مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

اللوبي المصرفي السويسري المُتنفذ يحتفل بالذكرى المائوية لتأسيسه

من أجل تقديم نفسها بشكل دولي وحديث، تطلق جمعية المصارف السويسرية على نفسها منذ عام 2001 أيضاً تسمية SwissBanking (سويس بانكينغ). ebn24.com

يعود تاريخ نجاح سويسرا، كمركزٍ مالي في جزء هام منه، إلى جمعية المصارف السويسرية SwissBanking التي تحتفل هذا العام بِذكرى مرور 100 عام على تأسيسها.

ولكن قوة ونفوذ هذه الجمعية، لِصالح القطاع المصرفي، لا تلاقي نفس التقدير في جميع الأماكن ولدى جميع الأطراف.

ووِفقاً لِموقع الجمعية على الإنترنت، “يمثل المركز المالي أهم قطاع لتحقيق الرخاء في الكنفدرالية، حيث يولد 12% من الناتج الإجمالي المحلي، كما يوفر 195,000 فرصة عمل من النوع الجيد.

وقد تأسست جمعية المصارف السويسرية في مدينة بازل عام 1912، لتمثيل مصالح القطاع المصرفي. وللظهور بِحُلّة دولية حديثة، تقدِّم الجمعية نفسها منذ عام 2001 أيضاً، تحت اسمها الجديد “سويس بانكينغ “SwissBanking. 

وفي يوم 19 يناير 2012، قدَّمت الجمعية تقريرها الخاص بمناسبة الذكرى المائوية على تأسيسها، والذي كلّفت بتأليفه المؤرِّخ روبرت فوغلر، الذي كان يرأس قسم البُحوث التاريخية لمصرف يو بي أس UBS في الأعوام بين 2003 وحتى 2009.

السر المصرفي يعود للواجهة

وكما جاء في التقرير، كان إدخال قانون المصارف في عام 1935، حدثاً بالغَ الأهمِّـية في تاريخ جمعية المصارف السويسرية، التي كانت تعارض هذا القانون بشدّة في البداية. وكان السبب في إطلاق هذه الرّقابة المصرفية الجديدة حينئذٍ، هو قيام البنك الشعبي السويسري بالمشاركة بمعاملات ائتمانية محفوفة بالمخاطر في ألمانيا، مما استوجب تدخل الحكومة الفدرالية لإنقاذه.

ووِفقاً لفوغلر، يعود هذا القانون اليوم إلى الذاكرة فقط، لأنّه كان وراء إرساء الإطار القانوني للسرية المصرفية وتنظيمها، والتي لم تكن مكتوبة حتى ذلك الوقت. وحسب المؤرِّخ، لَمْ تلعب السرية المصرفية حينئذٍ سوى دوراً هامشياً فيما يتعلق بالسياسة العامة – وهو أمرٌ يُـثير الدهشة اليوم.

في الواقع، فإنّ هذه السرّية تجُـر نفسها كالخيط الأحمر خلال تاريخ جمعية المصارف السويسرية. وكان على اللوبي المصرفي منذ ذلك الحين، ولكن في أوقات لاحقة أيضا، الدفاع عنها مِـراراً وتِـكراراً ضد هجمات من داخل الكنفدرالية وخارجها.

وكما كتب فوغلر، كانت الخلافات مع سلطات الضرائب في فرنسا والولايات المتحدة على سبيل المثال، تشغل الجمعية لسنوات عديدة وبشكلٍ مكثَّف، وإن كانت هذه الأحداث تدور خلْـف الكواليس بشكل رئيسي.

ومما جاء في التقرير على سبيل المثال، هو ما يسمى بـ “قضية باريس”، والتي تتلخص بالقبض على موظفيْـن كانا يعملان في مصرف بازل التجاري أثناء اجتماعهما مع مواطِنين فرنسيين أثرياء، أثناء مساعدتهم لهؤلاء في التحايُـل على الضرائب الفرنسية.

كذلك، طالبت وزارة الخزانة الأمريكية، البنوك السويسرية بتوفير معلومات تخُـص مُـمتلكات لم يُعلَن عنها للسلطات الضريبية للسنوات من 1929 وحتى 1933، كما أرادت تفاصيل تخصُّ تعاملات مالية. ويذكر التقرير كذلك، بأن الولايات المتحدة أرادت فَرض إلغاء السرية المصرفية بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن محاولاتها باءت بالفشل.

رفض المبادرة المصرفية الشعبية

كذلك، خصَّـص روبرت فوغلر في التقرير فصلاً حول “المبادرة المصرفية الشعبية”، التي أطلقها اليسار السياسي في عام 1978 ضدّ “إساءة استخدام السرية المصرفية”.

وكانت منظمات تنمية وإغاثة من دول العالم الثالث تُلقي باللَّـوم على المصارف السويسرية وتسعى إلى “محاربة المليارات التي تتمتّـع بحماية السرية المصرفية والتي يُعتَقَد أنها هُرِّبَت من الدول النامية إلى تلك المصارف”. وكما يذكر المؤرخ فوغلَر: “في ظل التوجيه المِهني لجمعية المصارف السويسرية، تكلّـل رفض هذه المبادرة بالنجاح”.

“أموال غيْـر خاضعة للضريبة فقط”

وفي عام 2007، اتَّـضح لجمعية المصارف السويسرية قَبل غيرها من اللاّعبين في الأسواق المالية الأخرى، بأن “مستقبل التعامل مع الحرفاء الأجانب، يكمن فقط في إدارة الأصول غير الخاضعة للضريبة”.

وكحل لصالح المصرفيين، يفضل ممثلو المصارف منذ ذلك الوقت “اتفاقات مع دول أجنبية تجعل من المُـمكن تسوية الأصول غيْـر المعلن عنها سابقاً في المصارف السويسرية عن طريق فرض استقطاعٍ ضريبي مع ضمان الحِـفاظ على الخصوصية”.

إنتقادات لتقرير الذكرى المائوية

من جهته، يقول المؤرخ هانز أولريخ يوست في لقاء له مع  swissinfo.chبأن جميع الحقائق الواردة في هذا التقرير صحيحة تماماً، بما فيها تلك المتعلِّـقة بدور السرية المصرفية في سويسرا.

وكما يقول الأستاذ الفخري في جامعة لوزان: “يرجع السبب في نمُـو مركز سويسرا المالي في القرن العشرين على هذا النحو بشكل أساسي، الى حقيقة أن الكنفدرالية قد أتاحت قاعدة مُـريحة لِنَقل ثروات المتهرّبين من دفع الضرائب”.

وتشكل السرية المصرفية منذ عام 1930 وحتى اليوم، عنصراً هاماً في النجاح المالي لسويسرا، وهذا ما اعترف به حتى سيرجيو إيرموتي، الرئيس التنفيذي الجديد لمصرف يو بي أس مؤخَّـراً في مقابلة صحفية، حين قال بأن سويسرا قد اغتنت عن طريق الأموال غيْـر المشروعة .

وكما يقول يوست، فقد كان هذا هو السبب وراء دفاع الكنفدرالية الشديد عن السرية المصرفية. وحسب كلماته: “حينما شعر بعض العُقَلاء بعدم إمكانية الاستمرار في الدفاع عن السرية المصرفية”، أعلن كاسبار فيليغر، وزير المالية السويسري الأسبق (1996 – 2003) والذي ترأَّس مجلس إدارة مصرف يو بي إس لاحقاً، مع ذلك، بأن هذا الأمر غير قابل للتفاوض”. وأضاف: و”مِن بَعدِه، كَرَّر خليفته هانز رودولف ميرتس (2004 – 2010) كلماته في وقت لاحق”.

“ما من كلمة حول نفوذ اللوبي المالي”

وينتقد أستاذ التاريخ المتقاعد من لوزان، زميله من بازل على وجه الخصوص، بسبب عدم تَطَرُّق الأخير في تقرير الذكرى المئوية لتأسيس جمعية المصارف السويسرية، ولَو بكلمة إلى سُلطة اللوبي المصرفي ومحاولات الضغط السياسي، التي مارسها هذا اللوبي المُتنفذ.

مع ذلك، تُثبِت الوثائق التاريخية تدخُّـل جمعية المصارف السويسرية في الشؤون السياسية للكنفدرالية منذ الحرب العالمية الثانية، على وجه الخصوص، وإن كان بشكل حذر، ولكنه كان بقوة أيضاً. وحَسْب يوست: “كان المصرفيون يقومون باستدعاء أعضاء المجلس الفدرالي، إذا لزم الأمر”.

ويستند يوست على مصادر يعرفها بشكل جيِّـد جداً ،عندما كان رئيساً لـ “لجنة الوثائق الدبلوماسية لسويسرا (DDS)” وكما يقول في إشارة إلى سياسة سويسرا الإئتمانية تُـجاه الدول الأخرى: “من المُثير للدَّهشة، كيف يعمل المصرفيون والإدارة يداً بِيَدٍ في بعض الأحيان، ليصِـفوا ذلك فيما بَعد بالسياسة الخارجية السويسرية”.

ويرى المؤرخ يوست في حقيقة رغبة المصارف السويسرية بالتركيز على إدارة الأصول الأجنبية المُعلَـن عنها (غير الخاضعة للضريبة) في المستقبل، استراتيجية ذكية من ناحيتين: “فهي تشرع بمُمارسةٍ تجارية تُشَـجِّـع الحرفاء على دفع ضريبة على ودائعهم من ناحية، كما تخلق منتجات جديدة تسمَـح للحرفاء الأجانب بإيداع أموالهم في سويسرا، دون الكشف عن أسمائهم في بلدانهم الأصلية من ناحية أخرى.

تأسست جمعية المصارف السويسرية بالأصل كجمعية للتجارة في مدينة بازل في 16 نوفمبر من عام 1912، وهي تطلق على نفسها اليوم أيضا تسمية SwissBanking

وفي الجلسة الافتتاحية، التي أقيمت في قاعة برلمان مدينة بازل، حضر الاجتماع التأسيسي 316 ممثلاً من 159 مؤسسة مصرفية .

وتضم الجمعية اليوم، نحو 350 مؤسسة عضوة (يُضاف لها 350 مصرف من مصارف رافايزن Raiffeisen) ونحو 17,700 عضو منفرد. ويعمل في مكاتبها المُنتشرة في بازل وزيورخ وبرن 70 موظفة وموظف.

بالإجماع، تقوم 11 لجنة في جمعية المصارف السويسرية مع مجموعات العمل المرتبطة بها، على معالجة المسائل والقضايا المالية الرئيسية. ويعمل في هذه اللجان 583 من ممثلي المجموعات المصرفية المختلفة، إلى جانب المختصين والخبراء في الجمعية.

ومنذ عام 2009، يترأس باتريك أودير، الشريك البارز في مصرف “لومبارد أوديه دارير هينتش”Lombard Odier Darier Hentsch & Cie  (البنك الأقدم في مدينة جنيف وأحد أقدم البنوك السويسرية المستقلة الخاصة)، مجلس إدارة جمعية المصارف السويسرية.

ومنذ شهر سبتمبر 2010، تم تفويض كلود – ألان مارغيليش، كمندوب لمجلس الإدارة ورئيس للجنة التنفيذية للجمعية.

وبالإضافة إلى جمعية المصارف السويسرية، توجد هناك جمعيات مصرفية متخصِّـصة لمصارف الكانتونات والمصارف الإقليمية والمصارف الأجنبية، بالإضافة إلى المصارف الخاصة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية