مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

طهران وموسكو “تتوجّعان” .. وواشنطن تعتبر أن الوقت “يعمل لصالحها” في سوريا

صورة وزعتها وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) يوم 18 يناير 2015 لمجموعة من العائلات السورية وهي تنال نصيبا من الراحة في مركز انتظار مؤقت بعد إجلائها من غوطة دمشق التي لا زالت المعارك مستمرة فيها بين القوات النظامية ومقاتلي المعارضة. Keystone

يبدو المشهد في سوريا هذه الأيام سريالياً بالكامل: فروسيا، التي يُفترض أنها دولة كبرى لاتتحرَّك جزافا، تُطلق مبادرة سياسية لحل الأزمة السورية، سرعان ما يتبيَّن أنها طائرة بلا محركات، وأيضاً بلا "ركاب" تقريباً، بعد أن رفضت أو تحفظت أبرز قوى المعارضة السورية الرئيسة المشاركة فيها.

وإيران، الحليف الأول للنظام السوري، تشجِّع النظام السوري على التصلب حيال مؤتمر موسكو المفترض، على رغم أنها تعاني في سورية من حالة استنزاف خطيرة كان يفترض أن يدفعها إلى الجنوح نحو السلام. لكنها لاتفعل، بل تواصل المكابرة ومناطحة الرياح العاتية.

وتركيا والسعودية، اللتان لم تتخذا موقفاً واضحاً من مؤتمر موسكو، تبدوان هما أيضاً محبطتين، سواء بسبب رفض الولايات المتحدة حسم الأمور في سورية لصالحهما، كما كانتا تتوقعان، أو لعدم قدرتهما على الحسم بنفسيهما. وهذا أيضاً ما كان يجب أن يدفعهما إلى البحث عن مخارج سياسية للأزمة السورية. لكنهما لاتفعلان، بل على العكس تنشطان لخوض غمار مرحلة جديدة من هذا الصراع الدموي.

ثم هناك النظام السوري والمعارضة. فالأول، فَقَدَ كلياً تقريباً أي قرار مستقل له وبات يعيش بشكل دائم في غرفة العناية الفائقة الإيرانية. لكن، وعلى رغم إدراكه بأنه بات من المستحيل عليه إعادة إنتاج نفسه كما كان قبل الأزمة حتى ولو مُعدلاً، إلا أنه لايزال يتصرف وكأن شيئاً لم يتغيّر، رافضاً حتى مجرد التفكير بتسوية داخلية تنقذ البلاد والعباد، وحتى تنقذه هو نفسه.

أما الطرف الثاني، أي المعارضة، فهي لا تزال أشتاتاً، تتوزع خارجياً على المحاور الإقليمية (تركيا، قطر، السعودية، والآن مصر)، فيما هي في الداخل تكاد تنقرض عسكرياً مع انحسار مواقع الجيش السوري الحر تدريجيا.

من الـــرّابـح في هذا الخضم؟

هذه اللوحة قد تشي بأن الكل خاسر من استمرار النزاع، ومع ذلك يُواصلون الحرب. 

الكل خاسر؟ حسناً. ليس تماما.

الولايات المتحدة، على سبيل المثال، تبدو رابحة من كل الوجوه تقريبا. فهي سعيدة لأن ترى خصمها الإقليمي الأول، إيران، تتلظى بالنار السورية وتستنزف مواردها المالية ورصيدها الإيديولوجي والسياسي. وهي أسعد لأن تشاهد خصمها الدولي الأول، روسيا، تتخبط خبط عشواء في بلاد الشام، في وقت كان مشروعها الإستراتيجي الخاص بإعادة إحياء الدولة العظمى السوفيتيية (عبر مشروع الإتحاد الأوراسي) يتآكل في أوكرانيا ويتضعضع في كازاخستان وروسيا البيضاء.

واشنطن تعتبر أن سوريا باتت بمثابة “ثقب أسود” فضائي يمتص طاقات روسيا وإيران، ويستنزف مواردهما المالية والأخلاقية. فلماذا يمكن أن تفكر بتسوية تسهّل على هذين “الذئبين الجريحين” (بالنسبة إليها) الشفاء؟

وثمة مستفيد آخر إلى جانب أمريكا: داعش والنصرة، اللتان يبدو أن “الحظ” لايزال يبتسم لهما. فالنظام السوري شجّع وسهّل بروزهما على الساحة للقول بأنه كيان علماني يقاتل الإرهاب الأصولي وليس معارضة شعبية إصلاحية. وهذا منطق جارته فيه إيران، وما لبثت أن دفعت ثمنه الفادح في العراق. وفي الوقت نفسه، كانت كلٌ من قطر والسعودية وتركيا تلعب “الكارت الأصولي” لأغراض شتى، لكن كل ذلك صبّ في نهاية المطاف في صالح المشروع “الداعشي – النصوري”.

وإذا ما أضفنا إلى كل ذلك الأفخاخ التي تحفرها الدولتان الكبريان، أميركا وروسيا، لبعضهما البعض في سوريا، فسنرى بوضوح مدى الفراغ الشاسع الذي تم خلقه كي تملؤه داعش والنصرة. وهذه الحصيلة واضحة حتى من دون الحاجة إلى استحضار روح فكرة المؤامرة، التي تزعم أن الغرب شجَّع بروز داعش والنصرة كي يخلق لشعوبه عدواً جديداً يلتف ضده بدل الشيوعية. (كما فعل في الستينيات حين أنشأت “السي.أي. آي” للأهداف نفسها 90 في المائة من المنظمات اليسارية المتطرفة).

قوى سورية مُعارضة تلتقي في القاهرة للتباحث بشأن لقاء موسكو

بدأ ممثلون عن المعارضة السورية يوم الخميس 22 يناير في القاهرة اجتماعا للتباحث بشأن التوصل الى رؤية موحدة للمعارضة من بينها تحديد موقف من حضور “اللقاء التشاوري” الذي دعت اليه روسيا في نهاية شهر يناير الحالي مع نظام الرئيس السوري بشار الاسد.

ودعت موسكو شخصيات من الحكومة السورية و28 شخصية من المعارضة بينها الرئيس السابق للإئتلاف هادي البحرة واحمد معاذ الخطيب وعبد الباسط سيدا اللذان ترأسا الائتلاف في وقت سابق ايضا، الى لقاء في موسكو بين 26-29 في يناير بهدف ايجاد حل سياسي للازمة في البلاد المستمرة منذ نحو اربع سنوات وخلفت اكثر من 200 الف قتيل.

وحضر ممثلون عن هيئة التنسيق لقوى التغيير الديموقراطي، ابرز قوى المعارضة السورية في الداخل، وخمس شخصيات من الإئتلاف السوري بينهم احمد الجربا رئيس الائتلاف السابق لكنه لا يمثل الائتلاف رسميا كذلك شخصيات سورية مستقلة الجلسة الافتتاحية للاجتماع الذي يستضيفه “المجلس المصري للشؤون الخارجية”، وهو مركز ابحاث مصري مستقل معني بالسياسة الخارجية.

واستغرقت الجلسة الإفتتاحية نحو عشر دقائق وستتبعها جلسات مغلقة على مدى اليومين المقبلين في مقر المجلس.

وأعلنت دمشق استعدادها للمشاركة في اللقاء مع المعارضة السورية معلنة أن نجاح لقاء موسكو يتوقف على ما ستقدمه المعارضة. وأعلن الائتلاف السوري المعارض على لسان رئيسه الجديد خالد خوجة رفضه المشاركة، بينما أعلنت بعض الشخصيات في الداخل مشاركتها وتريثت أخرى.

(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 22 يناير 2015)

مؤتمر موسكو

نعود الآن إلى مؤتمر موسكو. هذا المؤتمر يُفترض أن يعقد بين 26 و29 من شهر يناير الحالي. وقد وجَّهت الحكومة الروسية الدعوات إلى نحو 30 شخصية سورية في الداخل والخارج للمشاركة فيه على أساس بيان جنيف-1.

بيد أنه سرعان ما اتضح أن روسيا تسرعت كثيراً في إطلاق مثل هذه المبادرة، من دون أن توفّر لها بعض فرص النجاح. وهذا تجلى ليس فقط في رفض أبرز قادة المعارضة الحضور، بما في ذلك “الحمامة” معاذ الخطيب، بل أيضاً في الشروط المتصلبة التي وضعتها طهران ودمشق على الأطراف التي يجب أن تشارك فيه، والتي تؤدي عملياً إلى محاورة النظام السوري لنفسه في موسكو.

مع ذلك، لم يكن هذا السبب الوحيد لتعثر المؤتمر حتى قبل انعقاده. هناك ما هو أهم. إذ كان يُفترض أن تمر المبادرة الروسية في واشنطن قبل تنقَّلها في باقي عواصم العالم، كي تكون لها أي فرصة للنجاح (كما حدث في مؤتمر جنيف-1 ).

أما لماذا لم تُقدم موسكو على التنسيق مسبقاً مع واشنطن، واكتفت بنيل “مباركة” وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لها من بعيد، فهذا ربما يعود على الأرجح إلى سببين:

الأول، إدراك وزير الخارجية لافروف، كما ألمح قبل أسبوعين، بأن الولايات المتحدة لاتبدو مستعدة لاستئناف الحوار بشكل جدي مع موسكو حول الأزمة السورية. ولذا، رأت هذه الأخيرة أنه من الأفضل أن تجرّب حظها بنفسها، مستفيدة من حالة الضياع التي تعيشها أطياف المعارضة السورية وداعميها الإقليميين.

والثاني هو ما ذكره دبلوماسي غربي بارز في نيويورك (يُعتقد بأنه كيري) من أن روسيا سارعت إلى إطلاق هذه المبادرة “لأنها تعلم أن كلفة دعمها للأسد أصبحت مرتفعة للغاية”، وبالتالي فهي في حاجة إلى توفير مخارج ما. وهذا استنتاج يبدو صحيحا، لأن كلفة الحرب لم تعد قصراً على نفقات الدعم العسكري لدمشق، بل أضحت (وهنا الأهم) تتعلق بإدخال “سلاح النفط” إلى معادلات الصراع. وهذا بالتحديد ما كانت تخشاه موسكو. فقبل سبعة أشهر من الآن، حذرت صحيفة برافدا الروسية في عنوان عريض تصدر صفحتها الأولى من “مؤامرة أمريكية – سعودية لإفلاس الاقتصاد الروسي” عبر خفض أسعار النفط.

هذا التحذير تحوّل الآن إلى نبوءة ذاتية التحقق، الأمر الذي سيفرض على روسيا من الآن فصاعداً التفكير بمصالحها القومية الداخلية، قبل المضي قدماً في لعبة مناطق النفوذ في الخارج، وخاصة في سوريا، لأن نصف ميزانيتها تعتمد على واردات النفط والغاز.
وما يسري على روسيا ينسحب من باب أولى على إيران، التي تعتمد 70 في المائة من ميزانيتها على دخل النفط الذي انخفضت أسعاره مؤخراً إلى ما دون الخمسين دولاراً (بعد أن كان قبل أشهر يناهز الـ 115 دولارا). وإذا ما أضفنا إلى ذلك الحقيقة بأن إيران تتكلف سنوياً 20 مليار دولار في سوريا (وفق أرقام حديثة أوردتها الفايننشال تايمز)، لأدركنا مدى عمق الأزمة التي تعيشها الجمهورية الإسلامية هذه الأيام بسبب الحرب السورية والأكلاف الإقليمية والخارجية الأخرى.

لكن، وعلى رغم كل هذه المعطيات، لاتزال إيران وروسيا، كما أسلفنا، تبديان مواقف متصلبة، على الأرجح لأنهما لا تزالان تراهنان على استخدام الأزمة السورية كورقة تفاوض مع واشنطن. لكن، إذا كان هذا هو الحال فهما مخطئتان. فالولايات المتحدة تعتبر أن الوقت يعمل لصالحها في سوريا. وبالتالي، فهي ليست على عجلة من أمرها لا الآن ولاغداً ولابعد غد لإيجاد حلول هناك، إلا إذا ما تطلبت حربها الخاصة ضد الإرهاب لاحقاً ذلك.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية