مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

سوزان دي تريفيل: «أصحاب الشركات غير قادرين على فهم المخاطر كتلك المرتبطة بفيروس كورونا»

رجل يغطي وجهه بيديه
شهدت أسواق الأسهم السويسرية في الأسبوع الثاني من شهر مارس 2020 أسوأ تراجع لها منذ الأزمة المالية لعام 2008. Keystone / Arne Dedert

يُسلط فيروس كورونا الضوء بشكل مفاجئ على نقاط الضعف والتبعيات الناجمة عن العولمة. وتأمل الأستاذة الأمريكية ـ السويسرية سوزان دي تريفيل، الداعية إلى إعادة توطين الأنشطة الصناعية إلى الغرب، بأن يكون لهذه الأزمة الفضل في زيادة الوعي.

كوفيدـ19 هو بصدد تركيع الاقتصاد العالمي. من آسيا إلى الولايات المتحدة مروراً بأوروبا، يشل فيروس كورونا الجديد والقادم من الصين الاقتصاد، موجهاً ضربة قاصمة إلى النمو العالمي ومتسبباً في تخبط أسواق الأسهم الرئيسية في العالم.

امرأة تنظر إلى عدسة المصور
سوزان دي تريفيل، أستاذة في إدارة الأعمال في كلية الدراسات التجارية العليا (HEC) التابعة لجامعة لوزان. وهي تحمل الجنسيتين الأمريكية والسويسرية. Moosberger Concepts 2018

بالإضافة إلى أنَّ هذه الأزمة تكشف أيضاً عن المخاطر والتبعيات الناجمة عن الاستمرار بإطالة سلاسل الإنتاج والإمداد.

بفضل استخدام أدوات الاقتصاد الكمي، تريد سوزان دي تريفيل، الأستاذة في إدارة الأعمال في جامعة لوزان، أن تُبرهن أنَّ الانتاج المحلي هو أكثر فائدة من نقل مقر الانتاج إلى الخارج، حتى في اقتصاد مكلف مثل الاقتصاد السويسري.

swissinfo.ch: في غضون أسابيع قليلة، نجح فيروس كورونا بإضعاف الاقتصاد العالمي بمجمله. هل استهان قادتنا بهشاشة العولمة والمخاطر المنهجية المُترتبة عليها؟

سوزان دي تريفيل: معظم أصحاب الشركات غير قادرين على إدراج صدمات كصدمة فيروس كورونا في نماذج القرارات التي يتخذونها. فهم يفترضون دائماً أنَّ كل شيء سيكون على ما يرام، في حين نعلم أنَّ الواقع غير ذلك وأنَّه مرة من بين 100 أو 500 ستحدث مشاكل كبيرة.

المخاطر المرتبطة بإطالة سلسلة الانتاج كبيرة ويتم تجاهلها في أغلب الأوقات. ولذا فمن الضروري تدريب أصحاب شركات المستقبل على التفكير المنطقي والشامل. وقد قمت مع أحد الباحثين في مختبري، جوردي فايس، بتطوير برامج وألعاب محاكاة تساعد على معرفة التكاليف الحقيقية الناجمة عن نقل مقر الانتاج إلى الخارج.

+هذه نسخة من اللعبة في متناول الجميعرابط خارجي

swissinfo.ch: هل يُمكن أن تكون أزمة فيروس كورونا بمثابة صدمة كهربائية؟

سوزان دي تريفيل: نأمل ذلك. إنَّ عواقب وباء كوفيدـ19 على حياة الناس والاقتصاد خطيرة بما يكفي لبدء النقاشات التي كان من المستحيل الحديث عنها قبل عدة أسابيع فقط. منذ منتصف التسعينات، بدأنا بنقل مصانع الانتاج إلى الصين والبلدان الناشئة، دون التفكير الجدي في المخاطر والتبعيات التي يمكن أن تنجم عن ذلك. اليوم، اليقظة صادمة ويتساءل العديد من أصحاب الشركات كيف استطاعوا اتخاذ مثل هذه القرارات الغبية في ذلك الحين.

«إنَّ عواقب وباء كوفيد ـ 19 على حياة الناس والاقتصاد خطيرة بما يكفي لبدء نقاشات كان من المستحيل الحديث عنها قبل عدة أسابيع فقط»

swissinfo.ch: مع أنَّ هذه هي الحقيقة، والعالم اليوم أصبح مرتبطاً ببعضه البعض. فالصين التي تُمثل حوالي خمس الإنتاج العالمي، هي جزء لا يتجزأ من سلاسل التموين العالمية، وينفق سياحها أكثر من 260 مليار دولار سنوياً. فهل من الممكن حقاً الرجوع إلى الوراء؟

سوزان دي تريفيل: على مدى العشرين سنة الماضية، ظننّا أنه كان يكفي أن نبتكر في الدول الغنية وأن نُنتج في البلدان ذات الاقتصادات «منخفضة التكلفة». لكن، تبيّن لنا أنه بالإضافة إلى عدم إمكانية فصل الابتكار عن الانتاج، تقدّم الأنشطة الصناعية العديد من فرص العمل: فبمقابل وظيفة واحدة في الصناعة، هناك خمس أو عشر وظائف في سلسلة الانتاج أو الخدمات. وهذا أمر في منتهى الأهمية.

كما أنه من غير الممكن اليوم فصل عمليات الانتاج عن الخدمات بشكل تام كما كنا نفعل حتى الآن. ويجب أن تكون العمليتان مرتبطتان بشكل وثيق من الآن فصاعداً. 

swissinfo.ch: ما الذي تعنيه بذلك؟

سوزان دي تريفيل: لنأخذ على سبيل المثال صناعة النسيج: اليوم، يُغرق عمالقة «الأزياء السريعة» رفوف متاجرهم بالملابس الرخيصة التي يتم انتاجها في ظروف عمل مزرية في الصين وبنغلاديش. إلا أنَّه غالباً ما يُباع 10 إلى 20% فقط من هذه البضائع، ويتم إتلاف ما يتبقى منها من أجل ترك المكان للمعروضات الجديدة.

وهذا الأمر جنوني بكل معنى الكلمة، على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. وتُعتبر صناعة النسيج اليوم هي ثاني أكثر صناعة مُلوثة في العالم بعد صناعة البترول! وزارة التجارة الأمريكية تستخدم أداة قمنا بتطويرها في مختبري منذ 6 سنوات بهدف إعادة قطاع النشاط هذا إلى الولايات المتحدة. وهو ما من شأنه إنشاء فرص عمل محلياً ووضع حد لهذا الهدر الجنوني.

swissinfo.ch: كيف سيُطبّقون ذلك؟

سوزان دي تريفيل: في المستقبل، عندما تريد أن تشتري قميصاً، ستكون عندك إمكانية الذهاب إلى مستشار خاص يقوم بإجراء تصوير مقطعي لجسمك لكي يصمم الملابس خصيصاً لك. ثم تتم صناعة الملابس في احدى ورشات الانتاج الصغيرة القريبة أو الموجودة في إحدى مناطق الولايات المتحدة التي تحتاج لهذا النوع من الوظائف. وبعد 40 أو 50 استخدام لقميصك، سيتم إرساله إلى الورشة حيث ستتم إعادة تدوير أليافه ومن ثم إعادة استخدامه.

وسيتم تقديم هذه الخدمة بسعر متباين بحسب إذا كنت تحتاج لقميصك من أجل حفل زواج في الأسبوع التالي أو بعد ثلاثة أشهر. وهذا أشبه بما يحدث على متن طائرة: فالأشخاص الذين يسافرون في الدرجة الأولى أو في درجة رجال الأعمال يدفعون جزءاً كبيراً من رحلة الأشخاص الذين يسافرون في الدرجة الاقتصادية.

وفضلاً عن ذلك، فإنَّ هذا النموذج من الاقتصاد الدائري مرن جداً ويتكيّف مع حاجات العميل بشكل أفضل مما تقدمه له أكبر ماركات الأزياء اليوم.

swissinfo.ch: من خلال التعاون مع إدارة ترامب، ألا تلعبين لعبة السياسة الاقتصادية الحمائية التي تُشكل خطراً على التوازن العالمي؟

سوزان دي تريفيل: لقد بدأ استخدام أداتنا خلال إدارة أوباما. وبالمناسبة، المسؤول عن هذا الملف في وزارة التجارة الأمريكية يشغل منصبه منذ 34 سنة وبالتالي فقد عمل تحت رئاسة الجمهوريين والديمقراطيين. ومن المؤكد أن مهمة خلق فرص العمل وتطوير النشاط الصناعي هي القضية الأقل تسييساً ممكناً في الولايات المتحدة. إنه تدبير إجماعي للحد من تراجع النشاط الصناعي وتزايد الفقر الذي يجتاح العديد من مناطق البلاد.

swissinfo.ch: إنَّ في خطابك ما يُغري القادة السياسيين الأمريكيين أو الأوروبيين. لكننا بالمقابل نتوقع أنه لا يُعجب قادة الدول الناشئة التي حققت قفزة نوعية بفضل نقل التصنيع إليها خلال العقود الأخيرة.

سوزان دي تريفيل: أنت مخطئ! عندما كنت أستاذة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في عام 2014، كان هناك الكثير من الطلاب الصينيين الذين يتابعون دروسي. وكانوا مقتنعين بأنَّ طريقتي في رؤية الأمور تمثل تطلعات الصين. فقد أضحت المصانع الصينية اليوم، بمثابة جحيم بالنسبة للعمال. بالإضافة إلى أنَّ التصنيع المُفرط يسبب أضراراً هائلة على صحة السكان وعلى البيئة.

لقد أدرك القادة الصينيون الآن أنه لا يمكنهم الاستمرار على هذا النهج. وبدلاً من إغراق أسواق العالم ببضائع رخيصة الثمن، فإنهم يُركّزون بشكل أكبر على المنتجات ذات القيمة المضافة وعلى السوق الداخلية. من ناحية أخرى، تمَّ إنشاء نماذج من الاقتصاد الدائري مثيرة للاهتمام في قطاع الزراعة. فالتغييرات جارية.

swissinfo.ch: وأين سويسرا من كل هذا؟ هل لديها القدرة فعلاً للحفاظ على صناعة تنافسية، على الرغم من تكاليف الانتاج المرتفعة والعملة الوطنية القوية؟

سوزان دي تريفيل: نرى جيداً أنَّ الاقتصاد السويسري بخير على الرغم من الفرنك القوي. بالنسبة للعديد من الشركات، يشكل ذلك أمراً ثانوياً من السهل جداً تعويضه. في سويسرا، لدينا يد عاملة مُدربة بشكل جيد ومتحمسة لأنَّه بإمكان الشباب العمل في مصانع حديثة وحيوية وجذابة.

كما أنَّ قرب الجامعات ومراكز البحوث المُصنفة من بين الأفضل في العالم يعتبر أيضاً ميزة أساسية. من خلال أبحاثي، توصلت مثلاً إلى نتيجة مفادها أنَّ المرونة في سويسرا تقدّم قيمة مُضافة تُقدَّر بـ 15 إلى 100% إلى الشركات التقنية. وذلك دون الاعتماد على البنية التحتية عالية الكفاءة، سواء فيما يتعلق بوسائل النقل أو الدوائر العامة.

نستطيع القول إذاً أنَّ لدينا جميع نقاط القوة لتطوير صناعة قوية وتنافسية في سويسرا.

التكلفة الحقيقية لنقل الصناعة إلى الخارج

قامت سوزان دي تريفيل بتطوير أداة الحساب التفاضلي للتكاليف عبر الحدود (CDF)، في متناول الجميع رابط خارجيـ تُثبت أن نقل الانتاج إلى الخارج يكلف أكثر بكثير مما كان يعتقده أصحاب الشركات سابقاً.

ويسمح البرنامج على وجه الخصوص بتحديد التكاليف المخفية الناجمة عن إطالة سلسلة الانتاج: فإما أن تطلب الشركات أكثر من حاجتها من المنتجين في الخارج وعليها تصفية البضائع، أو أنها لا تطلب ما يكفي وينفذ مخزونها.

تركت هذه الأداة انطباعاً قوياً لدى الاقتصاديين المسؤولين عن تنفيذ استراتيجية باراك أوباما في إعادة التصنيع. وهي الآن في متناول رؤساء الشركات وصناع القرار على الموقع الالكتروني لوزارة التجارة الأمريكية.

واستكمالاً لأداة الحساب التفاضلي للتكاليف عبر الحدود تمَّ تطوير برنامج لتقدير التكلفة الاجمالية للملكيةرابط خارجي، الذي يأخذ بعين الاعتبار المعايير الثلاثين التي، بالإضافة إلى كلفة اليد العاملة، تدخل في الحسبان لدى نقل مقر الانتاج. فتكاليف الرسوم الجمركية، والترجمة، والتعبئة، وانخفاض الانتاجية، والبنية التحتية المنهارة، وفقدان الملكية الفكرية، والشك باستقرار البلاد أو الدعم غير الكافي هي بالفعل عوامل غالباً ما يتم التقليل من شأنها من قبل أصحاب الشركات.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية