مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الشرق الأوسط: متى ينال استحقاقه كمنطقة تصدير هامة لسويسرا؟

سِحر شرم الشيخ: تفتقر مصر إلى الصناعات التي تؤهلها للإنتاج للأسواق العالمية. ولا يتبقى لها سوى السياحة وإحالة أيديها العاملة إلى دولٍ أخرى Keystone

وفقا لأحدث الأرقام المتعلـقة بالتجارة الخارجية، تقوم سويسرا بتصدير مُـنتجات تُـقدَّر بنحو 7 مليارات فرنك سويسري إلى منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يعني في الواقع بأن صادرات الكنفدرالية إلى هذه المنطقة، لا تقِـل في أهميتها عن صادراتها إلى الصين، ولكن في المقابل، وبإستثناء النفط والغاز، لا تستورد سويسرا سوى القليل من الدول العربية.

وتعود أحد الأسباب الرئيسية للأزمة الحالية في مصر وتونس، والتي تنعكس من خلال الاحتجاجات الجماهيرية، إلى النقص الكبير في فُـرص العمل في ظلِّ وجود ملايين الأشخاص من ذوي التعليم الجيد. وتعكس نظرة على هيكلية العلاقات التجارية بين سويسرا وهذه الدول، بأن منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج وبعض دول شمال إفريقيا، لا تقل في أهميتها كدولٍ مُصَدِّرة إلى الكنفدرالية، عن الصين التي تُعتَبر ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم.

وتشير أرقام التجارة الخارجية لإدارة الجمارك الفدرالية السويسرية، التي نُشِرَت يوم 3 فبراير من العام الجاري، بأن حجم الصادرات إلى كلٍ من الصين من جهة ودول الشرق الأوسط من جهة أخرى في عام 2010، بلغ نحو 7 مليار فرنك سويسري.

وكما يشير رودي بوخي، خبير الشرق الأوسط وإفريقيا في شبكة الأعمال وتنشيط التجارة الخارجية السويسرية (OSEC) أمام swissinfo.ch، فإنَّ هذا المبلغ سوف يرتفع ليصل إلى 8 مليار فرنك سويسري، فيما لو أضيفت إسرائيل إلى العملية الحسابية. ويضيف بوخي مُعَلِّقاً: “ولكن في الوقت الذي ترِد فيه علاقات سويسرا التجارية مع الصين على كل لسان، فإننا بالكاد نسمع عن التبادل التجاري مع الدول العربية”.

تعليم جيد مقابل فرص عمل ضئيلة

ومن الملاحظ أن تطوّر العلاقة بين سوق العمل والنظام التعليمي في دول الشرق الأوسط، والتي اتسمت حتى وقت قريب بهَيمنة الدولة وإدارتها للإقتصاد، لم يتصف بالتوازن.

وفي وصفه للوضع في بلدان شمال إفريقيا، قال فرانتس شولتهايس، محاضر عِـلم الإجتماع في جامعة سانت غالن (شرق سويسرا) في مقابلة مع swissinfo.ch: “بعد نهاية حِـقبة الإستعمار، أصبح نظام التعليم الرسمي مُتاحاً لفئة واسعة من الجماهير”. وحسب شولتهايس، تكمن المشكلة في عدم توفير سوق عملٍ يتلاءم مع عدد خرِّيجي الجامعات، الذين أنتجتهم هذه البلدان.

من جانبه أيضاً، أكَّد رودي بوخي هذه الحقيقة قائِلاً: “في دول الخليج وحدها، هناك ما يُقَدَّر بنحو مليون شخص من العمّال المهرة ومن ذوي التعليم الجيد القادمين من مصر”، وأضاف: “يتمتع الأطباء المصريين على وجه الخصوص، بالتقدير والشهرة في الخارج”.

ومن خلال سيطرتها على قناة السويس وموقعها المركزي في العالم العربي، تلعب مصر دوراً مهماً في سياسة القارة الإفريقية وحوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، وفي العالم كَكُل. كما تمتاز بأنَّها الدولة العربية الأكثر اكتظاظا بالسكان، إلى جانب كونها الدولة الأكثر تصنيعاً في هذه القارة بعد جمهورية جنوب إفريقيا.

إدراك متهاون

ومن الملاحظ، وجود الكثير من التهاون حول أهمية الشرق الأوسط كمنطقة تصديرية في الإدراك السويسري، حتى بالمقارنة مع فئات أخرى من البلدان أو المناطق. وكما يقول خبير شبكة الأعمال وتنشيط التجارة الخارجية السويسرية: “يتحدَّث الجميع عن الوزن المُتزايد للأسواق الناشئة في كلٍّ من البرازيل والهند والصين وروسيا (التي يُطلَق عليها اختصارا مجموعة BRIC والتي تتّـصف بكونها صاحبة أكبر نمو إقتصادي في العالم)، ولكن، حتى هذه الدول لا تُضيف زيادة كبيرة على ميزان الصادرات، مُقارنة بدول الشرق الوسط. وقد بلغ مقدار الصادرات السويسرية إلى كلٍّ من الهند والبرازيل، حوالي المليارين ونصف، في حين بلغ 2,6 مليار فرنك إلى روسيا.

وتعود أحد التفسيرات حول أسباب هذا الاختلاف في التصور، إلى تباين وجهات النظر تُـجاه الشرق الأوسط، مقارنة بدول مجموعة BRIC والدول الآسيوية. فبينما تتدفّـق المواد الخام القليلة المُعالجة، كالنفط والغاز، بالدرجة الأولى، من الشرق الأوسط إلى الدول الصناعية، تصَدِّر آسيا ودول مجموعة BRIC على نحوٍ متزايد، سِـلعاً إستهلاكية وصناعية جاهزة.

ويُعَلِّق بوخي في نفس السياق بالقول: “تتمتع سويسرا بسمعة عالية جداً في مصر وفي جميع دول العالم العربي. وتشكل مصر بالنسبة للكنفدرالية، سوقاً كبيرة غنية بالسكّان. ومن أجل دعم العلاقات الإقتصادية، تم عقد اتفاقية للتبادل التجاري الحر بين مصر والدول الأعضاء في الرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر (إيفتا EFTA) في عام 2009. وتشكِّل سويسرا أحد أعضاء هذه الرابطة. وكما هو الحال في بلدان أخرى، يمكن العثور على البيروقراطية في مصر والفساد أيضاً في بعض الأحيان”.

إنفتاح ذهني كبير

تملك مصر تقاليد طويلة جداً كوجهة سياحية، وهي تكسب أكثر من 10% من ناتجها المحلي الإجمالي من خلال صناعة السياحة. ويمتاز المصريون بإنفتاحهم على العالم الخارجي وبإطلاعهم الجيد جداً. وحسب وصف بوخي: “إنهم قادرون على تَقييم وضعهم المعيشي بشكل جيد جداً”، ويضيف: “على ضوء الإنفتاح الإقتصادي والإتصالات مع الدول الأجنبية، إتضح للشباب المصري المثقف، وبشكلٍ متزايد، قَلّة ما يملكه من إحتمالات”.

كما أنَّ المصريين مُطَّـلِعون على القيَم الغربية وبإستطاعتهم مقارنتها بتلك الموجودة داخل وطنهم وهم يُدركون على سبيل المثال، الفجوة الكبيرة بين دخلهم والثروة في مصر، وهو ما يؤدي إلى عدم الرضا بطبيعة الحال.

وكما يقول البروفيسور شولتهايس من سانت غالن، فإنَّ الوضع في تونس مشابه لِـما هو عليه في مصر، إذ تدفقت عائدات السياحة هناك أيضاً إلى نظام التعليم بشكلٍ مباشر، مما أدّى أيضاً إلى ظهور البرُولِيتَارْيَا الأكاديمية، التي تعيش في ظروف سيئة وغير مستقرة للغاية.

الثمر والفول في مواجهة التقنية الحديثة

هذا الاختلال يتجلّى أيضاً في التجارة الخارجية بين سويسرا وهذه الدول. ففي الوقت الذي تستورد فيه الكنفدرالية المزيد من التقنية، كأجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة والسيارات من الصين، بدلاً عما كانت تستورده سابقاً من منتجات استهلاكية رخيصة، كالملابس أو البضائع المنزلية مقابل صادراتها من المنتجات الإستثمارية والساعات الفاخرة، فإنها تستورد، ولِعقود عِدّة، نفس المُنتجات المُتمثلة بالثمر والفاصوليا والعنب، من الدول العربية كمصر.

من ناحيتها، تتشابه صادرات سويسرا إلى كلتا المنطقتيْـن، كما يقول بوخي، وهي تتمثِّل بالسلع الاستثمارية ومُـعدّات المصانع والأجهزة الدقيقة والمستحضرات الصيدلانية والكيميائية. ومن مجموع 7 مليار فرنك، تبلغ قيمة صادرات الكنفدرالية إلى دول الخليج وحدها، أكثر من 4 مليارات.

وتكشف الواردات من مصر، التي يزيد عدد سكانها عن 80 مليون نسمة، عدم توازن الميزان التجاري مع الشرق الوسط، ذلك أنَّ قيمة ما تستورده سويسرا من كُبرى دول هذه المنطقة، لا تتجاوز حدود 100 مليون فرنك، في الوقت الذي تُصَدِّر فيه الكنفدرالية بضائع تزيد بسبع مرات إلى بلد وادي النيل.

مع عدد سكانٍ يزيد عن 83 مليون نسمة ومعدَّل نمو سكّاني سنوي يبلغ نسبة 3%، فإنَّ دولة وادي النيل محكومة بالنمو الإقتصادي.


يشهد كل عام تدفّـق ما بين 600,000 إلى 700,000 من الشباب إلى سوق العمل. ويُظهِر معدَّل البطالة الرسمي نسبة تتراوح بين 9 – 10%، ولكن الرقم الحقيقي غير المُعلَن أكبر من ذلك بكثير.


منذ عام 2006 وحتى عام 2008، شهد الإقتصاد المصري نمواً بلغ نسبة 7% سنوياً. وفي الأعوام 2009 و2010، بلغت نسبة النمو 5,1% وِفقاً لمنظمة التعاون والتنمية، وهي تُعتبر علامة جيِّدة في الواقع.


وفقاً لِخطة الحكومة المصرية، كان من المفترض أن تكون نسبة الزيادة السنوية لهذا النمو بمقدار 6%. وقد لعبت الأزمة المالية والاقتصادية العالمية دورها أيضاً في عدم تحقيق هذه الزيادة خلال السنوات الماضية،


ساهمت صناعة السياحة المصرية في الظروف الاعتيادية قبل الأزمة بنحو 11% من الناتج الإجمالي المحلّي، ولكن عدد السواح إلى مصر انخفض بعد الأزمة السياسية الحالية.


في حال “برود” الاقتصاد العالمي، سينخفض عدد السفن المارة من خلال قناة السويس، التي تشكل عائداتها في العادة نسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر.

بلغت قيمة تحويلات المصريين المُقيمين في الخارج إلى بلدهم قبل الأزمة نحو 4% من الناتج المحلي الإجمالي. كذلك تراجع الإستثمار الأجنبي المباشر، الذي ارتفع من مليار دولار في عام 2003 إلى ما يقرب من 13 مليار دولار في عام 2007 (أكثر من من الناتج المحلي الإجمالي)، منذ ذلك الحين.


على الرغم من كل الجهود المبذولة، بلغ الناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد في مصر في عام 2010 ما يُعادل 2000 دولار فقط، وهو ما يقرب من نصف القيمة في تونس.


(المصدر: منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية  OCDE)

يزيد عدد الشركات والمؤسسات السويسرية العاملة في مصر عن 100 شركة تقع من ضمنها: شركة أي بي بي ABB (الناشطة في صناعة المعدّات الكهربائية والآلات الصناعية والأنظمة المتعلقة بها، بالإضافة إلى قطاع الطاقة والخدمات المالية وأنظمة البناء)، وشركة كلاريانت Clariant (لتصنيع مجموعة من المواد الكيميائية المُتخصصة التي تقوم أساسا على كيمياء الصبغات والبوليمرات) ومجموعة نوفارتس  Novartis (للصناعات الصيدلانية والكيميائية) وشركة نيستلي Nestlé (المتخصصة في إنتاج المواد الغذائية والأطعمة المعلبة) وشركة بوهلر Bühler (المختصة في مجال توريد النباتات والخدمات لمعالَجة الحبوب والمواد الغذائية، فضلاً عن تصنيع المواد المُتقدمة) ومجموعة أس جي أس SGS (أكبر مؤسسة للتفتيش ومَنح الشهادات للشركات في العالم) وشركة روش Roche (لصناعة الأدوية والكيميائيات التشخيصية وأكبر شركة لصناعة أدوية السرطان في العالم) ومصرفيْ كريدي سويس Credit Suisse ويو بي أس UBS. ولا ننسى بطبيعة الحال، سلسلة فنادق ومنتجعات موفنبيك Mövenpick، التي كان مؤسسها أولي براغير رائِداً في إكتشاف مصر كواجهة سياحية منذ سبعينيات القرن الماضي.

وتقوم سلسلة فنادق ومُنتجعات موفنبيك في مصر بتوظيف 2800 عاملاً. وقد أعلنت من جانبها بأنَّ فنادقها سوف تبقى مفتوحة، في الوقت الذي انقطعت فيه شركات أخرى عن الإنتاج لفترة قصيرة.

وكانت مصر في عام 2009 رابع أكبر شريك تجاري لسويسرا في القارة الإفريقية، بعد كل من جمهورية جنوب إفريقيا وليبيا والجزائر، التي تستورد منها الكنفدرالية الغاز والنفط.

وفي نفس العام، بلغت قيمة الصادرات السويسرية إلى مصر 656 مليون فرنك، في الوقت الذي بلغت فيه وارداتها مبلغ 109 مليون فرنك سويسري.

في فبراير 2009، قامت دوريس لويتهارد، وزيرة الاقتصاد السويسري السابقة بزيارة مصر برفقة وفد اقتصادي.

وكانت الرابطة الأوربية للتجارة الحرة، التي تنتمي إليها سويسرا قد وقَّعَت على اتفاقية للتبادل الحر في عام 2007، من أجل تعزيز العلاقات التجارية القائمة وتطويرها في مجالات جديدة. وقد دخلت الاتفاقية حيِّـز التطبيق في 1 سبتمبر 2008.

وفقاً لوكالة رويترز للأخبار، ينتمي المركزان الماليان، زيورخ وجنيف، إلى تلك “الملاذات الآمنة”، التي يثق بها أغنياء منطقة الشرق الأوسط للاحتفاظ بثرواتهم في الأوقات الراهنة، التي تتصف بالتأزم السياسي.


وقد أصبحت الزيادة في تدفّـق رأس المال من هذه المنطقة، أمراً محسوساً بالفعل.

ومن الملاحظ بأن المصارف السويسرية الخاصة بالذات، والتي خلَّفت وراءها سنوات صعبة بسبب ما وصِـف بـ “تراخيها” مع السِـر المصرفي، تُظهر اليوم فائِدَة واضحة من خلال موقعها المُتَمَيّز.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية