مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

نحات مبدع يضفي على الجناح السويسري طابعه الفني الخاص

Valentin Carron/Pro Litteris/Galerie Eva Presenhuber

يمثّل الرسام فالنتين كارون، سويسرا في معرض البندقية الدولي للفنون لعام 2013، والذي فتحت دورته الخامسة والخمسون أبوابها للتوّ. وبالتعاون بين هذا الفنان وجيوفانّي كارنين، المسؤول على الجناح، قام هذا الفنان الذي ينتمي إلى كانتون فالي بتصميم عمل مستوحى من الطراز المعماري الحديث لإضفاء صبغته على الجناح السويسري الذي أسسه برونو جياكومتّي في عام 1952.

 ينفتح المعرض على ثعبان من الحديد المنصهر يبلغ طوله 80 مترا، وله رأسان. أحدهما وجهته إلى الخارج، في حين يحرس الثاني باب الدخول. وتصل بين هذيْن الطرفيْن  قطعة طويلة ومتعرّجة.

وعلى الزائر أن يتبع فقط الخط المرسوم بواسطة هذا الثعبان الحديدي في الهواء، وعلى الأرض، أو على الجدران للإطلاع على المعرض بالكامل المكوّن من المرسومات والمنحوتات. والطريق الذي يسلكه الثعبان يرمز إلى فكرة أساسية: بالنسبة لكارون، النقطة النهائية أقّل أهمية من المسافة المقطوعة للوصول إليها.

ويوضّح كارّون هذا الامر فيقول: “بالنسبة لي، شكل الثعبان كان مجرّد ذريعة للتعبير عن ضرورة احترام المجال خلال عملية البناء. وأنا لم أبحث عن رمزية خاصّة بالنسبة للثعبان. فله من ذلك ما يكفي”.

وتقود هذه المسافة، التي هي في شكل ثعبان، الزائر إلى 17 عملا معروضا، ويمثّل الثعبان نفسه العمل الثامن عشر. ويتبدّل حجمه عبر هذه المسافة. فعندما يصعد على طول الجدار المغطى بقطعة من النسيج الإيطالي، يتحوّل جسده إلى خط رفيع ذي حساسية مرهفة.

المزيد

المزيد

ثعبان عملاق وأبــواق كاذبة

تم نشر هذا المحتوى على يعيش هذا الرسام والنحات البالغ من العمر 35 عاما بمارتيني حيث يمارس أيضا نشاطه. وقد قال كارّون أخيرا في حوار مع إحدى الصحف: “الوادي هو ضاحية واحدة طويلة”، و”أنا أحبّ المنطقة الحضرية، والمناطق المحيطة بها”. وكارّون ليس وحده من استوحى أعماله من جمال تلك المنطقة. أورسولا مايير، على سبيل المثال، اختارت هي الأخرى تلك المنطقة…

طالع المزيدثعبان عملاق وأبــواق كاذبة

صرامة شاعرية

هذه العملية الإبداعية لم تكن سهلة. ففالنتين كارّون، يعايش بإستمرار تحوّلات أبدية. وهو القالق والراغب في المزيد من حب الإطلاع، وهو ما ينعكس على طريقته في العمل.  

ويقول متحدثا إلى swissinfo.ch: “انطلقنا في هذا العمل الهادف لانشاء هذا الجناح منذ تسعة أشهر. وكل اسبوع تطرأ لديّ أفكار جديدة، وتصوّرات غير مسبوقة، وحلول مبتكرة. لقد شهد المشروع تغيّرات كثيرة إلى حين الاتفاق مع المسؤول ع بهذا الجناح على تصوّر نهائي. وبدأ انتاج القطع المعروضة مع نهاية العام الماضي”.

ويشرح جيوفانّي كارنين، المسؤول على الجناح، ذلك فيقول: “يغرف عمله من عمق الرمزية الفنية ويمرّ عبر مرشح موطنه الأصلي بكانتون فالي. فهي عملية خلاّقة ومبدعة، ولقد وحّدنا جهودنا بطريقة فعالة ومجدية. فهو فنّان يمتلك حسا شاعريّا وقادر على نسج نصه الشعري  حتى قبل العثور على قوافيه”.

هذا الثعبان (الرمز الفني الذي اكتشفه الفنان لأوّل مرة على واجهة نافذة بثكنة لرجال المطافئ بزيورخ) يبدو أنيقا وبسيطا، ويتماشى مع الطراز الفني الحديث للمبنى. ولكن الفنان أضفى عليه رمزية جديدة، وفقا لنظرته إلى العالم.

ويوضّح كارّون أسس هذه النظرة فيقول: “بالنسبة لي كل انواع الحركات في القرن العشرين مهمّة. وأركّز اهتمامي على هذا الجزء أو على الجزء الآخر، وأغيّر نقطة الإرتكاز بإستمرار. الأمر بالنسبة لي بمثابه التلفزيون، أتنقّل من قناة إلى أخرى كل لحظة. بالنسبة لهذه الأعمال، المعروضة في البندقية، كنت على قناة الستينات، (والستينات، مرحلة تميزت بتيار الواقعية الجديدة).

هذا أحد الأسباب التي يفسّر حضور دراجة بياجّو لعام 1967 من بين الأعمال المعروضة، ولقد اعاد فالنتين انتاجها بعناية، من دون حرص على أن يكون وفيّا للنموذج الاصلي. وخلال عمله هذا، تساءل كثيرا عن رغبات المراهقة والحد الأقصى للسرعة من دون أن يتوقّف كثيرا عند اللون الصحيح والمناسب.

 ولد فالونتين كارّون في عام 1977 بمارتيني بكانتون فالي.

بعد تلقيه تكوينا بمدرسة الفنون بسيار (فالي)، وبلوزان، بدأ في تجربته الفنية في عام 2000

 تجاوزت شهرته الحدود السويسرية. وقد خصّص على سبيل المثال “قصر طوكيو” بباريس معرضا خاصا بأعماله.

هو أحد أعضاء لجنة تحكيم بروهلفيسيا بشأن معرض البندقية الدولي للفنون، وقد اختارته هذه المؤسسة لتمثيل سويسرا في هذا المعرض.

دلالات ومعاني جديدة

تتجاوز القدرة على الإبتكار والإبداع لدى فالنتين كارّون مجرّد اكتشاف المعاني الأصلية الأولى للأشياء، بل هو قادر على اضفاء مضمون جديد على أشكال مألوفة.

ويعتقد جيوفانّي كارنين أن “كارّون يربط بين خطابات الهوية ومحاولات توظيفها من دون أن يسقط في النزعة الأخلاقوية. وهو يستعيد أساليب وافكار جمالية مهمّة إمّا تم نسيانها أو أعيد تفسيرها مع مرور الوقت”.

ومن ذلك مجموعة من الآلات الموسيقية التي صنعت في الأصل من سبائك النحاس والزنك. ثم تمّ بعد ذلك الدوس عنها، وعجنها، وإذابتها في البرنز. هذه التقنية تنبع في الأصل من الواقعية الجديدة الفرنسية، ولكن عملية تدمير هذه الآلات تنبع من حركة بونك (punk). وهذه الآلات تعرض داخل الجناح وخارجه، وتتداخل مع الجدران التي هي مشدودة إليها. وبعد التسلّح بحد ادنى من الإنتباه، يكتشف المرء أن الأعمال التي تبدو له متشابهة هي في الحقيقة ليست كذلك.

ويوجد الوهم نفسه بالنسبة للوحات الستّ المصنوعة من الألياف الزجاجية والراتين الأكرليكي. فهو يقلّد الإسمنت في انسجام تام مع المادة الخام التي استخدمت في تشييد الجناح السويسري. ويمكن رؤية الفتحات الملوّنة “لنوافذ” مرسوم على سطحها ما من شانه أن يذكّر بواجهة الاكاديمية الملكية للفنون الجميلة في بروكسل. هذه الرسوم كلها مختلفة عن بعضها البعض. وهي بمثابة التنويه والإشادة بالرسم التجريدي الحديث.  

ويقول فالنتين كارّون مع لمسة خفيفة من السخرية: “لم تكن لديّ مواد مفضّلة. وكلّ مادة تمكنني من ملاقاة أشخاص وأذواق جديدة، ومن استخدام طرق جديدة للوصول إلى نتائج أخرى”. كان طموحه تطوير عمل فني يحترم النمط المعماري، من دون ادعاء ابلاغ رسائل من خلال أعماله. فذلك عمل رجال السياسة، والفلاسفة، وليس المبدعين”.

تستعيد الدورة الخامسة والخمسون لمعرض البندقية الدولي للفنون اليوتوبيا التي ابتكرها المبدع الغيطالي الامريكي مورينو أوريتي (1891 – 1980) الذي تصوّر في عام 1955 متحفا متكوّنا من 136 طابقا في واشنطن من اجل إيواء المعرفة الإنسانية.

يعرض في بينالي البندقية، هذا “القصر الموسوعي” حوالي 4500 قطعة فنية ابتكرها 158 فنانا ينتمون إلى 37 بلدا.

يضمّ المعرض هذه السنة 88 جناحا وطنيا. ومن بين القادمين الجدد، يمكن الإشارة إلى دويلة الفاتيكان.

تنظّم على هامش بينالي البندقية كذلك 47 تظاهرة ثقافية، نجد من بينها “صالون سويسرا”، الذي سوف يستضيف مجموعة من المؤتمرات والنقاشات.

هذه الدورة الخامسة والخمسون ستمتدّ من الأوّل يونيو إلى 24 نوفمبر 2013. ويتوقّع المنظمون أن يبلغ عدد الزائرين نصف مليون زائر.

هذه التظاهرة تنظّم كل سنتيْن في البندقية منذ 1895. وكل بلد مشارك لديه جناح خاص به.

 في معرض البندقية، أعمال فالونتين كارّون لا تمثّل سوى غيض من فيض الحياة الثقافية في سويسرا. وفي فناء الجناح المركزي، بإمكان الجمهور ان يكتشف لاوّل مرة في إيطاليا الكتاب الاحمر الشهير لمؤلفه المحلل النفساني كارل يونغ (1875 – 1961)، واللوحات ذات الخطوط الهندسية المتوازية للرسامة والباحثة إمّا كونس (1892 – 1963)، ومنحوتات أخرى كثيرة مصنوعة من الطين لبيتر فيشلي (1952) ودافيد فايس (1946 – 2012)، بالإضافة إلى لوحات جون – فديريك شييدر(1945).

كما تُعرض في فضاء “أرسنال” أعمال كل من باميلا روزانكرانس (1979)، وإدوارد سبيلتيرين (1852 – 1931)، أحد رواد فن التصوير، والنحات هانس جوزيفسوهن (1920 – 2012)، والرسام هانس شييرر (1927 – 1997).

(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية