مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

وصفة النجاح.. مزيجٌ من النّجوم والعفوية والإنفتاح

Reuters

مع أنه لم يستلِم إدارة مهرجان مونترو لموسيقى الجاز سوى قبل بضعة أشهر، إلّا أنَّ ماثيو جاتون، خبير بآليات العمل في واحد من أشهر مهرجانات الموسيقى في العالم منذ بداياته.

وكمدير تنفيذي جديد بعد كلود نوبس، مؤسس المهرجان الذي رحل في يناير 2013، أكّد جاتون أنه غير قادر – أو راغب – على خَتم هذا المهرجان بطابعه الخاص، ولكنه يتطلّع بدلاً عن ذلك إلى المحافظة على روحية هذا الحدث الموسيقي المرموق.

عندما عيَّنه نوبس كمساعد له في إدارة المهرجان، كان ماثيو جاتون في الثامنة عشرة من عمره فقط. ففي عام 1999، وبعد إنهائه لدراسته في كلية الفندقة في لوزان، تولّى جاتون مسؤولية التسويق والرعاية. وفي عام 2011، تولّى منصب الأمين العام للمهرجان، ثمّ كلّفه نوبس منذ بضع سنوات بالإدارة التشغيلية لهذا الحدث الموسيقى، الذي يهز منتجع مونترو على ضفاف بحيرة جنيف بداية شهر يوليو من كل عام.

وبقي كلود نوبس، الذي شارك بتأسيس المهرجان في عام 1967 مع عازف البيانو السويسري جيو فومارد والصحفي روني لانجيل، وطوّره لاحقاً ليُصبح محطّة فارقة في الحياة الثقافية السويسرية، ومناسبة ذات بُعد وأهمية دولية، الرّوح التوجيهية لهذا المهرجان حتى وافَـته المنِية في يناير 2013.

واليوم، يبلغ جاتون الثامنة والثلاثين من العمر، ويتولّى منصب الرئيس التنفيذي لمؤسسة يعمل بها خمسة وعشرون موظفاً بدوام كامل، مع أكثر من ألف موظف ومتطوّع إضافي خلال فترة المهرجان. أمّا ميزانية هذا التجمع الموسيقى الدولي، فتبلغ خمسة وعشرين مليون فرنك سويسري.

المحافظة على العفوية و الإرتجال

تَحمل نوبس كمدير للمهرجان، لم يكن بالأمر السّهل، ذلك أنه كان يُطالب بالولاء المُطلَق، كما يقول العديد من زملائه السابقين. واليوم، عندما يتحدث الأشخاص عن “مونترو” في نيويورك أو طوكيو أو برلين، في إشارة إلى المهرجان الموسيقي، وليس إلى المنتجع الهادئ المِثالي على ضفاف بُحيرة جنيف، فإن الفضل في ذلك يعود إلى كلود نوبس.

جاتون من جهته، يأخذ العمل الموكل إليه والذي يتيح له – ويفرض عليه – الإستمرار في الإنجاز الحياتي لمعلمه الكاريزمي بروية. وفي معرض إجابته على السؤال حول التوجّه الموسيقي الذي يود أن ينقل إليه المهرجان في المستقبل، أجاب بأن “تطوير أي طراز، سواء كان لجاتون أو لنوبس، هو أمرٌ في غاية الصعوبة”، مضيفاً أن “الطراز الذي أدافع عنه في مونترو، يسمى الجودة. ينبغي علينا توفير أفضل الظروف للفنانين، كي نجعل فناناً مثل ديفيد بووي يعزف أربع ساعات أطول مما يفعل عادةً في حفل موسيقي عادي. إن ثقافة مونترو هي ما لا يمكن التنبّؤ به، والارتجال واللقاءات العفوية والحفلات الموسيقية الصاخبة المُرتَجَلة”.

المزيد

المزيد

في المهرجان.. ولكن بعـيدا عن الأضواء

تم نشر هذا المحتوى على المصور لوكيريك، المولود بباريس عام 1941، بدأ مسيرته المهنية في وكالة الصور ماغنوم في عام 1976. ولأعماله ونشاطاته صلة وثيقة بموسيقى الجاز. فقد تردّد بشكل مُنتظم على مهرجان مونترو للجاز منذ بداية سبعينات القرن الماضي. (كل الصور لـ : Guy Le Querrec/Magnum)

طالع المزيدفي المهرجان.. ولكن بعـيدا عن الأضواء

48 حفل موسيقي

الكلام الفارغ المنمّق حول التوجّه الفني للمهرجان، ليس أسلوب جاتون “نحن ننظر إلى مَن هو متوفر ومناسب لمونترو. وكثيراً ما ترى وسائل الإعلام في برمجتنا، مَحض مفاهيم واستراتيجيات. ولكننا لسنا في مثل هذا العالم على الإطلاق”.

ولهذا الموقف العملي أسبابه. فخلال ستة عشر يوماً، يقدّم المهرجان ثلاثة حفلات يومياً في قاعات مختلفة الأحجام وبرامج تختلف في أسلوبها عن بعضها البعض، وتكون الحصيلة ثمانية وأربعين أمسية موسيقية مختلفة، ينبغي أن تُباع تذاكرها بالكامل.

وبهذا، تتوفر لمهرجان مونترو نقطة انطلاق تختلف عن مُعظم المهرجانات الأوروبية التي تقام في الهواء الطلق عادة، والتي تستغرِق وقتاً أقل بكثير، وتقدم نجماً موسيقياً أو نجمين في برنامجها اليومي، واضعة بذلك فرقاً موسيقية أقل شهرة في برامجها. و”في الحفلات الموسيقية المُقامة في الهواء الطلق، يشتري الجمهور الأجواء، في حين أنه يشتري لدينا حفلاً موسيقياً لأحد الفنانين”، كما يقول جاتون.

وفي هذا العام، ستدور فعاليات المهرجان من 4 إلى 21 يوليو، وهو يستمر لأول مرّة ليومين أكثر من ذي قبل.

العودة إلى الجذور

بشكل أساسي، يتكوّن مهرجان مونترو 2013 – بالإضافة إلى الحفلات الموسيقية المجانية في الهواء الطلق – من ثلاثة مسارات للبرامج موزّعة على ثلاثة قاعات، خُصِّصت أكبرها “قاعة سترافينسكي” لظهور كبار المشاهير، في حين تستهدف الوسطى “مختبر الجاز”، الجماهير الشابة بِعَرضها للاكتشافات الجديدة في مجالات الإلكترونيكا (الموسيقى الإلكترونية) وموسيقى البوب والروك، وبأسعار بطاقات مخفضة.

أمّا قاعة “جاز كلوب” (نادي الجاز) المجهزة بـ 350 مقعداً، فتقدّم حفلات لموسيقى الجاز والبلوز بشكل حصري تقريباً. وسيقف على مسرح هذه القاعة، أساطير هذا الأسلوب الموسيقي، مثل المغني وعازف الغيتار جورج بينسون، وعازف الساكسفون ديفيد سانبورن، وعملاق العزف على آلة الساكسوفون تشارلز لويْد، الذي مثل نقطة جذب كبيرة في العام الأول لإطلاق مهرجان مونترو، عندما ظهر بصُحبة عازف البيانو كيث غاريت، الذي كان في الثانية والعشرين (22) من عمره حينئذٍ.

وإلى جانب عازف الكونترباس افيشاي كوهين وعازف البيانو والمؤلف الموسيقي الأمريكي فيجاي آير، يمكن الاستماع في هذه القاعة إلى عدد من موسيقيي الجاز الأصغر سِناً والأقل شهرة أيضاً.

حتى الآن، كان مهرجان مونترو لموسيقى الجاز مكوّناً من مجموعتيْن متساويتيْن من الحفلات الموسيقية المُقامة في قاعتيْ “سترافينسكي” و”مايلز ديفيس” من جهة، و”مختبر الجاز” المخصّص للقادِمين الجُدد من جهة أخرى. ومع حلول الدورة 47 هذه السنة، أصبحت قاعة مايلز ديفيس جزءاً من الماضي.

ومع “نادي الجاز” الأصغر حجماً، لا يعود المهرجان إلى جذوره مع موسيقى الجاز فحسب، ولكن الضغوط لملء قاعتين كبيرتين يومياً، أصبحت أقل أيضاً. وفي هذا السياق، يقول جاتون: “نادي الجاز كان فكرتي. وكنت قد ناقشت هذا التغيير مع كلود وقرّرنا المُضي بذلك سوية”. وأضاف: “بهذه الطريقة، أصبح لدينا قدراً أكبر من المُرونة لتقديم الموسيقيين الشباب أو الأقل شُهرة، الذين كانوا يضيعون أحياناً في القاعات الكبيرة، ولا يحظون بالإهتمام الكافي”.

الحِرص الذي يُبديه العديد من الموسيقيين على حضور المهرجان بانتظام – وبعضهم لعدة عقود – “ليس تخطيطاً”، كما يقول جاتون، الذي يضيف بأن “الأمر واضح جداً، حيث يقتصِر التخطيط مع الموسيقيين الذين يقومون بجولة موسيقية في تلك الأثناء، إذ ليس بالإمكان برمجة فنان لا يكون في جولة لتقديم حفل موسيقي. فأنا لا أستطيع أن أقول مثلاً “أريد أن يحضر هيربي هانكوك أوديفيد بووي”، هذا غير ممكن ما لم يكونوا في جولة موسيقية بالفعل”.

تمّ مؤخرا إدراج مجموعة الأشرطة السمعية والبصرية لمهرجان مونترو لموسيقى الجاز أو “تركة كلود نوبس” ضمن التراث الوثائقي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونيسكو”.

هذه هي المساهمة السويسرية الثانية في سجل “ذاكرة العالم” بعد المخطوطات الخاصة بالكاتب والفيلسوف السويسري جون – جاك روسّو.

يشمل تراث كلود نوبس 10,000 شريط صوتي مكوّن من أكثر من خمسة آلاف ساعة (5000) من تسجيلات الحفلات الموسيقية التي أقيمت منذ تأسيس المهرجان في عام 1967، وهي أكبر مجموعة من أشرطة الفيديو لحفلات مباشرة في العالم.

تتضمن هذه الأشرطة بعض التسجيلات الفريدة، مثل الظهور الأخير لمايلز ديفيس في عام 1991. وكان كلود نوبس قد قام بتنظيم هذه الأشرطة في اليونسكو، عندما كان على قيد الحياة.

إلى جانب إرث مهرجان مونترو، أدرِجَت ممتلكات جديدة من التراث الوثائقي في سجل “ذاكرة العالم” بضمنها قرص نيبرا السماوي، ومجموعة المخطوطات الأصلية المتعلّقة بأرنستو تشي غيفارا في شبابه، فضلاً عن مجموعة شهادات متحف المحرقة “ياد فاشيم”.

تجتمع اللجنة الخاصة بسجل ذاكرة العالم كل عامين، لفحص مقترحات الترشيح الخاصة بالإدراج في سجل “ذاكرة العالم”. ويحِق لكل عضوٍ في المنظمة التقدم بمقترحين. وشمل السجل اليوم 299 إدخالاً.

“برنس” يريد الثلاثة

منذ سنوات عدة، يوظف مهرجان مونترو ستة واضعي برامج. وكان كلود نوبس مسؤولاً عن المشاريع الخاصة والتنسيق والمنظور العام. واليوم، تقع هذه المسؤوليات على عاتق جاتون، الذي يقول في هذا السياق: “من المهم جداً أن لا نبرمج ثلاث مجموعات لِنفس النمط الموسيقي في نفس المساء في ثلاث قاعات مختلفة، فذلك من شأنه توليد بلبلة عند الجمهور. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تكون الأمسيات الموسيقية المنفردة، مترابطة وأن يكون لها تاريخ، كما هو الحال مثلاً مع الحفل الموسيقي لبوبي فوماك ووايكليف جين، حيث يقف على خشبة المسرح هنا جيلين من الموسيقى السوداء الواحد تِلو الآخر”.

فيما مضى، كان مهرجان مونترو لموسيقى الجاز، الحدث الموسيقي الصيفي الكبير الوحيد في سويسرا. وفي غضون ذلك، يمكن العثور اليوم على نحو 400 مهرجان يتنافَس على استقطاب الجمهور وجذب الرأي العام. وبفضل ما يتمتع به من سمعة أسطورية، يمتلِك مهرجان مونترو ميزة توافر العديد من الموسيقيين الراغبين في الحضور بشدة خلال جولاتهم الموسيقية. وكان من مدير أعمال المغني والموسيقي “برنس” قد إتصل بجاتون في شهر فبراير المنصرم، “وقد اقترحنا عليه ثلاثة مواعيد متاحة، قال إنه يريدها جميعاً”، كما يقول الرئيس التنفيذي الجديد للمهرجان.

وكانت تذاكر الدخول لحفلات النجم المعروف، قد نفذت منذ أسابيع، وهو ما ينطبق على معظم ليالي المهرجان الأخرى. ويندر أن كانت مبيعات التذاكر بمثل جودة العام الحالي، وهو دليل واضح على انتهاج جاتون للطريق الصحيح في رحلة خلافته لكلود نوبس، مؤسس أحد أشهر مهرجانات الموسيقى في العالم.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية