مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الغرب يدقّ طبول الحرب ضد الإرهاب في غياب سويسري ملحوظ

بعد الهجوم الكاسح الذي سمح لها بالسيطرة على مدينة الموصل شمال العراق في شهر يونيو 2014، استولت ميليشيات "الدولة الإسلامية" على أسلحة ثقيلة وتجهيزات عسكرية حديثة خلفتها وراءها القوات العراقية المنسحبة. Keystone

 مع مرور الوقت، يزداد انخراط الدول الغربية في الكفاح المسلّح ضد "الدولة الإسلامية" (داعش سابقا)، إما من خلال الضربات الجوية، أو عبر تقديم أسلحة إلى مناوئيها. أمّا سويسرا فتتمسّك بمبدأ الحياد، وتقصر مشاركتها على المساعدات والمعونات الإنسانية، أو بالإنخراط في العمل من خلال المنظمات الدولية. بهذا تتصرّف سويسرا بطريقة سليمة، على حد وصف أحد الخبراء السويسريين في قضايا المنطقة.

ووفقا لما صرّح به باراك اوباما خلال قمة الناتو الأخيرة، لا تشكّل “الدولة الإسلامية” تهديدا للعراق ولسوريا فقط، ولكن أيضا للدول الغربية. فالولايات المتحدة التي تقاتل هذه المليشيا منذ عدة أسابيع من خلال توجيه ضربات جوية، تريد الآن انشاء تحالف دولي لدعمها في هذه المهمة.

ويدرس رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون احتمال توجيه ضربات جوية أيضا لهذه المليشيا. وبداية شهر سبتمبر، وافقت الحكومة الالمانية بدورها على تسليم معدات عسكرية (أسلحة مضادة للدبابات، ورشاشات، وبنادق هجومية، وقذائف صاروخية، وذخائر ومركبات) لقوات البيشمركة الكردية التي تواجه مقاتلي “الدولة الإسلامية” في شمال العراق. وهذه هي المرة الاولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية التي تقوم فيها ألمانيا بإرسال معدات حربية إلى مناطق تشهد نزاعا مسلحا.

أوباما يأمر بتنفيذ ضربات جوية في سوريا ضد تنظيم “الدولة الاسلامية”

في كلمةرابط خارجي ألقاها يوم 10 سبتمبر 2014، قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنه سيجيز للمرة الأولى شن ضربات جوية في سوريا وشن المزيد من الهجمات في العراق في تصعيد واسع لحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وقال أوباما في كلمته التي استمرت 13 دقيقة إنه سيُلاحق متشددي الدولة الإسلامية “أينما كانوا” في حملة لإضعاف الجماعة التي استولت على قطاعات واسعة من العراق وسوريا وتدميرها في نهاية الأمر.

وأضاف “هذا يعني انني لن أتردد في اتخاذ اجراء ضد تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وأيضا في العراق. هذا مبدأ أساسي لرئاستي: اذا هددت أمريكا فلن تجد ملاذا آمنا.”
وطلب أوباما من الكونجرس الموافقة على تخصيص 500 مليون دولار لتدريب وتسليح مقاتلي المعارضة “المعتدلين”. وسيتم التدريب في المملكة العربية السعودية.

لكن الامر مختلف بالنسبة لسويسرا. إذ في ردّ مكتوب تلقته swissinfo.ch أوضحت وزارة الخارجية أن سويسرا أيضا “تدين بكل قوّة هذه الأعمال الوحشية”، وأنها “تتعامل مع مسألة الدولة الإسلامية وفقا لالتزاماتها الدولية”. ولكن من دون اللجوء إلى القوة. وتقول وزارة الخارجية إن “القوانين المنظمة للعتاد الحربي لا تسمح بتجارة الأسلحة مع أي بلد أجنبي إذا كان طرفا في نزاع مسلّح”.

 هل ينبغي تسليم أسلحة أم لا؟

ولكن ما هو الصحيح من وجهة النظر الأخلاقية؟ كان جواب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في مورد تبريرها لتسليم الأسلحة الألمانية إلى الأكراد ما يلي: “الذي يسلّم أسلحة عليه أن يتحمّل تبعات ذلك. ولكن من يُحجم عن فعل ذلك، يتحمّل أيضا مسؤولية. هل يجب تزويد أكراد شمال العراق بأسلحة تسمح لهم بالتصدّي لإرهابيين مجهّزين بعتاد متطوّر جدا أم يجب علينا التمسك بمبدإ النزاعات يجب ان تحلّ بطرق سلمية وليس عسكرية؟”

يعترف البروفيسور رينهارد شولتزه، الخبير الألماني الأصل في الشؤون الإسلامية الذي يدرّس في جامعتيْ برن وفريبورغ بوجود “ارتباك عام في اختيار الإستراتيجية الأفضل للتعامل مع هذا الوضع. نحن أمام وضع لم يسبق له مثيل حتى الآن”. ثم يضيف: “من وجهة نظر أخلاقية، ينبغي أن نفعل ما هو ممكن لوضع حد لتصرّفات القتلة التابعين لـ “الدولة الإسلامية”، ولكن علينا أن نكون على بيّنة من العواقب التي قد تنجر عن أي عمل عسكري”.

المزيد

يُضاف إلى ذلك أن ألمانيا تريد أن تدعم بالأسلحة قوات البيشمركة، ولكنها لا ترغب في أن تصل تلك المعدات الحربية إلى متمردي حزب العمال الكردستاني (PKK)، مما يطرح السؤال هل أن أولئك الأكراد أكثر سوءً مقارنة بالآخرين. وهذا ما يجعل شولتزه يقول: “هنا تكمن المشكلة بالضبط. يتعيّن علينا أن نبني تحالفات مع شركاء موثوق بهم في المنطقة. ولكن تحديد هؤلاء الشركاء الذين ينسجمون بطريقة أو بأخرى مع التوجهات السياسية للبلدان الغربية ليس أمرا هينا”.

لكن رينهارد شولتزه هو الآخر ليس له حل جاهز لكيفية مواجهة إرهاب “الدولة الإسلامية” من دون اللجوء إلى القوة. وبالنسبة إليه لابد من الإختيار بين شريْن. التدخّل العسكري هو أيضا مشكلة لأنه “سيوفّر أسباب النجاح لدعاية “الدولة الإسلامية”، وسيسمح لها بتقديم نفسها على أنها قوة الإسلام الحقيقية التي تقف ضد الغرب”.

حالات استثنائية

تدرك أنجيلا ميركل هي الأخرى أن هذا الصراع لا يمكن حله عسكريا، وأن المفتاح لتهدئة الأوضاع في العراق يكمن في عملية سياسية “تشارك فيها جميع طوائف الشعب العراقي” بحسب المستشارة، التي تعتقد أنه “توجد بعض الحالات الإستثنائية يؤدّي فيها استخدام القوة إلى فتح أفق سياسي من جديد”.

وقد يكون أيضا من مصلحة سويسرا أن تشنّ بلدان أخرى عملا مسلحا ضد “الدولة الإسلامية”. فالحكومة السويسرية تسجّل زيادة في أعداد المسافرين إلى مناطق في العراق وسوريا يُُسيطر عليها جهاديون. ولا تستبعد وزارة الخارجية السويسرية احتمال وجود “جهاديين لهم ارتباط ما بسويسرا متورطين في تنظيم وتنفيذ هجمات حتى خارج مناطق النزاع”.

ووفقا لجهاز الإستخبارات السويسري، يتواجد حوالي “40 جهاديا من سويسرا في الصومال وأفغانستان واليمن والعراق وسوريا. وحاليا، الهدف المفضّل للمقاتلين هو الجهاد في سوريا”، كما أن “البعض من هؤلاء يشكلون خطرا محتملا عند عودتهم”، وفقا لوزارة الخارجية.

في السياق، أدرجت سويسرا هذا الموضوع على الأجندة السياسية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، التي تترأسها حاليا. وعلاوة على ذلك، ودائما وفقا لوزارة الخارجية، أيّدت سويسرا عقد جلسة خاصة لمجلس حقوق الإنسان التابع للامم المتحدة بجنيف. وفي جنيف أيضا، تم تكليف المفوّض السامي لحقوق الإنسان بفتح تحقيق بشأن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها مقاتلو “الدولة الإسلامية”. 

لننتظر ونرى؟

يبقى أن نرى ما إذا كانت “الدولة الإسلامية” ستقيم اعتبارا لهذه التدابير. أوباما، وكاميرون، وميركل، وشركاؤهم ينتابهم شك في ذلك. وترد المستشارة الالمانية على القائلين بضرورة إيجاد حل من خلال المرور عبر بوابة الأمم المتحدة: “هل بإمكاننا أن نكتفي بالإنتظار والأمل أن يتولى غيرنا تبديد هذا الخطر المحدق؟ لا. هذا الموقف لا يتناسب مع مفهومنا لمعنى المسؤولية”. 

المساعدات السويسرية

هذا العام، خصصت سويسرا حتى الآن 8.6 مليون فرنك لدعم منظمات شريكة لها (اللجنة الدولية للصليب الاحمر، والفرع السويسري لمنظمة حماية الأطفال، والمجلس النرويجي للاجئين)، وجميعها تعمل لصالح النازحين والمشرّدين في العراق.

علاوة على ذلك، تم إرسال ثلاثة خبراء من “هيئة المساعدة السويسرية في مجال مكافحة الكوارث” إلى شمال العراق للإسهام في جهود الأمم المتحدة هناك. ووفقا لمصادر وزارة الخارجية، يجري حاليا دراسة إمكانية إرسال موظفين إضافيين إلى نفس المنطقة.

منذ مارس 2011، تاريخ اندلاع الإحتجاجات ضد النظام القائم في سوريا، بلغت قيمة المساعدات التي قدمتها سويسرا لفائدة ضحايا الحرب الأهلية في البلاد زهاء 85 مليون فرنك. 

وما هو مفهوم المسؤولية المعتمد في سويسرا؟ واحدة من الركائز الأساسية لسياسة سويسرا الخارجية هو مبدأ الحياد. وهذا يعني أن أي دولة لا يجب أن تكون طرفا في نزاعات مسلحة بين دول أخرى. ولكن هل هذا مبرر كاف لتترك للآخرين مهمّة وقف الرعب الذي تسبب فيه جماعات إسلامية؟

بالنسبة لهذه النقطة يقول رينهارد شولتزه: “لا أعتقد أن هذا مبرر كاف، لكي لا تشارك سويسرا في تقديم الدعم العسكري للأكراد أو للحكومة العراقية أو حتى لنظام بشّار الأسد الذي هو في طليعة المتصدين لمليشيات الدولة الإسلامية. لقد وضع الغرب نفسه على الهامش من خلال ردّ فعله الخاطئ على الربيع العربي، خاصة في سوريا”.

ويقول هذا الخبير الجامعي: “لقد فوّتنا فرصة اتخاذ تدابير هيكلية كان بالإمكان أن تؤدي إلى الإستقرار أو حتى إلى سقوط النظام السوري”، ويضيف: “لقد كانت تلك زلّة كبيرة. قوّضت تماما الموقف الأخلاقي للغرب في نظر العالم العربي. على الأقل بعد الهجمات الكيميائية في دمشق”.

 مسألة الحدود

ومن وجهة نظر الخبير شولتزه، فإن إحدى الوسائل للخروج من الفوضى، يمكن أن تمر عبر “تعديل خطوط الحدود القديمة بين العراق وسوريا، وإنشاء وضع جديد يوفّر قدرا أكبر من الإستقلال والحكم الذاتي لمناطق معينة”، حسب قوله.

ويوضّح ذلك قائلا: “بإلإمكان أن نتصوّر مثلا دولة سنيّة تمتد في مناطق عراقية – سورية، حيث يكون بإمكان النخب المحلية ورجال القبائل مقاومة هيمنة رجال “الدولة الإسلامية” البالغ عددهم 40.000 فرد، أي ما يمثّل 0.5% من السكان”.

لكن الدبلوماسية الدولية الملتزمة إلى حد كبير بمبدأ حرمة المساس بالحدود، لا تزال بعيدة عن تصوّر هذا النمط من الحلول. ولا يتوقّع أن تخالفها وزارة الخارجية السويسرية في ذلك، حيث جاء في رد الوزارة: “بموجب القانون الدولي، لابد من احترام سيادة وسلامة أراضي الغير”.

(نقله من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية