مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد دخولهم الرقة سوريون بالكاد يتعرفون على احيائهم المدمرة

عنصر من قوات سوريا الديموقراطية يجول بين أنقاض الحي القديم في الرقة في 25 أيلول/سبتمبر 2017 afp_tickers

يقف بشار حمود مذهولا في مسقط راسه الرقة، عاجزا عن التعرف على الأحياء والشوارع والساحات التي حفظها عن ظهر قلب بعدما دمرتها اشهر من المعارك ضد تنظيم الدولة الاسلامية.

تعكس ملامح بشار (26 عاماً) العنصر في قوات سوريا الديموقراطية، إحساسه بالهول لدى دخوله الاثنين، للمرة الاولى منذ سنوات، الى حي الرميلة المدمر في شمال شرق الرقة.

ويقول لوكالة فرانس برس “اعتدت المجيء الى الرميلة لان أخوالي كانوا يقيمون هنا وكنت أدرس في كلية الآداب”.

ويتابع “اذا نزلت من السيارة الآن لن أعرف كيف أعود. كل شيء اختفى. نحن في الرميلة لكن أين تحديدا في الرميلة، لا أعرف”.

وحول القصف منازل الحي المؤلفة بمعظمها من طبقتين إلى أكوام من الركام.

يجوب مقاتلون من قوات سوريا الديموقراطية المؤلفة من فصائل كردية وعربية مدعومة من واشنطن، ازقة الحي التي تغطيها الحجارة المتناثرة والركام، وتخلو من أي مدنيين.

وعند سماع دوي انفجارات عند وقوع غارتين قريبتين، يقطب بشار حاجبيه مبديا قلقه حيال مصير منزل عائلته في حي المعري الواقع على بعد 500 متر غربا وما زال تنظيم الدولة الاسلامية يسيطر عليه.

يقول بشار “سواء سلِم او سوي بالارض، أمنيتي الوحيدة أن أرى بيتي. لكن ما اعرفه ان الحي لم يتحرر بعد” مضيفاً “يقول لي الرفاق ربما يتحرر اليوم. اذا كان بيتي مدمرا، ستكون هذه بالتأكيد صدمة لي”.

فر بشار مع عائلته من مدينة الرقة في العام 2014، عند سيطرة التنظيم عليها. ثم عاد اليها في صفوف قوات سوريا الديموقراطية التي دخلت المدينة في حزيران/يونيو بعد نحو سبعة اشهر من شنها هجوماً واسعاً في المحافظة بدعم من التحالف الدولي.

وتشهد المدينة منذ ثلاثة اشهر معارك عنيفة تتخللها غارات كثيفة للتحالف. وتوشك قوات سوريا الديموقراطية على السيطرة على المدينة التي كانت تعد ابرز معقل للتنظيم في سوريا، وتعمل حالياً على ملاحقة فلول مقاتليه في المربع الاخير في وسط المدينة.

– “الألوان ترجع” –

ويتداول المقاتلون المتحدرون من الرقة كيف استبدل التنظيم أسماء أحياء ومساجد معروفة منذ عقود بأسماء أخرى خلال سيطرته على المدينة التي شكلت جزءاً من “الخلافة الاسلامية” التي أعلن اقامتها على مناطق سيطرته في سوريا والعراق المجاور منتصف العام 2014.

وبعدما كان السكان يعرفونه باسم حي الحكومة، اطلق التنظيم عليه اسم حي الحكمة، واستبدل تسمية مسجد الباسل بمسجد النور.

بدورهم، بدل السكان تسمية دوار النعيم، حيث اعتاد التنظيم تنفيذ عمليات اعدام جماعية، مستعيضين عنها بتسمية دوار الجحيم.

عند المدخل الشرقي للمدينة، يشير بشار الى علمين كبيرين معلقين، الاول لقوات سوريا الديموقراطية والثاني لوحدات حماية الشعب الكردي، المكون الاساسي في صفوف هذه القوات.

يقول بشار “كان هناك علم اسود عليه العبارة المعروفة +دولة الاسلام في العراق والشام+ والان انه علم قوات سوريا الديموقراطية والالوان ترجع” الى المدينة.

ورغم طرد التنظيم من تسعين في المئة من مساحة المدينة، تبقى الاحياء المدمرة والمتضررة خالية من سكانها، وبينها حي المشلب القريب.

ويوضح المقاتل الشاب “صدمت عندما دخلت لأول مرة الى الحي. الأسواق فارغة، وكأننا عدنا اكثر من مئة سنة إلى الخلف”.

وكان المشلب أول حي دخلته قوات سوريا الديموقراطية في الرقة في حزيران/يونيو، وهو الحي الذي يتحدر منه المقاتل فاهد المشلبي.

وعند دخول قوات سوريا الديموقراطية الى الحي، قرر فاهد الذي كان يقيم حينها في مخيم للنازحين شمال الرقة الانضمام الى صفوف مقاتليها لطرد التنظيم من مدينته.

ويقول لفرانس برس وهو يقف عند الاطراف الغربية لحي الرميلة “لم أذهب الى حي المشلب بعد. نريد أن ننتهي من هذه الجبهة هنا”.

ويضيف “والله انسونا الحي. لم أعرفه ابداً. الشارع الذي كنا نعرفه محوه تماماً” لافتا الى انه بالكاد يتعرف على المحال والاماكن التي اعتاد ارتيادها.

– “صُدمت” –

بخلاف كل من بشار وفاهد، تمكن خالد من معاينة ما تبقى من منزله في حي الدرعية في غرب المدينة.

ويتحدر المقاتل البالغ 39 عاماً من بلدة مسكنة في ريف حلب الشرقي، لكنه اعتاد قضاء اجازاته الصيفية خلال طفولته في الرقة حيث التقى لاحقا زوجته وعقد قرانه.

يقول بحنين “الرقة كانت عروس الفرات” مستعيداً الليالي التي كان يقضيها مع اصدقائه على ضفاف النهر جنوب المدينة.

وفر خالد مع زوجته واولاده من الرقة مع سيطرة التنظيم المتطرف عليها، وبعد قتاله في صفوف قوات سوريا الديموقراطية لاسابيع عدة، تمكن من دخول حي المشلب لأول مرة قبل اسبوع.

يقول بحسرة “صدمت والله. هذا ليس حيي. ذهبت الى بيتي، لم يكن بيتي”، مضيفاً “الآن لا توجد الا الجثث.. من لا يعرف البكاء فليأتي الى الرقة ليتعلم”.

ولم يجرؤ خالد على اخبار زوجته بما آل اليه منزله.

ويقول “والله العظيم أخبرت زوجتي ان البيت ما زال موجوداً وكل الأغراض في مكانها والصور معلقة على الجدران وان الله حامي هذا البيت”.

ويضيف بحزن “ماذا يمكن أن اقول لها؟ سادعها تعيش الكذبة”.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية