مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“عـمـلٌ أقــلّ.. ومزيد من كرة القدم والمرح والحنان وموسيقى الروك اند رول”

لا يمكن وصف متحف نادي فريق "أف سي زيورخ" لكرة القدم بالتقليدي، ولكنه يعكس أكثر من ذلك فضاءً للإجتماع وصالة معيشة. Neil Barclay

يملك نادي "أف سي زيورخ" أو نادي زيورخ لكرة القدم منذ بضعة أيام متحفه الخاص، الذي يَستَذكر من خلاله تاريخ مسيرة رياضية تعُـود إلى 115 عاماً مَضت. ويعكس المتحف، الذي لا يقتصر على جمهور المشجِّـعين فقط، قصة نادٍ ومدينة وتطورات رياضية، بكل ما تحمله من نجاحات وإخفاقات.

وينفي سارو بيبي (39 عاماً)، مدير متحف وأرشيف نادي “أف سي زيورخ” في مقابلة مع swissinfo.ch أن يكون هذا هو المتحف الأول من نوعه في سويسرا بقوله: “كلا، إنه ليس المتحف الأول لكرة القدم في سويسرا، حيث لكلٍّ من نادي فريق “أف سي بازل” ونادي فريق “يونغ بويز” لكرة القدم، متحفهما الخاص،  غير أنّه المتحف الأول لكرة القدم في سويسرا، الذي يوظف فِـكرة إيجاد فضاءٍ للتلاقي. وكانت رغبتنا بإنشاء “صالة معيشة”، يمكن من خلالها الإقتراب من النادي والتعرف عليه، أكثر من مجرّد إيجاد متحف تقليدي لكرة القدم، لا يسمح بالإطِّـلاع على المعروضات إلا من خلال زجاجات خزائن العرض.

وبالفعل، يُمكن لـَمْـس مُـعظم الأغراض الموجودة في هذا المتحف، ولا توجد سوى معروضات قليلة داخل الخزائن، مثل كأس بطل سويسرا لكرة القدم للأعوام 1960-1976 والذي إنتقل إلى حوزة نادي “أف سي زيورخ” في عام 1976.

وخلال تلك “السنوات الذهبية”، هيْـمنت على الأحداث الرياضية أسماء شخصيات أسطورية في كرة القدم، من أمثال كوبي كوهن Köbi Kuhn وفريتس كونسلي Fritz Künzli وروني بوتيرون René Botteron.

تطوير الوعي التاريخي

ومن أجل جمع تذكارات حيوية للمتحف، تمّ توجيه طلب إلى بعض اللاّعبين السابقين في النادي. وقد تبَرَّع البعض منهم، مثل فيرنير لايمغروبر Werner Leimgruber الذي قاد الفريق خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي ببعض قِـطع الملابس الرياضية “الجيرسي” القديمة. وحول هذا الموضوع قال بيبي: “يشعر اللاعبون القُـدماء بالكثير من الإمتنان للإهتمام الحالي بتاريخهم وبما يلاقونه من تقدير”.

جدار للشهرة…

وعلى جدار يبلغ طوله 15 مِـترا، أطْـلِـقت عليه تسمية “جدار الشهرة”، يمكن رؤية أهَـم 35 شخصية في تاريخ نادي “أف سي زيورخ” لكرة القدم. وفي هذا السياق، يعلَّق مدير المتحف قائِلاً: “تم تكليفنا من قِـبل النادي بإنشاء (جدار للأبطال) أو ما يُـسمى بـ (جدار الشهرة) في المتحف. وكان مجرّد إختيار هؤلاء الأبطال، مهمّـة صعبة، إذ قد يختار أي شخص لاعبين آخرين”.

ويضيف بيبي: “لقد قُـمنا بِحَلّ هذه المشكلة بشيء من روح الفكاهة، وذلك من خلال المبالغة في الأحجام والنِّـسب، فكان كوبي كوهن الأكبر حجماً في موقع الوسط ومن حوله إنتشر لاعبون آخرون لنادي (أف سي زيورخ) وبأحجام تراوحت بين الأصغر والصغير جداً”.

وحسب بيبي، فقد حاول المتحف “عدم إبراز القِـصص البطولية للنادي فقط، ولكنه أظهر أيضاً ما مَـرَّ به من أحداث غريبة ومواقف مأساوية أحياناً”. وكان التركيز هنا على موضوع “الأخطاء الشرائية”، الذي علَّـق عليه مدير المتحف بالقول: “كان هناك لاعبون لم يلعبوا أكثر من 5 دقائق فقط وغيرهم ممَّـن عادوا أدراجهم بعد مباراتيْـن فقط، بعد الوصول إلى نتيجة وجود بعض المبالغة في تقدير “أوزانهم”، بالرغم من أن عملية شرائهم تمّـت على أساس كونِهم من كبار النجوم في الخارج”.

… و للعار أيضاً

وفي المتحف ذاته، يُـمكن العثور على حكايات سطَّـرتها المسيرة الطويلة لهذا النادي، حيث يظهر على ما أطلق عليه بـ “جِـدار العار”، الفصل المُظلم لبطل نادي “أف سي زيورخ” لكرة القدم كوبي كوهن مثلاً والذي تعكسه بالصورة الشهيرة التي يظهر بها بعَـتاده الرياضي الكامل كعضوٍ في فريق نادي “غراسهوبّـرز” (وهو النادي الكبير الثاني لكرة القدم في مدينة زيورخ – والعدو اللدود لـ “أف سي زيورخ”). وقد تمكن إيدي ناغلي، رئيس نادي “أف سي زيورخ” في ذلك الوقت من وقف إنتقال كوهن إلى هذا الفريق في آخر لحظة. كما يُـمكن رؤية صورة المدرِّب ريموندو بونتي الذي تمَّـت إقالته وهو يهْـرب من مقابلة الصحفيين من خلال نافذة حجرة تغيير الملابس.

مراجع اجتماعية وسياسية

وحول هذا الموضوع، يقول سارو بيبي: “تمثل كرة القدم جزءاً من تاريخ مدينة زيورخ، ولا يمكن النظر إلى هذه الرياضة بشكل مُـنعزل. وكان هناك دائمأ إرتباط بثقافة الشباب وحركاتهم، التي أنعكست أيضاً على أرض الملعب في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي”.

ومؤخراً، تمّ تسجيل آخر إحتجاجات المشجّـعين أيضاً. كما جرى في التحرّك الذي حدث في العام المُنصرم، عندما طالب المشجّـعون بتوفير أماكن للوقوف في الملعب وعبَّـروا عن رغبتهم هذه من خلال قيامهم بتفكيك بعض مقاعد الملعب قبل بداية إحدى مباريات الإياب لفريق نادي “أف سي زيورخ”. وقد وعدت مدينة زيورخ – باعتبارها الطرف المالك للملعب – بعد ذلك بتوفير أماكن لوقوف المتفرّجين في حالة إنشاء ملعب رياضي مُحْتمل جديد.

وماذا عن الحكاية القديمة التي تصف نادي “أف سي زيورخ” بكونه “نادي العمّال” و”نادي اليسار”، في حين يوصف النادي الكبير الثاني “غراسهوبّـرز” بـ “نادي الأغنياء” أو “نادي اليمين”؟

هنا يجيب بيبي بالقول: “في زيورخ ليس بالإمكان الحديث عن نادي (غراسهوبّـرز) كنادٍ للرؤساء ووصْـف نادي (أف سي زيورخ) كنادٍ للعمّال، مع أن نادي (غراسهوبّـرز) كان النادي المُخَصَّـص للطبقة الغنية، في حين كان نادي (أف سي زيورخ) هو نادي الجميع. ولكن الأخير لم يكن ذا ميول يسارية بشكل خاص، فقد كان بكلِّ بساطة النادي الذي يضم الجميع من عمّال ورجال أعمال وأطفال وكلّ سكنة أحياء المدينة المختلفة، وهكذا فإن هذه الحكاية القديمة ليست صحيحة حقاً”.

المشجعون وغيرهم

ونقلاً عن مدير متحف نادي “أف سي زيورخ”، فإنَّ مفهوم “نادي جميع الناس” ينطبِـق على هذا المتحف أيضاً. وحسب تعبيره، فإن “المقصود بالدرجة الأولى من النادي، هو أن يكون فضاءً يُمَكّـن مشجعيه من الدخول في حوار مع النادي. كما يُمكِن لهؤلاء المشجعين تزويدنا بالمزيد من المواد التي يمكن عرضها على الجدار الخاص بمقالات المشجعين وصورهم. وفي الوقت نفسه، نود أن نُشير إلى إمكانية أن يكون متحف كرة القدم مثيراً حتى لهؤلاء الأشخاص الذين لا يملكون إهتماماً خاصاً بكرة القدم”.

ويختتم سارو بيبي حديثه بالقول: “لقد جاء بعض اللاعبين بالفعل إلى هنا، حيث قاموا بتخليد أنفسهم على جدار اللاّعبين بصورة شخصية. وقد كتب اللاعب التونسي ياسين الشيخاوي إسمه باللغة العربية، وهو ما يبدو أصيلاً بالطبع. وفي إعتقادي، فقد خلَّف المتحف إنطباعاً إيجابياً لدى اللاعبيَن الإثنين أو الثلاثة الذين أتوا لزيارته”.

ومن ناحيته، لم يُخفِ أنسيلو كانيبا، رئيس نادي “أف سي زيورخ” إعجابه الشخصي الشديد بالمتحف بل ذهب إلى حد القول: “إنَّه المتحف الأكثر إثارة في مدينة زيورخ!”.

بلغت تكاليف الإستثمارفي المتحف نحو 350,000 فرنك. وقد تم تمويل جزء من هذا المبلغ بشكلٍ مبدئي من نادي “أف سي زيورخ”، في حين ساهم بعض الراعين في تمويل الجزء الباقي.

 
وفقاً لمدير المتحف سارو بيبي، تتراوح تكاليف التشغيل السنوية للمتحف بين 200,000 و250,000 فرنك سويسري، وهي تشمل تكاليف الفضاء وأجور العاملين والمعارض الخاصة.

ينبغي للمتحف أن يكون ذاتيّ الدعم، ولهذا الغرض سيتم تأسيس مؤسسة يُـطلق عليها إسم “مؤسسة متحف نادي “أف سي زيورخ”.


طبقاً لسارو بيبي، مدير المتحف، فإن هذا المشروع عبارة عن مؤسسة مستقلة وهوغير ملحق بالنادي أو بالشركات المساهمة بشكلٍ مباشر.

يأمل نادي “أف سي زيورخ” من خلال هذه المؤسسة بالحصول على جهات مانحة يمكن أن تدعم المتحف بشكلٍ دائم.

في عام 1968، إستضاف الأسطورة البرازيلي السابق لكرة القدم بيليه خلال جولة في أوروبا مع ناديه “سانتوس”، مباراة ودّية ضد نادي “أف سي زيورخ” في ملعب ليتسيغروند في مدينة زيورخ. وكان الفوز المذهل في هذه اللعبة من نصيب الفريق السويسري “غير المرجح” الذي قاده كوبي كوهن وقتئذٍ وبنتيجة 5-4.


وفي يوم 25 مارس، طلب بيليه من خلال رسالة فاكس شخصية أن يكون عضواً في نادي “أف سي زيورخ” للموسم 1998/1999. وكان غويدو توغنوني، المتحدث السابق للنادي والذي كان يعرف اللاعب بيليه عندما كان عضواً في الإتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) وراء ترتيب هذا الحدث. وجميع هذه المعلومات موثقة في متحف نادي “أف سي زيورخ”.


وهناك نجم برازيلي آخر خلَّده المعرض من ضمن أفضل لاعبي كرة القدم في العالم، ألا وهو رونالدينو، الذي نجِـد قميصه الرياضي معلّـقاً في المتحف، بإعتباره قطعة عرض مميزة.

وكان فريق نادي “أف سي زيورخ” قد فاز بشكلٍ غير متوقع وبنتيجة 1 مقابل صفر ضد أشهر نادٍ لكرة القدم على نطاق وطني ودولي، ألا وهو نادي “أي سي ميلان” في دوري أبطال أوروبا الذي أقيم في عام 2009. وكان هذا واحدا من أكبر الإنتصارات التي حققها نادٍ سويسري لكرة القدم على الإطلاق. ولكن قميص رونالدينو المعروض في المتحف لا يعود إلى هذه المباراة، بل إلى مباراة كأس الإتحاد الأوروبي لكرة القدم (UEFA)، التي دارت بين فريق نادي “أف سي زيورخ” مع “أي سي ميلان” في عام 2008.

وقد ترك رونالدينيو في هذه الأثناء نادي “أي سي ميلان” وعاد إلى موطنه البرازيل.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية