مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نجاح دبلوماسي تكتنفه الشكوك والهواجس

أعضاء من البرلمان الإيراني يُهنئون وزير الخارجية محمد جواد ظريف (الثاني على اليسار) يوم 17 يناير 2016 في مقر مجلس الشورى بطهران بعد الإعلان عن منح الأمم المتحدة الضوء الأخضر للإتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني وما يستتبع ذلك من رفع بعض العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على الجمهورية الإسلامية. Keystone

"يوم تاريخي"، "تقدم"، "بداية عهد جديد". بمثل هذه العبارات، رحب كتاب الإفتتاحيات الصحف السويسرية الصادرة يوم الإثنين 18 يناير 2016 ببدء نفاذ الاتفاق حول النووي الإيراني ورفع العقوبات ضد نظام طهران. لكنها حذرت في المقابل من هشاشة هذا التفاهم.

رغم الإشادة، يظل الحذر سيد الموقف في معظم التحليلات. صحيفة “لاليبرتي” تحدثت عن “بناء شديد الهشاشة”، مضيفة أن “رفع العقوبات ضد طهران هو في المقام الأول رهان رجل واحد، هو الرئيس روحاني”، حسب رأيها.

وترى اليومية التي تصدر بالفرنسية في فريبورغ بأن هناك شرطان لتتكلّل مساعي الرئيس الإيراني بالنجاح. فمن جهة، “هو بحاجة إلى تحقيق نتائج سريعة، ومُعتبرة من حيث الكم، وفي ظرف يُحتسبُ بالأشهر بالأحرى وليس بالأعوام”. من جهة أخرى، يظل روحاني في وضعية تجعله رهينة “الموقف المستقبلي للولايات المتحدة”، إذ “حتى في حال انتصار الديمقراطيين، خلال الإنتخابات الرئاسية في نوفمبر” المقبل، فإن “قدرة [الجمهوريين] على الإزعاج”، علما أنهم يشكلون الأغلبية في الكونغرس، ستظل كبيرة في ملف الخلاف بين طهران وواشنطن”، على حد تعبير الصحيفة.

وحسب اليومية نفسها، يمكن لإيران أن تستند على قوتها المتمثلة في “حداثتها وقدرتها على التكيف”، مضيفة أنه “أمام الأنظمة المتصلبة للملكيات النفطية، أظهرت طهران مهارة عملية (براغماتية) كنا نعهدها متعارضة تماما مع النظام الموروث عن آية الله الخميني”.

نحو فوز انتخابي

الصحافة السويسرية ذكرت أيضا بأن الشريك الإيراني يظل “مثيرا للجدل”. وفي هذا السياق، شبّهت صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” الرصينة رفع العقوبات الدولية عن طهران بعملية لإزالة سترة تقييد الحركة عن النظام الإيراني. وبعد سنوات من العزلة “ستعود البلاد إلى الأسواق الدولية (…) ومع ذلك، فنحن لازلنا بعدين جدا عن عودة طهران نحو نظام دولة القانون”.

كما عبرت اليومية الصادرة بالألمانية في زيورخ عن شكوكها حول حسن نية طهران فيما يتعلق بسياستها الذرية، وكتبت في هذا الصدد : “لا يوجد مؤشر في طهران عن تغيير جذري في التصور. فالنظام يترك الباب مفتوحا للتراجع إلى الوراء في غضون عقد من الزمن”.

وتعتبر ذات الصحيفة أن نجاح المفاوضات يعتمد قبل كل شيء على حسبة سياسية: “يمكن لإيران الآن أن تتوقع ارتفاع عائدات النفط واسترداد المائة مليار دولار التي كانت مجمدة في الولايات المتحدة. وبذلك سيكون النظام قد ضمن النجاح في صناديق الإقتراع في شهر فبراير القادم”، الذي يشهد تنظيم انتخابات برلمانية.

علاقات معقدة

من جهتها، لفتت الإفتتاحية المشتركة لصحيفتي “بوند” (برن) و”تاغس أنتسايغر” (زيورخ) إلى أن حسن روحاني سجّل بضعة نقاط، حيث اعتبرتا أن الرئيس الإيراني “وفى بوعوده الإنتخابية ويمكنه أن يعلق الآمال على خروج القوى المعتدلة التي يقودها أقوى على إثر الإنتخابات البرلمانية التي ستنظم في نهاية فبراير”.

في المقابل، ذكر كاتب الإفتتاحية أن إيران تحتفظ – في الوقت نفسه – ببعض مناطق الظل، إذ أن “الإتفاق لا يُغيّر شيئا من حقيقة أن إيران لم تقم لحد الآن بأي شيء يذكر في سوريا لإجبار بشار الأسد على الوصول إلى حل وسط (…). وفي إيران، يُحكم على المفكرين الأحرار بعقوبات السجن والجلد. كما ينفذ النظام عقوبات الإعدام أكثر من أي بلد في المنطقة”.

وإذا كانت اليوميتان تشيران إلى أن “المبادلات الإقتصادية والثقافية يُمكن أن تشجع على إحداث تغيير” داخل الجمهورية ألإسلامية، فإنهما تشددان أيضا على أنه “لا يجب توقع تخلي نظام طهران عن قناعاته الأيديولوجية”.

“شعب متعلم ومثقف ومنضبط”

نفس الإستنتاج توصلت إليه صحيفة “نويه تسورخر تسايتونغ” التي أكدت بأن “اتفاق فيينا يقوم على الأمل بأن إيران ستخفف من توجّهها الإسلامي والمعادي للغرب”. وهو نجاح غير مضمون، حسب رأي اليومية. أما كاتب الإفتتاحية في نفس الصحيفة التي تصدر بالألمانية في زيورخ، فيأمل بأن يؤدي الاتفاق إلى انفتاح ديمقراطي لإيران، مشيرا إلى أن “المجتمع الإيراني أكثرُ تطورا من جميع منافسيه العرب. الشعب متعلم ومثقف ومنضبط. والشبان الإيرانيون من بين أكثر الموهوبين في المنطقة، فهم يعرفون ما يريدون، كما (يعتقدون) أن ساعتهم أزفت”.

نجاح بالنسبة للكنفدرالية

الصحافة السويسرية، ولاسيما الناطقة بالفرنسية منها، سلطت الضوء أيضا على دور المساعي الحميدة الذي لعبته برن بين واشنطن وطهران، وهي المساعي التي تُوجت في نهاية الأسبوع الماضي بالإفراج عن ثلاثة سجناء أمريكيين ومغادرتهم لإيران.

صحيفة “لوتون” (تصدر بالفرنسية في لوزان) أعربت عن اعتقادها بأن ما حدث كان شاهدا على “أفضل ما يمكن لسويسرا إنجازه”، مذكرة أنه “بينما كانت الكنفدرالية تواجه تحديات خلال السنوات الماضية من طرف بلدان ومنصات أخرى في إطار مفاوضات السلام، فها هي تعود بقوة في أحد أكثر الملفات إلحاحا ضمن الأحداث الدولية منذ نهاية السبعينات”.

في الأثناء، أعربت الصحيفة عن قدر لا بأس به من الحذر، مضيفة أن “هذا [التطور] يجعلنا نتصور مستقبلا أفضل، يتجه نحو المزيد من الإستقرار في العالم”، وأشارت إلى أن هذا “يُظهر أن البلد مهما كان صغيرا يُمكنه أن يقوم بدور [كبير]، حتى وإن كان يقوم – في هذه الحالة – بدور المُسهل ولا يمكنه ادعاء أكثر من ذلك”.

من جهتها، كتبت صحيفة “لاتريبون دو جنيف” (تصدر بالفرنسية في جنيف) تقول: “بالنسبة لمن كان لازال يراودهم الشك، فإن الوساطة السويسرية لازالت حيّة”، مستشهدة بوصول المواطنين الأمريكيين الثلاثة الذين أفرجت عنهم طهران يوم السبت 16 يناير إلى مطار جنيف (في المساء الموالي)، ومضيفة أن ذلك “مؤشر على أن هناك دائما مجال للنهج الدبلوماسي وأن دور البلد المسهل هو ضروري أكثر من أي وقت مضى”. لكن اليومية أشارت بتحفظ إلى أن “الجهود مُحبِطة بطبيعة الحال، فبين واشنطن وطهران لا يمكن الحديث بعدُ عن سلام، ولكن المعطيات تغيّرت بالفعل”.

مكاسب مُرتقبة للإقتصاد السويسري

من المنتظر أن يستفيد اقتصاد الكنفدرالية من الرفع التدريجي للعقوبات ضد إيران، على إثر بدء العمل ببنود الإتفاق النووي يوم السبت 16 يناير 2016.

عندما قررت الكنفدرالية فرض عقوبات على جمهورية إيران الإسلامية في فبراير 2007، كانت العديد من الشركات السويسرية نشطة في هذه السوق. وتأمل العديد منها الآن التمكن من استئناف علاقات جيدة هناك، مثلما صرح لوكالة الأنباء السويسرية إيفو تسيمرمان، المتحدث باسم الجمعية المشرفة على صناعة الهندسة والميكانيكا والكهرباء في سويسرا، المعروفة بإسم “سويسميم” (Swissmem)

تشغل الشركات السويسرية موقعا جيدا في قطاع النسيج، والفعالية في مجال الطاقة (كلينتيك)، وقطاعات الصيدلة والتقنيات الطبية. كما توفر السياحة آفاقا مثيرة للإهتمام.

تمثل إيران، التي يزيد عدد سكانها عن 80 مليون نسمة، وتتمتع بمستوى تعليمي عال “سوقا مثيرة للإهتمام”، حسب إيريخ هيرزوغ، من رابطة الشركات السويسرية “إيكونومي سويس”. لكن الرابطة أوضحت أنه “من الصعب تحديد الإمكانيات الحقيقية للإقتصاد السويسري في السوق الإيرانية” منذ الآن.

في عام 2014، كان حجم المبادلات بين إيران وسويسرا يقدر بـ 640 مليون فرنك. وتصدر سويسرا لإيران بضائع تناهز قيمتها 610 مليون فرنك، بينما تستورد منها سلعا بقيمة 30 مليون فقط.

(ترجمته إلى العربية وعالجته: إصلاح بخات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية