مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

جوليانو مير – خميس.. من هوليود الى “مسرح الحرية” في جنين

المُلصق الإشهاري لشريط "مع جوليانو"، من إخراج إمتياز دياب 2011 لافتة الفيلم

يقدم شريط "مع جوليانو" للمخرجة إمتياز دياب، شهادة من شبان مسرح الحرية بجنين حول مسيرة جوليانو مير - خميس الذي تفانى في تحويلهم من أطفال شوارع الى مقاومين بالكلمة والثقافة وعبر المسرح.

الكاتبة والصحفية والمخرجة إمتياز دياب سلطت الأضواء في هذا العمل السينمائي على ما قام به الممثل والمخرج المسرحي والسينمائي الإسرائيلي – الفلسطيني جوليانو مير-خميس الذي اغتيل يوم  4 أبريل 2011 من طرف مجهول، من عمل تربوي جبار لصالح أطفال وشبان مخيم جنين عبر المشروع الذي أطلق عليه تسمية “مسرح الحرية”.

وترى دياب المقيمة في جنيف منذ سنوات طويلة أن ما أنجزه جوليانو يمثل “تكملة  لما قام به والده المناضل الفلسطيني صليبا خميس، مبتكر يوم الأرض، ومقترح فكرة تمثال شهداء يوم الأرض. وفيه أيضا استمرارية  لما قامت به والدته اليهودية أرنا خميس التي بادرت باحتضان أطفال جنين وأسست لهم (مسرح الحجر) قبل أن تفقد مُعظمهم في مواجهة الإحتلال والإنتفاضات المتتالية”.

وفي معرض وصفها للفنان والناشط الراحل، تقول المخرجة: “جوليانو مير – خميس هو محارب من أجل السلام والحرية والعدالة. وهو يهودي 50% ظل كذلك حتى منتصف فترة خدمته العسكرية، ثم انتقل ليُصبح فلسطينيا 50%. وهو الذي حوّل المواجهة والصراع من مواجهة بالسلاح إلى مواجهة بالثقافة وعبر المسرح”.

ورشة “مسرح الحرية”

لقد أقدم جوليانو مير – خميس على خوض مغامرة الإعتناء بأطفال شوارع مخيم جنين العاطلين عن العمل وحوّلهم من مشردين إلى ممثلين وفنانين عبر ورشة “مسرح الحرية”. وتقول مخرجة الفيلم “لقد حوّل الحرامي إلى ممثل وتاجر مخدرات إلى فنان… باختصار جوليانو هو الذي حول أطفال جنين من أطفال بدون أمل الى أطفال الأمل وحب الحرية”.

وفي أعقاب إقدام السلطات الإسرائيلية إثر اجتياحها للمخيم على هدم وإغلاق “مسرح الحجر” الذي أسسته والدته آرنا خميس، والذي كان “يساعدها فيه فنيا”، اتخذ جوليانو مير خميس قراره بتأسيس “مسرح الحرية” في جنين.

وقد اختارت إمتياز دياب أن تتحدث عن جوليانو من خلال أولئك الذين يُلقبهم بـ “أبنائه”، أي أولئك الأطفال الذين تبناهم في إطار “مسرح الحرية”، وعلمهم التعبير عن طموحاتهم وآمال شعبهم بوسائل أخرى قد تكون – بنظر البعض – أكثر حدة وإيلاما وتأثيرا من السلاح.

المخرجة تجنبت تقديم عمل سينمائي يستعرض سيرة ذاتية لجوليانو لأن “إنجازاته تفوق ما ذكر في الفيلم، فقد كان ممثلا أثبت جدارته في هوليود، وهو مخرج مسرح وأفلام له إنجازات متعددة، كما اشتغل مُدرسا للمسرح في تل أبيب”، كما تقول امتياز دياب.

في المقابل، اختارت امتياز دياب أن يكون الشريط عبارة عن شهادة يُدلي بها أصدقاؤه وطلابه و”أبناؤه”. وتقول: “إنهم استطاعوا – من خلال عملهم الى جانبه – التعرف على جزء من شخصية هذا الرجل”. وهي تأمل – من خلال تجوال الكاميرا من شهادة طالب إلى صديق إلى رجل سياسي إلى كاتب أو حتى إلى أناس عاديين – في أن تكون قد وُفقت في “نقل صورة عن جوليانو من خلال نظرة ومشاعر الذين عاشروه وعرفوه، سواء في تل أبيب أو حيفا أو رام الله أو جنين”.

مقاومة من “نوع آخر”

في واحدة من لقطات الفيلم، يتذكر أحد الشبان العاملين في “مسرح الحرية”، كيف أن جوليانو فاجأهم في أحد الأيام بقوله: “من الآن فصاعدا لم نعد ممثلين، بل سنصبح (كتائب مسرح الحرية)”. وذلك لإيمانه بقوة إيصال الرسالة من خلال المسرح والعمل الفني والثقافي بالنسبة لمجموعة دولية ومحافل أممية لم تعد قادرة على تفعيل القرارات والقوانين الدولية، وفي وقت لم تُظهر فيه المقاومة المسلحة جدوى استعادة الحقوق بالكفاح المسلح.

هذا الشعور بضرورة التحول إلى مقاومة من نوع آخر، عبر الفيلم والمسرح والفن والأدب الذي يوحي به فيلم “مع جوليانو”، هل يشاطره قسم من الشعب الفلسطيني في الوقت الحالي؟

سؤال تجيب عنه مخرجة الفيلم إمتياز دياب بقولها: “بشكل عام، أعتقد أن الشعب الفلسطيني بدأ يفهم ويرى استحالة استعادة فلسطين بالسلاح، وجوليانو رأى ذلك منذ زمن، ووالدته رأت ذلك من قبله، لذلك رسّخ في “أبنائه” بأن استعادة الحرية والأرض ليست بالسلاح وإنما بالثقافة والمسرح والكلمة والصورة والموسيقى”. هذا الإقتناع نابع لديه من “تشرده في إفريقيا وآسيا وفي أدغال العالم، ومن خلال عيشه في هوليود أيضا. وهذا ما حاول تلقينه لأطفاله وأبنائه في مسرح الحرية”، على حد قول دياب.

يرى البعض أنه نظرا لخطورة “السلاح” الذي اختار أن يقاوم به، تعرض جوليانو مير – خميس للإغتيال في 4 أبريل 2011 في مخيم جنين. وبعد أن أخذت نفسا طويلا، قالت إمتياز دياب: “قتلنا دوما في الماضي من اختلف عنا، وقتلنا من كان ذا نظرة أحسن من نظرتنا واكتشفنا ذلك فيما بعد وبشكل متأخر. وجوليانو كان مختلفا عن ناس جنين وكان مختلفا أيضا عن ناس تل أبيب…”.  

سبب اهتمام امتياز دياب بإخراج فيلم عن هذا الناشط اليهودي الفلسطيني، هو مصادفة تواجدها في الأراضي الفلسطينية مع اغتيال جوليانو على يد مجهول بعد أن تعاملت معه في عمل سينمائي سابق ثم تعرفت على باقي افراد عائلته.

من بين الدوافع التي حفزتها على إنجاز الشريط “مشاهدتي للصدمة والحزن الذي اعترى كل من عرفوه وعاشروه، والذين رحبوا بفكرة توثيق عمله وإنجازه الكبير في جنين في فيلم وثائقي”، مثلما تقول.

جوليانو مير – خميس من مواليد مدينة الناصرة في عام 1958 لوالد فلسطيني وهو المناضل صليبيا خميس، ووالدة يهودية وهي الناشطة آرنا مير.

عقب الاجتياح الإسرائيلي لمخيم جنين في عام 2002، أسست والدته “مسرح الحجر” في جنين للتخفيف نفسيا عن أطفال المخيم الذين كانوا شهودا على مقتل أهاليهم، وتبنت عددا منهم وكانت تناديهم بأبنائها.

عقب وفاتها، أسس جوليانو “مسرح الحرية” في عام 2006 وقام بتبني أطفال جنين وتعليمهم فن المسرح لحد تحويلهم إلى ممثلين قدموا العديد من المسرحيات.

تقول المخرجة امتياز دياب: “لقد استحسن الجمهور أثناء أول عرض  للفيلم، التزامه الحياد وتقديم الوقائع كما هي عاكسا أحاسيس صادقة لمن عرفوا جوليانو وعاشروه سواء في تل أبيب أو في جنين”.

بعد أن قامت بعرضه على ممثلي وسائل الإعلام الدولية في المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة في جنيف، تعتزم امتياز دياب المشاركة بالشريط في الدورة المقبلة لمهرجان للفيلم الخاص بحقوق الإنسان في جنيف (من 2 إلى 12 مارس 2012).     

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية