مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحسكة مدينة سورية استراتيجية يتطلع اليها الاكراد والنظام

تقاسم الاكراد والنظام السوري السيطرة على مدينة الحسكة منذ العام 2012، الا ان المعارك الاخيرة انتهت بتمكين الاكراد لتواجدهم في هذه المدينة الاستراتيجية لينحصر حضور الحكومة السورية فقط في مؤسساتها الرسمية afp_tickers

تقاسم الاكراد والنظام السوري السيطرة على مدينة الحسكة منذ العام 2012، الا ان المعارك الاخيرة انتهت بتمكين الاكراد لتواجدهم في هذه المدينة الاستراتيجية لينحصر حضور الحكومة السورية فقط في مؤسساتها الرسمية.

وتعد المعارك التي اندلعت في 17 آب/اغسطس ودامت طوال اسبوع الاعنف بين قوات النظام والمقاتلين الاكراد منذ بدء النزاع قبل خمس سنوات، حتى ان دمشق لجأت للمرة الاولى الى شن غارات ضد مواقع الاكراد.

لماذا وصل التصعيد بين الطرفين الى هذا الحد؟

-كيف انتهت المعارك؟

كانت مدينة الحسكة مقسمة بين الاكراد الذين يسيطرون على ثلثي المدينة، وقوات النظام في الجزء المتبقي منها، الا انه وخلال المعارك الاخيرة تمكن المقاتلون الاكراد من التقدم وباتوا يسيطرون على 90 في المئة منها، فيما انحصر تواجد قوات النظام على المؤسسات الحكومية في وسط المدينة.

وسكان مدينة الحسكة هم 55 في المئة من العرب مقابل 45 في المئة من الاكراد، وفق تقديرات الخبير في الشؤون والجغرافيا السورية فابريس بالانش.

وانتهت المعارك الثلاثاء بالتوصل الى اتفاق وقف اطلاق نار برعاية روسية نص، وفق ما اعلن الاكراد، على “انسحاب القوات المسلحة من المدينة، وتسلم وحدات حماية الشعب الكردية مواقعها الى قوات الامن الداخلي (الكردية) الاسايش”، لينحصر تواجد الشرطة المدنية التابعة للنظام في منطقة المربع الامني، حيث يقع مبنى المحافظة.

ويفوق من قبل المعارك الاخيرة عديد القوات الكردية في مدينة الحسكة عديد قوات النظام السوري والمسلحين الموالين لها.

وتتضمن القوات الكردية كل من وحدات حماية الشعب الكردية التي تعد بمثابة “جيش الاكراد”، وقوات الاسايش وهي بمثابة “جهاز الشرطة والمخابرات”.

اما من جهة النظام، فتنتشر في الحسكة اساسا قوات الدفاع الوطني، وهي عبارة عن مقاتلين عرب موالين للحكومة السورية، فيما يقتصر تواجد القوات النظامية على بعض الحواجز والمؤسسات الحكومية.

-من هي القوى الداعمة؟

تدعم واشنطن وحدات حماية الشعب الكردية اذ تعتبرها القوة الاكثر فعالية في مواجهة تنظيم الدولة الاسلامية. وتشكل الوحدات حاليا العمود الفقري لقوات سوريا الديموقراطية التي تحظى بدعم جوي من التحالف الدولي وتمكنت من طرد الجهاديين من مناطق عدة.

وبالاضافة الى الدعم الجوي، ارسلت واشنطن عشرات العسكريين على الارض لدعم الاكراد في معاركهم ضد تنظيم الدولة الاسلامية.

وسارعت واشنطن بعد القصف الجوي السوري ضد الاكراد الى تحذير دمشق من شن غارات تعرض سلامة مستشاريها العسكريين العاملين مع الاكراد على الارض للخطر، حتى انها تدخلت للمرة الاولى لحماية مستشاريها من الطائرات السورية عبر ارسال مقاتلات، من دون ان تحصل مواجهة بين الطرفين.

وعلى الجانب الثاني، تعد روسيا احد الداعمين الرئيسيين سياسيا وعسكريا لدمشق، وهي تقدم الغطاء الجوي للجيش السوري منذ نهاية ايلول/سبتمبر، لكنها تحتفظ في الوقت ذاته بعلاقات طيبة مع الاكراد.

ومنعا لتدهور الامور اكثر، رعت روسيا المفاوضات بين الطرفين التي انتهت باتفاق وقف اطلاق النار.

اما تركيا وللمرة الاولى منذ بدء النزاع السوري، تحدثت بايجابية عن عمل قام به النظام السوري وهو شن الغارات ضد المقاتلين الاكراد.

وتصنف انقرة وحدات حماية الشعب الكردية، وذراعها السياسي حزب الاتحاد الديموقراطي، مجموعات “ارهابية” وتعتبرهما جزءا من حزب العمال الكردستاني، الذي يخوض تمردا ضدها.

-ما هي اهمية الحسكة؟

تقع محافظة الحسكة في شمال شرق سوريا، وتحدها تركيا من الجهة الشمالية والعراق من الجهة الشرقية.

ولهذه المحافظة اهمية اقتصادية كونها كانت المورد الاساسي للقمح في سوريا، كما تشتهر بزراعة القطن، فضلا عن الحقول النفطية التي تتركز في ريفها الجنوبي.

ويقول الخبير في الشؤون الكردية موتلو جيفير اوغلو “من وجهة نظر الاكراد، تعد الحسكة مركزا اداريا لهم فضلا عن موقعها الاستراتيجي لحماية المنطقة الكردية (حيث الادارة الذاتية الكردية)”.

ويسيطر الاكراد على الجزء الاكبر من المحافظة، فيما تسيطر قوات النظام على عدد من القرى ذات الغالبية العربية في محيط مدينتي القامشلي والحسكة. ويتواجد تنظيم الدولة الاسلامية في الريف الجنوبي الحدودي مع محافظة دير الزور.

ويقول مصدر مقرب من النظام “ان خسارة السلطة المركزية (في دمشق) لمحافظة استراتيجية في سوريا، محاذية للمناطق ذات الغالبية الكردية في تركيا والعراق، من شأنه ان يعزز طموحات السوريين الاكراد بالحكم الذاتي ان لم يكن بالاستقلالية”.

-ما هي الاستراتيجية الكردية؟

يشكل الاكراد حوالى 15 في المئة من سكان سوريا، وقد عانوا من التهميش من السلطة المركزية على مدى عقود قبل اندلاع النزاع في العام 2011، اذ ان فئة كبيرة منهم محرومة من الجنسية السورية، كما كان يمنع عليهم تعلم لغتهم او الكتابة بها أو احياء تقاليدهم مثل احتفالات عيد النوروز.

ومنذ اندلاع النزاع، حاول الاكراد تحييد انفسهم عن النظام والفصائل المعارضة المقاتلة على حد سواء.

ومع اتساع رقعة النزاع في العام 2012، انسحبت قوات النظام تدريجيا من المناطق ذات الغالبية الكردية محتفظة بمقار حكومية وادارية وبعض القوات في المدن الكبرى.

واعلن الاكراد على الاثر اقامة ادارة ذاتية موقتة في مناطق كوباني وعفرين (ريف حلب الشمالي والغربي) والجزيرة (الحسكة)، اطلقوا عليها اسم “روج آفا” (غرب كردستان). وفي اذار/مارس الماضي، اعلنوا النظام الفدرالي في مناطق سيطرتهم في شمال سوريا.

ويسيطر الاكراد حاليا، وفق فابريس بالانش، على 18 في المئة من الاراضي االسورية حيث يعيش ما يقارب مليونين نسمة.

ويسعى الاكراد الى تحقيق حلم طال انتظاره بربط مقاطعاتهم الثلاث من اجل انشاء حكم ذاتي عليها على غرار كردستان العراق.

وفي سبيل ذلك، خاض الاكراد اعنف المعارك مع تنظيم الدولة الاسلامية، كما عمدوا الى تثبيت تواجدهم في محافظة الحسكة ومدينتي القامشلي والحسكة الرئيسيتين، ما ترجم بمواجهة قوات النظام.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية