مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“رفع” الحدّ الأدنى للأجور.. “صُـداع” في رأس مصر!

مظاهرات واعتصامات ووقفات احتجاجية لشرائح مختلفة من المجتمع المصري ومن العاملين في عدد من الوزارات والشركات للمطالبة بتحسين أجورهم ورواتبهم لتناسب الغلاء الفاحش واحتياجات الحياة

اتّـفق خبيران مصريان متخصِّـصان في الاقتصاد، أحدهما يمثل المعارضة والآخر يمثل الحزب الحاكم، على ضرورة وأهمِـية رفْـع الحدّ الأدنى للأجور، بما يتناسَـب مع الارتِـفاع الملحوظ في أسعار السِّـلع والخدمات الأساسية وبما يضمَـن للعاملين حياةً كريمةً ومستوى معيشة لائق، وإن اختلفا في سبَـب المشكلة، والمسؤول الأول عنها، فضلا عن تحديد قيمة الحدّ الأدنى المطلوب الوُصول إليه وسُـبل تمويل المُـوازنة العامة للدولة.

وفيما اعتبر الخبير الاقتصادي المُـمثِّـل للحزب الوطني الحاكم أن “الدولة ليست هي المشكلة” في رفْـع الحدّ الأدنى للأجور و”إنما القِـطاع الخاص” وأن “العائق الحقيقي هو كيفية تمويل المُـوازنة العامة للدولة” لتَـفِـي بمتطلّـبات الترفيع، أوضح الخبير الاقتصادي المُـعبِّـر عن آمال وطموحات القِـوى المعارضة، أن “السياسات الاقتصادية للحكومة هي السبب الرئيسي لتفاقُـم المشكلة” وأن “هناك العديد من المُـقترحات العملية لتمويل المُـوازنة العامة للدولة” وأن “الأمر لا يحتاج سِـوى الإرادة والضَّـرب بِـيَـد من حديد على يَـد الفساد والمُـفسدين”.

وكانت محكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار عادل فرغلي، قد أصدرت يوم الثلاثاء‮ ‬30‮ ‬مارس 2010 حُـكمها في‮ ‬الدّعوى المرْفوعة من المركز المصري‮ ‬للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، موكـلاً‮ ‬عن العامِـل‮ ‬ناجي‮ ‬رشاد‬،‮ ‬مُـختصما كلاّ من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء‮ ‬ومطالباً‮ ‬بأن‮ ‬يُـمارس المجلس القومي‮ ‬للأجور مهامّـه في‮ ‬وضع الحدّ الأدنى للأجور على المستوى القومي‮ “‬بمراعاة نَـفقات المَـعيشة وبإيجاد الوسائل والتّـدابير، التي‮ ‬تكفل تحقيق التّـوازن بين الأجور والأسْـعار‮”‬،‮ ‬وذلك، طِـبقا لقانون العمل الموحَّـد رقم‮ ‬12‮ ‬لسنة‮ ‬2002.

ونصّ الحُـكم على وقْـف تنفيذ القرار السَّـلبي‮ ‬بامتِـناع الحكومة عن وضْـع حدٍّ أدنى للأجور،‮ ‬وقالت المحكمة في‮ ‬حُـكمها‮ “إن الدستور المصري‮ ‬أكّـد مبدأ ضمان الحدّ الأدنى لأجور العمّـال، على اعتبار أن تحقيق عدالة الأجُـور والحماية الدستورية للعمّـال ليست مُـجرّد شِـعارات أو توجيهات مُـجرّدة من القيمة القانونية،‮ ‬لكنها ورَدَت في‮ ‬إطارٍ دُستوري،‮ ‬جعلها في‮ ‬مصاف أعلى القواعد القانونية في‮ ‬تدرج البنيان القانوني‮ ‬المصري‮”.‬

كما نظم مِـئات من العمّـال وممثلي‮ ‬منظمات حقوقية وسياسيين ‬يوم السبت ‬10‮ ‬أبريل 2010، وقفَـةً احتِـجاجية أمام مجلس الوزراء، للمطالبة بتنفيذ حُـكم محكمة القضاء الإداري، ‬وإصدار قرار بتحديد الحدّ الأدنى للأجور بمبلغ‮ ‬1200‮ ‬جنيها مصريا‮ ‬شهريا (الدولار يُـعادل 5.42 جنيها)،‮ ‬مع تغييره سنويا، وِفْـقاً‮ ‬لنِـسَـب التضخُّـم وارتفاع الأسعار،‮ و‬رفَـع المُـتظاهرون شِـعار‮: “‬عايْـزين أجْـر عادل‮ ‬يكفي‮ ‬لـشهْـر كامِـل‮”‬. وقد صادَفت الوقْـفة الذكرى السابعة لصُـدور قانون العمل المُـوحَّـد‮.

وتَـوافَـق مع صُـدور هذا الحُـكم، مطالبة منظمة العمل الدولية للحكومة المصرية بضرورة تعديل الحدّ الأدنى للأجور – ‬والسابق تحديده بـ‮ ‬35‮ ‬جنيها شهريا‮، وِفْـقا للقانون رقم 53 لسنة 1984 – ‬لتمكِـين ‬كل العامِـلين بأجْـر “من الحياة الكريمة،‮ ‬وليعود ذلك بآثاره الإيجابية على الاقتصاد،‮ ‬وقالت‮ ‬دوروثيا شميد، ‬خبيرة التشغيل بمكتب منظمة العمل الدولية لشمال إفريقيا‮ “‬إن الحكومة المصرية مُـلزمة أمام المنظمة والمجتمع الدولي‮ ‬بتعديل الحدّ الأدنى للأجور وتحسين أوضاع العمّـال،‮ ‬حسب الاتِّـفاقيات الدولية الموقِّـعة عليها‮”.‬

وفي محاولة منها للتعَـرّف على حقيقة المشكلة ورصْـد الحلول المطروحة للخروج من المأزَق، مع بيان رُؤية كلاّ من المُـعارضة والحكومة، التقت swissinfo.ch مع الخبير الاقتصادي أحمد السيد النجار، مدير تحرير التقرير الاقتصادي الإستراتيجي السنوي لمركز الدراسات السياسية الإستراتيجية بالأهرام والخبير الإقتصادي عبد الفتاح الجبالي، نائب رئيس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام وعضو المجلس القومي للأجور ورئيس وِحدة البُـحوث الاقتصادية بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام وعضو اللجنة الإقتصادية بالحزب الوطني الحاكم.. فكانت هذه المُـناظرة..

حُـكم تاريخي في مناخ مُـعاكس!!

اعتبَـر الخبير الاقتصادي أحمد السيد النجار، أن “حُـكم محكمة القضاء الإداري بإلزام الحكومة بوضْـع حدٍّ أدنى جديد للأجور، هو حُـكم تاريخي ينتصِـر للقانون والحقّ والعدْل، في ظل مناخ حكومي مُـعاكس”، مشيرا إلى أنه “جاء في حيْـثِـيات الحُـكم، أن موادّ الدستور تنُـصّ على أن العمل حقّ وواجِـب، وتُـنادي بربْـط الأجر بالإنتاج وضمان حدٍّ أدنى للأجور ووضع حدٍّ أعلى يكفل تقريب الفُـروق بيْـن الدّخل”، وأكّـد على حقّ العمّـال في أجر عادِل يضمَـن حياةً كريمة للعامِـل وأسْـرته”.

وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، طالب الخبير الاقتصادي أحمد النجار “الحُـكماء في الدولة بالدّخول في مفاوضات عاقِـلة ومَـوضُـوعية مع مُـمثلي العمّـال الحقيقيِّـين ومنظمات المجتمع المدني، التي تبنّـت القضية، وخُـبراء من كلّ الاتِّـجاهات السياسية، لوضع حدٍّ أدنى جديد للأجور”، معتبرا أنه “على الدولة وأرباب العمل أن ينظُـروا إلى التطوّر في الأجْـر الحقيقي، أي القُـدرة الشِّـرائية للأجْـر، كمِـقياس حقيقي وموْضوعي لتطوّر أو تدهْـوُر الأجُـور. فإذا تمّ ذلك، سيكون التّـفاوُض بشأن تغيير الحدّ الأدنى للأجْـر ونظام الأجور بأسْـرِه، أكثر يُـسرا وموضوعية”.

وأوضح النجّـار أنه “لابُـد من التّـفريق بين الأجر الإسمي، وهو عدد أوراق النّـقد التي يتلقّـاها الموظّـف أو العامِـل في نهاية كل شهر، وبيْـن الأجر الحقيقي المُـتمثِّـل في القُـدرة الشرائية لهذا الأجْـر الإسمي، أي قُـدرته على شِـراء السِّـلع والخَـدمات”، مشيرًا إلى أن “تدهْـور الأجور الحقيقية للعاملين، هو نتيجة لغِـياب سياسة أجُـور عِـلمية وعَـملية وأخلاقية في مصر، منذ تخلّـي الدولة عن سياسة تسعير السِّـلع”.

وكشف النجار عن أن “توزيع الأجور وما في حُـكمها على العامِـلين في الدولة، يتَّـسم بعدم عدالة مروّع، كما لا توجد عمَـليا أية علاقة بين أقصى دخْـل وأقل دخْـل شامِـل في الجهاز الحكومي والقِـطاع العام والهيْـئات الاقتصادية”، ضاربا المثال بتقاضي “بعض العاملين في مراكز المعلومات، التابع لمجلس الوزارء، 99 جنيه راتبا شهريا، بينما تحصُـل قِـلّـة من القيادات على مداخيل أسطورية تصِـل إلى مِـئات الآلاف من الجنيهات شهريا، بل أن هناك من دخَـلوا في الرّواتب المليونية شهريا، بينما يتقاضى الرئيس الأمريكي – وهو أكبر موظف عام في العالم – نحو 180 ألف جنيه شهريا!!”، على حدّ قول النجار.

حدّ أدنى لا يكفي لإطْـعام قِـطة!!

وأشار النجار إلى أن “نظام الأجُـور بمصر فاسد ومُـفسد. فاسد، لأنه يقوم على حدٍّ أدنى للأجْـر لا يكفي لإطْـعام قِـطة ولا علاقة له بتكاليف المعيشة أو بإنتاجية العامِـل. ومُـفسد، لأنه يضطَـر العامِـلين لاستكمال ضرورات حياتهم، من خلال القيام بأعمال أخرى في القطاع الخاص أو الحصول على رشَـاوى أو التحايُـل لنهْـب المال العام أو السَّـفر للعمَـل في الخارج”.

وقال النجار: “من الصّـعب الحديث عن تغيير الحدّ الأدنى للأجر، دون أن يكون ذلك في إطار تغيير شامِـل لنظام الأجور الفاسِـد والمُـفسد”، معتبرا أنه “أمر يستَـلزِم أن يكون الحدّ الأدنى للأجر كافيا لتحقيق حياة كريمة للعامل وأن يتغيّـر تِـلقائِـيا كلّ عام بنفس نِـسبة معدّل التضخُّـم المُـعلَـن رسميا، وأن تتِـم مراجعته كلّ ثلاث سنوات لمُـعالجة الآثار المُـحتملة لارتِـفاع الأسعار، فضلا عن ضرورة عمَـل تسوِية لمرتَّـبات العمّـال القُـدامى على أساس الحدّ الأدنى الجديد بزيادة 5% عن كل عام من الأقدمِـية، بحدٍّ أقصى 50 جنيها سنويا”.

كما يستَـلزِم الأمْـر أن “يرتفِـع الأجْـر الأساسي للعامِـل سنويا بنِـسبة 7% كمقابل للخِـبرة والأقدَمية، يُـضاف إليها نِـسبة تُـعادِل مُـعدّل التضخّـم المُـعلن رسميا، وأن يتِـم وضع سقْـف للدّخول الشاملة لكل العاملين والموظفين بالقِـطاع العام والهيئات الاقتصادية والجِـهاز الحكومي، بحيث لا يتجاوَز أعلى دخْـل شامِـل لأي مُـستوىً وظيفي، 15 ضعفا للحدّ الأدنى للأجْـر الشامل للعامِـل بالدولة”.

مع ضرورة “توحيد الأجُـور الأساسية في الجهاز الحكومي والهيئات الاقتصادية والقطاع العام، وِفْـقا للتّـوصيف الوظيفي، بدلا من التّـفاوُت الرّهيب وغير العادل في مداخيل العامِـلين في مِـهنة واحدة، حسب جِـهة العمل، وأن يكون الأجْـر الأساسي للعامل، هو أساس دخْـله من العمل، وأن لا تزيد الدخول الإضافية من بدلات وحوافز وعُـمولات ومُـكافآت شهرية عن 100% من هذا الرّاتب الأساسي”.

مصادِر مُـقترحة لتمويل المُـوازنة!

وردّا على السؤال المطروح بقوّة، وهو: كيف تُـموِّل الدولة مُـوازنة رفْـع الحدّ الأدنى للأجور وتغيير نظام الأجور، دون حدوث تضخّـم؟ يوضِّـح النجار أنه “من المُـفيد أن نطرح المداخيل الرئيسية لتوفير التّـمويل الضروري لرفع الحدّ الأدنى للأجْـر، دون تضخُّـم، عِـلما بأنه طالَـما أن هذا التمويل سيتِـمّ بالأساس من خِـلال عمليات إعادة توزيع للدّخل ورفع الحدّ الأدنى للأجْـر وتغيير نظام الأجور كُـليّـة، فلن يؤدّي إلى اشتِـعال التضخُّـم”.

وقال النجار: “يُـمكن تركيز الآليات الرئيسية لتمويل رفْـع الحدّ الأدنى للأجْـر وتغيير نِـظام الأجور كُـليّـة من خلال: تحقيق العدالة في توزيع مخصّـصات الأجور بين العاملين بالجِـهاز الحكومي والقِـطاع العام والهيئات الاقتصادية العامة، من خلال ربْـط الحدّ الأدنى للأجْـر الشامل بالحدّ الأقصى، فضلا عن تطوير أداء القطاع العام والهيئات الاقتصادية ووضْـع ضوابط صارِمة لمنْـع الفساد فيها، ليتحسَّـن الأداء ويكون هناك فائِـض مُـحوَّل للموازنة العامة للدولة، يُـمكن استِـخدامه في تمويل نظام الأجور الجديد”.

وأضاف أن “الجِـدية في تحصيل الضرائب من كِـبار الرأسماليين وشَـركاتهم، سيُـساهِـم في تحصيل عشرات المِـليارات من الجنيهات، متأخرات ضريبية مُـستحقّـة عليهم للدولة، إضافة إلى التَّـغاضي عن تحصيل الجانِـب الأكبر من الضرائب المُـستحقة على كِـبار العملاء، الذين لا يدفعون سِـوى معدّلات ضريبية تقِـل عن 5% في المتوسّـط، بدلا من الـ 20% التي فرضها القانون! مع ضرورة تعديل قانون الضّـرائب الحالي، لمُـراعاة قاعدة التّـصاعُـد وتعدّد الشّـرائح الضريبية بصورة مُـتناسبة مع المستويات المُـختلفة من الدخول، كأسُـس راسخة ومُـتعارف عليها للعدالة الضريبية في البلدان الرأسمالية”، هذا إلى جانب “فرْض ضريبة صغيرة في حدود 0.5% على تعامُـلات البورصة، كما تفعل غالبية بورصات العالم، وهو إجراء بسيط سيُـوفِّـر 5 مليارات جنيه، مع فرض ضريبة على أرباح المُـتعاملين بالبورصة في نهاية كل عام، نسبتها 20% على غِـرار الضرائب التي يدفعها المُـستثمرون”، مشدِّدًا على ضرورة “إلغاء الدّعم المُـقدَّم لشركات الإسمَـنت والأسمِـدة والحديد وأية شركات أخرى تبيع إنتاجها بالأسْـعار العالمية، في صورة دعْـم الغاز والمازوت والسولار والكهرباء، التي تستهلكها الشركات، وهو ما سيُـوفِّـر حوالي 20 مليار جنيه!”.

كما طالب النجار بـ “تعديل اتِّـفاقيات تصدير الغاز، لوضع أسْـعار عادِلة للغاز المُـصدّر لإسرائيل وإسبانيا، وهو ما سيُـضيف 15 مليار جنيه كإيرادات للمُـوازنة العامة في السنة، قابلة للتّـصاعد عند تزايُـد أسعار الغاز، مع مضاعفة الضرائب على محاجِـر الإسمنت، وهو ما سيُـضيف 5.5 مليار جنيه سنويا، فضلا عن مكافَـحة الغلاء غيْـر المَـنطِـقي وأسبابه المُـختلفة وعلى رأسها: الاحتِـكار الإنتاجي واحتكار الاسْـتِـيراد والعمل على تعزيز حماية المُـستهلِـكين”.

قضِـية مهمّـة ومعقّـدة للغاية!!

ومن جانبه، أوضح عبد الفتاح الجبالي، الخبير الاقتصادي وعضو اللجنة الاقتصادية بالحزب الوطني الحاكم، أن “وضع حدٍّ أدْنى للأجور، يجب أن يُـراعي أمورا مُـرتبِـطة باحتياجات العمّـال من جهة، وقُـدرة المنشأة أو أصحاب الأعمال على الدّفع من جهة أخرى”، مُـعتبِـرا أن “قضية الحدّ الأدْنى للأجور، قضية مهمّـة، لكنها معقَّـدة للغاية، وأن المسألة مُـرتبِـطة بعِـدّة عناصِـر. أولها، كيف نُـعطي للعامل أجرا يضمَـن له حياة كريمة ومستوى معيشة لائِـق؟ وثانيها، كيف يتناسَـب الحدّ الأدْنى للأجْـر مع إمكانية التّـشغيل، بمعنى أن لا يكون طارِدا للقِـوى العاملة، ممّـا يؤدّي إلى مزيد من البِـطالة”.

وقال الخبير الاقتصادي عبد الفتاح الجبالي في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “الدولة ليْـست المُـشكلة الأساسية في قضية رفْـع الحدّ الأدنى للأجور، وإنما القِـطاع الخاص، لأن العاملين بالدولة يُـمثلون فقط 25% من إجمالي العمَـالة، بينما يعمل 75% منهم يعملون في القطاع الخاص، ومِـن ثَـمّ، فإن المشكلة الأساسية هي في القِـطاع الخاص الذي لو أُلْـزِم برفْـع الحدّ الأدنى للأجور إلى 1200 جنيها، فإنه من المتوقّـع أن يستغْـني عن نِـسبة كبيرة من العامِـلين ليُـعوِّض هذه الزيادة، وهو ما يعني أننا تسبَّـبنا في زيادة أعداد العاطِـلين ورفْـع نسبة البِـطالة!!”.

وتابع: “الأمر يحتاج إلى حِـوار هادِئ ونِـقاش مُـستمِـرّ لإقناع القِـطاع الخاص برفع الحدّ الأدنى للأجور، دون الإضرار بحجْـم العَـمالة؛ وهذا الحِـوار يَـدُور الآن بالفِـعل بين القطاع الخاص والمجلس القومي للأجور والحكومة، تمهيدا للوصول إلى حلٍّ وسَـط يُـرضي جميع الأطراف”، موضِّـحًا “لابُـد أن نَـعِـي جيِّـدا أن رفْـع الحدّ الأدنى للأجور (الدرجة السادِسة في السُّـلَّـم الوظيفي للدولة)، يستوجِـب تحريك باقي درجات السُّـلَّـم، وهو ما يحتاج إلى مزيد من الإنْـفاق على الأجور، كما أن رفْـع الحدّ الأدنى للأجور إلى 1200 جنيها سيُـسبِّـب عجْـزا كبيرا في المُـوازنة العامة للدولة، وهو ما سينعَـكِـس في ارتفاعاتٍ رَهيبة في مُـستويات الأسْـعار”.

ويُـلِّـخص الجبالي “روشتة” وصفة العِـلاج في ثلاثة محاوِر رئيسية: “أولها، تغيير قانون الوظيفة العامة، بحيث يُـمكن تغيير بُـنود جَـدْوَل الأجور المُـلحقة. وثانيها، تفعيل دوْر المجلس القومي للأجور، ليُـصبِـح الفاعِـل الرئيسي الذي يضَـع الإستراتيجية المُـناسبة للتّـعامُـل مع جميع الأمور المُـرتبطة بالأجور والرّواتِـب فى المجتمع، سواء كان قطاعا عاما أم خاصا، مع مَـنحِـه الصّـلاحية الكامِـلة لتنفيذ ما يراه مُـناسِـبا من سياسات، وهو ما يتطلّـب بدوره تعديل المادة (34) من قانون العمَـل رقم 12 لسنة 2003، لكَـوْن المجلس جِـهة استشارية لا يملِـك صلاحيات تنفيذية. وثالثها، وضْـع حدٍّ أدنى للأجور يتّـسِـم بالمُـرونة وتكون لديْـه القُـدرة على التحَـرّك لأعْـلى سنويا، وِفْـقا للتضخُّـم الحادِث في المجتمع”.

اختِـلال السُّـلَّـم الوظيفى!!

وذكّـر الجبالي أن “كلاّ من متوسِّـط الأجر الحقيقى والأجر النقدي للموظفين، قد شهِـدا اتِّـجاها تصاعُـدِيا خلال الفترة الأخيرة، وذلك نتيجة لسياسة الدولة الهادِفة إلى تحسين أوضاع الرّواتِـب والأجور، وهو ما تَـمَّ عبْـر مجموعة من الإجراءات مثل: منْـح علاوات خاصّـة ووضع حدٍّ أدّنى للزيّـادة السنوية وضمّ مجموعة من العلاوات الاجتماعية إلى الرّاتب الأساسي وتقرير حافِـز إثابة بنسبة 25% كحَـدٍّ أدْنى وبِـصفَـة ثابتة، مع زيادة حافِـز الإثابة للعاملين في المحليات إلى 75% من الأساسي وتحويل مِـنحة عيد العمّـال إلى زيادة ثابِـتة في الرواتب، مع إطلاق العلاوات الدورية للدّرجات الوظيفية والوصول بها إلى نهاية ربْـط الدرجة الوظيفية التالية”.

واعتَـرّف الجبالي بأن “الهيْـكل الوظيفى للعامِـلين في الدولة وما به من تعقيدات، قد أدّى إلى بُـروز اختِـلالات عديدة في مستويات الأجُـور بالمجتمع مثل: اختِـلال السُّـلَّـم الوظيفي وارتفاع نِـسبة الأجور المُـتغيِّـرة إلى الإجمالي واختلالات الأجور بين القطاعات الحكومية المُـختلفة واستحواذ الجهاز الإداري على مُـعظم الكوادر الخاصة وظهور الهياكِـل المُـوازية”.

وأكّـد السيد الجبالي على أهميّـة “وضْـع حدٍّ أدنى للأجور في المجتمع تلتَـزِم به جميع القِـطاعات العامِـلة في الحقل الاقتصادي والقطاع العام والقطاع الخاص، يتناسَـب مع مُـستويات المَـعيشة ويتحرّك سنويا، وِفقا لمُـعدّلات التضخُّـم المُـعلنة من الجهاز المركزي للتَّـعبِـئة العامة والإحصاء، على أن يكون هذا الحدّ جزءً لا يتجزّأ من عُـقود العمل الجماعية والفردِية”.

وأوضح الجبالي أن “التّـعامل الجدّي مع مُـشكِـلة الأجور في مصر، يجب أن ينطلِـق من إعادة النظر في جداوِل الأجور المُـلحقة بالقانون رقم 47 لسنة 1978 بشأن العاملين المَـدنِـيين بالدولة، وهو ما يتطلّـب تصحيح جداوِل الرّواتب والأجور ووضعها في صورة مَـرِنَـة، يُـمكن لها أن تتغيّـر لتُـواكِـب التَـطوّرات، مع زيادة شرائِـح العلاوات الدّورية الحالية وإعادة تصنيف مُـوظفي الحكومة وإعادة توزيعهم بطريقة اقتصادية سَـليمة، مع وضع إستراتيجية جديدة للأجور والحدّ الأدنى”.

إستراتيجية “القومي للأجور”!!

ويطرح الجبالي عدّة تساؤلات مثل: “هل يتِـم وضْـع حدٍّ أدنى للأجور على مُـستوى الاقتصاد ككُـل، بِـغضِّ النَّـظر عن القِـطاع الاقتصادي؟ أم أن كل قِـطاع يُـمكن أن يُـوضع له حدُّ أدْنى مُـختلف؟ وهل يتِـمّ وضْـع حدٍّ أدنى على مستوى المُـجتمع ككُـل أم من الضروري التّـفرقة بين الأقاليم المُـختلفة؟ وما هي الجهة المَـنُـوط بها وضْـع هذا الحدّ، هل هي الحكومة أم النقابات العمّـالية؟؟”.

ويُـجيب الجبالي قائلا: “من الأوْفَـق والأسْـلَـم، أن لا يتِـمّ وضْـع حدٍّ أدْنى للأجور على مستوى المُـجتمع ككُـل، ولكن يتِـم تحديد حدودٍ دُنْـيا تختلِـف فيما بيْـن المناطِـق الرِّيفية أو الوجْـه القبلي للحدّ من الفقر، وكذلك للمِـهَـن المطلوبة، خاصة وأن دراسات حديثة عن الفقْـر أشارت إلى أن نحو 51٪ من الفُـقراء يعيشون في ريف الوجه القبلي، مقابل 5،4٪ فقط في المناطق الحضَـرية”.

وتابع: “لابُـد أن نأخُـذ في الحُـسبان أن الحدّ الأدنى للأجور يُـطبَّـق على العامل أو الموظف الجديد لسُـوق العمل، وهو لا يملِـك أي مهارات تُـمكِّـنه من العمل بشكْـل مُـنتِـج، وأن المُـوازنة العامة للدولة تتحمّـل 86 مليار جنيه أجور، وأن مشروع المُـوازنة القادم، فيه 96 مليار جنيه أجور لستّـة مليون موظّـف”، مطالبا “بتعديل هيْـكل الأجور في مصر، بحيث يكون الحدّ الأدني للأجور يتراوح بين 500 جنيه إلى 600 جنيه، وهذا يتطلَّـب من الحكومة خفْـض الإنْـفاق العام وتقليل عجْـز المُـوازنة”.

واختتم الجبالي بقوله: “نحن في المجلس القومي للأجور- الذي يضُـم نُـخبة من اتِّـحاد العمال مع رجال الأعمال مع ممثِّـلي الحكومة مع خبراء – لديْـنا إستراتيجية مُـتكامِـلة للتَّـعامُـل مع هذا الموضوع، تقوم على ثلاثة أسُـس. أولها، وضْـع حدٍّ أدنى أمثَـل للأجور، يضمَـن مُـستوى معيشة لائِـق للعاملين ولا يكون طارِدا للعمَـالة فيُـؤدّي إلى مزيد من البِـطالة. وثانيها، أن يتحرّك هذا الحدّ الأدنى للأجور، وِفقًا لمُـستويات الأسْـعار سنويا. وثالثها، العمل على إصلاح الخَـلَـل في هيْـكل الأجُـور نفسه”.

همام سرحان – القاهرة – swissinfo.ch

– الناتج المحلي الإجمالي المصري، بلغ وِفْـقا لبيانات البنك المركزي المصري، نحو 1038.6 مليار جنيه في العام المالي 2008/ 2009، وبلغ عدد السكان نحو 80 مليون نسمة، بما يعني أن متوسّـط نصيب الفرْد في مصر من هذا الناتِـج قد بلغ نحو 12982 جنيها في السنة، أي نحو 1082 جنيه شهريا للفرْد، ويعني أيضا أن متوسّط نصيب الأسْـرة المُـكوّنة من أربعة أفراد، من الدخل قد بلغ 4328 جنيه شهريا.

– متوسّط أجْـر العامل، من المُـفترض أن يكون نحو 25 ألف جنيه في العام، في حين أن متوسط أجر العاملين في الجهاز الحكومي لا يزيد عن 16.6 ألف جنيه للفرد في السنة في مشروع الموازنة العامة لعام 2010/2011.

– في عام 1952، تمّ وضْـع حدٍّ أدنى للأجر 18 قِـرشًا في اليوم وكانت تشتري نحو 1.5 كيلوغراما من اللحم في الريف ونحو 1.2 كيلوغراما من اللحم في المدن، أي أن الأجر الشهري الحقيقي للعامل كان يعادِل نحو 34 كيلوغرام من اللحم، أي نحو 1700 جنيها من جنيهات الوقت الرّاهن، إذا قيس بسِـلعة واحدة هي اللّـحم، على سبيل التجريد.

– ثمّ ارتفع الحدّ الأدنى للأجْـر الأساسي الإسمي للعامل في القانون 47 و48 لسنة 1978، إلى 16 جنيها، كانت تشتري نحو 18 كيلوغراما من اللحم البلدي، ثمنها حاليا نحو 900 جنيها، أما الأجر الشامل، فكان يشتري نحو 24 كيلوغراما من اللحم البلدي، تساوي نحو 1200 جنيه حاليا. وبِـلُـغَـة اليوم، فإن القُـدرة الشرائية للحدّ الأدنى للأجْـر الشامل في عام 1978 تُـوازي أكثر من 1900 جنيه من جنيهات الوقت الحالي.

– قانون الضرائب الحالي يُـساوي بيْـن كبار الرأسماليين الأثرياء وبين الطَّـبقة الوُسطى في معدّل الضريبة، عند مستوى 20% على كل المداخيل التي تزيد عن 40 ألف جنيه في السنة ويظل ثابِـتا، حتى لو وصل دخْـل الفرد أو ربح الشركة إلى عدّة مليارات في العام!!

– قوة العمل المصرية التي تصل إلى 2503 مليون عام 2009، لا تُـمثِّـل سوى 33٪ من السكّـان، والذين ارتفع عددهم إلى 80 مليونا نسمة.

– عدد المُـشتغلين فِـعليا، بلغ نحو 2209 مليون، يعمَـل منهم بشكل دائم 69،9٪ من الإجمالي، بينما يعمل نحو 18٪ بشكل مُـتقطّـع و8% بشكل مؤقّـت و4٪ مَـوسِـمي.

– شهد الحدّ الأدنى لأجور العاملين بالحكومة والقطاع العام، كما نصّـت عليه بعض القوانين واللّـوائح، ارتفاعاً تدريجياً من 9 جنيهات شهرياً، وِفقاً للقانون رقم 58 لسنة 1961 حتى وصل إلى 35 جنيهاً شهرياً، وِفقاً للقانون رقم 53 لسنة 1984.

– القرار رقم 234 لسنة 2000 والقاضي بأنه لا يجُـوز أن يزيد على 54 ألف جنيها سنويا مجموع ما يتقاضّـاه أي شخص يعمل في الحكومة والمؤسسات التابعة لها.

– الأجر في القطاع الحكومي يتكَـوّن من عدّة عناصِـر أساسية. فهناك الأجر الأساسي والعلاوات الدورية، إضافة إلى العلاوات الخاصة المضمومة للرّاتب، وهناك الأجْـر المتغيِّـر، وهو يشمَـل العلاوات الخاصة غير المضمومة و25٪ حافِـز إثابة للعاملين بالجهاز الإداري والهيئات الخدمية، و75٪ حافِـز إثابة للمحليات و10 جنيهات علاوة اجتماعية و10 جنيهات مِـنحة عيد العمّـال تُـصرَف شهريا لجميع العاملين، فضلا عن البدلات والمكافآت التي تتقرّر طِـبقا للمستويات الوظيفية، وبالتالي، يختلف الأجْـر الإجمالي بصورة كبيرة عن الأجْـر الأساسي.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية