مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نتنياهو وإيران: “مصير الصهيونية برمته على المحك”

يوم الإثنين 2 مارس 2015، ألقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن خطابا أمام المشاركين في المؤتمر السنوي لمنظمة أيباك (Aipac)، أهم قوة ضغط (لوبي) مؤيدة للصهيونية ولدولة إسرائيل في الولايات المتحدة. swissinfo.ch

بنيامين نتنياهو على حق: زيارته الأخيرة إلى واشنطن وخطابه أمام مجلسي الكونغرس الأمريكي، كانا بحق "مصيريين وتاريخيين" وفق كل المعايير.

هما مصيريّان، لأنهما دشنا معركة سياسية ضخمة بين الليكوديين الإسرائيليين والجمهوريين الأمريكيين (شبّهها جون كيري بـ “مباراة كرة قدم سياسية كبرى”) حول الإتفاق النووي مع إيران. وهي معركة ينتظر أن تُستخدم فيها كل أنواع الاسلحة الفتاكة الإعلامية والإيديولوجية وحتى الدينية.

خطاب نتنياهو أعلن رسمياً بدء هذه المعركة. لكن مجلس الشيوخ (وأغلب أعضائه جمهوريون) كان سبقه إلى تدشين هذه الحرب، حين صادق على مشروع قانون يتيح للكونغرس “مُراجعة أي إتفاق” يتم التوصل إليه مع إيران في غضون خمسة أيام من إبرامه. كما يمنع أوباما من إلغاء أو تجميد العقوبات التي أجازها الكونغرس على طهران لمدة ستين يوماً بعد التوصل إلى اتفاق. وكل هذه إجراءات رفضها الرئيس أوباما وأكد أنه سيستخدم حق النقض (الفتيو) ضدها. ثم أتبع ذلك بنشر مقابلة مع وكالة رويترز، عشية خطاب نتنياهو، شن فيها حملة عنيفة على هذا الأخير واتهمه بـ “تجاوز البروتوكول بين الدول” وبـ “استخدام خطابه لخدمة معركته الإنتخابية داخل إسرائيل”.

أما تاريخية الزيارة والخطاب، فيكمُنان في مكان قصيّ يبتعد كثيراً عن “الحياة اليومية” للشرق الأوسط الراهن، ويتعلقان بالبون الذي بات شاسعاً بين إسرائيل والولايات المتحدة (أو على الأقل بين الليكوديين والبيت الأبيض الديمقراطي) حيال هذا الإتفاق المرتقب.

فإسرائيل تخشى من أن تؤدي الصفقة النووية إلى مجرد تأجيل حصول إيران على القنبلة النووية، مع إسباغ الشرعية الدولية على برنامجها النووي. وهذا سيقود في نهاية المطاف إلى كسر احتكار إسرائيل لسلاح يوم الآخرة (يقال أنها تملك 300 قنبلة نووية “في القبو”) في الشرق الأوسط، وبالتالي إلى سقوط خط الدفاع العسكري الأخير عن الدولة العبرية. هذا في حين أن الولايات المتحدة لايهمها كثيراً في الواقع حتى لو امتلكت إيران للقنبلة، لأنها قادرة في أي مجابهة على محو إيران عن وجه البسيطة في غضون 20 دقيقة لا أكثر.

نتنياهو يُحذر أوباما من إبرام اتفاق نووي مع ايران

واشنطن (رويترز) – حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الثلاثاء 3 مارس من أن قبول اتفاق نووي مع ايران سيكون “عدا تنازليا باتجاه كابوس نووي محتمل” من جانب دولة “ستظل دائما عدوا لأمريكا”.

وأضاف في كلمة استغرقت 39 دقيقة امام الكونجرس الأمريكي انتقد فيها المساعي الدبلوماسية التي يقوم بها أوباما تجاه ايران “اذا قبلت ايران الاتفاق الذي يجري التفاوض عليه الآن فإن هذا الاتفاق لن يمنع ايران من تطوير أسلحة نووية لكنه سيضمن حصولها على هذه الأسلحة النووية… الكثير منها.”

وفي كلمة زادت من توتر العلاقات بين الولايات المتحدة واسرائيل وقاطعها عشرات من اعضاء الحزب الديمقراطي الذي ينتمي له أوباما قال نتنياهو إن القيادة الإيرانية “متشددة اكثر من أي وقت مضى” ولا يمكن الوثوق بها وإن الاتفاق الذي يجري التفاوض عليه مع القوى العالمية لن يحول دون امتلاك ايران قنبلة لكنه “يمهد طريقها نحو امتلاك قنبلة” نووية.

وأضاف قائلا لمشرعين وزوار في مجلس النواب “لن يكون هذا الاتفاق وداعا للسلاح سيكون وداعا للحد من التسلح… عدا تنازليا نحو كابوس نووي محتمل.” ووقف الحضور للتصفيق 26 مرة خلال كلمته.

وهاجم نتنياهو بنود الاتفاق الذي يجري إعداده وأشار الى ضرورة توسيع نطاق المفاوضات لتطلب تغييرا في وضع إيران الإقليمي وهي فكرة سرعان ما رفضتها إدارة أوباما بوصفها “تغييرا للنظام” في طهران من الناحية الفعلية.

وتفادى نتنياهو الدعوة لفرض عقوبات أمريكية جديدة الآن او تجريد ايران تماما من التكنولوجيا النووية وهي اشارة على أن اسرائيل ربما تقبل بما هو أقل.

ومثلت كلمة نتنياهو ذروة العاصفة الدبلوماسية التي أثارها قبوله دعوة من الجمهوريين في يناير كانون الثاني دون إخطار البيت الأبيض أولا في تجاهل له وللديمقراطيين الذين اعتبر كثيرون منهم هذا التصرف إهانة للرئيس.

ورفض أوباما الاجتماع مع نتنياهو قائلا إن مقابلته ستعتبر تدخلا لأنها تجيء قبل الانتخابات العامة الإسرائيلية التي تجرى في 17 مارس الجاري. وقال اوباما للصحفيين انه لم يشاهد كلمة نتنياهو لكنه اطلع على النص. واضاف “بقدر ما استطيع القول.. لا يوجد جديد” في الكلمة. وقال ان “رئيس الوزراء لم يقدم اي بدائل مجدية”. وحث الكونجرس على الإنتظار حتى إكمال اتفاق نووي مع ايران ليمكنه تقييم الاتفاق مشيرا إلى انه “لن يوافق سوى على اتفاق يمنع ايران من الحصول على سلاح نووي”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 3 مارس 2015)

أبعد من الملف النووي..

البُعد النووي من الصراع موجود إذن، لكنه ليس في الواقع كل شيء. فما وراء هذا البُعد هو الأهم. كيف ذلك؟

هنا، يقفز أمام أعيننا مباشرة المشهد التاريخي بجلاء. فتل أبيب تدرك أن إدارة أوباما تريد إبرام الإتفاق بأي ثمن، ليس فقط لأن أول رئيس أمريكي – إفريقي يريد أن يختتم ولايته بإنجاز دبلوماسي كبير في مجال السياسة الخارجية، يُقارع الإنجاز الذي حققه الرئيس نيكسون في بداية السبعينات حين أخرج الصين من الفلك الشيوعي وضمّها بالتدريج إلى المملكة الرأسمالية، بل أولاً وأساساً لأن المؤسسة الأمريكية تريد أن تكون الصفقة مع إيران “بداية تحوّل استراتيجي كبير” لتوجّهاتها في الشرق الأوسط وقارة أوراسيا.

محور هذا التغيير يتلخص في إعادة ترتيب أوضاع المنطقة، بحيث تتمكن الولايات المتحدة من تخفيف أعبائها ومسؤولياتها فيها من دون المس بمصالحها الأساسية، ثم لنقل مركز الثقل في نشاطاتها إلى منطقة آسيا – الباسيفيك التي باتت عملياً، المركز التجاري والإقتصادي والعسكري الأول في العالم بدل أوروبا، وذلك للمرة الأولى منذ خمسة قرون. وهذا يتطلب، من ضمن ما يتطلب، الإعتراف بالأدوار الإقليمية للعناصر الرئيسة في هذه المنطقة، والتي شكّلت كل أنظمة الشرق الأوسط السابقة في التاريخ: الإيرانيون والأتراك والعرب، وفي الدرجة الثانية اليهود والأكراد والمسيحيون وباقي الأقليات.

لكن هذا بالتحديد هو ما تخشاه إسرائيل، لأنه سيعني ببساطة تقويض النظام الإقليمي السابق الذي أقيم غداة الهزيمة العربية في حرب 1967، والذي رسّخ السيطرة شبه المطلقة لإسرائيل على نظام الشرق الأوسط برعاية أمريكية ومباركة (آنذاك) من تركيا الأتاتوركية التي كانت تُدير الظهر لكل ما هو شرقي، ومن إيران الشاهنشاهية التي قبلت أن تصدر قواعد نفوذها الإقليمي من تل أبيب وواشنطن، ومن مصر الساداتية التي وافقت على الإنكفاء بعد معاهدة كامب ديفيد في خريف 1979 لصالح الهيمنة الإسرائيلية.

كل هذا الصرح، النووي والإستراتيجي، سيكون عرضة إلى الإنهيار، في حال تم التوصل أواخر شهر مارس الجاري إلى اتفاق بين القوى الخمس زائد واحد وبين إيران، ما سيؤدي في الواقع إلى تسديد ضربات قد تكون قاتلة للمشروع الإسرائيلي في حلّته الصهيونية، الذي استند بقضه وقضيضه إلى فكرة تفرّد الدولة العبرية بالتفوق العسكري والإستراتيجي والإقتصادي الإسرائيلي المطلق، في إطار “إمبراطورية” حقيقية تمتد من المحيط الأطلسي إلى الخليج الفارسي.

وهذا ما قد يفسِّر جانباً من الهستيريا الحقيقية التي تنتاب العديد من الدوائر الحاكمة في إسرائيل. فما هو على المحك لايقل عن كونه تغيير كل البنية الإستراتيجية التي انبثق من ثناياها جل مشروع الدولة اليهودية العام 1948، لكن بخاصة العام 1967. كما أنه يفسّر أسباب عدم قدرة النخبة الحاكمة الاسرائيلية على ابتلاع فكرة الجلوس إلى طاولة واحدة على قدم المساواة مع القوى الإقليمية الإيرانية والتركية، التي تطالب الآن بحصة واضحة من الكعكة الشرق أوسطية. إذ أن ذلك سيقلص حجم الدولة العبرية إلى مجرد قزم ديموغرافي وسط عمالقة إقليميين.

أسئلة مصيرية ورهانات تاريخية 

لكن، ما هي الآفاق المُحتملة لهذه المعركة الكبرى؟ الإعتبارات كثيرة هنا، وتتناسل معها العديد من الأسئلة المحورية:

هل المؤسسة الأمريكية منقسمة بشكل حاد بالفعل حيال مسألة إعادة ترتيب نظام الشرق الأوسط لتسهيل الإنطلاقة الجديدة في رحاب آسيا- الباسيفيك، أم أن هذه مجرد مناورات جمهورية لاستعادة البيت الأبيض من الديمقراطيين؟. بكلمات أوضح: هل سيعمل أي رئيس جمهوري جديد في واشنطن على بث الروح مُجددا في النظام الإقليمي الإسرائيلي – الأمريكي، وإدارة الظهر للقوى الإقليمية الجديدة الصاعدة، على رغم أن ذلك قد يكلّف الولايات المتحدة غالياً ويضعها عملياً في مواجهة عالم إسلامي سبق لزبغنيو بريجينسكي أن حذّر (في كتابه “رؤية استراتيجية جديدة”) من أنه قد يقوّض الزعامة الأمريكية في العالم؟

وهل النخبة الإسرائيلية، بيمينها ويسارها، مُوحّدة حقاً وراء معركة “كسر العظم” التي يخوضها نتنياهو مع إدارة أوباما، أم أن تردد أجهزة المخابرات الإسرائيلية في دعم هذا الأخير مؤشر على وجود اتجاهات واقعية ما بينها؟

 ثم، أين يتموقع الحرس الثوري والقوى الإيديولوجية الإيرانية المتطرفة من آفاق الصفقة المحتملة مع الغرب؟ هل سيقبل هؤلاء بالثمن المؤكد الذي يجب عليهم أن يدفعوه مقابلها، وهو التخلي عن الثورة لصالح الدولة، وعن القرآن والإيديولوجيا عموما لصالح السوق الرأسمالي العالمي؟

هذه الأسئلة، وربما غيرها الكثير، ستطل برأسها خلال الأيام والأسابيع القليلة المقبلة، وستكون إطلالتها حادة لأن ما هو في الميزان مصيري بالفعل، وتاريخي بالفعل، لأنه سيُعيد تركيب بنية الشرق الأوسط برمتها.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية