مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مُذكـرات ممثل بريطاني اشتهر بتجسيد بطل سويسري

غلاف السيرة الذاتية "من أجل الحقيقة" لكونراد فيليبس Book cover Aiming True

قبل أكثر من 50 عاما، رابط كونراد فيليبس في تلال الويلز لِلَعب دوْر يُجسِّد شخصية ويليام تيل، البطل الوطني السويسري، في مسلسل تلفزيوني ذي شعبية واسعة، وها هو اليوم يقوم، بعد أن ناهز عمره 88 عاما، بنشر سيرته الذاتية.

يبدو أن ويليام تيل هي أبرز شخصية اشتهر بها – مثلما يوحي بذلك عنوان كتابه – بالرغم من قِيامه خلال مسيرته المِهنية بأدوار بطولية كثيرة، بدءً من شكسبير وجميس جويس، إلى غيرها من بطولات أفلام الدرجة الثانية والإعلانات.

قال فيليبس لـ swissinfo.ch بأنه استمتع كثيرا في عمله، لكن هذا لا يعني أن حياته كانت مفروشة بالزهور. ومن خلال كتابه بعنوان “من أجل الحقيقة”، تحدّث عن طفولته الصّعبة، والتدهْور الذي آلت إليه أول تجربة زواج له. وذكر بأنه قد نال نصيبه من حوادث التعثر والانزلاق والسقوط. فعندما صوَّر آخر حلقة من مسلسل ويليام تيل، كان في الحقيقة في كرسي متحرك بسبب تصدّع أصاب كاحل قدمه إثر حادثة سقوط خطرة. وبفضل الاستعانة بممثل بديل أثناء تصوير المشاهد عن بُعد، واختيار زوايا ذكية لالتقاط المشاهد، فضلا عن جملة من الخُدع السينمائية، نجح الفريق في تصوير الحلقة بنجاح، “ولا يمكن أن يكتشف الحيلة سوى مَن يتمتع بخبرة كبيرة وبصيرة ثاقبة”، كما كتب في مذكراته.

عندما كان كونراد ينتظر الضّوء الأخضر للمُضي قُدُما في مسلسل تيل، عُرض عليه العمل كممثل بديل في فيلمٍ آخر تُصوَّر مشاهِده في إفريقيا، غير أنه ارتاع من المشهد المعروض عليه بحيث كان من المقرر أن يندفع نحوه فهد صياد. وكان تخوفه في محله، لأن الممثل البديل الذي قبل الدور في اللحظة الأخيرة أصيب بشقوق في الظهر، بينما تلقى مدربو الحيوان الأربعة ضربات عنيفة.

swissinfo.ch: لماذا قرّرْتم كتابة هذه السية الذاتية؟

كونراد فيليبس: لأن أحد الوُكلاء عرَض عليّ الفكرة، وبعد القيام بالمهمة، يمكن أن أقول أنني استمتعت بذلك. لقد كانت حياتي مليئة بالمرح والحيوية، رغم أن بعض مراحل طفولتي كانت صعبة، ولكنني حولتها إلى نُكت وطرائف، وكانت هذه إحدى وسائل التنفيس المريحة للأعصاب والمفيدة جدا.

كيف كنتم تنظرون إلى شخصية ويليام تيل؟

كونراد فيليبس: بِـوَلع شديد. في ذلك الوقت، وبعد الحرب بفترة وجيزة، كانت لا تزال توجد أجواء ألِفة ولم يكُن يوجد عدد كبير من الممثلين، ولم تكُن التلفزيونات قد وُجِدت بعدُ. وفجأة بدأنا نُنْتِـج الأفلام. كنا نُنْجز حلقة واحدة كل أسبوع، وكانت هناك لقاءات بين الزملاء من الممثلين، وكان كل واحد منا عضوا في الفريق الذي تم إنشاؤه. الأجواء كانت ممتعة جدا.

لم تكن بيننا أيّ مشاكل على الإطلاق، لا غرور ولا نزاعات من أيّ نوع، وكانت هناك أخلاق مِهنية بمعنى الكلمة، وكُنا نستمتِع بعملنا، وكان الانطباع السائد هو أنك إن كُنت تحِبّ عملك وتستمتِع به، فإن الجمهور سيُحبُّـه ويستمتِع به أيضا.

ولِـد في لندن في عام 1925 وعاش إلى حدّ كبير في كَنَـف والِدته ورِعايتها، نظرا لكثرة تغيّب والده.

انضم إلى مُشاة البحرية في عام 1942، حيث كذِب بشأن عمره. وبعد الحرب، درس في الأكاديمية الملكية للفنون المسرحية (رادا).

ارتبطت شخصيته بدوره البطولي في المسلسل التلفزيوني “مغامرات ويليام تيل”، الذي عُرض في 39 حلقة خلال الفترة بين عاميْ 1958 و1959. أيضا، كان له حضور على المسرح وفي الأفلام والأعمال التلفزيونية الأخرى.

اضطر في عام 1991 إلى اعتِزال العمل الفنّي، نظرا لاعتلال صحّته بشكل خاص، بسبب تعرّضه لعدّة إصابات خلال مسيرته المِهنية.

انتهى زواجه الأول، الذي أنجَب منه ولدا، بالطّلاق. وفي عام 1968، تعرّف على زوجته الثانية جيني خلال تصوير مشاهِد أحد الإعلانات التجارية.

بعد التقاعد، اشترى وزوجته مزرَعة “سكوش Skeoch” فوق أحد التِّلال الإسكتلندية، وقد كتَبت جيني (زوجته) بشأنها كتابا.

انتقلا بعد ذلك إلى فرنسا، حيث أمضيا 20 سنة في ترميم إحدى الحظائر القديمة. وحاليا، يعيش الزوجان في تشبنهام، في جنوب انجلترا.

يعكف فيليبس، بعد أن فرغ من نشْر سيرته الذاتية، على كتابة رواية من تأليفه.

هل تعتقدون أن هذا هو السبب في الشعبية الكبيرة التي كنتم تحظون بها؟

كونراد فيليبس: أعتقد بأن للأمر ارتباط بأجواء الحرب والمقاومة التي كانت لاتزال متواجدة آنذاك، وكان الموضوع قريبا من أذهان الناس وبالتالي سهل الاستيعاب. ففي حالة مسلسل ويليام تيل، كان هناك الاحتلال النمساوي، بالإضافة إلى احتلال مُعظم دول أوروبا من قِبَل النازيِّين. كان هذا هو مِحور موضوعات الأفلام، فضلا عن مشاهد العنترة والمبارزة بالسيف، وبعض القصص التي تستجيش الأحاسيس.

هل كان له أثر سلبي على حياتكم المِهنية؟ هل كنتَم تخشون البقاء دوما في نفس الدور؟

كونراد فيليبس: لقد فَتَح لي أبواب كثيرة كما أغلق أخرى عديدة، وإنه لمِن الصعوبة بمكان أن ترتبط شخصية الممثل بدور مُميّز من هذا القبيل، لأنه يؤثر على الثقة بقُدرتك على القيام بعمل جدّي، ومع ذلك، قدّمتُ قبل مسلسل ويليام تيل وبعده، الكثير من الأدوار المسرحية الجادّة، وأنجزت ثلاثة أعمال: مسرحتيْن لجيمس جويس “أونلي بلاي” (Only play) و”اكزيلس” (Exiles) والكثير من أعمال شكسبير، لكن، قلّ من يعرف بأني أنا الذي عملتها، وأغلب الناس يعرفونني باسم ويليام تيل أو بأعمال العنترة، أكثر من أيّ تسمية أخرى.

هل تأسفون لذلك؟

كونراد فيليبس: إنها كالحظ في وجهٍ من وجوه حجر النرد، وهكذا هي الحياة وأنا أمشي مع الحياة، والندم لا يفيد وما هو إلا مَضيَعة للوقت.

قبل نحو عشر سنوات، قدِمْتُـم في زيارة إلى سويسرا بدعوة من swissinfo للمشاركة في فعاليات ذكرى الاحتفال بمرور 200 عام على أول عرض لمسرحية “ويليام تيل” لفريدريش شيلر، وكانت تلك هي المرّة الأولى التي قدِمتُم فيها إلى سويسرا، أليْس كذلك؟

كونراد فيليبس: هذا صحيح تماما. عندما سألت إن كنا سنذهب إلى سويسرا للتصوير الخارجي، قيل لي إن المسألة مُكلفة جدا، لذلك اتّجهنا إلى شمال ويلز وبعدها إلى جبال البيريني الإسبانية، والتي كانت إلى حدٍّ ما رِحلة من نوْع خاص، حيث كُنا في منتصف شهر أغسطس وكان الجو حارا جدا، ونحن نرتدي ملابس خاصة بفصل الشتاء (لنوحي أننا نتواجد) في سويسرا.

عندما جِئتم إلى سويسرا، هل وجدتموها كما كُنتم تتوقّعون؟

كونراد فيليبس: كانت رائعة للغاية، كان الجميع ودودا جدا ولطيفا معنا. لم يكن الكثيرون قد سمعوا بالمسلسل، رغم أن swissinfo كانت قد أخبرت الناس الذين قابلناهم في رحلتنا أنني جسدت شخصية ويليام تيل. ذهبنا إلى بورغلن [القرية التي يُزعَم بأنها مسقط رأس تيل] وغيرها من الأماكن التي يُعتَقد بأنه كان لتيل حضور فيها.

هل ستقلقون لو علمتم بأن ويليام تيل هو شخصية أسطورية بالأحرى وليس شخصا حقيقيا؟

كونراد فيليبس: لا. فهو شخصية من نوعٍ خاص، شخصية خالِدة تُجسّد الوجود الإنساني المتمثل في مكافحة الظُّلم والاضطهاد، وأعتقد بأن التكهُّنات بشأن شخص عاش قبل 700 عام ستبقى موجودة، حتى لو فرضنا أنه شخصية حقيقية، ومن ناحيتي، قبلت الدور كما هو في القصّة ومثّلت الشخصية على الوجه الذي تستحِق.

على ماذا حصَّلتَم من التمثيل؟

كونراد فيليبس: لقد أعطاني الكثير من الثِّقة بالنفس ومن القُدرة على التعبير عن الذّات ومن السّلاسة في التكيّف مع جميع الظروف والأشخاص. لقد كانت تجربة قيِّمة للغاية لاستكشاف المسرحيات، ومن ثَـم سبْر أغوار الحياة والظروف التي تحيطُ بها وكيف يتم تناوُلها من قِبل الكُتّاب، على اختلاف مشاربهم.

وفي الحقيقة، إنّني لم أدخل التمثيل من أجْل الثراء، لأن فُرص كسْب المال لم تكن بذلك الإغراء، بينما يشكِّل تنوّع وتجدّد المهام والخِبرات، مكسبا عظيما يُتيح استثمار العُمر بصورة أفضل، بالإضافة إلى ما في هذه المِهنة من مُتعة جمّة وفرصة للالتقاء بأشخاص في غاية الطِّيب، وما أكثرهم. وقد يوجد شخص أو شخصين من السيِّئين، ولكنّي لم أكن لأنشغل بهذه النوعية أو أضيِّع وقتي معها.

وعموما، لا توجد أشياء كثيرة يمكن أن أندَم عليها، وحين يبلغ المرء سن 88 عاما، يُصبح كل شيء في نظره ليس أكثر من نكتة كبيرة جدا.

في كتابكم، تبدون من ناحية، في غاية اللطافة مع كل الأشخاص الذين التقيْتَموهم، غير أنكم من ناحية أخرى، تتحدّثون عن تفكّك في العلاقة الزوجية، والسُّكر، وأشخاص ضلّوا الطريق، فكيف يستقيم ذلك؟  

كونراد فيليبس: حسنا، أفترض أن المرء يتعاطف مع أوضاع البشر، ولكن باتخاذ مسافة، تتكون لديك نظرة موضوعية. فالشر الذي يقبع في الإنسان يلازمه دائما، ويتجلى في حالات خضوعه للضغط. التعاطف مع الممثلين نابع من إدراك محنتهم والشعور بعدم الأمان الذي ينتابهم في بعض الأحيان. لم أجد من الصعب الجمع بين التعاطف معهم ومنافستهم. في نهاية المطاف، الحُكم الوحيد الذي يصدر على عملنا يأتي من الجمهور. بعض الناس يستطيعون استيعابه وآخرون لا يقدرون على فعل ذلك بشكل جيد. بعض الممثلين يصابون بالغطرسة والأنانية، وهذا طبعا ليس السلوك الواجب اتباعه لأن المسألة ذاتية جدا. معظم الممثلين انطوائيون بشكل أكبر بكثير مما يتصوّره الناس، فهم متأملون بعمق، ويجتازون مراحل مؤلمة جدا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية