مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جون دانيال غيربر: “الإتصالات السويسرية السعودية كانت ناجحة”

جون دانيال غيربر، يستمع خلال زيارته يوم 25 أكتوبر 2010 إلى المدينة الصناعية الثانية في الرياض لشروح المسؤولين عن هيئة "مدن" المشرفة على جلب الإسثمار لبناء المدن الصناعية والعلمية والتجارية في السعودية. swissinfo.ch

وصف جون دانيال غيربر، كاتب الدولة السويسري للشؤون الاقتصادية زيارته للسعودية على رأس وفد اقتصادي بـ "الناجحة" حيث سمحت بطرح عدة قضايا تشمل اتفاقيات التبادل التجاري الحر، ومنع الإزدواج الضريبي إضافة إلى مسألة "السعودة".

وخلال الزيارة التي استمرت من 22 إلى 26 أكتوبر الجاري، ومكنت حوالي 20 من رجال الأعمال السويسريين من ربط اتصالات مع نظرائهم في المملكة، تقابل غيربر مع العديد من المسؤولين السياسيين والإقتصاديين في العاصمة الرياض ومدينة جدة.

ومن الملفات التي تم التطرق لها على المستوى السياسي ما هو قديم مثل اتفاقية التبادل التجاري الحر التي تنتظر تصديق بعض الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي (من بينها السعودية) كي تدخل حيز التطبيق، وموضوع المفاوضات بخصوص إبرام اتفاقية لمنع اللإزدواج الضريبي بين البلدين. كما تناولت االمحادثات مسألة “السعودة” (أي ضرورة توظيف نسبة معينة من السعوديين في الشركات الأجنبية العاملة في المملكة)، وطلب دعم الرياض لبرن في ترشيحها لمنصب من مناصب مدراء صندوق النقد الدولي.

في الحوار التالي الذي خصّ به swissinfo.ch، يتحدث السيد جون دانيال غيربر عن طبيعة ومميزات العلاقات السويسرية السعودية وما يجب تحسينه فيها.

swissinfo.ch: شددتم في مستهل كل لقاءاتكم على أن العلاقات بين سويسرا والسعودية ممتازة. هل تنعكس هذه الجودة في العلاقات الثنائية على حجم المبادلات بين البلدين؟

جون دانيال غيربر: العلاقات مع العربية السعودية ممتازة ولكن عندما ننظر للأرقام نجد أن سويسرا تصدر حوالي 1،6 مليار فرنك. كما أن الإستثمارات لا تتجاوز المليار فرنك وهذه أرقام زهيدة بالنسبة لبلد يُعد من أغنى بلدان العالم. ولا توجد إلا مؤسسة سويسرية واحدة لها استثمارات هامة في هذا البلد. لذلك نعتقد بأنه من الممكن تعزيز العلاقات بشكل أفضل. وهذا من الممكن القيام به بوضع الأطر القانونية. وهو إبرام اتفاقية لحماية الاستثمارات وهذا موجود بالفعل. وثانيا اتفاقية تبادل حر وهو اتفاق مُوقع ولكنه لم يدخل بعد حيز التنفيذ . فقد صادقت عليه الحكومة السويسرية ويعتزم البرلمان المصادقة عليه بمجرد أن تصادق العربية السعودية على ذلك. وثالثا إبرام اتفاقية لمنع الإزدواج الضريبي. وهذا ما ستبدأ بشأنه مفاوضات في شهر ديسمبر. ومن المنتظر أن يتم التوصل إلى اتفاق بسرعة.

وعند استكمال هذه الشروط يمكن القول بأن المعايير الإطارية متوفرة لتعزيز العلاقات بين البلدين. ولكن تحويل ذلك الى عمل ملموس ليس من اختصاص الحكومة بل من صلاحيات رجال المال والأعمال. ونحن سعداء لرؤية هذا الوفد (الذي يزور السعودية حاليا) قد اشتمل على حوالي 20 من رجال الأعمال السويسريين الذين أتوا الى هنا للتعرف على إمكانيات تعزيز المبادلات التجارية وفرص الاستثمار السويسرية في العربية السعودية. وبفضل مثل هذه الزيارات يمكن تحويل هذه الجهود الى عقود فعلية.

بالفعل شملت لقاءاتكم في المملكة مقابلة وزيري المالية والتجارة والصناعة السعوديين. هل حصلتم منهما على تأكيدات باعتزام المملكة المصادقة على هذه الإتفاقية؟

جون دانيال غيربر: نعم. لقد حصلت على تطمينات تفيد بأن مجلس الوزراء السعودي سيجتمع قريبا للنظر في المصادقة على هذه الإتفاقية. وهذه الاتفاقية كما ذكرتم هي بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر (ايفتا EFTA). ولكن لم يصادق عليه لحد اليوم من ناحية مجلس التعاون سوى سلطنة عُمان. ونحن في انتظار مصادقة الآخرين أي العربية السعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة. وإذا ما صادقت العربية السعودية على هذه الاتفاقية فإن ذلك سيكون بمثابة إشارة قوية للدول التي لم تقم بعدُ بذلك.

ولكن يجب القول أيضا بأن بلدان الرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر لم تصادق منها على هذا الاتفاق سوى سويسرا وإمارة الليختنشتاين. ونحن في انتظار مصادقة كل من النرويج وإيسلندا.

فيما يتعلق باتفاقية منع الإزدواج الضريبي إلى أين وصلت الجهود سواء مع العربية السعودية أو مع قطر؟

جون دانيال غيربر: في الواقع، فإن العربية السعودية وقطر هما اللتان طلبتا إبرام هذه الاتفاقية الخاصة بمنع الإزدواج الضريبي. فيما يتعلق بقطر، ستتم الموافقة قريبا على اتفاق منع الإزدواج الضريبي من الجانب السويسري أي في شهر ديسمبر، كما أن دخولها حيز التطبيق قد يتم في وقت قصير إذا ما رغبت سويسرا في ذلك. أما فيما يتعلق بالعربية السعودية، فستبدأ المفاوضات في شهر ديسمبر. ومن المفروض أن لا تستغرق أكثر من عام حيث يتطلب الأمر عقد ما بين ثلاث أو أربع اجتماعات إذا ما لم تظهر مشاكل غير متوقعة.

ذكرتم بأن النفاذ الى السوق السعودية هي من مهام القطاع الخاص، ولكن أنتم كقيادة سياسية هل تعتقدون بأن سويسرا تحتل المكانة اللائقة بها في السوق السعودية التي تعرف نهضة صناعية ومشاريع عملاقة؟

جون دانيال غيربر: أود التطرق في هذا الإطار لعدة قضايا إذا ما سمحتم. بالطبع هناك اهتمام سويسري بذلك، وأود أن أشير الى أن هناك شركة سويسرية مثل إيه بي بي المتواجدة في العربية السعودية منذ زمن طويل (1951) ولها استثمارات كبيرة في هذا البلد والتي ترغب في زيادة حجم تلك الإستثمارات.

والنقطة الثانية التي أود الإشارة إليها هي أن العربية السعودية بصدد تطوير سوقها الداخلية بشكل مهم. وأن إقامة حوالي ست مدن جديدة هو لحد الآن إن صح التعبير عبارة عن “مشاريع اصطناعية” يجب ليس فقط تعميرها من قبل السكان بل أيضا جلب الاستثمارات الضرورية لإقامتها. وهذه طريقة تختلف عما تعودنا عليه كسويسرين لأن نمو المدن لدينا يتم بشكل طبيعي وتدريجي، أما هنا فيتم تشييدها بطريقة اصطناعية على أمل أن يلتحق القطاع الصناعي والاقتصادي تاليا بالركب. لست منجما لكي أتنبأ بما إذا كان هذا التصور سيحقق النتائج المطلوبة ولكن ما آمل فيه هو أن لا يتحول ذلك الى سراب بل أن تتمكن هذه المليارات التي ستنفق في هذه المشاريع من أن تؤتي أكلها.

فيما يتعلق بالموارد الطبيعية لا يشكل ذلك أدنى مشكل في بلد غني بالموارد، ولكن ما قد يشكل عائقا هي ظروف المعيشة والظروف المناخية التي لا تسهل معيشة الأجانب هنا. والتي تضاف لها الفوارق الثقافية والاجتماعية التي حتى وأن كنت لا أحكم عليها لا بالسلبية أو بالإيجابية، فإنها مختلفة عما نعرفه لدينا، وبالتالي فإن إمكانية التأقلم معها هي مشكلة ليست بالهينة.

من النقاط التي أثارتها بعض الشركات السويسرية العاملة في السعودية، ما يعرف بـ “السعودة” أي إجبار الشركات الأجنبية على توظيف عدد من السعوديين لديها. هل أثرتم هذه المسألة مع نظرائكم السعوديين وكيف كان رد فعلهم؟

جون دانيال غيربر: بالفعل أثرنا هذا الموضوع في كل الإجتماعات التي عقدناها لأن الشركات الأجنبية في حاجة الى التمتع بحرية توظيف الكفاءات الأكثر جودة ولكن بهذه السعودة قد تجازف الشركات بتوظيف عمال محليين لا يتوفرون على المهارات الضرورية. كما لم يتم تحديد نسبتهم هل يجب أن تكون 70 أو 50%؟ وما هي الفترة الزمنية التي يجب أن تمهل بها الشركات لتنفيذ هذا الإجراء؟ وما هي الإستثناءات الممنوحة؟

ولكن يجب أن أعترف بحكم أني كنت رئيسا للمكتب الفدرالي للهجرة، وأتولى حاليا قسم العمل في كتابة الدولة للشؤون الإقتصادية، لدي بعض التفهم للسياسة السعودية. ويجب أن لا ننسى أننا طبقنا أيضا تحديدات على تنقل الأشخاص في سويسرا. وكنا نطبق في سويسرا نظاما لا يُشبه سياسة العربية السعودية تماما ولكنه قريب منها. أي أننا نطالب عند شغور فرصة عمل أن يتم البحث عن ملئها بيد عاملة من داخل سويسرا. وإذا لم نستطع الحصول على سويسري أو سويسرية لهما المؤهلات المطلوبة عندها فقط يمكن التوجه الى الخارج لتشغيل اجنبي.

ومع دخول اتفاقية حرية تنقل الأشخاص حيز التطبيق أصبحنا نبحث عن توظيف من داخل دول منطقة شينغن أي سويسرا ودول الاتحاد الأوربي وإذا لم نجد عندها فقط يمكن البحث خارج هذه المنطقة. وقبل أن ننتقد سياسة العربية السعودية في مجال السعودة يجب أن نكون واعين بطبيعة السياسة التي طبقناها في الماضي وما نطبقه اليوم في سويسرا في مجال شنغن.

باستثناء هذه الإختلافات في وجهات النظر، هل تعتقدون بأن هذه الزيارة حققت ما كانت تهدف له من تعزيز للتواجد السويسري في المملكة؟

جون دانيال غيربر: تعلمون أنه عندما نقوم بمثل هذه الزيارات من الصعب أن نحكم على الفور بأنا كانت ناجحة أم لا. فهي كانت ناجحة من حيث تمكني من الحصول على كل المواعيد واللقاءات التي رغبت في القيام بها، ومن إيضاح وجهة نظرنا في كل هذه القضايا.

أما النجاح الفعلي فقد يظهر بعد ستة إلى 12 شهرا من الآن عندما نرى هل ستدخل اتفاقية التبادل الحر بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الرابطة الأوروبية حيز التطبيق؟ وهل المفاوضات حول منع الإزدواج الضريبي ستكلل بالنجاح سريعا أم أنها ستطول؟

والأهم هو معرفة طبيعة الإتصالات التي أثمرت وتحولت إلى صفقات بين رجال الأعمال السويسريين والسعوديين سواء في مجال الإستثمارات أو في مجال التصدير. والخلاصة هي: نعم، لقد كانت زيارة ناجحة لكن بوادر هذا النجاح سوف لن تظهر إلا بعد بضعة أشهر من الآن.

من النقاط التي أثارها جون دانيال غيربر، كاتب الدولة السويسري للشؤون الإقتصادية، أثناء لقائه مع المسؤولين السعوديين أثناء هذه الزيارة وبالأخص مع نائب مدير صندوق النقد السعودي هو طلب دعم المملكة العربية السعودية في ترشيح سويسرا لمنصب في مجلس إدارة صندوق النقد الدولي.

بخصوص هذه المسألة، يقول جون دانيال غيربر: “ما تم مؤخرا في اجتماع مجموعة العشرين في سيول هو اتخاذ قرار بأن يتم الرفع من عدد مقاعد المدراء في مجلس الإدارة. قد تقبل سويسرا هذه الزيادة ولكن على شرط أن يتم التداول على مقعدين أوروبيين. وبما أن سويسرا ليست عضوا في مجموعة العشرين فإننا لا نعرف من هي المناصب الأوروبية المقصودة. وهنا أود أو أوضح بأن دول الاتحاد الأوروبي وليس أوروبا هي التي تعرف تمثيلا أكثر مما تستحق إذ هناك مقاعد بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأيطاليا وبلجيكيا وهولندا ومقعد لدول الشمال الأوروبي، يُضاف لهم المقعد السويسري. ولكن ما يميز التمثيل السويسري عن باقي المقاعد الأوروبية باعتباره يمثل دولا توجد خارج الإتحاد الأوروبي وبالأخص صربيا وكل بلدان آسيا الوسطى وبالأخص كازاخستان الذي يُعتبر بلدا هاما جدا.

وعندما يتم الحديث عن تخفيض عضوية أوروبية يجب أن لا يفهم من ذلك المنصب السويسري لأن سويسرا ليست عضوا لا في الاتحاد الأوروبي ولا في منطقة اليورو، بل نمثل صوتا آخر غير صوت الاتحاد الأوروبي. ومن هذا المنطلق نعتبر أن القرار الذي اتخذ في سيول للتداول على مقعدين أوروبيين يجب أن لا يمس المنصب السويسري.

وبما أن المملكة العربية السعودية عضو في مجموعة العشرين أثرنا هذا الموضوع ليس مع مدير صندوق النقد السعودي لأنه كان في سيول للمشاركة في هذا الاجتماع بل مع نائبه ومع وزير المالية السعودي. ولدي يقين بأن كلا من مدير صندوق النقد السعودي ووزير المالية يكنان الكثير من التقدير لسويسرا. ولا ننسى أن هاتين الشخصيتين السعوديتين هما اللذان دعما في عام 1992 بشدة المرشح السويسري لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وبفضل الدعم السعودي أيضا استطاعت سويسرا أن تنجح في ترشيح مديرين تنفيذيين في هذه المؤسسات. وهذا ما يجعلني واثقا من أن العربية السعودية ستدعمنا”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية