مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

تنظيم الدولة الاسلامية يتوسع على حساب النظام والمعارضة في سوريا

صورة من فيديو دعائي لتنظيم الدولة الاسلامية في 17 آذار/مارس 2014 لجهاديين في موقع غير محدد afp_tickers

أحرز تنظيم الدولة الاسلامية في نهاية الاسبوع تقدما جديدا في سوريا على حساب قوات النظام على جبهة ومقاتلي المعارضة على جبهة اخرى، ما يعيد رسم خريطة النزاع المستمر منذ اكثر من اربع سنوات ويزيد من تعقيداته.

وتتواصل المعارك الاثنين بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة وتنظيم الدولة الإسلامية من جهة اخرى في الريف الجنوبي الغربي لمدينة تدمر الاثرية، “وسط محاولات من التنظيم للتقدم في اتجاه بلدتي مهين والقريتين في ريف حمص”، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان.

وكان التنظيم الجهادي تمكن السبت من السيطرة على بلدة البصيري جنوب تدمر التي استولى عليها في 21 ايار/مايو. وتقع البصيري على مفترق طرق يؤدي الى دمشق جنوبا والى حمص غربا.

ويأتي هذا التراجع الجديد للنظام بعد هزائم متتالية تعرض لها خلال الشهرين الماضيين في محافظة حمص (وسط) على ايدي تنظيم الدولة الاسلامية وفي محافظتي ادلب (شمال غرب) ودرعا (جنوب) على ايدي فصائل المعارضة.

وعزز تنظيم الدولة الاسلامية من جهته مواقعه في منطقة واسعة ممتدة من تدمر في محافظة حمص وصولا الى محافظة الانبار العراقية في الجانب الاخر من الحدود. وبات بذلك يسيطر على مساحة تقارب الـ300 الف كيلومتر مربع من الاراضي بين البلدين، بحسب الاختصاصي في الجغرافيا والخبير في الشؤون السورية فابريس بالانش، وعلى نصف مساحة الاراضي السورية، بحسب المرصد.

في الشمال، وصل التنظيم الى مسافة كيلومترين تقريبا من مدينة الحسكة حيث يخوض معارك مع قوات النظام.

وذكر المرصد الاثنين ان عنصرا من تنظيم الدولة الإسلامية “فجر نفسه بجرار زراعي وصهريج مفخخ على حاجز لقوات النظام والدفاع الوطني قرب مدينة الحسكة، ما أدى الى مقتل ما لا يقل عن تسعة عناصر على الحاجز وإصابة آخرين بجروح”.

على جبهة اخرى في الشمال في محافظة حلب، سيطر التنظيم الجهادي الاحد على بلدة صوران ومحيطها بعد معارك عنيفة مع مقاتلي المعارضة وبينهم جبهة النصرة، ذراع القاعدة في سوريا. وهو يحاول التقدم نحو بلدة مارع الواقعة على طريق امداد رئيسيية لفصائل المعارضة نحو تركيا. وبات على بعد عشرة كيلومترات تقريبا من معبر باب السلامة على الحدود التركية.

واستقدمت جبهة النصرة والفصائل المقاتلة تعزيزات الى المنطقة. وتسببت المعارك المستمرة منذ السبت بمقتل 30 مقاتلا من تنظيم الدولة الاسلامية و45 مقاتلا معارضا، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان.

ويقول مدير المرصد رامي عبد الرحمن ان احد اسباب “هذا الانهيار السريع لقوات النظام عدم القدرة على تعويض الخسائر البشرية الكبيرة التي يتكبدها”.

ويوضح ان “هناك تخلفا كبيرا عن الالتحاق بالخدمة العسكرية. كما ان هناك شعورا متناميا في اوساط القوات المسلحة وقوات الدفاع الوطني الموالية لها برفض الدفاع عن مناطق لا يشارك أهلها في القتال”، في اشارة الى المناطق ذات الغالبية السنية اجمالا حيث “لا حاضنة شعبية” للنظام العلوي.

وغالبا ما يعبر موالون للنظام على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي عن هذا الشعور.

وقد أوردت صفحة “شبكة اخبار جبلة” (اللاذقية، معقل الطائفة العلوية التي يتحدر منها الرئيس السوري بشار الاسد) على “فيسبوك” تعليقا في هذا الاطار جاء فيه “التعبئة العامة لا يجب ان تقتصر على أهل الساحل السوريين الذين قدموا الاف الشهداء والجرحى (…) انما للسوريين الموجودين في الساحل من كل المحافظات تحت اسم مهجرين وعددهم حوالى مليون شاب”، داعيا هؤلاء الى ان “يحملوا السلاح (…) والا فعودوا الى محافظاتكم”.

وتعزز التطورات الميدانية الخشية من حصول “تقسيم بحكم الامر الواقع” في سوريا حيث يتقلص وجود النظام الى المنطقة الممتدة من دمشق في اتجاه الشمال نحو الوسط السوري (الجزء الاكبر من محافظتي حمص وحماة) وصولا الى الساحل غربا (طرطوس واللاذقية)، بينما يتفرد تنظيم الدولة الاسلامية بالسيطرة على المنطقة الشرقية صعودا نحو الشمال (جزء من محافظة الحسكة وكل محافظة الرقة وبعض حلب). في حين يسيطر مقاتلو المعارضة على رأسهم جبهة النصرة، على الجزء الآخر من الشمال (حلب وادلب). ويتنازع النظام والمعارضة المنطقة الجنوبية، مع ارجحية للمعارضة.

في المقابل، يخسر تنظيم الدولة الاسلامية في المعارك المستمرة منذ اشهر بينه وبين المقاتلين الاكراد في اجزاء من محافظتي الحسكة وحلب. إذ يحظى المقاتلون الاكراد بدعم جوي من التحالف الدولي بقيادة اميركية. وقد تمكنوا في نهاية الاسبوع من السيطرة على قرى عدة في محافظة الرقة، معقل التنظيم الجهادي.

ويزيد هذا الواقع الميداني من صعوبة حسم الوضع في البلاد حيث تسببت الحرب بمقتل اكثر من 220 الف شخص منذ آذار/مارس 2011، ولا يبدو في الافق اي بريق امل لحل سياسي قريب.

وفي مقال كتبه المحلل آرون لوند على الموقع الالكتروني لمركز “كارنيغي” للابحاث اخيرا، قال “بغض النظر عمن يربح وعمن يخسر الحرب في سوريا حاليا، يمكن التأكيد ان لا احد يملك حظوظا في الانتصار”.

واضاف “في هذه المرحلة، من المستحيل تصوّر دولة نهائية واقعية ومستقرة (بغض النظر عن الديموقراطية) يديرها احد الاطراف الثلاثة الرئيسية المتنافسة على السلطة في سوريا”، في اشارة الى النظام وتنظيم الدولة الاسلامية والمعارضة المسلحة حيث النفوذ الاقوى للاسلاميين المتطرفين (النصرة).

وخلص لوند الى ان “المدن قد تسقط ثم تستعاد، المعارك قد تنتهي بالربح او بالخسارة (…) لكن لا يمكن الانتصار في حرب مثل الحرب السورية، بالقدر نفسه الذي لا يمكن التغلب على وباء او على زلزال”.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية