مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد 17 عاماً، هل فشلت السياسة الأميركية في العراق؟

جنديان أميركيان في قاعدة التاجي على بعد 30 كلم شمال بغداد، في 29 كانون الأول/ديسمبر 2014 afp_tickers

في العام 2003، وعدت الولايات المتحدة العراقيين بالديموقراطية والازدهار وبعراق جديد. لكن اليوم وبعد 17 عاماً على غزو البلاد، قد يغادر الأميركيون بلداً بمؤسسات ضعيفة، وانقسام طائفي، وتحت سيطرة طهران، عدوة واشنطن اللدودة.

ويعاني العراق اليوم ضعفاً اقتصادياً وصناعياً، ولا يمكنه تجديد وضعه السياسي بسبب المحاصصة الطائفية، الأمر الذي اعتبره الباحث المختص بشؤون الشرق الأوسط كريم بيطار على أنه “أنه فشل كامل”.

وأشار بيطار إلى أن ما حصل كان متوقعاً لأن “الدودة كانت تأكل الثمرة من الداخل” منذ دخول القوات الأميركية إلى العراق في 20 آذار/مارس 2003.

وانتقد بيطار “الترتيبات الدستورية التي وضعها الأميركيون، خصوصا ما اقتبس عن النموذج اللبناني وطابعه المؤسسي الطائفي”، ما أدى إلى تزايد الانقسامات وغموض قانوني واقتصادي سمح للقيادات الفاسدة والجماعات المسلحة بفرض سيطرتها.

ولفت بيطار إلى أن الأقليات، وخصوصاً الطائفة المسيحية، فرت من البلاد، وأن “الانتخابات التي كان يفترض أن تشكل تحولاً صارت استفتاء طائفياً”.

– دستور غير متناغم –

أما الدستور، الذي يتعرض إلى “انتهاك مستمر” منذ تطبيقه في العام 2005، بحسب ما ذكر مسؤول حكومي عراقي، فلا يمكن له التفاعل مع متغيرات الظروف السياسية في العراق.

فالفدرالية مثلاً والمناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، أجلها الدستور إلى وقت لاحق.

ماذا لو استقال رئيس الوزراء؟ وهو الأمر الذي قام به عادل عبد المهدي نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، ما جعل الجميع يكتشف بأن الدستور غاب عن هذا الاحتمال.

منذ العام 2003، لم يزدهر الإطار القانوني القوي على أنقاض الدكتاتورية، بل وسائل التحايل عليه. فلجان مكافحة الفساد المتعددة لا تتوقف عن تعداد الأساليب التي يسلكها سياسيون يحتكرون المناصب، للكسب غير المشروع من أموال الدولة.

وفي حين لم يتحقق الانتقال من اقتصاد صدام حسين الاشتراكي الذي كان خاضعاً لحظر دولي، إلى اقتصاد السوق، فإن المحسوبية أدت إلى تضخيم رواتب الموظفين، والفساد أدى إلى تبخّر جزء كبير من ميزانية الدولة.

على الصعيد الأمني، فرت القوات العراقية التي سلمها الأميركيون المسؤولية الأمنية عند نهاية الاحتلال نهاية عام 2011، أمام هجوم تنظيم الدولة الإسلامية.

ويرى بيطار أن “أكبر خطأ إستراتيجي” للأميركيين بعد 2003 كان “حل قوات الجيش والشرطة بشكل مماثل لاجتثاث النازية في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية”.

وإضافة إلى الأمن، تهاوت غالبية القطاعات وبينها الصحة والتعليم، التي كانت ذات يوم الأفضل بين دول المنطقة.

حتى المجتمع المدني، الذي لم يكن يرتبط بتغيير النظام عام 2003، لم يستطع الإبقاء على تماسكه خلال السنوات التي أعقبت ذلك.

واليوم هناك لاعب جديد في البلاد، يحظى بالشرعية، هو الحشد الشعبي الذي يضم فصائل ذات غالبية شيعية قاتلت الاحتلال الأميركي. وباتت هذه القوة اليوم الأقوى في إطار القوات الأمنية الحكومية، وتلعب دوراً في الدفاع عن مصالح إيران.

– ترامب وإيران –

قال الباحث المختص في شؤون العراق فنر حداد لوكالة فرانس برس إن الجارة إيران لديها “عوامل سياسية وماض سياسي وثقافي مشترك لا تملكه الولايات المتحدة” مع العراق.

وأضاف أن واشنطن “لم تحول قوتها العسكرية إلى عامل سياسي.

ويرى حداد أن الولايات المتحدة أصبحت اليوم أمام خيارين، إما استخدام السلاح، أو فرض حصار جديد ومنع تدفق الدولار.

في المقابل، لدى إيران اليوم سوق تجارية متنامية مع العراق، وبلغت صادراتها تسعة مليارات دولار خلال العام 2019، إضافة إلى فصائل مسلحة يمكن تعبئتها داخل هذا البلاد وخارجها، ومنفذ لتخطي العقوبات الأميركية والحصول على الدولار.

وأوضح أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة باريس جان بيار فيليو أنه من أجل تطوير “استراتيجيتها التي وضعتها منذ حرب 1980-1988، وتهدف إلى تحييد العراق، على الأقل، وبأحسن الأحوال وضعه تحت حمايتها”، وجدت طهران الحليف المناسب، ممثلاً بالرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه.

ويرى فيليو إن “هدف طهران أصبح أكثر سهولة من خلال أخطاء البيت الأبيض”.

والدليل هو ما حدث قبل أيام، عبر إرسال قائد القوات الأميركية في العراق رسالة تعلن انسحاب قوات بلاده من العراق، فيما نفى البنتاغون ذلك، الأمر الذي زاد من حالة الإرباك في العراق.

وواصلت المروحيات الأميركية التحليق في ظل دعوات عراقية لرحيل القوات الأميركية التي أشارت في ما بعد إلى أنها “تعيد تمركزها”.

ووصف مسؤول عسكري أميركي ما حدث بأنه “غباء”.

لكن حتى وإن كانت إيران صاحبة النفوذ الأكبر على الطبقة السياسية، يبقى الشارع العراقي الذي خرج للتظاهر منذ الأول من تشرين الأول/أكتوبر، قادراً على تغيير المعادلة.

وقال بيطار إن الاحتجاجات أظهرت أن “العراقيين رغم اختلافاتهم الطائفية، ما زالت لديهم الرغبة في إعطاء الأولوية للقضايا المجتمعية والاقتصادية ويرفضون استغلالهم من قبل قوى أجنبية”.

ويقترح كثير من العراقيين، العودة لتطبيق نظام رئاسي كما كان الحال قبل العام 2003، كبديل يؤمن إلغاء جميع المؤسسات التي أنشأها الأميركيون.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية