مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

النروج تتمسك بمثلها العليا بعد خمس سنوات على جرائم بريفيك

النروجي انديرس بريفيك في المحكمة في 16 آذار/مارس 2016 afp_tickers

بعد خمس سنوات على أسوأ مأساة في تاريخها خلال فترة ما بعد الحرب، تقدم النروج مثالا نموذجيا للدول التي تعرضت لاعتداءات دامية. فقد توصل شعار “مزيد من الديموقراطية ومزيد من الانسانية” الى تحقيق اهدافه.

وفيما تترسخ في بلدان اخرى الميول لتشديد التدابير الامنية لدى وقوع اي اعتداء جديد مستوحى من الطروحات الجهادية، سجلت المملكة الاسكندينافية نقطة جديدة من خلال بقائها وفية لمثلها العليا بعد المأساة التي احيت ذكراها الخامسة الجمعة.

ففي 22 تموز/يوليو 2011، قتل المتطرف اليميني الذي تنكر بزي الشرطة اندريس بيرينغ بريفيك، 77 شخصا بإقدامه اولا على تفجير قنبلة قرب مقر الحكومة في اوسلو، ثم باطلاق النار طوال اكثر من ساعة على تجمع للشبان ينتمون الى حزب العمل كانوا في جزيرة اوتويا.

وقال الرئيس السابق للشبيبة العمالية اسكيل بيدرسن الذي تمكن من الفرار من اوتويا في ذلك اليوم، ان “البلاد متمسكة اليوم على مستويات كثيرة بمثلها العليا. وهذا امر جيد”.

واضاف في تصريح لوكالة فرانس برس ان “هدف الارهاب هو قلب الامور في البلاد رأسا على عقب. لذلك فهذا انتصار لم نقلل من أهميته ونقدم له اليوم وجها يمكن التعرف اليه”.

وعلى اعتداءات بريفيك ردت النروج بطريقة هادئة ومدروسة، فلم تصدر “قانونا وطنيا” (باتريوتيك أكت) على الطريقة الاميركية، ولا قوانين متسرعة، ولم تقرر انزال الجيش الى الشوارع …

ففي آب/اغسطس 2012، كشفت لجنة مستقلة عن الخلل الكبير في اداء السلطات، وهذا ما ادى الى تحديث تدريجي وتوافقي الى حد كبير للتدابير الامنية ومجموعة القوانين.

وكان القضاء من جهته سريعا لكنه لم يكن متسرعا. ففي آب/اغسطس 2012 ايضا، حكم على بريفيك بالسجن 21 عاما ـ يمكن تمديد هذه العقوبة الى ما لا نهاية – بعد عشرة اسابيع من محاكمة اعتبرت فريدة من نوعها. ومنذ ذلك الحين، طوى النسيان اسم القاتل.

ولم يحل التمسك بدولة القانون دون ان تصدر احدى المحاكم ادانة هذه السنة بحق النروج بسبب المعاملة “غير الانسانية”: فقد اعتبرت ان العزلة الطويلة لبريفيك في السجن انتهاك لحقوق الانسان، كما قالت القاضية.

– واحد منا –

ويبدو ان ما قاله ينس ستولتنبرغ رئيس الوزراء لدى وقوع الهجوم والامين العام الحالي لحلف شمال الاطلسي، قد لاقى اذانا صاغية. فقد اعلن بعد ساعات فقط على المجزرة ان “الرد على العنف هو ايضا مزيد من الديموقراطية، ومزيد ايضا من الانسانية، انما من دون سذاجة على الاطلاق”.

ومن السهولة تمرير هذه الرسالة بالتأكيد نظرا الى هوية القاتل.

واعتبرت الصحافية اسن سيرستاند التي وضعت كتابا عن الهجوم، ان “اختيار الكلمات مرده الى ان القاتل كان واحدا منا”. واضافت ان “النروج لم تتعرض ابدا لمحنة التطرف الاسلامي. ولا نعرف ما كان يمكن ان يقال في هذه الحالة”.

وقد تجلى هذا التمسك بالديموقراطية بالاشراك المتزايد للشبان النروجيين في السياسة، وفي تغير الخطاب الذي كان يدعو الى كراهية الاجانب.

وحصل المدون اليميني المتطرف “فيوردمان” الذي كان مصدر الوحي الايديولوجي لبريفيك، على منحة من مؤسسة “فريت اورد” من اجل حرية التعبير لتأليف كتاب.

لكن للمسألة وجه آخر. وقال عالم الانتروبولوجيا توماس هيلاند اريكسن، ان بريفيك سرع بذلك استقطاب المجتمع النروجي والذي زادت من حدته ازمة الهجرة.

وقال ان “الذين يؤيدون اراءه من دون ان يكونوا بالضرورة من مؤيدي الارهاب، من خلال معاداتهم للتعددية الثقافية والمشككين في الاسلام والمسلمين الذين يعتبرون غير مؤهلين لأن يكونوا نروجيين صالحين، يزدادون عددا وانتشارا”.

واضاف انه بعد مجزرة ارتكبت باسم التصدي للتعددية الثقافية، “ما كنا لنعتقد ان الخوف من الاسلام يمكن ان يحصل على مزيد من الشرعية، لكن هذا ما حصل”.

إلا ان الاراء ما زالت ايجابية لدى القيام بجردة حساب مرحلية.

وقال بيدرسن الرئيس السابق للشبيبة العمالية “اذا كان 22 تموز/يوليو 2011 اختبارا للديموقراطية، اعتقد ان في امكاننا القول اننا تجاوزناه بنجاح”. واضاف “لكنه ليس انتصارا نهائيا. يجب الاستمرار في التجمع حول الديموقراطية”.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية