مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

ارتفاع في نسبة المشاركة.. خروقات محدودة.. وتقدم للعدالة والتنمية

عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية والأمين العام لحزب العدالة والتنمية أثناء الإدلاء بصوته في مكتب انتخابي بمدينة الرباط. swissinfo.ch

لا زالت قراءات نتائج الإنتخابات الجماعية والجهوية بالمغرب، التي جرت يوم الجمعة 4 سبتمبر الجاري، متباينة. ولا زال المتنافسون من الأحزاب، يقدمون صورة جميلة لما حصلوا عليه مظللة ببعض "التحفظات" أو "الإحتجاجات" على ما حصل قبل يوم الإقتراع.. 

لكن الجميع، من اعتبر فائزا أو من اعتبر خاسرا، ومعهم المراقبون المغاربة أو الأجانب، أفرادا أو مؤسسات، يشهدون للسلطة بنجاحها في تنظيم الإنتخابات بأقل ما يمكن من الخروقات، سواء تعلق الأمر بالمرشّحين المتنافسين أو برجال السلطة، لتكون السلطات المغربية المشرفة على انتخابات الرابع من سبتمبر رابط خارجي(اللجنة الحكومية لتتبع الإنتخابات والمكونة من وزارتي العدل والداخلية) الفائز الأول في هذا الإستحقاق نظرا لعدم طعن أي حزب خاسر ولتقلص حجم الشكايات وسرعة بتّ الجهات المعنية فيها.

وقالت اللجنة الحكومية إن الشكايات المقدمة إلى النيابات العامة خلال الإنتخابات الجماعية والجهوية وصلت إلى 1244 شكاية، والنظر ضمنها جرّ متابعة 258 شخصا، من بينهم 46 في حالة اعتقال وأن 26 شكاية من بين هذه الشكايات تم تسجيلها خلال مرحلة القيد باللوائح الإنتخابية، بينما وضعت 48 شكاية لدى السلطة المختصة خلال مرحلة تقديم الترشيحات، و831 شكاية خلال مرحلة الحملة الإنتخابية، و339 شكاية خلال يوم الإقتراع وما تلاه، فيما سجل المراقبون استعمال المال وانحدار مستوى الخطاب السياسي للأحزاب خلال الحملة الأنتخابية.

كان الهم الأساسي للمعنيين باستحقاق الرابع من سبتمبر نسبة المشاركة وهواجس تكرار مأساة 2007 حين لم تتجاوز نسبة المشاركة في التشريعيات حينها 36 بالمائة من إجمالي المسجلين على اللوائح الإنتخابية. وإذا كان استحقاق البلديات يعرف دائما زيادة بالمشاركة عن التشريعيات، فان ما يشهده الخطاب السياسي للأحزاب المغربية وما عرفه البعض منها من خلافات وانشقاقات وهيمنة نخبة تبتعد كثيرا في خطابها وسلوكها عن مؤسسيها، شكل أحد عوامل التخوف الممزوج بالتخوف من دعوات المقاطعة التي تبنتها أطياف يسارية متشددة أو ذات مرجعية إسلامية مؤثرة، فيما قوبل التضييق على أصحاب هذه الدعوات بانتقادات المراقبين والهيئات الحقوقية.

الأرقام الرسمية 

أعلن وزير الداخلية المغربي محمد حصّاد، يوم السبت 5 سبتمبر 2015، أن حزب الأصالة والمعاصرة تصدر نتائج الإنتخابات الجماعية برسم اقتراع رابع سبتمبر، بحصوله على 6655 مقعدا (بنسبة 21,12 بالمائة)، متبوعا بحزب الاستقلال الذي حصل على 5106 مقعدا (16,22 بالمائة)، وحزب العدالة والتنمية الذي حصل على 5021 مقعدا (15,94 بالمائة).

وأضاف حصاد، في بلاغ صادر عن وزارة الداخلية، أنه بعد انتهاء عملية فرز وإحصاء الأصوات، حل حزب التجمع الوطني للأحرار رابعا بعد حصوله على 4408 مقعدا (13,99 بالمائة)، والحركة الشعبية على 3007 مقعدا (9,54 بالمائة).

وأضاف البلاغ ان حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حصل على 2656 مقعدا (8,43 بالمائة)، فيما حصل حزب التقدم والاشتراكية على 1766 مقعدا (5,61 بالمائة)، وحزب الاتحاد الدستوري على 1489 مقعدا ( 4,73 بالمائة).

وحصل تحالف أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي على 333 مقعدا (1,06 بالمائة)، وحزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية على 297 مقعدا (0,94 بالمائة)، وجبهة القوى الديمقراطية على 193 مقعدا (0,61 بالمائة)، وحزب العهد الديمقراطي على 142 مقعدا (0,45 بالمائة).

وبخصوص المقاعد المتبقية، فتوزعت في ما بين 12 حزبا سياسيا واللامنتمين، كما أكد وزير الداخلية أنه على إثر انتهاء عملية فرز وإحصاء الأصوات فان نسبة المشاركة في الانتخابات الجماعية والجهوية، بلغت 53,67 بالمائة، مشيدا بـ”الظروف العامة التي جرت فيها هذه الاستحقاقات، وذلك بفضل تضافر جهود جميع الأطراف المعنية”.

وقال وزير الداخلية في بلاغ آخر ان حزب العدالة والتنمية تصدر انتخابات أعضاء مجالس الجهات بحصوله على 174 مقعدا (25,66 بالمائة)، متبوعا بحزب الأصالة والمعاصرة ب 132 مقعدا (19,47 بالمائة)، وحزب الاستقلال ب 119 مقعدا (17,55 بالمائة).

العدالة والتنمية.. فائز أول

بشكل عام، يظل الفوز أو الخسارة في الإنتخابات، أيا كانت طبيعتها، مسألة نسبية. وفي الإنتخابات الجماعية والجهوية المغربية، يكون احتساب الفوز أو الخسارة قياسا مع آخر انتخابات جرت بالمملكة سنة 2009، وأيضا حجم المقاعد المُتحصل عليها من جهة ونوعيتها وتأثيرها من جهة ثانية، وباستثناء قياس حجم المقاعد أو الترتيب، فان حزب العدالة والتنميةرابط خارجي (ذي المرجعية الاسلامية) والحزب الرئيسي بالحكومة، يُعتبر الفائز الأول في هذه الانتخابات، فيما تعتبر الأحزاب التاريخية واليسارية الخاسر الأول بكل المقاييس التي تشكل مرجعية لقراءة الإنتخابات، فيما حافظت ما يُطلق عليها بالأحزاب الادارية على وضعيتها، مع خسائر طفيفة.

بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، لم يحصل في تاريخ المغرب الحديث أن حقّق حزب سياسي تقدما قياسا مع آخر انتخابات شارك فيها، كما حدث هذه المرة، حيث احتل المرتبة الثالثة بحصوله على 5021 مقعدا من 31 الف مقعدا، أي بنسبة 15.94 بالمائة (من مجموع المقاعد المتنافس عليها)، فيما احتل في انتخابات 2009 المرتبة السادسة بحصوله على 1513 مقعدا، أي بنسبة 5.5 في المائة (من مجموع المقاعد المتنافس عليها).

ولأول مرة منذ إجراء الإنتخابات الجماعية الأولى في المغرب سنة 1976، يفوز حزبٌ واحد في كل المدن الكبرى. ومع أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبيةرابط خارجي هيمن سابقا (حينما كان يُمثل اليسار المعارض) على عدد من المدن الرئيسية (الرباط، فاس، أغادير)، إلا أن حزب العدالة والتنمية احتل في انتخابات 4 سبتمبر 2015 المرتبة الأولى  في البعض منها، بل حقق في جلها أغلبية مريحة تؤهله لتدبيرها بشكل منفرد.

الفوز بالمدن الكبرى إلى جانب التقدم في عدد المقاعد، لم يكن المكسب الوحيد للحزب الرئيسي في الإئتلاف الحكومي، اذ أن ترجمة ذلك سياسيا هو ثقة المواطن المغربي بتدبير العدالة والتنمية للشأن العام، على عكس ما توقعه المحللون من تصويت عقابي للحزب، المسؤول رسميا عن إدارة البلاد منذ عام 2012 وتحميله مسؤولية القرارات الإقتصادية التي تمس القدرة الشرائية للمواطن العادي، بل جاءت نتيجة التصويت “مكافأة” له وتقديرا لاختياراته لشعاراته ومرشحيه.

نتائج الأحزاب الأخرى

من المؤكد أيضا أن حزب المعارضة، أي حزب الأصالة والمعاصرة رابط خارجي(ليبرالي)، يعتبر نفسه فائزا بعد احتلاله المرتبة الأولى في استحقاقي 2009 و2015، محققا نسبة متقاربة بين الإقتراعين: 21.15 بالمائة سنة 2009، و21.12 بالمائة عام 2015، لكن بزيادة في عدد المقاعد بلغت 640 مقعدا، أي من 6015 مقعد سنة 2009 إلى 6655 مقعدا سنة 2015.

الحفاظ على المرتبة الأولى والزيادة في عدد المقاعد المتحصل عليها، يُعتبر مكسبا مهما لهذا الحزب الذي أثار الكثير من الجدل في سنواته الأولى، خصوصا في ظل عدم تواجده في الفترة الأخيرة بالمناطق الحضرية وغياب قدرته على التاثير السياسي من خلال إدارة شؤون البلديات والجماعات والجهات بسبب استبعاده من المكاتب والمجالس المُسيّرة لها، في أعقاب الحملة التي تعرض لها منذ تأسيسه في عام 2008 باعتباره “حزب سلطة مغرب محمد السادس” نظرا لقرب مؤسسه، فؤاد عالي الهمة، من العاهل المغربي، ولأن ملابسات بروزه تُذكّر بـ “جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية” التي أسسها سنة 1963 احمد رضا اكديرة كحزب سلطة الحسن الثاني.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الأصالة والمعاصرة كان الحزب الاول المستهدف في احتجاجات شباب 20 فبراير 2011 التي أطلقت في سياق الربيع العربي حيث حمل المتظاهرون صور قادته كــ “رموز للفساد” في البلاد، وبعد ذلك جاءت نتائج الإنتخابات التشريعية لعام 2011 غير متناسبة مع نتيجة الإنتخابات البلدية لعام 2009 حيث وضعته بصفوف المعارضة فيما ظل مثارا للجدل الذي خفت قليلا بعد ابتعاد عالي الهمة عنه منذ دخوله رسميا إلى القصر الملكي بوصفه مستشارا للعاهل المغربي.

النتيجة التي حققها حزب الإستقلالرابط خارجي (أعرق الأحزاب المغربية حيث تأسس عام 1944) لا تختلف قراءتها عن نتيجة حزب الأصالة والمعاصرة، فقد احتل المرتبة الثانية (كما حصل سنة 2009)، لكنه تراجع من حيث عدد المقاعد وخسر في جميع المدن وخاصة في قلعته فاس التي ترشح فيها أمينه العام حميد شباط الذي شغل منصب عُمدتها على مدى 12 سنة بدون انقطاع. في المقابل، تبقى هذه الخسارة أقل مرارة من تلك التي مُني بها الخاسر الاول في هذه الإنتخابات أي أحزاب اليسار (وخاصة الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية)، التي كشفت نتائجها عن وهنها وتقلص تأثيرها، خاصة بحاضنها الطبيعي، أي الطبقة المتوسطة بالمدن، بعد تراجع الإتحاد من المرتبة الرابعة إلى المرتبة السادسة وخسارته في جميع المدن التي كان لسنوات خلت يحتل فيها المرتبة الأولى ويتولى ناشطوه تدبيرها وتسييرها.

في انتظار 2016 

في الأثناء، يبقى التقييم النهائي لاستحقاق 4 سبتمبر المغربي رهينا بما ستسفر عنه انتخابات مكاتب المجالس والمقاطعات التي تحمل طابعا سياسيا مرتبطا بمسار التحالفات التي تشهدها الساحة السياسية المغربية والتاكد من مدى التزام الأطراف المشكلة لكل تحالف (أغلبية ومعارضة) بما أعلنه بعد الإعلان عن نتائج الإقتراع، خصوصا وأن هذه المكاتب لا تتولى تدبير المجالس وشؤون المواطنين في سلطتها الجغرافية فحسب، بل تلعب أيضا دورا مهما في تحديد مُكوّنات مجلس المستشارين (الغرفة التشريعية الثانية).

لقد كانت أول انتخابات بلدية وجهوية تنظم في المغرب بعد التحولات التي شهدها منذ 2011 الذي حفزت عليه احتجاجات 20 فبراير الشبابية التي جاءت في سياق الربيع العربي ومنحت الإسلاميين بالمغرب المرتبة الاولى في تشريعيات 2011 واستحقاق 4 سبتمبر 2015.

وبعد خمود هذا الربيع والإنقلاب عربيا على معظم إفرازاته، يظل المغرب الذي حافظ على مساره الهادئ استثناء مثيرا للإنتباه. واليوم، تتركز الأنظار على تشريعيات 2016 لمعرفة ما إذا كانت نتائجها ستؤكد استمرار الظاهرة أو انكفاء المجتمع عنها أو تراجعها نتيجة ضغوطات إقليمية وجهوية تتحكم بالمنطقة العربية سبق للمغرب أن تحمّلها بل تجاوزها منذ عام 2013.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية