مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الأدب العربي يتوفر على عمق تاريخي يفوق ذلك الموجود لدينا”

هارتموت فاندريتش، مترجم سويسري للأدب العربي إلى اللغة الالمانية، وحاصل على العديد من الجوائز القيمة في مجال الادب، كانت آخرها الجائزة السويسرية الكبرى لعام 2016 في مجال الترجمة الأدبية. Keystone

في السادس من أبريل 2016، استضاف برنامج "الساحة الثقافية" الذي يُبث على قناة SF العمومية الأولى للتلفزيون السويسري هارتموت فاندريشرابط خارجي، الذي يعمل كباحث ومحاضر للأدب العربي، بالإضافة إلى عمله كمترجم للأدب العربي المعاصر إلى اللغة الألمانية.

الحواررابط خارجي يأتي بعد أسابيع قليلة على احتفاء الدورة الأخيرة لمعرض فرانكفورت للكتاب بالأدب العربي، وهي فرصة اغتنمتها مقدمة البرنامج إيفا فانّنماخَر لاستطلاع رأي ضيفها حول قضايا الإرهاب الأصولي والصراعات الدائرة في الشرق الأوسط، إضافة إلى الأدب العربي الحديث وخصوصياته. وهذه التفاصيل:

إيفا فانّنماخَر: سيد فاندريش، هل هناك وجود للأدب العربي الحُر؟

هارتموت فاندريش: من المؤكد أن الأدب الحُر غير موجود في أي مكان من العالم. الأدب يَخضَع لِصيغ مُختلفة من الضغوط، كالمحظورات السياسية والإجتماعية، وهذه موجودة في العالم العربي أيضاً. إذن الأدب العربي بمفهوم الحُرية الكاملة غير موجود بالتأكيد. هناك محظورات مختلفة. في المملكة المغربية مثلاً، لا يُكتب أي شيء عن الملك بصيغة تهكمية أو مُثيرة للضحك، وفي المملكة العربية السعودية لا يُكتَب عن الدين بأسلوب ساخر. وهذه الأشياء مسموحة في أماكن أخرى.

هارتموت فاندريش في سطور

كاتب ومترجم وأستاذ جامعي ألماني الأصل متخصص في الأدب العربي والدراسات الإستشراقية.

هاجر من ألمانيا إلى سويسرا في موفى السبعينات بعد إنهائه لدراساته الجامعية في مجال الإستشراق في ألمانيا والولايات المتحدة.

يقيم في العاصمة السويسرية برن منذ أزيد من 30 سنة.

تعلّم اللغة العربية في ألمانيا ثم في جامعة كاليفورنيا.

يركّز جهوده منذ بداية ثمانينات القرن الماضي في مجال ترجمة الادب العربي المعاصر.

زار العالم العربي بعد إكماله لدراساته الجامعية. وكانت مصر أوّل بلد عربي يتوجه إليه في منتصف السبعينات.

تعلّم الكثير عن العالم العربي من خلال الأدب الذي يعتبره “الموسوعة المُوثقة لأوضاع المجتمعات”.

ترجم نصوص العديد من الكتاب والأدباء العرب المعاصرين من بينهم نجيب محفوظ وعلاء الأسواني، وجمال الغيطاني، وإيميل حبيبي، وإدوارد الخرّاط، وغيرهم.

يدرّس الأدب العربي في العديد من الجامعات الغربية في كل من برن وزيورخ (سويسرا) وليون (فرنسا) ونابولي (إيطاليا) وفريبورغ (ألمانيا).

تحصل على العديد من الجوائز المرموقة، من بينها “خاتم هيرونيموس” من طرف اتحاد الكتاب الألمان في عام 1995 وجائزة الترجمة لجامعة الدول العربية في عام 2004 والجائزة الخاصة بالترجمة ضمن الجوائز السويسرية للآداب لعام 2016.

إيفا فانَّنماخَر: هل يصح الإفتراض إذن بأن المحظورات في الأدب العربي تفوق تلك الموجودة لدينا؟

هارتموت فاندريش: أستطيع القول أن هناك المزيد من المحظورات بالتأكيد. لكن لا يُمكن الذهاب إلى الجَزم بوجود رقابة موحدة متشابهة، أو غياب موحد للحرية في الأدب العربي. هناك متغيرات تختلف باختلاف الدول العربية الـإثنين والعشرين (22) التي تتباين في تركيبتها.

إيفا فانَّنماخَر: هناك الكثير إذن مما يستحق التعرف عليه في العالم العربي. هل نحن بحاجة إلى مفتاح يمنحنا القدرة على التعمق بهذا الأدب؟ وما هو المفتاح الذي أحتاجه لذلك؟ هل يمكنك أن تعطيني إرشادات معينة؟

هارتموت فاندريش: لا أستطيع أن أزوّدك بمفتاح سري كالذي قد تجديه في حكايات ألف ليلة وليلة. ولكن ما تحتاجينه قبل كل شيء هو الرغبة في التعامل مع هذا الأدب والتعمق به، والإنخراط في المجتمع الذي ينتسب إليه، والتعامل مع الصعوبات المختلفة التي تظهر أثناء القراءة أيضاً، ومحاولة إدراك واستيعاب تلك الأشياء التي لا نجدها في مجتمعنا. إن الإنخراط في كل هذه العوامل هو المفتاح في الواقع، ليس في الأدب العربي فحسب، ولكن في جميع أنواع الأدب الأخرى.

إيفا فانَّنماخَر: تطرقت في حديثك إلى وجود مجتمعات مختلفة (في العالم العربي). ما الذي يتعيّن علينا معرفته بهذا الصدد؟ ماهي الظروف المعيشية لهذه المجتمعات؟ وماهي المواضيع الأدبية الناتجة عن هذه الظروف المعيشية؟

هارتموت فاندريش: ليس هناك موضوع واحد، ولكن مواضيع رئيسية متعددة. هناك المواضيع الإقتصادية والسياسية وتلك المتعلقة بوضع المرأة. السجن أيضاً يشكل رمزاً مهما في الأدب العربي. كما يمكننا الإطلاع على مسائل حديثة أيضاً تتعلق بالبيئة مثلاً، والمجتمعات المتفككة والمدن المنهارة، والتلوث… كل هذه مواضيع يمكن ملاحظتها أيضاً. ما قد يثير استغرابنا هو أن موضوع الدين يأتي على الهامش، وهو في الواقع موضوع من جملة مواضيع أخرى، لكنه لا يحظى بالأولوية بأي حال من الأحوال.

إيفا فانَّنماخَر: بإمكاني أن أتصور الأوضاع السياسية كموضوع يومي أيضاً للأدباء العرب، لأن الناس مُضطرون للتعامل معها بشكل يومي، وبدرجة قد تفوق تعامل الأدباء معها في بلدنا؟

هارتموت فاندريش: كان هناك إلتزام تقليدي أقوى بهذه المواضيع في أدبيات العالم العربي في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. كما يُلاحظ وجود إهتمام أكبر بالأوضاع الإجتماعية والإلتزام ببعض الحركات السياسية في ذلك الوقت. لكن هذه المواضيع تراجعت اليوم بعض الشيء. وفي الوقت الراهن، يُلاحظ نوع من العودة إلى المواضيع الفردية الشخصية، وهو توجه مُثير للإهتمام في الأدب العربي، لأن بإمكاننا أن نرى أنه مرتبط بالسياسة أيضاً وبمواقف الكتاب والمفكرين من عالم السياسة.

إيفا فانَّنماخَر: هل يتضمن الأدب العربي أيضاً أنواع الأدب الكلاسيكي الأوروبي كما نعرفها؟

هارتموت فاندريش: نعم، هناك الأنواع الرئيسية مثل الرواية والقصة القصيرة والمسرح والشعر، وهي الأنواع الرئيسية للأدب في العالم العربي أيضاً. لكن هذه الأنواع تتصف بعمق تاريخي يفوق ذلك الموجود لدينا، لأن بوسع الكتّاب العرب العودة إلى أدب يعود تاريخه لعدة مئات من السنين، وهم يلجأون إلى ذلك أيضاً. ومن الناحية الأخرى، يتسم هذا الأدب بامتداد عالمي، لأن بوسعه توظيف إحتياجات التطور الحاصلة في أنواع الأدب الأخرى المستخدمة عالمياً. وهذا ما جعل الأدب العربي أدباً واسعاً وغنياً ومتنوعاً.

إيفا فانَّنماخَر: تمر العديد من الدول العربية بمرحلة اضطرابات ونهضة سياسية أيضاً. في ظل هذه الظروف، أين يكون الإطلاع والقراءة مفيداً على وجه الخصوص؟

هارتموت فاندريش: من الصعب الإجابة على هذا السؤال، لأننا نتحدث عن 22 دولة مختلفة. لنأخذ على سبيل المثال الكاتب الليبي ابراهيم الكوني، الذي يكتب عن تخوم العالم العربي في مناطق جنوب شرق ليبيا المجاورة لإفريقيا السوداء، ويصف في روايته ‘عشب الليل’ مجتمع الطوارق الذي ينتسب إليه، مُحيلاً إياه إلى استعارة للوجود الإنساني في نفس الوقت. أو لنأخذ مثالاً آخر هو الأديب السوري زكريا ثامر، الذي يُلقي نظرة فاحصة على الوضع السياسي والإجتماعي القائم في العالم العربي اليوم من خلال تسخير شخصيات تاريخية تعود لألف سنة باسلوب ساخر ولاذع نسبياً.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية