مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

السينما اللبنانية تغادر تيماتها المعهودة دون أن تتنكّر لواقعها

الطاهر حوشي ، مؤسس ومدير مهرجان الفيلم الشرقي في جنيف في ندوة صحفية بنادي الصحافة السويسري يوم 04 ابريل 2013 Keystone

يمكن اعتبار الدورة الحالية لمهرجان الفيلم الشرقي في جنيف، بمثابة مرآة لمتابعة تطورات ثورات الربيع العربي، ولمعرفة واقع السينما اللبنانية التقليدية والشبابية، ولاكتشاف السينما المستخدمة للموسيقى والفكاهة، كوسيلة لتجاوز معضلة الرقابة في بلدان الشرق.

بعد مرافقة مهرجان الفيلم الشرقي لما بات يُعرف بثورات الربيع العربي، واحتفاله ببعض  محطاتها الخالدة، سواء في تونس او في مصر، ها هو يواصل في دورته الثامنة التي ستستمر من 12 إلى 21 أبريل، نفس الإهتمام بتلك الثورات، إذ يقول الطاهر حوشي، مؤسس المهرجان ومديره: “حتى الجالية الشرقية المقيمة في سويسرا وفي أوروبا عموما، تتابع تطورات ما بعد ثورات الربيع العربي، وبالأخص ما لم يكن متوقعا منها، مثل تولي الإسلاميين السلطة، ومحاولة تطبيق أفكارهم والحد من الحريات وخلق جو من الخوف من جهة، وحافز تجنيد وتعبئة للمواجهة من جهة أخرى”.

لكن هذه الدورة ركّـزت بالخصوص، كما يقول مدير المهرجان على تخصيص: “مكانة بارزة للسينما اللبنانية، سواء التقليدية منها او تلك التي تُعرف بسينما المُـخرجين الشباب. كما  أولت اهتماما بقضايا  الساعة عبر أفلام تتخذ من الفكاهة والموسيقى، وسيلة للتعبير عن هذا الواقع”.

سينما الشباب في لبنان

إذا كان مهرجان الفيلم الشرقي هو نافذة تسمح للسويسريين ولسكان جنيف بالإطلال على واقع السينما في بلدان المغرب  والمشرق، أو على الانتاج السينمائي الغربي، الذي يهتم بقضايا المشرق او الجنوب عموما، فإنه يتبع تقليدا يتمثل في تخصيص كل دورة من دوراته مكانة بارزة لتجربة سينمائية معينة، او لتجربة بلد من بلدان المنطقة في المجال السينمائي. وقد خُـصِّـصت هذه المكانة في هذه الدورة للسينما اللبنانية بكل أطيافها أو كما يقول الطاهر حوشي بنوعيها “التقليدي والحديث المتمثل في سينما المخرجين الشباب”.

ويقول مدير المهرجان في هذا السياق: “كثيرا ما اهتمت السينما اللبنانية بسنوات الحرب وتأثيراتها على المجتمع، وهذا أمر طبيعي وعادي. لكننا لاحظنا في السنوات الأخيرة، أن الأولوية لدى المخرجين الشباب، تمنح لمشاكل الشباب وللقضايا المستجدة، أما قضايا الحرب الأهلية والذاكرة فتحتلّ مرتبة ثاية لديهم”.

ومن الأفلام التي تعكس هذا التوجّه فيلم “لحظة تقاطع” للارا صابا، تاكسي بالاد” او جولة بالتاكسي، لدانيال جوزيف، أو فيلم “تنورة ماكسي”، لجو بو عيد. وتشارك السينما اللبنانية في هذا المهرجان بما مجموعه 4 أفلام طويلة وفيلمان وثائقيان و5 أفلام قصيرة.

وإلى جانب السينما اللبنانية، تحضر سينما العالم العربي بأعداد متفاوتة بين هذا البلد وذاك، مثل مصر وتونس والمغرب والجزائر، ولكن ايضا من بلدان حديثة العهد بالإنتاج السينمائي، مثل الإمارات العربية المتحدة والكويت وعمان، بل حتى المملكة العربية السعودية، الممثلة  بفيلم “وجدة” لهيفاء المنصور (أنظر مقال خاص بهذا الفيلم بيم المواضيع ذات العلاقة).

ينظّم مهرجان الفيلم الشرقي بجنيف الذي يهدف إلى تشجيع الإنتاج السينمائي والتعدد الثقافي والحوار بين الحضارات دورته الثامنة من 12 إلى 21 أبريل 2013 بمشاركة ما يناهز عن 100 فيلم عربي وأجنبي.

هذه الأفلام موزّعة على العديد من الأقسام. كما تستضيف هذه الدورة السينما اللبنانية من فكاهية وشبابية وموسيقية. وهي سينما بدات تقطع مع التيمات القديمة التي كانت ترتكز على الحرب الأهلية والطائفية وتأثيرهما على المجتمع والإنسان اللبناني.

تشارك في هذه الدورة كذلك العديد من الاعمال السينمائية من مصر وتونس والجزائر والمغرب، وتعكس هذه الأفلام اسئلة وقضايا الواقع العربي الذي يترنّح بين قوى تهدف إلى الإصلاح وتحقيق اهداف التغيير وقوى تجذب إلى الورى للحفاظ على مصالح المتنفّذين.

كما تشارك في هذه الدورة أفلام من فرنسا وأمريكا اللاتينية، وهي جميعها أعمال تسلّط الضوء على العالم العربي وقضاياه من وجهة نظر مخالفة بما يسمح بعرض مقاربة أخرى للواقع غير تلك التي اعتدناها.

الفكاهة والموسيقى كوسيلة لتجنب الرقابة

ليس جديدا لجوء السينمائيين من بلدان شمال افريقيا والمشرق العربي الى الاستعانة بالموسيقى والفكاهة، وفي بعض الأحيان، لتصوير وقائع تاريخية  لتجنب وطأة الرقابة.  ولإبراز هذا الجانب الاصيل في الانتاج السينمائي العربي، خصص مهرجان هذا العام حيزا وافرا لما أسماه “الفكاهة والموسيقى والمقاومة”.

ولا يقتصر الأمر على الإنتاج الذي أعقب ثورات الربيع العربي، بل من كل زمان ومكان، مثلما يقول الطاهر حوشي:  “لاحظنا أنه، كلما غضت السلطات  الطرف عن مقص الرقابة في بعض وسائل التعبير من موسيقى وفكاهة ورياضة وما إلى ذلك، كلما حاول الفنانون استغلال ذلك للذهاب بحرية التعبير الى حيز أوسع”. ويضرب على ذلك مثالا فيقول: “حتى موسيقى الراي الشعبية الجزائرية، التي كانت في البداية لا تعبر عن اراء سياسية، ولقيت دعما وتشجيعا من قبل السلطات، أصبحنا نلاحظ اليوم أن بعضا من أغانيها تتحدث عن مشاكل الناس والمجتمع، وكلما استمرت في ذلك، كلما ارتخت قبضة رقابة السلطة”.

من الأفلام المشاركة التي استخدمت الموسيقى كوسيلة تعبير، نجد فيلم “توماست” او “ما بين القيتارة والكلاشنيكوف”، للمخرجة دومينيك مارغو، التي سردت قصة أحد الثوار الطوارق من مالي، الذي نُقل الى فرنسا للعلاج من جروح أصيب بها، والذي أسس في فرنسا فرقة موسيقية، وبدأ يشتغل كعازف، وبذلك تحول من الكلاشنيكوف الى القيتارة.

وهناك فيلم مصري من إنتاج مخرجيْنن كنديين تحت عنوان “راقصات أثناء الليل”، وهو الفيلم الذي يقول عنه الطاهر حوشي أنه: “كان يوحي بإمكانية وقوع الثورة، لأن ما تم بلوغه من تصرفات، لم تعد تُطاق”.

ويمكن أن نظيف في هذا الإطار فيلم “إيزنزارن” او “كلمات كالسلاح” للمخرج الفرنسي كريستيان لور، والوثائقي الفرنسي – المغربي “قناوة ميوزيك – بالأجساد والأرواح” لفرانك كاسينتي، والوثائقي الجزائري – الإيرلندي – الفرنسي “الغوسطو” أو “الذوق”، والذي هو عبارة عن تحفة نادرة أعادت إحياء فرقة موسيقية شعبية جزائرية، كانت تنشط في الجزائر العاصمة في بداية  ثلاثينات القرن الماضي وتجمع بين صفوفها موسيقيين عرب ويهود. وقد استطاعت المخرجة سافيناز بوسبيعة جمع عينة ممن بقي منهم على قيد الحياة لإحياء نشاط هذه الفرقة من جديد، وتسجيل ذلك في فيلم وثائقي يحتوي على ذكريات كل منهم.

التفاتة لشباب المهجر

ونظرا لكون مهرجان الفيلم الشرقي في جنيف يعتبر نفسه جسرا بين الشرق والغرب او على الأقل بين الشرق وجنيف، فإنه يخصص فضاءً ومساحة للمخرجين الشباب في الغرب، الذين يعالجون قضايا الشرق، وبالأخص من كان منهم من أصول شرقية. في هذا الإطار، يمكن ذكر فيلم السويسري من أصول سورية صلاح غمقين “لا هذا ولا هذا”، وهو شاب يعيش في زيورخ منذ أكثر من عشرين عاما.

وفي نفس السياق، يمكن ذكر بعض الأفلام التي قد تبدو من التابوهات، مثل  فيلم “الجنس والسلفيين والربيع العربي”، للمخرج الفرنسي بول مورايرا. ولكن الغرض من وراء ذلك، كما يقول الطاهر حوشي هو “معالجة موضوع جديد ظهر مع بدء الثورات العربية، مثل إمكانية الحديث عن الجنس، وذلك بمنظار مخرج غربي يعرف المشرق جيدا”. 

للسينما التقليدية أيضا حضورها

 لكن مهرجان الفيلم الشرقي، الذي قد يوجه له انتقاد برمجة أكثر من 100 فيلم خلال عشرة ايام من العروض، يرغب في تلبية أكبر قدر من الأذواق. وفي هذا الإطار، سيكون لهواة السينما الشرقية التقليدية فرصة لمشاهدة بعض الروائع التي قد تعود بالبعض الى حقب خلت، كما تسمح لجمهور غربي باكتشاف مدى تقدم السينما المصرية في منتصف القرن الماضي.

ويقول الطاهر حوشي بهذا الخصوص: “إن في هذه المشاهدة لهذه الأفلام القديمة فرصة من جهة، بالنسبة للشرقيين، لقياس مدى التقهقر الذي عرفه المجتمع المصري عما كان عليه في تلك الفترة، وبالنسبة للمشاهد الغربي لكي يعرف بأن السينما المصرية كانت ترقى في تلك الفترة الى مستوى سينما هوليود”.

من هذه الأفلام : “جميلة الجزائرية” ليوسف شاهين (عام 1958)، و”ايادي ناعمة”، لمحمود ذو الفقار (1963) وفيلم “الأجنبي”، للوشيانو فيسكونتي (1967). ولا شك في أن الرسالة التي يمكن أن يستخلصها الجانب الشرقي والغربي معا من مشاهدة هذه الأفلام التقليدية “هو أن هذا الشعب قادر على تجاوز مشاكله الحالية” كما يقول مدير المهرجان. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية