مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“التغيير في السعودية أسرعُ منه في أيّ بلد آخر في المنطقة”

المخرجان علي كلثمي وتود نيمس يتوسطان بعض الشباب السعودي الذين شاركوا في تمثيل مسلسل "أولموست". FIFF

لا تعرف الأعمال الإبداعية والسينمائية التي تعانق طموحات الإنسان وتعالج قضاياه حدود الجغرافيا، ولا تحتاج إلى تأشيرات سفر أو عبور، والمؤكد أن الأشرطة التي يستضيفها المهرجان الدولي بفريبورغ في دورته الرابعة والعشرين تمثل خير دليل على ذلك.

المهرجان السينمائي الناجح هو الذي يتجدد كل دورة من دون أن يتنازل عما صنع مجده وشكل هويته، وهذا هو حال فريبورغ هذه السنة أيضا.

فبالإضافة إلى الأعمال المشاركة في المسابقة الرسمية، والتي تضم 13 فيلما، أنتجت أغلبها في الأشهر الأخيرة، من أمريكا اللاتينية، وإيران والقوقاز وآسيا، يتضمن برنامج هذه السنة العديد من المفاجآت، كتنظيم المهرجان لبانوراما تُراجع الإنتاج السينمائي في روسيا الإتحادية منذ سقوط الشيوعية، يعرض 15 فيلما روسيا، من كل الأصناف الفنية بعضها درامي وبعضها الآخر واقعي ومتفائل.

أما السينما العربية، وعلى خلاف دورات الأعوام القليلة الماضية، فهي حاضرة بقوة، من خلال أعمال جادة وطريفة مثل الفيلم المصري “واحد – صفر” للمخرجة كاملة أبو زكري، و”زنديق” للمخرج الفلسطيني المهاجر ميشيل خليفي، وكلاهما ضمن المسابقة الرسمية، فضلا عن العديد من الأعمال الأخرى التي كانت مدار النقاش في منتدى المهرجان الذي خصص أعماله للعديد من المسلسلات التلفزيونية بمنطقة الشرق الأوسط مثل “انتظار” السوري، و”العمال العرب” الإسرائيلي، لكن أهم تلك الأعمال إثارة للنقاش كان المسلسل الفكاهي السعودي “تقريبا” (Almost)، من إخراج الثنائي علي كلثمي، وتود نيمس.

وهذه أوّل مرة تطرق فيها أعمال سعودية أبواب هذا المهرجان الدولي، وهو في حد ذاته مؤشر على النهضة التي يشهدها العمل الإبداعي في المملكة العربية السعودية، رغم استمرار بعض العراقيل.

swissinfo.ch انتهزت فرصة وجود المخرجيْن علي كلثمي وتود نيمس في فريبورغ، وأجرت معهما حوارا حول مسلسل “تقريبا” ( Almost )، وحول واقع الإبداع السينمائي في المملكة العربية السعودية ولم يترددا في الإجابة على جميع الأسئلة المطروحة.

swissinfo.ch: مسلسل “تقريبا” يمثل فكرا واقعيا جديدا، ما الذي يضيفه إلى الساحة الفنية في المملكة العربية السعودية؟

علي كلثمي: يهتم هذا المسلسل بعنصر الشباب في المجتمع السعودي، حيث تمثل هذه الفئة 25% من السكان، لكن لا يوجد لهذه الفئة صوت يعبّر عن مشكلاتهم، وعن تطلعاتهم المستقبلية، كان هدفنا إذن إفساح المجال لكي يقدموا أنفسهم بأنفسهم للعالم، بعد أن بقوا لزمن طويلا مدار حديث لغيرهم. إنه جهد خالص لشباب سعودي لم يتجاوزوا 25 سنة.

بين المبالغة في تصوير المشاهد لشد الانتباه، والواقعية الاجتماعية الهادفة إلى الإصلاح، أين تضعون مسلسل “تقريبا”؟

علي كلثمي: القصص التي نكتبها هي دائما قصص واقعية واجهناها في حياتنا اليومية، وكل أحداث المسلسل استنبطناها من الواقع، ثم أعدنا إخراجها ووضعناها تحت المجهر. في هذا العمل لا نقدم وجهة نظرنا حول المجتمع، بل نسلط الضوء على وقائع وأحداث، وندعو المشاهد يشكل وجهة نظره كما يريد.

(تود نيمس (متدخلا): “تقريبا” هو موازنة بين عرض الواقع السعودي بطريقة إبداعية وفنية، وتقديم عمل فكاهي يهدف إلى الترفيه والإضحاك، ولا ننكر أن للمسلسل رسالة إجتماعية تدعو إلى إفساح المجال للشباب لتطوير ملكاتهم، وبناء مستقبلهم بأنفسهم، وبناء الثقة بهم وبقدراتهم).

لماذا اختيار أسلوب الكوميديا في معالجة قضايا جوهرية وجدية مثل منع الإختلاط بين النساء والرجال، والواسطة، والإنفتاح علي الغرب، وسطوة المجتمع التقليدي، والرقابة،…؟

علي كلثمي: هذا الأسلوب خفيف على مرآى ومسمع المشاهد، وعندما يضحك هذا الأخير لمشاهدة وقائع اجتماعية حقيقية، يكون قد قطع نصف المسافة في تغييرها أو القطع معها. إنها طريقة سلسة لتيسير وصول رسالة الإبداع إلى متلقيه.

(تود نيمس: أوّلا لأن هذا العرض يهدف إلى الترويح عن النفس، وإلى الإضحاك، وثانيا، التجربة تؤكد أنه بالإمكان التواصل بيسر مع الناس عندما تجعلهم يضحكون. أسلوب الصدام لا يساهم في فتح أبواب التواصل بل يغلقها).

الملاحظ ان الكوميديا نهج انتهجه المبدعون السعوديون منذ عدة سنوات بدء بمسلسل “طاش ما طاش”، و”كلنا عيال قرية”، و”بيني وبينك”،…لماذا يبتعد الممثل السعودي عن العمل الدرامي، أو فن التراجيديا، هل لديكم ميل فطري للضحك والإضحاك؟

علي كلثمي: المحاولات القليلة التي قام بها سعوديون في مجال الدراما قوبلت بنقد شديد من المجتمع السعودي، وأعتقد أن هذا يعود لكون المجتمع السعودي يخاف من مناقشة القضايا العميقة لأنه حريص على إبداء صورة ناصعة عنه امام أنظار العالم، هذا في الوقت أن كثيرا من السعوديين يحتاجون حقيقة إلى المسلسلات الدرامية حتى يعلموا بأننا لسنا مجتمع المدينة الفاضلة، لدينا أخطاؤنا، ولدينا نقاط ضعف،.. ولا عيب في ذلك. لهذه الأسباب تظل الكوميديا اقرب إلى الجمهور السعودي.

ما هو مشاع على الأقل أن المجتمع السعودي متديّن ومحافظ، إلى أي حد تعرقل الرقابة الدينية والسياسية إنفتاح الشباب السعودي على العوالم الثقافية الأخرى؟

علي كلثمي: نحن الآن في عصر السرعة والإنترنت، أتوقّع انه بات من المستحيل التحكم في حركة الأفكار والآراء حتى وإن كانت مخالفة أو نقيضة لقناعاتك. ظهرت على السطح في المجتمع السعودي، قضايا وسلوكات لم يكن أحد يتوقع من قبل أنها موجودة، الأفضل لهذا المجتمع طرح قضاياه بشفافية وفي حوار هادئ وهادف من خلال الأعمال الإبداعية والفكرية، أو من خلال منابر أخرى، إذن ليس الحظر والمنع لأن كل ممنوع مرغوب، أتمنى ان يختار السعوديون أسلوب الإنفتاح على الثقافات الأخرى، وأن تتوصّـل التغيرات السريعة التي يشهدها المجتمع إلى صيغة من التعايش بين مكاسب العصر وثوابت المجتمع السعودي الثقافية والدينية.

في عملكم تشددون على أن كلمة الحظر أو المنع لم يعد لها معنى في عصر الإتصالات الحديثة، هل هي دعوة إلى مجتمع سعودي منفتح ومتحرر؟

علي كلثمي: أعتقد أن المجتمع نفسه من يرسم الحدود، ويجب أن نربي الأجيال القادمة على قيم المسؤولية والاستقلالية، وأن تستنبط تلك الأجيال من ثقافة المجتمع وعاداته الإسلامية الصحيحة ما يصلح نبراسا لها. الإنفتاح لا يعني أن يكون العالم ذا صبغة واحدة، لأن لكل بلد خصوصياته وعاداته. لما آتي إلى سويسرا، وأجدهم يأكلون الفوندي (Fondue)، وهو خاص بهذا البلد، جيّد أن أجرّب شيئا جديدا أينما ذهبت، لكن بشرط ألا يكون هذا الإختلاف إقصائيا، أو ان ينظر إلى ثقافة على أنها أفضل من ثقافة أخرى. الإنفتاح الحقيقي هو التعايش مع المختلف، وأن يكون هناك اهتمام بالآخر، حتى وإن لم نشاطره رأيه.

منذ سنوات تشهد المملكة صراعا محتدما بين تيار إصلاحي ليبرالي، وآخر ديني شديد المحافظة، إلى أين تتجه مآلات هذا الصراع؟

تود نيمس: منذ وصول الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى السلطة، تغيّرت الأوضاع بشكل كبير، وأصبحت المملكة أكثر انفتاحا، ورُفعت العديد من القيود والحواجز، وتشجّع اليوم الجهات الرسمية على حرية التعبير. الملاحظ كذلك أن السلطة لا تفرض على الناس تغيير أسلوب حياتهم، لكن تفسح لهم المجال لأخذ المبادرة بذلك، وعندما يحدث شيء مهم في المملكة يستحق حوارا واسعا ومستفيضا تفتح كل القنوات لذلك. هذا الأمر حيوي جدا لتطوّر المجتمع السعودي. أنا ممن يرفض الربط بين الحداثة والتغريب، وحتى تكون معاصرا، ليس بالضرورة أن تتشبه بالغربيين في لباسك ومشربك. كغربي يعيش في المملكة منذ عدة سنوات، أرى كل يوم تغييرا نحو الأفضل، والجميع يشعر بذلك، بل أستطيع القول إن عجلة التغيير في العربية السعودية هي أسرع بكثير منها في أي بلد آخر في المنطقة، لكن هذه الخطوات وهذه الإجراءات محسوبة بدقة، وتحاول الموازنة بين متطلبات العصر ومقتضيات وثوابت المجتمع، ولإدراك مدى هذه التغيرات يكفي النظر إلى الوراء قليلا.

أجرى الحوار عبدالحفيظ العبدلي – فريبورغ – swissinfo.ch

مسلسل ” Almost ” من إخراج كل من علي كلثمي وتود نيمس، وفي ما يلي تعريف بكل منهما:

علي كلثمي:
هو كاتب ومبدع من منطقة أزير الجبلية بجنوب المملكة العربية السعودية.

نشأ وترعرع في مدينة الرياض، وبدأ إعجابه واهتمامه بأغاني البوب بعدما تعلم اللغة الإنجليزية عبر الاستماع إلى الموسيقى الغربية ومشاهدة الأفلام الأجنبية.

ومنذ ذلك الحين تغيّر مجرى حياته، وأصبح يتهرب من أقسام الدراسة، ولا يشغله إلا ما ينمي مهاراته الإبداعية في مجال التمثيل، وقاده ذلك إلى اهتمام أوسع بالفن ومهارات الرقص، والموسيقى والكتابة.

وفي مسار آخر، انشغل الكلثمي بما يعيشه مجتمعه وجيل الشباب خصوصا من تغيرات وتحوّلات، خاصة بعد أن أصبح المجتمع السعودي يتجه أكثر فأكثر نحو الإنفتاح على العالم الخارجي.

في الوقت الحاضر، يعمل علي كلثمي مخرجا وكاتبا بالاشتراك مع تود نيمس لمسلسل Almost.

تود نيمس:
هو كاتب وموسيقي ولد بالظهران بالعربية السعودية في عائلة أمريكية مهاجرة، ودرس بالمملكة ثم سافر طويلا عبر منطقة الشرق الأوسط منذ صغره.

ولأنه يحب تنوّع الثقافات سافر إلى استراليا حيث أقام لفترة مع قبيلة من قبائلها الأصلية البدائية، ثم توجّه إلى كينيا، حيث تعرف ايضا على الثقافة الإفريقية، وتعلق بعض اللهجات القديمة.

بعد إكمال التعليم الثانوي إلتحق بجامعة أسترالية لدراسة الهندسة والثقافات العالمية، كما حصل على دبلوم جامعي في علوم الاتصالات من كولورادو بالولايات المتحدة.

إشتغل نيمس في هوليود طيلة خمس سنوات، أسس بعدها شركة خاصة هي “Aramco Brat Media”، وقد ساعدته تجربته في هوليود على الإنطلاق في عالم الإنتاج الفني بإخراج اوّل عمل حول شركته ذاتها سنة 2005، بالإشتراك مع ماثيو ميلر، وزاكاري نيمس، وقد حصل عمله هذا على العديد من الجوائز من القنوات التلفزية في أمريكا.

كذلك انتج نيمس العديد من الاغاني، نشرت في ألبوم يحتوي على 19 مقطع غنائي سنة 2009، كذلك أنتج في نفس الوقت أعمال غنائية أخرى لصالح مسرح هيوستن.

بعد عودته مرة أخرى إلى منطقة الشرق الأوسط، يشارك نيمس حاليا علي كلثمي إدارة وكتابة سيناريو مسلسل “تقريبا” Almost وقد لقي المسلسل منذ ظهوره العام الماضي نجاحا جماهيريا كبيرا.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية