مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أهالي جزيرة توتي في السودان يعانون مأساة الفيضان الأكبر منذ قرن

سودانيون يقفون وسط مياه فاضت من نهر النيل في جزيرة توتي الى جانب أكياس من الرمال يستخدمونها في محاولة لوقف المياه في الثالث من ايلول/سبتمبر 2020 afp_tickers

في جزيرة توتي بالسودان حيث يلتقي النيلان الأزرق والأبيض حتى يشكلا نهر النيل، يعاني الأهالي من منسوب فيضان قياسي هذه السنة ترك أضرارا كبيرة على منازلهم وحياتهم ويقولون إنهم لم يروا مثله من قبل.

بين مدينتي العاصمة، الخرطوم وأم درمان، يملأ الناس على أرض توتي الأكياس بالرمال والحجارة الصغيرة في محاولة غير مجدية في كثير من الأحيان لمنع سيل المياه من غمر منازلهم. فعلى الرغم من أن النيل يمنح الحياة، إلا أنه قد يجلب أيضا البؤس لكثيرين.

وتقول سواكن أحمد لوكالة فرانس برس “قبل ثلاثة أيام، اقتحمت المياه منزلي حوالى منتصف الليل. غمرتنا المياه حتى الركب، وهربت مع زوجي وأطفالنا الخمسة… حاملين أغراضا بسيطة في أيدينا”.

في كل عام خلال موسم الأمطار، يفيض نهر النيل، ويتوقع سكان الجزيرة ارتفاع منسوب المياه.

وتقول أحمد “في السنوات الماضية، كنا نغادر منزلنا لمدة شهرين للعيش مع أصدقاء، لكن هذا العام لم يكن ذلك ممكنا لأن المياه دخلت منزلهم أيضا”.

– توقعات بمزيد الأمطار-

ويقول مسؤولو الدفاع المدني إن الفيضانات الموسمية تسببت بمقتل 94 شخصًا وإصابة 46 آخرين وتدمير أو إتلاف أكثر من 60 ألف منزل في كل أنحاء السودان خلال الموسم الحالي.

وقالت وزارة المياه والري هذا الأسبوع إن منسوب النيل الأزرق ارتفع إلى 17,57 مترا (57 قدما)، ووصفته بأنه “مستوى تاريخي منذ بدء رصد النهر في العام 1902”.

.لكن يخشى كثر أن الأسوأ لم يأت بعد. إذ يتوقع أن تستمر الأمطار الغزيرة خلال شهر أيلول/سبتمبر في السودان وفي إثيوبيا المجاورة، منبع النيل الأزرق.

وتقول أحمد إن شبانا حاولوا غداة مغادرة العائلة “إنقاذ أشياء من منزلي، لكن كان الأمر ميؤوسًا منه، لأن الماء كان يصل إلى أعناقهم ولم يتمكنوا من رؤية أي شيء”.

وحاول السكان التخفيف من تيار النيل عن طريق إلقاء بعض الحواجز لتغيير مساره، إلا أن ارتفاع مياه النهر طمس جهودهم.

وتتحدث رئيسة جمعية المرأة والطفل إقبال عباس التي استضافت جمعيتها العديد من المشردين نتيجة الفيضانات، بفخر عن محاولات الشباب في مواجهة الكارثة.

وتقول لفرانس برس “عندما رأيت الشباب يحجزون مياه النيل بأجسادهم، تذكرت فيضان عام 1998. فعلوا كما فعل أجدادهم”.

وتتوقع وزارة المياه السودانية أن يكون فيضان هذا العام أكبر من فيضان 1998 الذي دمّر عشرات الآلاف من المنازل في ولايات عدة وشرّد أكثر من مليون شخص.

ووفقا لتقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، تضرّر أكثر من 380 ألف شخص حتى الآن في جميع أنحاء البلاد.

– طقس متقلب –

وتأتي الفيضانات بينما تقوم إثيوبيا ببناء سد النهضة على النيل الأزرق بارتفاع يبلغ 145 مترًا (475 قدمًا)، وقد بدأت مؤخرا في ملء خزانه الشاسع الذي يستوعب 74 مليار متر مكعب من المياه.

وأصبح سدّ النهضة الذي تبنيه أديس أبابا منذ 2011، مصدر توتر شديد بينها وبين القاهرة من جهة والخرطوم من جهة ثانية. ويتوقع أن يصبح هذا السد أكبر منشأة لتوليد الطاقة الكهربائية من المياه في إفريقيا.

لكن بعض الخبراء، مثل مجموعة “الأنهار الدولية” للبحوث بالولايات المتحدة، حذّروا من أن تغيّر المناخ قد يؤدي إلى فترات غير منتظمة من الفيضانات والجفاف في حوض النيل الأزرق.

أما أهالي توتي فلا يتوقفون كثيرا إزاء سبب الفيضانات القياسية، مركزين على مأساة خسارة منازلهم.

وتقول المعالجة النفسية إنشراح شرف إن الناس فضلوا المخاطرة بالتعرض إلى الغرق على أن يتركوا ممتلكاتهم.

وتضيف “كنا نحاول أن نقنع الأهالي بأن ينقذوا أرواحهم وبأن جميع الناس يقفون إلى جانبهم، والمنازل يمكن أن تعود كما في السابق”.

ومع تراكم المزيد من أكياس الرمل، وصل الجيش للمساعدة. وفي السودان حيث أطيح بالرئيس السابق عمر البشير العام الماضي، بدا مشهد الجنود الذين يجلبون المساعدات مختلفا عن ايام عهد التسلط.

ويقول هشام كمال، وهو ضابط بالجيش كان يقود قافلة من 90 شاحنة تحمل طعامًا ورمالًا لوقف المياه، “رأيت عيون الأهالي حمراء من قلة النوم”.

ويضيف “جئت للمساعدة. هذا واجبنا”.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية