مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مشروع رقمي للحفاظ على سجلات موسيقية فريدة

نوبس مع كل من أريثا وإيلا ومايلز وكوينسي وساد وآلاف غيرهم من الكنوز المحفوظة في سويسرا في بيته الريفي المتربع فوق التلال المطلة على مدينة مونترو. juliane.gauthier/audemarspiguet

في إطار مشروع جديد، سيتِـم ترقيم الأرشيف الوحيد الخاص بـ 44 عاما من تاريخ حفلات مهرجان مونترو لموسيقى الجاز، وتهدِف المبادرة إلى حفظ هذا التراث الفريد من نوعه، لتُـتيح للأجيال القادمة فُـرصة الإستفادة منها والتمتع بها.

ولا شكّ بأنها ستكون فرصة عظيمة تلك التي ستَحفظ تسجيلات الفنانين، مثل ايلا فيتزغيرالد وأريثا فرانكلين وب. ب كينغ آند براين، وتخلِّـدها. ويعود الفضل في ذلك، إلى الاتفاق بين منظِّـمي المهرجان وبين المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان، الذي سيقوم بالتعاون مع القطاع الخاص بالإشراف على “المشروع الرقمي لأصوات مونترو”، ومباشر تنفيذه. ومنذ تنظيم المهرجان الأول في عام 1967، الذي ضمّ تشارلز لويْـد كارتيت وكِـيث غاريت، حرص كلود نوب، مؤسس ومدير المهرجان، على الإحتفاظ بتسجيل عروض العزف الموسيقي لكامل الفترة.

وجنبا إلى جنب، قضى نوبس سنوات من عمره مع شريكه تييري أمسالم في تجميع النسخة الوحيدة من الأرشيف وتخزينها في القبْـو الذي تمّ بناؤه خصِّـيصا في البيت الريفي الذي يملكه نوب فوق تلال مدينة مونترو بالقُـرب من بحيرة ليمان.

ووفقا للمشروع، سيتِـم ترقيم ما مجموعه أكثر من 5000 ساعة من الفيديوهات ومن التسجيلات الصوتية، المحفوظة بنحو 12 شكلا على ما يقرُب من 10000 شريط أصلي، وهي تغطّـي كامل الحفلات الموسيقية التي تمّ استضافتها من قِـبل مهرجان مونترو لموسيقى الجاز، والبالغ عددها 4000 حفلة.

وصرّح نوبس للصحفيين يوم الأربعاء 15 ديسمبر 2010 قائلا: “تُـعتبر هذه المواد، أكبر مكتبة فيديو للموسيقى الحية المعاصرة منذ عام 1960 وحتى يومنا هذا، وهي أكبر من مكتبة هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) أو مما هو موجود في الولايات المتحدة أو فرنسا أو ألمانيا”.

وأضاف نوبس ذو الـ 74 عاما بأنه “في غاية السعادة والامتِـنان”، لأنه يعلم بأن مستقبل مكتبته أصبح مأمونا. ووصف الخطوة بأنها “ربما كانت أكبر مكافأة أحصل عليها منذ تأسيس المهرجان”.

وذكر بأنه منذ نحو عشر سنوات، رفض عرضا من شركة مايكروسوفت العملاقة بمبلغ 50 مليون دولار (49 مليون فرنك سويسري) مقابل الأرشيف، كجزء من مشروع خاص بتاريخ الموسيقى.  

وأردف قائلا: “ولو أنهم عرضوا عليّ مبلغ 100 مليون، لكان جوابي نفس الشيء”، وأضح قائلا: “فضّـلت الإنتظار ريْـثما يتسنّـى لي العثور على شُـركاء يمكن لهم أن يضمنوا طول عُـمر هذه المحفوظات. واليوم تحقق لي هذا مع المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان وبمساندة من مجموعة اوديمارس بيغي للساعات في كانتون فو”.

الصدمة

وقبل أربع سنوات، إثر معرفته بوجود نسخة واحدة فقط من محفوظات موسيقى الجاز مودعة في شاليه نوبس، وصف باتريك آيبيشير، رئيس المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان، الأمر بـ “الصّـدمة”. وأضاف: “من واجبنا تأمين نسخة أخرى، حتى لا تحرم الأجيال القادمة من هذا الكنز، كما أن المشروع هو بمثابة تحَـدٍّ تكنولوجي بالنسبة للمعهد التقني”.

وبالنسبة للعملية، فإنها ستجري تحت إشراف المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان، وبناءً عليها، سيتم رقمنة المواد مع الحفاظ على مدّتها الحقيقية 5000 ساعة، وستُخَزّن وِفقا لتقنية “لينيرا تايب أوبِن فورمات”. ومن المتوقّـع أن تستغرق العملية ثلاث سنوات لتسجيلات الفيديو، وأربع سنوات للتسجيلات الصوتية.

وبعد ذلك، سيتعيّن إعادة تحويلها كلّ سبع أو عشر سنوات إلى الصيغة الرقمية من “الجيل التالي”، لمواكبة التكنولوجيا، بناءً على ما ذكره أصحاب الاختصاص.

مشاريع للأبحاث

وبمجرّد أن تنتهي عملية رقمنة الأرشيف، ستتِـم إتاحة المواد عبْـر خادوم المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان، للباحثين والطلاّب والموسيقيين والمختصّـين.

ومن المتوقع أن يستفيد عشرون مختبَـرا من مختبرات المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان من هذه الوسائط أو المواد، في أبحاث التقنيات الخاصة بالإنتاج السمعي وبمرحلة ما بعد الإنتاج، وفي تخزين البيانات وفي تعليم المستخدمين.

في الوقت نفسه، يخطِّـط المعهد التقني الفدرالي العالي في لوزان لإنشاء مركز “MetaMedia” أو تحليل الإعلام في المبنى الجديد، بجانب المركز المستقبلي للتعليم والتدريب في الحَـرَم الجامعي يُـمكن له أن يستضيف محفوظات أخرى، مثل الأرشيف السينمائي السويسري أو أرشيف المكتب الفدرالي للثقافة.

ومن المتوقع أن تبلغ تكلفة المركز الجديد 22 مليون فرنك سويسري (حوالي 22,5 مليون دولار)، من بينها 5 ملايين سيتم تخصيصها لمشروع رقمنة أشرطة مهرجان مونترو لموسيقى الجاز.

عامة الناس

لسُـوء الحظ، يتطلّـب من الجمهور أن يتحلّـوا بالصبر، قبل أن يتمكَّـنوا من الوصول إلى التسجيلات، لأن المدخل الوحيد سيكون عبْـر خادوم مقهى مونترو للجاز على شبكة الإنترنت، ولن يكون في بادئ الأمر متاحا، إلا من مدينة جنيف، ثم يتوسّـع شيئا فشيئا، بحيث يصِـل في وقت قريب إلى زيورخ ثم نيويورك فباريس ففرانكفورت فكوبنهاغن. وسوف تتاح في الأسواق، أقراص مُـدمجة (دي. في. دي وسي. دي)، تحوي المادة وتحمِـل اسم “تسجيل حي من مونترو”، لكن الكمية ستكون محدودة بثمانين مجموعة لا غير.

وجدير بالذكر أن نوبس قام في عام 1995 بإنشاء شركة “أصوات مونترو”، لكي تتولّـى شؤون هذه المحفوظات الموسيقية وتُعهَـد إليها مِـلكية الأشرطة، بالرغم من أن مُـعظمها هي حقوق لأصحابها من الفنانين. ولذلك، كان التوصّـل إلى اتفاق بشأن رفع أيْـديهم عنها “أشبَـه بعمل جنوني”، كما صرّح بذلك إريك غلاردون من شركة “أصوات مونترو”.

وأوضح لـ swissinfo.ch قائلا: “لِـزام عليك التحدّث مع الفنان ومع موسيقييه ومحاميهم ومع ابن الفنان، وهلُـمّ جَـرّا”.

شريط أريثا فرانكلين

ويُـشار، إلى أنه على مدى 40 عاما من عُـمر التسجيلات الخاصة بمهرجان مونترو لموسيقى الجاز، تمّ إنقاذها عدّة مرات من الدّمار المحقق. فمن جانبه، كشف نوبس أنه “حتى عام 1971 ومهرجانات مونترو لموسيقى الجاز يتِـم تصويرها بالأبيض والأسود من قِـبل التلفزيون العمومي السويسري الناطق باللغة الفرنسية وتُحفظ الأشرطة في مقرّه في جنيف”.

ثم تابع قائلا: “في أحد الأيام، ذهبت لمقر التلفزيون لرؤية هذه التسجيلات، والتقطت الشريط الذي كان يحمل اسم أريثا فرانكلين، وإذا بالعنوان قد شُطب وكُتب بدلا منه “مباراة كرة القدم بين رايدس وايزيرابلز، فعند ذلك ذُعرتُ واشتريت كل ما لدى المحطة من محفوظات”.

ومنذ عام 1991، قامت شركة “سوني” بتقديم المُـعدّات لتصوير المهرجان بتقنية عالية الدقة، بحيث تملك الشركة الحقوق القانونية على الأفلام.

وفي أوائل عام 2000، قام نوبس بالاستفسار عن التسجيلات عالية الدقّـة الخاصة بمهرجان مونترو، والتي هي بحوزة شركة سوني، فقيل له بأن الشركة على وشك مسحِـها، نظرا لتكاليف صِـيانتها الباهظة. فعندئذ، دفع ثمنها 10 آلاف فرنك سويسري وأعادها إلى سويسرا بواسطة الحقيبة الدبلوماسية السويسرية، لتستقر في قبْـو منزله الخاص.

ولد في تيريت بالقرب من مدينة مونترو في عام 1936. وهو من هواة السفر والموسيقى.

نظرا لشغفه بموسيقى الجاز والإيقاع والبلوز، قام بتنظيم الحفلات الموسيقية في منطقته. وقد أسس مهرجان مونترو لموسيقى الجاز في عام 1967 واستكمله بتضمينه لأنواع أخرى من الموسيقى، مثل البوب والروك والبلوز والريغي البرازيلي والراب والتكنو.

جرت العادة على تنظيم مهرجان مونترو لموسيقى الجاز خلال الأسبوعين الأولين من شهر يوليو من كل عام.

جرى تصوير معظم الفنانين الذين ظهروا في القاعات الرئيسية للاحتفال، وذلك بموجب العقود المُـبرمة معهم والتي تُـخوِّلهم الإطلاع على التسجيلات الخاصة بهم، مع الإحتفاظ بحقهم في حجبها، إن لم يرتاحوا لها، وهو أمر – كما يقول نوبس – “نادر جدا أن يحدُث”.

تأسس على يد كلود نوبس قبل 44 عاما، ويعتبر واحدا من أشهر مهرجانات الموسيقى الشعبية في العالم.

راودت فكرة المهرجان نوبس، الذي كان أبوه أحد الفرانين في المنطقة، حينما كان يعمل في مكتب السياحة في مدينة مونترو. علما بأن المهرجان الأول لم يستمر سوى بضعة أيام ولم يحضره سوى عدد قليل من الموسيقيين.

وصف كوينسي جونز، الملحن الأمريكي الشهير، كلود نوبس بأنه “أحد المروِّجين الثقافيين الأكثر تأثيرا في التاريخ”.

شارك في مهرجان مونترو، العديد من كبار الفنانين مثل إليس ريجينا وكامارو دي لا ايسلا وتوم جوبيم وبيل ايفانز وديفيد بووي وستينغ وبرينس وباكو دي لوسيا وعازف الباندونيون الأرجنتيني أستور بياتزولا، وأسطورة موسيقى الجاز الملحن وعازف البوق الأمريكي مايلز ديفيس، الذي قام بتأدية أحد عروضه الأخيرة في مدينة مونترو السويسرية.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية