مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المكتبة السينمائية.. جسر للتواصل بين الماضي والحاضر

يقول فريديريك مير، مدير المكتبة السينمائية السويسرية إنه من أنصار انفتاح هذه المؤسسة على الجمهور العريض swissinfo.ch

مرت أكثر من ثلاثة أشهر على تولى فريديريك مير زمام أمور المكتبة السينمائية السويسرية. وتشتمل هذه المؤسسة الثقافية الثرية على الملايين من الوثائق والأشرطة المهمة من الأفلام، والآلات، والملصقات، والمؤلفات حول الفن السابع.

وتتخذ هذه المؤسسة مقرا لها في مونبونون (Montbenon) بلوزان، وقد أُلحق بها مركز الأرشفة والتوثيق ببونتا (Penthaz)، في ضواحي المدينة. أما مهمّتها الرئيسية فهي جمع وحفظ كل ما يمتّ بصلة بفن السينما، وجعل كل ذلك في متناول المهتمين. هذه هي مفردات العهدة التي تكفّل فريديريك مير بأدائها منذ شهر سبتمبر الماضي.

وللوقوف على رؤية مير، وعلى طموحاته وخططه حول مستقبل هذه المؤسسة الثقافية الكبرى، أجرت معه swissinfo.ch هذا الحوار الشامل.

swissinfo.ch : إلى أي حد تتناسب وظيفتكم الجديدة كمدير للمكتبة السينمائية الوطنية، مع اهتماماتكم وتطلعاتكم؟ هل يناسبكم كرسي المدير؟

فريديريك مير: نعم. هنا يوجد واحد من أفضل المكاتب في المدينة (لوزان)، يطل على بحيرة ليمان، وعلى جبال الألب في نفس الوقت، مما يضفي على المشهد سحرا وجمالا. ما أجده غريبا في المقابل، هو أن هذا المكتب يعود تاريخه إلى عصر فريدّي بواش. وعندما كنت أزور هذه المؤسسة في تلك الفترة، كنت أتعامل مع بواش بصفتي سينمائيا شابا، ثم لاحقا بصفتي محترفا في هذا الفن.

وجودي اليوم في هذا الموقع مثير للغرابة. أشعر باحترام تام، وأجدني مندفعا لمواصلة المشوار الذي بدأه أسلافي، والذهاب إلى أبعد من ذلك، وإعداد هذه المؤسسة للدخول في العصر الرقمي، والأفلام ثلاثية الأبعاد، وكل ما يطلق عليه السينما المعاصرة، مع مواصلة الدفاع عن سينما الأمس وتراثها الغزير.

ما هي التغيّرات البسيكولوجية التي تطلبها انتقالكم من إدارة تظاهرة محدودة في الزمان والمكان (المهرجان الدولي للأفلام بلوكارنو)، إلى مسؤولية الإشراف على مؤسسة دائمة مثل المكتبة السينمائية؟

فريديريك مير: لابد أن أقطع مع إيقاع العمل المحدود بسنة، فقد تعوّدت سابقا على ارتفاع ضغوط العمل وتوتّر الحدث لفترة ثم تعود الأمور إلى إيقاعها العادي، وعليّ من الآن فصاعدا أن أستعد لمواجهة وضع تكون الضغوط فيه دائمة ومتواصلة.

ومن قبل كذلك، كان ينصبّ اهتمامي على إنجاح مهرجان يمتد لإحدى عشر يوما في السنة، وتكثر الجلسات والاجتماعات في تلك الأيام فقط. أما الآن، أرأس كل يوم ثلاث جلسات، طيلة السنة، ما عدى يوم عيد ميلاد المسيح! فضلا عن تنظيم دورات، واختيار محاور لها، وارتجال عرضا بمجرد حلول مخرج ما بالمكان دون سابق إعلام.

من ناحية أخرى، ومقارنة بما كان عليه الوضع في مهرجان لوكارنو، اليوم أسافر أقل من ذي قبل، لكن لديّ انطباع بأنني أنتج أكثر. بالنسبة لأي مهرجان، كل سنة يبدأ العمل من الصفر، أما في عملي الآن، أشعر بأني أضع لبنة سوف تظل في مكانها، وانه بالإمكان وضع لبنة ثانية عليها، فثالثة، وهكذا.. وأنني في النهاية أقمت ركنا من أركان البيت.

لكن، من حيث الجوهر، يظل الأمر كما هو. الفضاء هو هو، والهدف التجذّر في المدينة، وفي الإقليم، وفي البلاد ككل، في انتباه وإصغاء إلى كل جديد في عالم الفن السابع.

ألا تشعرون أيضا بحصول نقلة من سينما الحاضر إلى سينما الماضي؟

فريديريك مير: بالنسبة لي الماضي والتراث يبنى الآن: فيلم “أفاتار” مثلا الذي يعرض هذه الأيام هو جزء من تراث المستقبل، رؤيتي إلى التراث مرتبطة ارتباطا وثيقا بالحاضر.

المكتبة السينمائية ليست فقط مكانا للاحتفاظ بالأعمال القديمة، بل هي أيضا مؤسسة نشطة تتميّز بالحيوية، هل تعتقدون أن هذه الفكرة واضحة لدى عامة الجمهور؟

فريديريك مير: نعم، لكن بالنسبة للجمهور العريض في لوزان وضواحيها، غير أن هذه الفكرة ليست واضحة بما فيه الكفاية لدى الجميع. لقد عرفت خزينة الأفلام الوطنية عصرا ذهبيا باستضافتها للعديد من التظاهرات المرتبطة بالسينما المعاصرة. لكن هذه الحيوية شهدت نوعا من التراجع في الفترة الأخيرة، وآمل أن تستعيد ذلك النشاط قريبا من خلال بعض المشروعات.

جمع الأعمال القديمة وحفظها وجعلها في متناول كل المعنيين بالفن السابع، هو جوهر مهمّتكم. المهمتان الأولتان شبيهتان بمغامرة شخصية سيزيف الإغريقية، في ضوء ما تزخر به هذه المكتبة من روائع، هل يمكن أن تكشف لنا عن ذخائر هذه المكتبة؟

فريديريك مير: يوجد في هذه المكتبة 70.000 فيلما من جميع البلدان، ومليونا صورة وأفلام الصور (الديابو)، و230.000 ملصقة، وعشرات الآلاف من الكتب والمؤلفات، والدوريات، والملفات الصحفية،…إنها بمثابة الذاكرة الشاملة للسينما الروائية، لكن ليس هذا فقط، إذ تحتوي أيضا على الصور التي سبقت عصر البث التلفزيوني، والصور الموثّقة لوقائع الحياة اليومية. إنها مدوّنة التاريخ السمعي البصري لسويسرا على وجه الخصوص، وللعالم بصفة عامة.

كل المؤسسات المعنية بالمحافظة على التراث تعاني من اندثار الوثائق مع مرور الزمن، كيف تواجهون أنتم هذه المشكلة، بهدوء وتروي؟

فريديريك مير: يتطلب الأمر بداية تحديد الأولويات، وكمهمة أولى الحفاظ على التراث السويسري باعتباره مجال الاهتمام الأوّل، ثم الأعمال التي نعرف أننا الوحيدون الذين نمتلك نسخا منها كأعمال لويس بونويل وكلود أوتونت – لارا. بعد ذلك، لابد من الاختيار، قد يتطلب الأمر إسقاط البعض من الإهتمام، للانشغال بالبعض الآخر، وذلك لأنه فعلا ليس لدينا، لا الإمكانات، ولا الزمن، ولا حتى القوى البشرية للإهتمام بكل الأعمال. مع كل ذلك،.. يمكن القول..إن الوضع بصفة عامة تحت السيطرة.

الغريب، أن ما هو صعب وعصيّ اليوم على الحفظ ليس بالضرورة الفيلم الأبيض والأسود الذي يعود إلى العشرينات من القرن الماضي، لأن هذا النوع من الأعمال يوجد على دعامة من مواد إذا ما احتفظ بها في درجة حرارة مناسبة، وكانت عرضة للتهوية، فإنها تقاوم تأثير الزمن بشكل جيّد.

في المقابل، ما هو بصدد الاندثار والاختفاء هي أفلام الفيديو التي تم انتاجها في الثمانينات. هذا النوع الأخير هو الذي يعد حفظه وتسجيله على دعائم أخرى أولوية بالنسبة إلينا. الوسائل الرقمية تمكننا كذلك من المحافظة على تلك الأعمال ولو بشكل مؤقت على الأقل.

من بين خططكم أيضا توسعة مركز الأرشفة ببونتا، وإنشاء قسم للمكتبة السينمائية في وسط مدينة لوزان، في مبنى الكابيتول؟ أليس كذلك؟

فريديريك مير: من المهم لأي خزانة أفلام أن يكون لها أكثر من مقر. في مونبونون، حيث نوجد الآن، المكان ضيّق، نحاول التوسّع فيه، لكن توجد أيضا فرصة لفتح مقر في مبنى توجد به واحدة من أجمل قاعات السينما في سويسرا، وهي قاعة ذات تصميم معماري قديم، تسكنها منذ الأربعينات السيدة العجوز لوسيان شناغ، التي أصبح حضورها رمزا لذلك المكان. سوف نكون سعداء جدا لو أدّت المحادثات القائمة الآن بيننا وبين سلطة المدينة إلى شراء ذلك المكان ليصبح القاعة الرئيسية لخزانة الأفلام الوطنية، وليكمل قاعتنا السينمائية الصغيرة هنا في مونبونون.

في الختام، ما هو رهان فريديريك مير بالنسبة للمكتبة السينمائية الوطنية؟

فريديريك مير: خلق الرغبة لدى الجميع لاكتشاف كل روائع عالم السينما، وأن الشخص الذي ذهب اليوم لمشاهدة فيلم “أفاتار”، تتولد لديه نفس الرغبة لمشاهدة “ملكة الكون 2001″، أو ربما فيلم “متروبوليس”، وهو الفيلم الذي شكل ثورة في الفترة التي ظهر فيها. وكذلك ربما قراءة كتب حول الفن السابع.. وأن يجد أي شخص في نفسه الرغبة لزيارة المكتبة السينمائية بهذه العقلية.

إذا ما شعر الجمهور بأننا منفتحون، وبسهولة الوصول إلى التراث السينمائي، وأن يعثر هنا عما جاء يبحث عنه، أكون سعيدا جدا في هذه الحالة.

برنارد ليشو – لوزان – swissinfo.ch

(ترجمه من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)

بازل: إذا كانت أول مكتبة سينمائية قد تأسست بإستوكهولم سنة 1913، فإن اوّل منشأة من نوعها تأسست في سويسرا سنة 1943، إذ في تلك السنة تم افتتاح “مؤسسة الأرشيف السينمائي السويسري “ببازل.

لوزان: سنة 1948، وبعد قطع التمويل على مؤسسة الأرشيف السينمائي ببازل، في ظل حكومة يسارية، نجح بعض المحبين للفن السابع في نقل ذلك الأرشيف إلى لوزان، ما أدى على نشأة “المكتبة السينمائية السويسرية”.

بوش: تولى فريدّي بواش إدارة “المكتبة السينمائية” سنة 1951، وهي الوظيفة التي شغلها 44 سنة متتالية، في ظل افتقار تام للوسائل والإمكانيات، وقد جعل بوش من هذه المكتبة فضاء للثقافة البديلة.

تطورات المكتبة: أوّل تمويل فدرالي (1963)، الانتقال إلى مونبونو، المكان الحالي (1981)، تشييد مركز للأرشفة ببونتاي (1991)، تقويم الأوضاع المالية بفضل جهود “محبي المكتبة السينمائية السويسرية” (1996)، إلحاق مركز التوثيق السينمائي “زوم” بزيورخ بالمكتبة السينمائية (2001)، وهكذا مع الوقت تجذّرت هذه المؤسسة وتوسعت أكثر فأكثر.

إدارة المكتبة: ورث الإدارة عن فريدّي بواش، هيرفي دومون سنة 1996، ثم في 2009، تولاها فريديريك مير.

الموظّفون: اليوم تحتل هذه المؤسسة المرتبة السادسة من بين نظيراتها في العالم، وذلك بحسب أرقام الفدرالية الدولية لتوثيق الأفلام، ويشتغل بها حوالي أربعين موظّفة وموظّف.

ولد فريديريك مير عام 1961 بنوشاتيل.

منذ 1979، أنتج مير العديد من الأفلام الروائية القصيرة والمتوسطة، كما أنجز العديد من الأعمال لصالح تلفزيون سويسرا الرومانية.

ما بين 1988 و1992، عمل مدرسا بالقسم السمعي البصري بمدرسة الفنون بلوزان.

ما بين 1992 و2005، كان أحد المشاركين والمشرفين على تأسيس نادي السينما للأطفال بنوشاتيل.

تولى في أكتوبر 2005 الإدارة الفنية للمهرجان الدولي للافلام بلوكارنو، وكان على اتصال بإدارة هذا المهرجان منذ 1986.

تولى إدارة المكتبة السينمائية الوطنية في سبتمبر 2009.

فريديريك مير، صحفي التكوين، وعمل أيضا ناقدا سينمائيا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية