مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اتفاقية التبادل الحر عبر الاطلسي تواجه مصيرا مجهولا

كشفت غرينبيس وثائق سرية حول الاتفاقية الاميركية الاوروبية تعزز براي المنظمات غير الحكومية المخاوف من ان تؤدي الاتفاقية الى ازالة القيود المنظمة للتجارة، لصالح الشركات الكبرى afp_tickers

لا تزال “اتفاقية الشراكة الاطلسية للتجارة والاستثمار” مجرد افق بعيد لا يعرف ما اذا كان سيتجسد يوما، فيما تتزايد الشكوك حيالها من جانبي الاطلسي، بحسب تسريبات ظهرت الاثنين من كواليس المفاوضات الجارية بشأنها.

وكشفت منظمة غرينبيس الاثنين وثائق سرية حول الاتفاقية الاميركية الاوروبية حصلت عليها خلال الدورة الثالثة عشرة من المحادثات التي جرت الاسبوع الماضي في نيويورك، تعزز براي المنظمات غير الحكومية المخاوف من ان تؤدي الاتفاقية الى ازالة القيود المنظمة للتجارة، لصالح الشركات الكبرى.

وابرزت هذه الوثائق خلافات لا تزال جوهرية بين الطرفين، مهددة باضافة تعقيدات جديدة الى المفاوضات الجارية والتي لا تزال محاطة بسرية تامة.

وسارعت بروكسل وواشنطن اللتان تخوضان محادثات تجارية شائكة منذ منتصف 2013 حول اتفاق التبادل التجاري الحر هذا، الى التقليل من ابعاد الوثائق المسربة، مع ابدائهما الاسف لما وصفتاه بانه ـ”سوء تفاهم” وتفسيرات “خاطئة” المبنية على نصوص تخطاها الزمن.

لكن الواقع ان احتمال نجاح المفاوضات في التوصل الى اتفاقية يتضاءل بالرغم من عزيمة الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي يامل في انجاز المفاوضات بحلول نهاية السنة.

وقال ادوارد آلدن من “مجلس العلاقات الخارجية” للدراسات في واشنطن ان “اكثر ما يدهش في هذه التسريبات ليس مضمونها تحديدا بل كون الطرفين ما زالا متباعدين جدا في المفاوضات وان المسائل المحورية تبقى عالقة”.

وتهدف اتفاقية التبادل التجاري الحر بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة الى ازالة الحواجز الجمركية والتنظيمية بين الطرفين، غير ان ثمة نقاط خلاف كثيرة بينهما سواء بالنسبة لفتح الاسواق او لمبدأ الحيطة او حتى الية حماية المستثمرين التي تطالب بها واشنطن.

وفي ختام الجولة الثالثة عشرة من المحادثات الاسبوع الماضي، اشاد مفاوضو الطرفين كالعادة بحوار “بناء” وبتحقيق تقدم، غير انه كان من الممكن لمس استياء من الجانب الاوروبي بشان رفض الولايات المتحدة فتح مناقصاتها العامة امام المنافسة الخارجية.

– انتخابات محفوفة بالمخاطر –

غير ان الوقت ينفد لتحقيق اختراق، مع اقتراب موعد كانون الثاني/يناير، حين تنتهي ولاية الرئيس باراك اوباما المدافع بشدة عن الاتفاقية، ويخلفه رئيس ينتخب في تشرين الثاني/نوفمبر، لن يكون بالضرورة مؤيدا للتبادل التجاري الحر الذي يهول به السياسيون في الولايات المتحدة في خضم الحملة الانتخابية.

ولا يبدو الافق افضل في اوروبا وقال استاذ القانون في جامعة هارفرد والمسؤول السابق في مكتب المندوب التجاري الاميركي مارك وو لوكالة فرانس برس “اذا لم يتم التوصل الى الاتفاق في عهد ادارة اوباما، فسيترتب حتما عندها انتظار مختلف الاستحقاقات الانتخابية في اوروبا عام 2017 لاحراز اي تقدم في المستقبل”.

وتجري انتخابات العام المقبل في القوتين الاوروبيتين الكبريين المانيا وفرنسا، حيث الجدل حول اتفاقية الشراكة الاطلسية على اشده وقد يشعل الحملتين الانتخابيتين.

ويبدو ان الشكوك باتت تساور القادة الفرنسيين، ما ينذر بمزيد من العقبات في وجه المفاوضات. وخلال اسبوع واحد شدد كلا رئيس الوزراء مانويل فالس والرئيس فرنسوا هولاند اللهجة ووعدا بمعارضة اتفاق لا يترافق مع “ضمانات” حول البيئة والزراعة.

واعلن وزير الدولة للتجارة الخارجية ماتياس فريكل الثلاثاء ان وقف المفاوضات هو اليوم “ألخيار الارجح” بسبب “ذهنية الولايات المتحدة”. واضاف “انني اندد منذ سنة بموقف (الولايات المتحدة) نريد معاملة بالمثل. اوروبا تعرض الكثير وتتلقى القليل في المقابل” مؤكدا ان الاتفاق غير مقبول “اطلاقا بصيغته” الحالية.

كما صعدت برلين اللهجة متوقعة “فشل” المفاوضات اذا لم تقدم الولايات المتحدة المزيد من التنازلات. ومع احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي الذي سيتم البت فيه خلال استفتاء في 23 حزيران/يونيو، يزداد الوضع تعقيدا.

وقال آلدن “انها مرحلة من الغموض الكبير بالنسبة للسياسات التجارية سواء في الولايات المتحدة او في اوروبا”.

وتهدد تسريبات غرينبيس من جهة اخرى بدفع المواقف الى المزيد من التصلب، ولا سيما في المجتمعات المدنية. وقال وو ان “محاولة تسوية التباينات (بين الطرفين) ستزداد تعقيدا”.

وعلى غرار نظيرتها الاوروبية، نددت منظمة “سييرا كلاب” البيئية الاميركية باتفاق يسير “في الاتجاه الخاطئ للتاريخ” فيما رات منظمة “بابليك سيتيزن” غير الحكومية في التسريبات تاكيدا “للسلطة الهائلة” الممنوحة للشركات المتعددة الجنسية.

وليست هذه اول عقبة تواجهها اتفاقية التبادل الحر، وهي عانت في 2014 من التسريبات التي كشفت عن برامج التجسس الواسعة النطاق التي تطبقها وكالة الامن القومي الاميركية في اوروبا.

غير ان العقبة الحالية تبدو اكبر وقد تقود الى تخفيض طموحات الاتفاقية، ولو ان واشنطن وبروكسل تؤكدان معارضتهما لذلك.

وقال الدن “ان الطرفين سيفضلان بالتاكيد اتفاقية +خفيفة+ على فشل تام”.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية