مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الحلف الأطلسي يسعى إلى انعطاف في علاقاته مع الخليج

من اليسار إلى اليمين: يانس ستولتنبرغ، الأمين العام لمنظمة الحلف الأطلسي وحمد بن علي العطية، وزير الدفاع القطري وخالد بن أحمد آل خليفة، وزير الخارجية البحريني يتبادلون أطراف الحديث قبيل انطلاق الجلسة الإفتتاحية للإجتماع الذي انعقد يوم 11 ديسمبر 2014 في الدوحة. Keystone

شهدت العلاقات بين الحلف الأطلسي والدول العربية في الخليج انعطافا حاسما في الفترة الأخيرة، مع الإجتماع الذي ضم الأمين العام للحلف إلى جانب وزراء دفاع وخارجية وقادة عسكريين من أربعة بلدان خليجية، في العاصمة القطرية الدوحة يوم 10 ديسمبر 2014.

وتزامن هذا الإنعطاف مع نهاية مهمة الحلف، نظريا، في أفغانستان أواخر العام الجاري بقيادة الولايات المتحدة، تلك النهاية المعجونة بدماء ثلاثة عناصر من القوة الدولية، قضوا منذ أيام في كابول خلال هجوم استهدف “القوة الدولية للمساعدة على إرساء الأمن في أفغانستان”. رابط خارجي

هذا التزامن دعا المراقبين إلى التساؤل عن احتمال نقل الوجود العسكري للحلف من أفغانستان إلى الشرق الأوسط، للمشاركة في الحرب على مشتقّات تنظيم “القاعدة”، وأساسا تنظيم “الدولة الإسلامية (داعش سابقا) و”جبهة النصرة” في سوريا والعراق.

من أفغانستان إلى الخليج؟

بعد اجتياح أفغانستان في خريف عام 2001 والإطاحة بنظام طالبان إثر هجمات 11 سبتمبر، تمركز في قاعدة “باغرام” السوفييتية سابقا، ثلاثون ألف عسكري ومدني من الحلف الأطلسيرابط خارجي، معظمهم من الأمريكيين. وفي السنوات الأخيرة تراجع العدد مع الإنسحاب التدريجي للقوات، وسيقتصر الوجود العسكري الأجنبي على ستة آلاف جندي أمريكي في العام المقبل.

ومع حلول عام 2016 سيقتصر الوجود العسكري الأمريكي في هذا البلد الآسيوي على السفارة في كابول، بعد رحيل آخر القوات القتالية من هذا البلد… نظريا. فهل ستنتقل تلك القوات، إذا ما غادرت فعلا، من أفغانستان إلى الخليج للمشاركة في الحرب على “داعش” و”جبهة النصرة” في سوريا والعراق؟

مناسبة اجتماع الدوحة، كانت الإحتفال بالذكرى العاشرة لإطلاق “مبادرة اسطنبول للتعاون”رابط خارجي التي أرست علاقات وثيقة بين حلف شمال الأطلسي وكل من البحرين والكويت والإمارات وقطر، فيما فضّلت كل من السعودية وسلطنة عُمان التعاون مع الحلف عبْر القنوات الثنائية. 

لكن سياق الإجتماع وفحواه أظهرا أن الأمر لم يقتصر على مناسبة احتفالية، إذ أكد الأمين العام للحلف يانس ستولتنبرغ Jens Stoltenberg في الخطاب الذي افتتح به الاجتماع أن “من المهم أن تلعب دول الأوبك (لاحظ التركيز على عنصر النفط) والقوى الإقليمية الأخرى، دورا في التصدي للمتطرفين”. وقال أيضا “إنها (أي الشراكة) لأمر حيوي لاعتبارات عسكرية، بحُكم الفوائد التي تجنيها منها دول الخليج، ولكن أيضا لأسباب سياسية لإظهار أن الغرب لا يُملي إرادته على الآخرين”. 

واعتبر ستولتنبرغ أن “مبادرة اسطنبول للتعاون”، أرسلت إشارات قوية، مفادها أن أمن منطقة الخليج واستقرارها مهمّان لحلف “الناتو”.

وتجاوب وزير الدولة القطري للدفاع اللواء حمد بن علي العطية مع هذا الطرح، حين شدد بدوره على الخطر الذي بات يُمثِّله تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش سابقا) والمنظمات المتطرِّفة الأخرى والذي يتطلّب، بالإضافة للعمليات العسكرية، وضع استراتيجيا بيِّنة المعالم لإعادة الاستقرار إلى سوريا وإيجاد آلية واضحة وشفّافة من كل النواحي لمساعدة “الجيش الوطني الحُر” والعمل سوية من أجل إخراج سوريا من أزمتها الراهنة”، على حد قوله. 

كما أكد العطية في السياق نفسه على ضرورة “إعادة بناء قدرات القوات العراقية ووقف تدفق المقاتلين الأجانب على سوريا والعراق وتجفيف ينابيع الدعم المالي لـ “الدولة الاسلامية” والجماعات الإرهابية الأخرى”. 

بهذا المعنى، يُمكن القول أن اجتماع الدوحة شكّل لحظة مهمّة في إعادة صوغ الشراكة العسكرية بين دول الخليج والحلف الأطلسي، في ضوء المستجدات التي عصفت ببلدين رئيسيين في المنطقة (العراق وسوريا) من أجل العمل على وقف تمدّد التنظيمات المتشدّدة جنوبا، أي نحو بلدان الخليج. 

مصالح مشتركة

من هذه الزاوية، يمكن أن نفهم تحذير العطية من الوضع المُتدهوِر في كلٍّ من اليمن وليبيا، و تشديده على “المصالح المشتركة” بين الأطلسي وحلفائه التي تقتضي برأيه “زيادة التعاون بين الحلف وأطراف “مبادرة اسطنبول للتعاون” من أجل إنهاء النزاعات في تلك البلدان، متى ما لعب الجانبان دورا أكبر في مجابهة تلك التحديات”، حسب رأيه.

ترافق ذلك مع الطلب الذي تقدّمت به الحكومة العراقية إلى الحلف الأطلسي، من أجل مساعدتها على بناء قدراتها العسكرية. ولم يُفوت يانس ستولتنبرغ الفرصة في اجتماع الدوحة، فرد على الطلب مُبدِيا استعداد الحلف “لتأمين الخِبرات والدعم والإستشارة للدول، لبناء دفاعها وقدراتها الأمنية”، مؤكّدا أن “الحلفاء سيُراجعون هذا الطلب بالتنسيق الوثيق مع السلطات العراقية والتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية”. 

والملاحظ، أن ألمانيا التي كانت تتفادى إرسال قواتها إلى الخارج، هي أول مَن عقد اتفاقا لإرسال مائة جندي إلى العراق “في إطار عملية منسّقة مع دول أخرى، بينها إيطاليا وهولندا”. وكما هو معلوم، يضم “التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية” نحو ستين بلدا ممّن أبدوا استعدادهم لإرسال 1500 جندي وخبير عسكري لتدريب القوات العراقية ومساعدتها على محاربة ذلك التنظيم.

مصادفة مدروسة أم ماذا؟

تزامن اجتماع الدوحة، الذي لم يحضره ممثلون عن السعودية وعُمان، مع زيارة وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف إلى واشنطن حيث أجرى “محادثات في مجالي الدفاع والأمن” لم يُكشف عن مضمونها، مع مسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع. وسبق للوزير السعودي أن أجرى محادثات مماثلة في مطلع عام 2014 في واشنطن تمحورت حول أزمتي سوريا والعراق والعلاقات الثنائية بين الرياض وواشنطن. هذا التزامن، هل كان مجرد مصادفة أم أنه تعبير عن خيارات خليجية متباعدة في مجال التعاون الأمني والعسكري مع حلف شمال الأطلسي؟

في حوار مع swissinfo.ch، أعرب تشارلز ليستر، الباحث في مركز بروكينغز بالدوحة عن اعتقاده أن تنظيم “داعش” هو الأفضل تمويلا بين جميع التنظيمات التي سبق أن واجهتها الولايات المتحدة. وقال ليستر المتخصّص في الإرهاب الدولي: “إن مصدر التمويل الرئيسي لـ “داعش” نابع من سيطرة التنظيم على النفط وبيْعه”، مُقدِّرا الإيرادات اليومية بـ 1 مليون دولار، “بينما تأتي أموال أخرى من الحصول على الفدية مقابِل إطلاق الرهائن الذين يختطفهم التنظيم، إضافة إلى شبكات ابتِزاز الأموال والأعمال الإجرامية”، بحسب زعمه. 

وأكد ليستر أنه منذ عام 2005 سعى كل من “تنظيم القاعدة في العراق” (سلف داعش) ومجلس شورى المجاهدين ودولة العراق الإسلامية، إلى تطوير هياكله الداخلية لتكريس الإكتفاء الذاتي المالي والإستقلال عن الجهات المانحة. ورأى أنه من المهِم جدا الآن التركيز على الجهات المانِحة في الخارج، وخاصة في دول الخليج، للحدّ من قدرتها على التوسّع. 

واعتبر تشارلز ليستر أن الأمريكيين سجّلوا “بعض التقدّم في هذا المجال مع السعودية والإمارات. أما في الكويت وقطر، فما زالت السلطات القضائية متساهِلة مع هذا النوع من الأنشطة، على رغم التشريعات الجديدة الرامية لمكافحة تمويل الإرهاب”. وأشار إلى أن “داعش” كانت قبل السيطرة على المُوصل، تكسب 12 مليون دولار شهريا من هذه المدينة لوحدها، أما الآن، “فيتكرر الأمر بطريقة أكثر تنظيما في الأراضي التي يُسيطر عليها هذا التنظيم وكذلك في مناطق أخرى التي تخضع جُزئيا لسيطرته”. 

نظام ضرائب متطوّر

إضافة إلى ذلك، أشار الباحث إلى أن تنظيم “داعش” فرض نظاما متطوّرا للضرائب على طريق عمّان – بغداد الدولي، حل محل الضرائب التي كانت تفرضها الحكومة العراقية على الإستيراد، غير أن “داعش” فرض مبالغ أقل على نقل السِّلع إلى العاصمة العراقية. إلى ذلك يُحقق التنظيم دخلا ثابتا من العشائر السُنية التي تسيْطر على نقل البضائع بالشاحنات عبْر غرب العراق، لأنه، (أي “داعش”)، يقبل بأن يكسب أقل، لكي يتيح لرؤساء العشائر زيادة أرباحهم، لكنه يضمن بذلك دخلا ثابتا. وهناك أنظمة مماثلة بحسب ليستر، تُطبق في غربي العراق وشرقي سوريا، وهي تضمن عمليات الشراء بالجملة من العشائر التي يعتمد عليها “داعش” لتأمين استمراريته في المجتمع. 

من هنا تأتي أهمية اجتماع الدوحة. فالكشف عن مصادر التمويل الخارجي، سواء الآتي من أفراد أو من شبكات دعم حول العالم، أظهر وجود “عدد كبير من المموِّلين من الخليج”، على ما قال ليستر، مما يُسهِّل تحديد الهدف لدى مكافحة تمويل الإرهاب. 

“التمرّد الجهادي”

ركز شارلز ليستر الباحث في مركز بروكينغز بالدوحة أبحاثه الأكاديمية على تحليل ظاهرة الإرهاب والتمرد وغيرهما من التهديدات الأمنية، في مستوى ما دون الدولة في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وأولى اهتماما خاصا في الفترة الأخيرة لنمو الجماعات السلفية والجهادية في سوريا، وهو يعكف حاليا على تأليف كتاب عن “التمرد الجهادي في سوريا”.

على صعيد آخر، تطرقت المناقشات في اجتماع الدوحة إلى جوانب أخرى، يمكن تلخيصها في ثلاثة محاور، هي تدريب القوات وإدارة الأزمات والحوار السياسي. وأبدى الأمين العام لـ “الأطلسي” ارتياح الحلف لتوقيع الكويت في وقت سابق من هذا العام على برنامج تعاون في إطار الشراكة، مُعبِّرا عن أمله أن تحذو دول الخليج الأخرى حِذوها. لكنه أشار في الوقت نفسه، إلى أن السعودية وسلطنة عُمان لم تنضَمّا بعدُ للمبادرة، “على رغم قوة العلاقات بيننا”، كما قال. 

في الوقت نفسه، شدد ستولتنبرغ على أهمية التعاون في مجال حماية الخطوط البحرية وخطوط تصدير النفط ووضع حدٍّ لانتشار أسلحة الدّمار الشامل، كاشفا النقاب عن موافقة الأردن في وقت سابق من شهر ديسمبر على حِزمة إجراءات لبناء قدراته الدفاعية، مؤكِّدا أن مناقشات تجري حاليا بين الحلف وعُمان “لتحديد كيفية تقديم مزيد من الدعم” إلى المملكة الهاشمية. 

وقد تجلّت مركزية ملف النفط في تشديد الأمين العام للحلف الأطلسي على ضرورة التعاون لتأمين الخطوط البحرية “بالنظر إلى أن الكثير من البلدان الأعضاء في الأطلسي تعتمد على النفط والغاز، اللذين يتوقفان بدورهما على سلامة المسارات البحرية، ولذا فنحن نشترك في هذا الإهتمام”، بحسب تعبيره. ودعا في هذا الإطار جميع دول الخليج العربية إلى مشاركة الحلف في عملية “درع المحيط”، التي أدّت إلى الحد من أعمال القرْصنة في البحار.

غير أن الباحث الفرنسي المتخصّص في شؤون الأطلسي أوليفيي كامبف Olivier Kempf قلّل في تصريح لـ swissinfo.ch من فعالية العقوبات الدولية التي يقوم الحلف الأطلسي بالسهر على تنفيذها، مشيرا إلى أن مجلس الأمن الدولي أقر أربعة عشر حظرا للأسلحة، بالإستناد إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، غير أن الحظر كثيرا ما يُنتهَك، إما لقلة الإمكانات لدى بعض الدول المكلفة بتنفيذه، والتي لا تستطيع السيْطرة على حدودها، أو حتى بسبب غِياب الإرادة السياسية لديها. ومن جهتها، تساءلت الخبيرة الفرنسية في الشؤون الإستراتيجية فيفيان برتيزو، عما إذا ما أصبح الحلف الأطلسي اليوم “منافِسا للأمم المتحدة، خاصة في مهمّات المحافظة على السِّلم”؟. 

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية