مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“سراب” طلال سلهامي يفاجئ جمهور نوشاتيل بـالمغرب غير التقليدي

خمسة مصائر ترتسم تحت خيوط شمس الجنوب المغربي في شريط "السراب" (أو أيام الوهم) SP

"السراب" هو عنوان الفيلم الذي قدّمــه المخرج الشاب طلال سلهامي في إطار الدورة الحادية عشرة لمهرجان السينما العجائبية بمدينة نوشاتيل السويسرية. هذا الشريط المُطول الأول للمخرج المغربي الأصل "لا يبخل" على المُشاهد بلقطات العنف، ولــكنه يدعوه في الآن نفسه إلى تفكير مُجتمعي مُعمق.

سيُصبح سعيد عمّا قريب أبــا شابــّا.. لقد تـعــب ومــلّ من العمل مقابل أجر يُرثى لــه في أحــد “مراكز الاتصالات” التي تفتحها الشركات الأوروبية بحماسة في بلدان الجنوب لتنفيذ سياستها اللامركزية. فعندما تتصل بتلك المراكز، تعتقد أنك تتحدث إلى “جون-بيير” أو “نيكولا”، ولكن من يجيبك في واقع الأمر هو عزيز المتواجد في الدار البيضاء، أو بوبكر القاطن في داكار…

سعيد يـــُقرر إذن الترشح لشغل منصب قيادي (إطـــار) في شركة “ماتسويكا كورب” – إسم ياباني هذه المرة. وجد نفسه رفقة منافسيــه الأربعة: سمير، وجمال، وهشام، وآسيــّة في حافلة صغيرة للمشاركة في اختبار حاسم مدته 24 ساعة سيُقرّر على إثرها المسؤولون من سيفوز بالمنصب الهام. ولــم يفُت رئيس الموارد البشريـة في الشركة العالمية أن يتمنى للشبان الخمسة مُسبقا “حظا سعيدا” بــذلك المزيج من العجرفة والأبوية اللتين يتميز بهما مــُدراء اليوم.

صدمة.. ثم ظلام .. ثم ضوء وهاج. عندما يتمكن المرشحون الخمسة من الخروج.. أخيرا.. من الشاحنة، بعد تحطيم بابـــها، يجدون أنفسهم وحيدين في صحراء شاسعة جنوب المغرب. هل كانت حادثة حقيقية؟ الأرجح أنها بداية السباق للظفر بالوظيفة.

سباق سيستمر لفترة أطول بكثير من 24 ساعة، وسيتحول من اختبارِ تقييم لــمزايا المُرشحين – من حيث المثابرة، والطموح، والثقة، والموثوقية بطبيعة الحال، إلى لحظات رعب حقيقي.. لأن المرشحين سيفقدون السيطرة على أنفسهم أمام وضع يتجاوز قدراتهم الجسدية والنفسية.. فمشاعر التوتر التي تنشأ وسط أيــّة مجموعة، ونوبات القلق المُفزع التي تنتاب كل فرد منها، ثم أشعة الشمس الحارقة .. عوامل شكّلت “كوكتيلا مُتفجرا”.

“المغرب بلد يعيش حالة فصام عميق”

بفضل موهبته وذكائــه، تمكن طلال حمداني من إخراج شريط مُطول نجح في الإبحار والتنقل بين نوعية أفلام الرّعب، والدراما النفسية والاجتماعية، اعتمادا على سيناريو شارك في كتابته إلى جانب كريستوف موردُلي. ويقول المخرج الشاب المولع بسينما الخيال العجائبي: “أردت فيلما يتحدث عن المغرب، وليس تقديم مُجرد نُسخة من “هالووين” تحدث في المغرب”.

ولكن الكفاح من أجل الظفر بوظيفة، وقسوة معايير الاختيار المهني، ليسا حكرا على سوق الشغل في المغرب. وإذا ما استثنينا الديكور، كيف يتحدث فيلم “السراب”، إذن، عن جوانب تخص المملكة المغربية تحديدا؟

يسارع طلال سلهامي إلى الإجابة قائلا: “يتم ذلك من خلال الشخصيات الخمس. هنالك إشكاليات تتعلق بالثقافة العربية المُسلمة. الشخصية النسوية، آسية، على سبيل المثال، اختارت أن تتحــرّر، ولكن ذلك جعلها تضحي بأسرتها. ففي هذه البلدان،  يتم إنجاب الأطفال لـكي يعتنوا لاحقا بوالديهم. وهذا الأمر لا يتطابق مُطلقا مع التصورات الرائجة حاليا، في التلفزيون، وفي الإنترنت، عــلما أننا نشاهد نفس الأشياء، سواء في المغرب أو في نوشاتيل. إن المغرب بلد يعيش حالة فصام عميق، لأنه مُمزق بين تقاليده والعولمة التي لا يستطيع الاستغناء عنها. وهذا يخلق بالضرورة صدمات، فردية وسياسية. لهذا السبب يلجأ البعض اليوم للدين (للاحتماء به)، على سبيل المثال”.

هل يمكن إذن اعتبار الشخصيات الرئيسية نماذج مُمَثـــِّلة لهذا الواقع؟ “نعم”، يجيب طلال سلهامي. “هي شخصيات خمس كان لا بُد من تقديمها بما يكفي من السرعة، ثم مغادرة هذه الصور النمطية للأخذ بيد المُشاهد إلى أبعد من ذلك. وبمجرد الحصول على ثقته، يمكن “اللعب” بعواطفه من خلال تحويل الشخصيات إلى كيانات مُتناقضة، فلا هي بسوداء تماما ولا بيضاء تماما”.

ومن مميزات الفيلم أيضا الغياب الــتام للصور النمطية عن المغرب التقليدي – رغم أنه لا يزال موجودا على أرض الواقع. المشاهد لا يرى أية امرأة مُحجبة، أو قرية فقيرة جاثمة على سفوح جبال الأطلس. الشخصيات الخمس تأتــي من مغرب حضري بكل تأكيد.

“هذه الشخصيات تتطلع إلى شغل منصب إطار في الشركة، وبالتالي لم يكن هنالك أي مُبرر لإظهار صورة المغرب التقليدية، التي تُتعــِبني، أنا، كمُتفرج. هنالك أفلام أخرى ستستمر في نقل تلك الصورة عن البلدان العربية، والسينما الأمريكية، على وجه التحديد، لا تحرم نفسها من ذلك. فالفكرة كانت تتمثل حقا في إظهار شيء آخر، لأن هنالك شريحة واسعة من الشباب، مثلي، سئمت من تلك الصورة”.

“الشخصيات من صنف جمال قد تقود البلاد إلى الهاوية”

وفي خضم مُجريات أحداث الشريط، تتحول القصة من دراما اجتماعية إلى فيلم رعب، ليس بفضل الشخصية المحورية، سعيد، بل من خلال مرشح آخر، جمال، الأناني المُدمن على المخدرات، الذي يصفه الفيلم كـ “إبن مُدلل”. ونظرا لأهمية السرد المتعلق بهذه الشخصية، يتصور المشاهد أن التركيز عليه ليس من قبيل الصـّدفة.

ويتأكد ذلك من خلال تحليل طلال سلهامي: “لقد عشت عشر سنوات في المغرب، في مدينة الدار البيضاء تحديدا، وفي بيئة برجوازية إلى حد ما – بحيث كنت أتردد على الثانوية الفرنسية – ورأيت هناك مُجتــمعا يعيش وسط فُقــاعة داخل البلد، لدرجة أن البعض منهم يجهل الآلام الحقيقية التي تعاني منها البلاد. وبالنسبة لي، يــُمثــّل جمال تلك الشخصية التي ربما تمتلك الوسائل، لاسيّما المادية، والإمكانيات أيضا لتغيير الأمور، ولكنها تـــُقــْـدم على الخيارات السيئة لأن المال جعلها تفقد قـــِيـــَمها. فجمال مُستعد لسحق الآخرين ليضمن وجوده في هذا المُجتمع. وبالنسبة لي، الشخصيات من هذا القبيل هي التي يمكن أن تقود البلاد إلى الهاوية إذا ما لم تستعِد قـــِيمها الإنسانية”.

هل نستخلص مما سبق أن “مواسم الربيع العربية” عموما، والربيع المغربي على وجه التحديد، لا تخدم مصالح أفراد مثل جمال؟

يجيب طلال سلهامي: “نعم، أعتقد أن شخصيات من هذا النوع ستتعرض لإزعاج كبير. المشكلة هي التالية: هنالك أناس من نوعية “جمال” تقف ضد الشعب.  هذا هو مصدر النزاع في كافة تلك البلدان، وحتى في أوروبا نجد أيضا أشخاصا من صنف جمال”.

وما نظرة ابن محمد سلهامي، مدير ورئيس تحرير صحيفة “ماروك إيبدو انترناسيونال” إلى تصويت الشعب المغربي يوم 1 يوليو الجاري بنسبة 98% لصالح اعتماد التحويرات الدستورية التي اقترحها الملك محمد السادس؟

“إن الوعي بضرورة التغيير شيء جيد، ولئن كان متأخرا. لقد رحل الملك الحسن الثاني قبل أكثر من عشرة أعوام، ولم يكن مُمكنا تغيير الأمور بين عشية وضحاها. إنها عملية تستغرق بعض الوقت، ولكن يجب توفر الإرادة للتعجيل بإحداث التغيير. وأنا شخصيا، ما يثير شعوري بالخوف الشديد هو الفساد والامتيازات. هذا أمر يؤلمني حتى الأعماق: فهنالك أشخاص يرغبون في كسر تلك القيود ولكنهم لا يستطيعون. والدي تمكن من ذلك بعد أن منح نفسه الوسائل اللازمة، وغادر البلاد. يجب أن يتم التركيز على الفساد قبل أي شيء آخر، فهو حقا السرطان الذي تعاني منه البلاد”.

باريس: وُلد طلال سلهامي، المغربي الأصل، عام 1982 في نويي سور سين (Neuilly-sur-Seine) شمال غربي العاصمة الفرنسية باريس.

التكوين: كان مولعا بالسينما منذ الطفولة، واختار قسم “السينما” في الجامعة، ولكنه لم يلتحق بأي مدرسة مُتخصصة في الفن السينمائي.

أعماله: أخرج العديد من الأشرطة القصيرة كان رابعها “سنسطرا” الذي عرض في العديد من المهرجانات وحصد الكثير من الجوائز. أما “السراب” (ميراج) فهو أول شريط روائي مطول له.

مشاريع مستقبلية: مشروع شريط الرعب “كرنفال الأوهام”، إنتاج مُشترك فرنسي-إسباني، لا يزال مُعلقا، ولكن طلال سلهامي يعمل على فيلم المغامرة الذي يحمل عنوان “الواحة”. 

ميزانية مُتواضعة: 100000 يورو لتصوير فيلم… الشريط في الأصل من اقتراح التلفزة المغربية، وشاركت في إنتاجه شركة “عليان للإنتاج” للسينمائي المغربي نبيل عيوش.

 

التصوير: بعد كتابة السيناريو مع كريستوف موردُلي، صور طلال سلهامي شريطه في عام 2009 في المغرب؛ بمدينة الدار البيضاء وفي منطقة ورزازات جنوب شرقي البلاد، والتي صورت بها مشاهد كثيرة.

العرض الأول: عرض فيلم “السراب” للمرة الأولى في إطار المهرجان الدولي للفيلم بمراكش.

التوزيع: سيعرض شريط “السراب” في قاعات السينما بالمغرب في شهر سبتمبر القادم. ولا يزال توزيع الفيلم في بلدان أخرى قيد المناقشة.

الدورة 11: يتواصل المهرجان من 1 إلى 9 يوليو 2011.

الأرقام: يتضمن برنامج الدورة الحالية 136 عرضا عموميا لـ 80 شريطا مُطولا و50 شريطا قصيرا، من إنتاج 19 بلدا، فضلا عن 25 لقاءا ومؤتمرا.

 

الجديد:  إذا كان المهرجان قد توقف عن تنظيم العروض في الهواء الطلق لأسباب اقتصادية، فإن التظاهرة ستستمر لفترة أطول (9 أيام عوض 7).، كما يتوفر على قاعة إضافية وعلى برنامجين جديدين: “أفلام النوع الثالث” (أشرطة للجمهور الــعريض، بين العجائبية والإثارة)، و”الأفلام الفائقة” (أشرطة الحد الأقصى).

 

المسابقة الدولية: 12 شريطا من 10 بلدان تعطي لمحة عامة عن إنتاج السينما العجائبية الحالية. وتُلاحظ العودة القوية للسينما من النوعية الأمريكية، وللمرة الأولى مشاركة فيلم كولومبي وآخر بورتوريكي. 

سينما جديدة من آسيا: تعكس 8 أشرطة خصائص السينما الشعبية الآسيوية، بأفلام مؤلفين اثبتوا خبرتهم، من اليابان وكوريا وتايلندا، وأفلام نادرة من منغوليا وماليزيا.

أشرطة قصيرة: يقترح المهرجان الدولي للسينما العجائبية في نوشاتيل مسابقتين للأشرطة القصيرة السويسرية والأوروبية.

نظرة إلــى الماضي: يقترح المهرجان ضمن برنامج (Rétrospectives) نوعين من العروض: “هذا مجرد فيلم!” (مخصص للسينما المرعبة، 29 فيلما)، و”من روسيا بالصراخ” (الفزع على الطريقة الروسية، 5 أفلام، ومسلسل تلفزيوني، وبرنامج يعرض أشرطة قصيرة).

(ترجمته من الفرنسية وعالجته إصلاح بخات)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية