيل المثال، كانت آنذاك مشكلة مختفية ولم يكن يمكن الحديث عنها بسهولة، إذ أن “أي اتصال مع المسؤولين كان يتطلب طرح المشكل بشكل مقبول ولا يجرح”. وأضاف السيد المنور أن الأمور “تطورت بشكل كبير اليوم، حتى في صفوف الجمعيات التي أخذت المشعل وواصلت المشوار” في مجال مساعدة الأمهات العازبات، إذ قال: “نحن فتحنا الباب وقمنا بعمل أولي، والجمعيات الوطنية تكمله الآن”.

حقوق الطفل هي المحور والجوهر

وبما أن “أرض البشر” معنية بالدرجة الأولى بحماية حقوق الطفل، فتظل هذه الحقوق محور وجوهر المساعي التي تبذلها منذ تأسيسها في كافة الدول التي تنشط فيها. وفي المغرب، الذي قال عنه السيد غزافيي إنه “بلد سجل إرادة كبيرة للمضي قدما في حماية الطفولة بمصادقته المبكرة على المعاهدة الدولية لحقوق الطفل”، تعمل “أرض البشر” حاليا على إقامة مشروع مع شركاء مغاربة يهدف إلى التحسيس بحقوق الطفل في المدارس، سواء في صفوف التلاميذ أو المدرسين أو أولياء الأمر أو الإدارة.

وعن هذا المشروع قال السيد غزافيي: “إن فكرتنا تتمثل في إنشاء نوادي لحقوق الأطفال في المدارس الابتدائية، وآمل أن يتواصل المشروع في المدارس الإعدادية، كي يتمكن الذين تلقوا التكوين في هذه النوادي بدورهم من تكوين الآخرين في مختلف الفصول ومختلف المستويات في المؤسسات التعليمية”.

وفي سياق متصل، أعرب السيد غزافيي عن اعتقاده أنه يجب بالفعل أن تدخل حقوق الطفل شيئا فشيا ضمن البرنامج التعليمي، على غرار دروس حقوق الإنسان التي اعتمدتها الحكومة المغربية بعد في المقرر التعليمي. وأضاف “أعلم أن هنالك تفكير على مستوى وزارات مختلفة بهذا الشأن، ما نود نحن هو المشاركة في هذا التفكير، لا نريد التدخل كـطرف يعطي الدروس، بل نريد أن نكون إلى جانب الفاعلين الآخرين، والمشاركة في التفكير وربما اقتراح حلول مبتكرة بعض الشيء”.

ومن أهم المشاريع التي تدعمها حاليا “أرض البشر” في المغرب شبكة “رافد سوس” التي تضم 25 جمعية نشيطة في مجال مساعدة الامهات والاطفال في وضعية صعبة بمنطقة سوس الجنوبية. وتظل أبرز أهداف هذه الشبكة توفير بنك معطيات يشمل الممولين والطرق التي يمكن أن تسلكها الجمعيات لتطوير برامجها وتقديم أكبر قدر من المساعدات.

سويس انفو – إصلاح بخات – الدار البيضاء

تأسست منظمة “أرض البشر” غير الحكومية السويسرية عام 1960 في لوزان وتنشط في 30 دولة.
في عام 1968، انطلقت أولى نشاطاتها في المغرب حيث يوجد المقر الرئيسي للمندوبية في الدار البيضاء ومكتبان آخران في العاصمة الرباط ومدينة أغادير الجنوبية.
إلى بداية التسيعنات، تمكنت من إجراء عمليات جراحية لـ2200 طفلا، سواء في مستشفيات المغرب أو في الخارج.
كانت أولى الجمعيات في المغرب التي بدأت في إقامة مشاريع لمساعدة الأمهات العازبات.
تتعاون “أرض البشر” في المغرب بشكل متزايد مع فرع المنظمة في إسبانيا. اعتبارا من عام 2005، ستتمكن مندوبية المغرب من ارسال 10 أطفال في السنة للعلاج في إسبانيا. في السابق، كانت ترسل ما بين طفل وثلاثة أطفال فقط.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية