مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“الأدب بطبيعته يهوى السير في الدروب الملتوية”

شارك عزّت القمحاوي في الدورة 34 من مهرجان أيام سولوتورن الأدبية التي انتظمت بين 18 و20 مايو 2012، (التقطت له هذه الصورة يوم 18 مايو 2012 بمدينة سولوتورن) swissinfo.ch

أسدل الستار يوم الأحد 20 مايو على فعاليات الدورة 34 من أيام سولوتورن الأدبية، بعد أن بلغ عدد زوارها قرابة 13.000 زائر محطّما بذلك الرقم القياسي لعام 2011. أما الأدباء المشاركون فقد تجاوز عددهم المائة بين كاتب وشاعر، تحدثوا إلى الحضور عن منابع إلهامهم، وسرّ تفرّد إبداعهم.

قائمة المدعويين كانت طويلة، وشملت أسماء سويسرية لامعة كطوماس بوفيي، وجون فرانسوا هاس، ونيكولا فيردان،… وكذلك أسماء عربية معروفة كالروائي والصحفي المصري عزّت القمحاوي، والسوري نهاد سيريس، واللبنانية ألكسندرا سراتاش، والليبية ندشوا بنت شتوان.

احتلّ الشعر خلال هذه الدورة موقعا متميّزا، خاصة من خلال القصائد الجديدة التي ألقاها فليب جاكوتات، كما لم تغب الموسيقى التي أضفت على النصوص الأدبية مسحة من الألحان والإيقاعات.

تزامنا مع هذه التظاهرة الأدبية، أجرت swissinfo.ch حوارا مع عزّت القمحاوي حول خصائص ومحددات الكتابة الأدبية في المجال العربي زمن الثورات والتحوّلات التاريخية التي تعتمل في المنطقة، فيما يلي نصه.

swssinfo.ch: قلتم في أحد نصوصكم: “في العمل الروائي، لا أؤمن بالحدّوثة الفارغة، والكتابة لا بد ان تكون مشحونة بما هو سياسي عام أو مضمر”. هل معنى هذا أن الكتابة موقف أو لا تكون؟

عزّت القمحاوي: بالتأكيد الكتابة موقف. ولكن كيف يكون هذا الموقف؟ أنا أؤمن بمقولة ماركيز في أن مسؤولية الكاتب هو أن يكتب جيّدا، لأن الإعلاء من شأن الجمال هو بحدّ ذاته سبّ للقبح. ولكي نحمي الكتابة الأدبية من الشعار، يستطيع الكاتب أن يقول رأيه ضد الظلم والدكتاتورية في مقال صريح، ولكن بإمكانه أن يُنتج نصا أدبيا جميلا من دون أن يتخلى عن موقفه… لكن الموقف في الأدب يكون مخفيّا، وتستطيع أن تستشعر انحيازات الكاتب من خلال أحداث القصة او الرواية، لأن الأدب بطبيعته يهوى السير في الدروب الملتوية.

أن يكون الأديب في هذا المعسكر أو في المعسكر المقابل، ألا ينال ذلك من القيمة المعرفية للنص؟

عزّت القمحاوي: القيمة المعرفية للنص الأدبي تتأتى من الموقف، أما القيمة المعرفية للنص التاريخي فتتأتى من الحياد. والحياد هو عمل المؤرّخ وليس مطلوبا في الإنتاج الأدبي.

رغم أن المكتبة العربية تزخر بالعديد من الأسماء في ما يسمى أدب السجون أو الأدب النضالي، إلا أن الكثير من المراقبين يسجّلون غياب الاديب او الكاتب عن الحراك الذي قاد إلى الربيع العربي، ما رأيكم في هذا التقييم؟

عزّت القمحاوي: من يُصدر هذا الحكم يصدره بعد أن ضبط عينه على قطاع معيّن من المثقفين الذين استخدمتهم الدولة الإستبدادية موظفين كبار في قطاع الثقافة التافهة، وصاروا كبارا لأنهم كانوا متنفّذين، ولكن من الظلم والإجحاف سحب هذا الرأي على كل من انتسب إلى الأدب، لأن الشباب الذين ساروا إلى ميدان التحرير في مصر مثلا سار معهم نفس الكتاب الذين كان لهم موقف. نحن كنا في التحرير وكان إلى جانبنا صنع الله ابراهيم رغم أنه يعاني من العديد من الأمراض المزمنة، وكل الكتاب الذين كان لهم موقف كانوا زمن الثورة بين الشباب نصوصا وشخوصا.

صحيح أن شباب الثورات تعددت مصادر معرفتهم، وانفتحوا على العالم أكثر، وأصبحوا يؤمنون بالحرية الفردية أكثر مما تؤمن به الأجيال السابقة، ولكنهم لم يصرفوا أنظارهم عن الكُتّاب أصحاب المواقف الشجاعة. ولو نظرنا إلى المدوّنات سنجد الكثير من الإقتباسات من روايات صنع الله ابراهيم ومحمّد البسّاطي، وعبد الرحمن منيف،…وقد جعل الفضاء الإلكتروني منيف متاحا للأجيال الجديدة أكثر من أي وقت مضى.

صنّفتَ فئة من الكتاب في مصر بين “أهل الهوى” و”أهل التسرّع”، من تقصد بهؤلاء؟ وماذا تعني بذلك؟

عزّت القمحاوي: أنا معجب جدا بمنهجية تحليل الخطاب، وأجد من مهمّتي كإعلامي وككاتب فضح بعض الكتاب وعلاقاتهم المشبوهة بالعسكر في مصر. وأريد أيضا، ودائما بدافع مسؤوليتي المجتمعية، نشر الوعي بما تسرّبه اللغة من خداع. فكنت في هذا المقام أفنّد الأوصاف التي يصف بها بعض الكتاب المؤسسة العسكرية، والأحداث التي جرت بداية من العام الماضي.

هم يقولون إن العسكر لا يملكون خبرة سياسية، وإنهم لا يريدون السلطة، بل هي سقطت على رؤوسهم كما سقطت التفاحة على نيوتن، ولم يكن أمامهم من خيار غير تحمّل هذه المسؤولية الكبرى. أرى في هذا الخطاب محاولة لإضفاء براءة الأطفال على قتلة. وقلت إن هذه الأوصاف تتكرر في الكتابات المصرية من طرف حاملي أقلام إما بدافع الخطأ بسبب التسرّع في قراءة الموقف، أو هم أساسا من أهل الهوى ممن يحبّون العسكر الذين قلت إن وجودهم في السلطة غير شرعي لأن الرئيس المخلوع ليس من حقه أن يولّي من يخلفه. العسكر في مصر لم تسقط عليهم السلطة بل هم خططوا لذلك، ولا تعوزهم الخبرة القانونية ، والدليل انهم أوصلوا البلاد عنوة إلى انسداد دستوري.

هل تتفق مع الروائية التونسية سلمى بكّار في قولها بأن كتابات الذات والجسد سوف تشهد تراجعا لصالح حديث الضمير والإحساس بالواقع؟ كروائي هل تشعر بحرج مثلا اليوم في الكتابة عن قضايا الحب والعاطفة؟

عزّت القمحاوي: لا أجد في ذلك حرجا إطلاقا، لأن حرية الجسد هي جزء من حريتنا، وأرى أن الحياة تسير دائما في منظومات، لا يوجد شيئ معزول عن محيطه. ولا يمكن أن تتقدّم في حريّة الجسد من دون أن تتقدم في حريّة السياسة، والعكس أيضا صحيح. ماذا كان يريد شباب الثورة في مصر؟ هؤلاء لم يكونوا فقراء، وكل من كانت لديه استعدادات للإتصال بالكومبيوتر، والإشتراك في الإنترنت هو آخر من يحتاج الثورة، ولكن هؤلاء أصبح لديهم وعي بالحرية، وهي منظومة لا بدّ أن تسير في اتجاه واحد، وبالتالي تحرير الجسد هو جزء من تحرير العقل، ولا يمكن أن تفعل هذا من دون ذلك.

برأيك، ما هي ملامح مستقبل الكتابة الأدبية والعمل الثقافي بصفة عامة في المنطقة العربية؟

عزّت القمحاوي: الأدب العربي ينتظره مستقبل مشرق، وقد بدأ هذا المستقبل من أمس. وكانت الشكوى في القاهرة عندما بدأ الإنفتاح الإقتصادي في عهد السادات أن الكثير من المكتبات أُغلِقت وأقيمت مكانها محال لبيع الأحذية. ولكن منذ عام 2000، تحولت الكثير من محال الأحذية من جديد إلى مكتبات، وأصبح الكتاب يوزّع نسبيا بشكل أفضل، رغم أن الوضع لم يرتق إلى ما هو عليه في بلدان أخرى. وإذا تحدثنا بلغة السوق، يدخل الفن والأدب ضمن السلع الترفيهية، فإذا تحسّنت الظروف الإقتصادية، يزداد الإستهلاك الثقافي، ليس فقط لأن المواطن يجد المال لاقتناء الكتاب، أو دخول قاعات السينما، بل يجد كذلك وقت الفراغ لهضم المادة الثقافية والتفكّر فيها.

روائي وصحفي مصري من مواليد 23 ديسمبر 1961. التحق بكلية الإعلام بجامعة القاهرة عام 1979، وتخرّج منها من قسم الصحافة سنة 1983، ومنذ ذلك التاريخ متدربا، فصحفيا في صحف: الجمهورية، والأحرار، والاخبار، ثم أخبار الأدب التي عمل مديرا لتحريرها.

انتقل بعدها إلى قطر حيث يتولى إدارة مجلة الدوحة الثقافيّة. وفي نفس الوقت يتولى كتابة أعمدة صحفية بصحيفة الأخبار المصرية، والمصري اليوم، والقدس العربي.

أصدر ثمانية كتب أدبية حتى الآن منها أربع روايات، وكتابان قصص قصيرة، كتابان نصوص. من هذه الروايات “مدينة اللذّة” ( 1997 – 2009 )، و”الأيك في المباهج والأحزان” (2002)، و”غرفة ترى النيل” ( 2004)، و”الحارس” ( 2008 ) و”بيت الديب” (2010 )، و”مواقيت البهجة” (2000 ).

تشترك مقالاته في مناهضة الفساد والإستبداد وإشاعة اقتصاديات الإحسان بإغداق الحكومة على رجال الأعمال ثم مناشدتهم التبرع للشعب الفقير، وفضلا عن ذلك فهو ناشط سياسي لا يُخفي مناهضته لكل من العسكر وجماعة الإخوان المسلمين.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية