مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

50 عاما في الشرق الأوسط

عشق أرنولد هوتينغر الشرق الأوسط، ونقل أخباره وتابع تطوراته على مدى 50 عاما كان فيها حلقة وصل بين سويسرا والعالمين العربي والاسلامي swissinfo.ch

أرنولد هوتينغر هو أشهر مراسل صحفي سويسري، عمل لمدة نصف قرن كمراسل في الشرق الأوسط لأعرق الصحف وأهم الإذاعات السويسرية.

ويعد هوتينغر من الخبراء القلائل الذين عاصروا جميع التغيرات الهامة التي شهدتها المنطقة العربية، وقد اكتسب شهرته من الربط بين التقارير الصحفية والعمل الأكاديمي.

قبل أن يغادر هوتينغر سويسرا إلى الشرق الأوسط، كانت لديه كغالبية الأوروبيين، تصورات كثيرة عن العالم العربي والإسلامي، إلا أنه فوجئ بعدم مطابقة الواقع في أي بلد زاره مع ما كان في خياله، حيث وجد المنطقة آنذاك افضل بكثير مما كان في مخيلته.

ويعترف هوتينغر بأنه حتى عندما يسافر الآن مع مجموعات من السويسريين إلى بلدان المنطقة، فإنه يسمع وبإجماع من الجميع بأن معايشتهم للواقع تختلف تماما عما كان في مخيلتهم، وذلك بشكل ايجابي، ويرى بأن طيبة الناس ولطفهم وحسن تعاملهم مع الضيوف، يترك انطباعا جيدا عند الزائرين الاوروبين.

50 عاما من العمل في الشرق الأوسط، تلك المنطقة التي لا شك وانها شهدت تغيرات كثيرة على كافة الصعد، إلا أن هوتينغر يعتقد أنه من الصعب رصد جميع التغيرات الايجابية والسلبية التي شهدها العالم العربي خلال نصف قرن لأن لكل بلد خصوصيته، لا سيما وأن المنطقة تمتد من المغرب إلى باكستان، فهناك إيجابيات حدثت وسلبيات وجدت طريقها إلى السطح.

ويرى هوتينغر أن من أحد الأسباب التي أدت إلى فشل مشروع الوحدة العربية التي حاول عبد الناصر القيام به هو تعدد خصوصيات كل دولة عربية مما يستحيل معه أن تجتمع تحت مظلة واحدة، حسب رأيه.

وكان للحياد مميزات .. كثيرة

حاول هوتنيغر كمراسل صحفي، أن يقدم أهمية المنطقة إلى الرأي العام السويسري وأن يشرح له بأن لهذه المنطقة خصوصيتها ومشاكلها وأهدافها، إذ لم يهتم السويسريون أثناء فترة الحرب البادرة بالشرق الأوسط، بل كان اهتمامهم منصبا على معرفة ما يحدث في بلدان الكتلة الشرقية وأين هي في الصراع مع الغرب.

وقد سهلت نظرة العرب إليه كسويسري من بلد محايد مهام عمله الصحفي، فبلاده ليس لها ماض استعماري وعمله في الصحافة لا يخدم أهدافا أوأغراضا كان العرب ينظرون إليها في الستينيات على أنها “إمبريالية”.

ويقول هوتينغر عن تلك الفترة، بأنه لاحظ الفرق في تعامل العرب مع الصحفيين الذين يشتغلون لفائدة شبكات فرنسية أو بريطانية، وبين القادمين من سويسرا أو ألمانيا أثناء أزمة السويس عام 1956، حيث لم يقابل هوتينغر أية صعوبات في إعداد تقاريره أو الحصول على المعلومات التي يرغب فيها، وهو ما وفر له تسهيلات مهنية كثيرة.

أما اليوم، فالوضع يختلف من وجهة نظر هوتينعر. فقد زاد الانتباه والتركيز على المنطقة بشكل كبير بسبب اهتمام الأوروبيين بمعرفة الكثير عن الاسلام، والعثور على إجابات حول تأثيره على الحياة في تلك المنطقة، وسبب انتشار الاسلاميين، ومدى خطورة التيار الاسلامي واحتمالات أن يهاجم الغرب في عقر داره، وهو يقصد هنا هجوما عقائديا وفكريا.

بين الواقع وترقبات المتلقي

ويعترف هوتينغر في حديثه الخاص إلى سويس انفو، بأن التغطية الإعلامية من المنطقة تتأرجح دائما بين ترقبات المستمع أو القارئ الغربي وبين الواقع الذي يعايشه المراسل على عين المكان.

فإذا أكد المراسل للقاريء الغربي الصور السلبية المسبقة المترسبة في ذهنه عن العالم العربي والاسلامي، فهو بذلك يكون من وجهة نظر المتلقي الغربي سواء كمستمع أو قارئ “صحفيا ناجحا”.

إلا أن هوتينغر على قناعة بأن هذا يتنافى مع المبادئ والقيم، حيث يتطلب العمل الصحفي في تلك المنطقة أن يقوم المراسل بمتابعة ومراقبة تلك الصور السلبية ومطابقتها مع الوقائع الميدانية، التي هي في أغلب الأحيان مختلفة جدا عن الأفكار السلبية المترسبة في أذهان المواطنين في الغرب، ومن ثم تصحيحها بالحقائق التي يجمعها المراسل الصحفي.

مخاطر عصر التطور الاعلامي

ومن المخاوف التي يراها هوتينغر، أن تتحول التقنيات الحديثة إلى أحد العوامل التي يمكن استغلالها لتشويه الحقائق، لأن عنصر الوقت يلعب دوره، ولابد من اجراء التغطية بشكل سريع، وتحت عامل السرعة يمكن تمرير كلمات أو عبارات، تسيئ أكثر مما تفيد، وحتى استخدام الصور فقط يمكن أن يحمل معاني مختلفة، حيث يمكن أن يتم النظر إليها بشكلها الحقيقي، أو يتم توظيفها لعكس الحقائق.

ويضرب بذلك مثالا أثناء حرب تحرير الكويت، فلم يسمح للصحفيين بالدخول إلى ساحة المعارك، بل جلسوا أمام شاشات التلفزة لمشاهدة مواد مصورة تم اختيارها بعناية ولأغراض معينة، ولم يكن أمام الصحفيين إلا التعامل مع تلك المادة، كل حسب هواه.

وفي الحرب الأخيرة على العراق، سمحت القوات الامريكية لبعض الصحفيين المختارين بالذهاب مع قواتها، وهنا تعاطف الإعلاميون مع ما يقوم به الجنود الأمريكيون، فكانت تقاريرهم بعيدة عن الحياد، والواقعية الوحيدة فيها أنها كانت من جانب الامريكيين فقط.

والخطير، حسب رأي هوتينغر، هو الخلط المتعمد بين تقديم الخبر وربطه بالمواد الترفيهية الاخرى، وفي الواقع فإن المواد الترفيهية تأخذ حيزا كبيرا، على حساب الحقيقة التي من المفترض أن ينقلها الخبر إلى المستمع أو المشاهد أو القارئ، وهو ما يؤدي إلى تشتيت تفكير المتلقي عن لب الخبر، وهو ما يرى فيه هوتينغر “خطرا كبيرا”.

بعد نصف قرن..

أحب أرنولد هوتنيغر المنطقة العربية كثيرا، ويشعر بالسعادة كلما زارها، ولكنه مع الأسف الشديد يعتقد بأن الأمور لم تصل طيلة العقود الخمسة المنصرمة إلى هذا الحد المأساوي مثلما هي عليه الآن. ويذهب إلى أن “الوضع الآن أسوأ مما كان عليه الحال أثناء حرب الأيام الستة 1967″، عندما توقع الجميع انهيار المنطقة بأكملها بعد النكسة.

فالمنطقة تقع اليوم، حسب رأي هوتينغر، بين المطرقة والسندان، مطرقة الولايات المتحدة وسندان إسرائيل، إلى جانب التيار الإسلامي الذي يستفيد من هذه الوضعية.

مذكرات هوتينغر عن عمله الصحفي في الشرق الأوسط، أشبه بشهادة على العصر، ميزتها أن كاتبها اعلامي وصحفي من بلد اشتهر بالحياد، وعايش المنطقة على مدى نصف قرن، عرفت خلاله تحولات كثيرة، ووصلت إلى ما هي عليه الآن، أي كما يصفها في أسوأ حالاتها. فهل ستسمح الأيام لهوتينغر بأن يؤلف كتابا آخر يدون فيه مذكراته عن التحول إلى الأحسن؟

تامر أبو العينين – سويس انفو

حرص هوتينغر خلال عمله الصحفي على نقل الواقع من العالمين العربي والإسلامي وذلك بالرغم من صعوبة الفترات التي اشتغل فيها، حيث عاصر الحرب الباردة ثم انهيار الكتلة الشرقية وحروب الخليج المتتالية، إلى جانب أطوار الصراع العربي الإسرائيلي.

ولد أرنولد هوتينغرعام 1926
تخصص في الآداب الرومانية القديمة وحصل على درجة الدكتوراه عام 1957
عمل مراسلا في الشرق الأوسط لصحيفة نويه تسورخر العريقة وللإذاعة السويسرية الناطقة بالألمانية لمدة 50 عاما.
حصل عام 2003 على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة برن تقديرا لدوره في الربط بين التقارير الصحافية والعمل الأكاديمي في الجامعة في واحدة من أهم المناطق حساسية في العالم.
من أشهر مؤلفاته: العرب 1963مترجم إلى عدة لغات
الاسوار: الثقافة العربية في اسبانيا 1995
الدولة الدينية وتسلسل القوة، الديموقراطية في الاسلام 2000
السجاد وما تحته، محاولة لفهم العالم الاسلامي ‏2004‏‏

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية