مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

طهران ترى واشنطن معزولة وخاسرة بعد إعادة فرضها العقوبات الأممية أحاديا

جدارية مناهضة للولايات المتحدة في أحد شوارع طهران، في صورة مؤرخة 20 أيلول/سبتمبر 2020. afp_tickers

وضعت إيران الأحد الولايات المتحدة في خانة العزلة والخسارة الدوليتين، بعد إعلان واشنطن الأحادي إعادة فرض العقوبات الأممية على طهران وتوعدها بمعاقبة من يخرقها، في خطوة لاقت انتقادات واسعة لا سيما من روسيا والأطراف الأوروبيين الموقعين على الاتفاق النووي.

وأعلنت واشنطن أن عقوبات الأمم المتحدة التي رفعت بموجب الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني (2015)، دخلت مجددا حيز التنفيذ منتصف ليل السبت الأحد ت غ، محذرة من “عواقب” على الدول غير الملتزمة بها.

لكن دولا عدة، بينها حلفاء تقليديون لواشنطن، رأت أن هذا الإجراء يفتقد للأساس القانوني، لا سيما أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحبت بشكل أحادي من الاتفاق في العام 2018، وأعادت فرض عقوبات قاسية على طهران.

ورأت إيران في سلسلة مواقف الأحد، أن الرفض الدولي للإجراء الأميركي هو لصالحها، ويحول سياسة “الضغط الأقصى” التي اتبعتها إدارة ترامب حيالها لأعوام، “عزلة قصوى” لواشنطن.

وجاء الموقف الأوضح في هذا السياق من الرئيس حسن روحاني الذي قال على هامش اجتماع حكومي إن “سياسة الضغط الأقصى للولايات المتحدة ضد إيران، في شكلها السياسي والقانوني، تحولت الى سياسة عزلة قصوى للولايات المتحدة”.

ولفت الى أن الولايات المتحدة، أبرز الدول الخمس الدائمة العضوية، تلقت “ثلاث هزائم متتالية في مجلس الأمن الدولي، أي في المكان الذي لطالما اعتقد الأميركيون أنه نقطة قوتهم”.

وتلقت واشنطن في منتصف آب/أغسطس الماضي انتكاسة كبيرة في مجلس الأمن لدى محاولتها تمديد حظر الأسلحة على طهران الذي ينتهي في تشرين الأول/أكتوبر طبقاً للاتفاق النووي.

يضاف الى ذلك، عدم تجاوب المجلس مع إعلان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قبل شهر تفعيل آلية “سناب باك” لإعادة فرض العقوبات الدولية، وصولا الى إعلانه الأخير.

وقال بومبيو السبت “اليوم، ترحّب الولايات المتحدة بعودة جميع عقوبات الأمم المتحدة تقريبا التي ألغيت في السابق على جمهورية إيران الإسلامية”.

وحذرت الإدارة الأميركية من أن “عواقب” ستطال أي دولة عضو في الأمم المتحدة لا تلتزم العقوبات، على رغم أن واشنطن تبدو وحيدة في اعتبارها أن العقوبات عادت لتصبح أمرا واقعا.

وكانت إيران بادرت الاحد عبر المتحدث باسم وزارة خارجيتها سعيد خطيب زاده، الى دعوة المجتمع الدولي للتحدث “بصوت واحد” في مواجهة “التحركات المتهورة” لإدارة ترامب.

وقال خطيب زاده خلال مؤتمره صحافي “نتوقع من المجتمع الدولي وجميع دول العالم الوقوف ضد هذه التحرّكات المتهورة من قبل النظام في البيت الأبيض والتحدّث بصوت واحد”.

وقلل من أي أثر لهذا الإجراء، موضحا “الولايات المتحدة معزولة جدا جدا في مزاعمها (…) أعتقد أن هذه هي الأيام والساعات الأكثر مرارة” لواشنطن.

وشدد على أن “رسالة طهران الى واشنطن واضحة. عودوا الى المجتمع الدولي، الى التزاماتكم (…) والعالم سيتقبلكم” حينها.

وفي تعليقه على الإجراء الأميركي، كتب وزير الخارجية محمد جواد ظريف مساء الأحد عبر حسابه على “تويتر”، إن “العالم يقول إنه لم يتم إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن”.

وأضاف غامزا من قناة بومبيو من دون أن يسميه “لكن السيد +نحن كذبنا، نحن غششنا، نحن سرقنا+ يهدد بمعاقبة عالم يرفض العيش في عالمه الموازي”.

ونددت البعثة الصينية في الامم المتحدة في تغريدة باجراء “يخلو من اي اثر قانوني وسياسي”، مؤكدة ان رفع العقوبات الذي نصت عليه قرارات الامم المتحدة سيستمر وحان الوقت “لانهاء المسرحية السياسية التي تمارسها الولايات المتحدة”.

ورُفعت العقوبات الأممية عام 2015 عندما وقّعت إيران والدول الست (الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن+ألمانيا)، اتفاقا تعهدت بموجبه طهران عدم السعي لامتلاك أسلحة نووية.

لكن ترامب يعتبر الاتفاق المبرم في عهد سلفه باراك أوباما غير كافٍ، وانسحب منه قبل عامين معيدا فرض عقوبات قاسية من بلاده على إيران.

وتصر الولايات المتحدة على أنها لا تزال شريكة في الاتفاق، ويحق لها تفعيل آلية “سناب باك” لإعادة فرض العقوبات، ما يلقى اعتراضا من كافة الدول الأعضاء في مجلس الأمن تقريباً.

– “عواقب” دون “أثر قانوني” –

وبعد الإشعار الأميركي، برزت العديد من المواقف المنتقدة للخطوة.

وصدر بيان مشترك الأحد عن الدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق (فرنسا وبريطانيا وألمانيا)، أكدت فيه عدم وجود “أي أثر قانوني” لإشعار بومبيو.

واعتبرت موسكو أنه “لا يمكن لمبادرات وتحرّكات الولايات المتحدة غير الشرعية أن تحمل عواقب قانونية دولية بالنسبة للبلدان الأخرى”.

وذكّر وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الأحد بانسحاب واشنطن الأحادي قبل عامين، “وبالتالي لا يمكن اعتبارها مشاركة في +خطة العمل الشاملة المشتركة+ (الاسم الرسمي للاتفاق النووي)”، ولا يمكنها إطلاق آلية إعادة فرض العقوبات الأممية.

وأتت هذه المواقف بعد ساعات من اعتبار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن ما ستقدم عليه الولايات المتحدة يمثل “ادعاء باطلا”.

وشكر روحاني الأحد أعضاء مجلس الأمن “الذين وقفوا في وجه الطلب الأميركي غير القانوني”، مكررا موقف بلاده بشأن عودتها للالتزام الكامل بموجبات الاتفاق النووي، في حال التزمت الدول التي لا تزال منخرطة فيه بتعهداتها.

– صعوبات اقتصادية قائمة –

لكن واشنطن بدت ماضية في إجراءاتها بدون أي اعتبار لهذه المواقف.

وتعهّد بومبيو السبت ان يتم خلال أيام اعلان الإجراءات بحق “منتهكي” العقوبات، مؤكدا استعداد الولايات المتحدة “لاستخدام سلطاتنا الداخلية لفرض عواقب على الجهات التي تقف وراء هذه الإخفاقات وضمان ألا تجني ايران مكاسب من هذا النشاط المحظور من قبل الأمم المتحدة”.

ويتوقع أن يتطرق ترامب لتفاصيل هذه الإجراءات خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الثلاثاء، والذي سيكون الأخير له أمام المنظمة قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر، حيث يسعى للفوز بولاية ثانية.

وسبق لبومبيو أن ندد في آب/أغسطس برفض غالبية أعضاء مجلس الأمن تمديد حظر الأسلحة على إيران، متهما فرنسا وبريطانيا وألمانيا، الحلفاء التقليديين لبلاده، بـ”الانحياز إلى آيات الله”.

وتكرر في أروقة الأمم المتحدة الموقف المقلل من شأن الخطوة الأميركية.

وقال دبلوماسي أممي “لا شيء سيحدث” مضيفاً أن الوضع “أشبه بالضغط على الزناد من دون انطلاق الرصاصة”.

وقال مندوب روسيا دميتري بوليانسكي “من المؤلم أن نرى كيف يمكن لدولة أن تهين نفسها بهذه الطريقة، وتعارض بهذيانها العنيد سائر أعضاء مجلس الأمن الدولي”.

على رغم ذلك، تتصرف إدارة ترامب كأن العقوبات أُعيد فرضها.

وتشدد واشنطن على أنه تم تمديد الحظر على الأسلحة “إلى ما لا نهاية” وأن العديد من الأنشطة المرتبطة ببرامج إيران النووية والصاروخية باتت الآن هدفا لعقوبات دولية.

وفي شوارع طهران، لاقى سكان في العاصمة الإعلان بعدم مبالاة في ظل الآثار الكبيرة للعقوبات المفروضة حاليا، لاسيما لجهة انعكاسها على قيمة العملة المحلية وكلفة المعيشة.

وقالت مدربة الفنون القتالية ليلى زنقنه لوكالة فرانس برس “الأمور صعبة جدا على الناس حاليا. بصرف النظر عما اذا تم فرض العقوبات أم لا، نحن نعيش في ظل صعوبة قصوى”.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية