مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

التنافس الإقليمي يمتدّ إلى شرعية الرئيس هادي

يوم السبت 28 فبراير 2015، استقبل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي (على يمين الصورة) في مقر إقامته بالقصر الرئاسي في عدن سفير المملكة العربية السعودية لدى بلاده محمد سعيد الجابر. swissinfo.ch

كشف إفلات الرئيس اليمني من قبضة الحوثيين في صنعاء وتوجّهه إلى جنوب البلاد في 21 فبراير 2015 عن دخول اليمن مرحلة استقطابات خطيرة داخلياً وخارجياً. فالمشهد الداخلي طغى عليه انقسام القوى السياسية بين مساند للرئيس الشرعي وبين رافض له، بل وصل الأمر حد التهديد بتقسيم البلد بين شمال وجنوب تأثراً بالصراع الإقليمي بين القطبين السعودي والإيراني.

وبمجرد وصول هادي إلى عدن ظهر الإنقسام الداخلي بين مؤيدي الرئيس هادي من جهة ومعارضيه الحوثيين والرئيس الأسبق علي عبدالله صالح من جهة أخرى، حيث رمى صالح بكل ثقله إلى جانب الحوثيين الرافضين لشرعية الرئيس هادي كما تأكد من عدة نواح.

أولها، تأكيد حزب المؤتمر الشعبي ارابط خارجيلذي يرأسه صالح على أن عبدربه هادي فقد شرعيته بتقديم استقالته في 22 يناير الماضي إلى مجلس النواب، مع أن هذا الاخير لم يناقش الاستقالة ولم يبت فيها أصلاً،لا بالرفض ولا بالقبول بسبب تعذر التئامه وانقسامه بين الشمال والجنوب.

وثانيها، تطابق موقف صالح وحزبه مع موقف جماعة الحوثيين من خلال الإصرار على رفض دعوة الرئيس هادي إلى نقل الحوار إلى محافظة آمنة بديلة عن العاصمة صنعاء الواقعة تحت سيطرة مليشيات الحوثي.

وثالثها، قيام وسائل الصحافة والإعلام التابعة لحزب صالح والمحسوبة عليه، وتلك التابعة للحوثيين بحملة إعلامية مكثفة ضد الرئيس هادي وانتقاله إلى عدن.

تطابق مع وجود “استثناء”

رغم تطابق المواقف بين الحوثيين وعلي عبد الله صالح إلا أن هناك استثناء ملفتا يسقط بموجبه الرئيس الأسبق في تناقض واضح بموقفه المُشكك في شرعية هادي مقارنة بتمسكه بشرعية مجلس النواب الذي يُهيمن عليه حزبه.

فالمجلس التشريعي اليمني الحالي بتركيبته الحالية يُعتبر أطول برلمان (لجهة الفترة الزمنية) في تاريخ البلاد. فقد انتخب في عام 2003، وتم التمديد له أكثر من مرة بسبب الأزمات السياسية المتلاحقة التي تعيشها البلاد، وكان آخر تمديد له بمقتضى المبادرة الخليجية التي توافقت عليها الأطراف والمكونات السياسية اليمنية في موفى عام 2011 الهادفة إلى ترتيب الحقل السياسي الوطني على أسُس توافقية جديدة، وهي المبادرة التي جاءت بموجبها شرعية الرئيس عبدربه هادي وتعززت تاليا بانتخابه شعبياً في 21 فبراير 2012، غير أنها تواجه بالرفض من قبل صالح وحلفائه الذين يزعمون أنها تنتهي بنهاية المدة الزمنية التي حددتها المبادرة الخليجية بفترة عامين (من فبراير 2012 إلى فبراير 2014).

ومع أن هذه القضية قد حُسمت باكراً عندما أوشكت الفترة الرئاسية على الإنتهاء في مطلع عام 2014، حيث صوّت الأعضاء المشاركون في مؤتمر الحوار الوطنيرابط خارجي – ومن ضمنهم ممثلو حزب الرئيس صالح – على وثيقة الحوار الوطني رابط خارجيالتي قرر فيها المتحاورون بقاء الرئيس هادي حتى انتخاب رئيس جديد وفقاً للدستور الجديد ونظام انتخابي وسجلات ناخبين جديدة، وقد وضع ذلك الموقف حداً للجدل الذي أثير حينها، كما أن مبعوث الأمم المتحدة جمال بنعمر أكد آنذاك وفي أكثر من مناسبة بأن الفترة الإنتقالية “لم تحدد بفترة زمنية وإنما بانجاز جميع مهام هذه المرحلة”.

الرئيس اليمني يقول إن الرئيس السابق “تآمر مع إيران ضد اتفاق انتقال السلطة”

عدن (رويترز) – اتهم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي يوم الاحد 1 مارس 2015 سلفه علي عبد الله صالح بالتآمر مع إيران بالتعاون مع جماعة الحوثيين من أجل إفشال خطة خليجية لانتقال السلطة أبرمت عام 2011.

واستقال هادي الذي تسلم السلطة عام 2012 خلفا لصالح بعد احتجاجات استمرت شهورا على حكمه المستمر منذ 33 عاما. وبعد الاستقالة فر إلى مدينة عدن في جنوب البلاد بعد أن سيطر الحوثيون على قصر الرئاسة.

جاء ذلك في كلمه للرئيس هادي أثناء اجتماعه بمدينة عدن الجنوبية مع شخصيات اجتماعية ومشايخ وأعيان وقادة الأحزاب السياسية لإقليم سبأ الذي يضم محافظات مأرب والجوف والبيضاء في شمال البلاد.

وقالت مصادر في الاجتماع لرويترز إن الرئيس هادي قال: “إن الرئيس السابق صالح أرسل وفدا برلمانيا إلى إيران التزم لطهران بإفشال العملية السياسية والمبادرة الخليجية” التي رعتها دول مجلس التعاون الخليجي.

وذكرت المصادر بأن هادي قال إن التحالف بين صالح والحوثي بالتنسيق مع إيران كان وراء سقوط العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2015 بيد الميليشيات الحوثية والآن أًصبحت المدينة التاريخية عاصمة محتلة.

وفي العام الماضي اتهم مجلس الأمن الدولي صالح بالعمل مع الحوثيين لزعزعة استقرار اليمن وفرض عقوبات عليه وعلى اثنين من كبار زعماء الحوثيين لتهديدهم السلام والإستقرار في البلاد. وينفي صالح تلك الإتهامات.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 1 مارس 2015)

انقسام إقليمي

من الواضح أيضا أن إثارة هذه المسألة في الظرفية الحالية التي تجتاز فيها التسوية السياسية منعطفات خطيرة تعني وضع مزيد من العقبات والمصاعب في طريق العملية السياسية المتعثرة أصلا بحكم تأثرها بالصراع الحالي في المنطقة المترتب عن وجود انقسام حاد بين القوى الإقليمية المتنافسة.

فعقب انتقال الرئيس هادي إلى عدن بادرت دول مجلس التعاون الخليجيرابط خارجي تتقدمها السعودية إلى تأييد الرئيس الشرعي، كما قام أمين عام مجلس التعاون الخليجي بزيارته في المدينة الجنوبية معلناً “استمرار دعم دول المجلس لشرعيته”، ثم تلى ذلك إعلان كل من السعودية وقطر والإمارات والكويت والبحرين نقل عمل سفاراتها من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، مؤكدة حدة مخاوف دول الخليج من تمدد الحوثي حليف إيران وتعزيز سيطرة طهران على ممرات الطاقة الدولية عبر تحكّمها بمضيقي هرمز وباب المندب في آن واحد.

رداً على تلك الخطوات، وقّعت جماعة الحوثي على مذكرة تقضي بتسيير رحلات مباشرة بين طهران وصنعاء، كما صعّد الحوثيون من نبرة انتقاداتهم للرئيس هادي وللمملكة العربية السعودية (كما جاء على لسان قائد الجماعة عبد الملك الحوثي). وفي الأثناء، ارتفعت التوقعات باجتياح الجنوب مرة أخرى (على غرار ما حصل في عام 1994) من قبل الحوثيين وبمساندة صالح، فيما ازداد الرهان على الخيار العسكري من قبلهما.

وفي معرض تقييمه لمراهنة البعض على الخيار العسكري، أشار الدكتور عبد الواسع الحميدي، أستاذ القانون والمنظمات الدولية في جامعة الحديدة رابط خارجيفي تصريحات لـ swissinfo.ch إلى أن “الخيار العسكري يعني وضع حد للرهان على الحوار والإنتقال إلی مفاوضات بين الشمال والجنوب… الأمور متغيرة تماما عن عام 94… ففي ذلك العام كان هناك طرف يرفع علم الإنفصال وآخر يرفع علم الوحدة… اليوم لا أعرف تحت أيّ راية سيكون القتال …كلاهما يدّعيان الوحدة مع اختلاف حول الشرعية.. ثم إن إسقاط معسكرات الجيش لتيارات معينة يُعقّد من مهامه تماما…لأنه يقدمه امتدادا لذلك الطرف.. ولا ننسى الحساسيات المذهبية.. ولهذا سيكون العمل العسكري طويلا جدا جدا ولا يخفى علی أحد أن تداعيات الحرب علی الإرهاب قد تجعل من استمرار القتال مكانا لجذب المتطرفين الذين هم في الغالب من أبناء الجزيرة العربية لينشغل بعضهم ببعض، الأمر الذي يحقق مصالح أطرف دولية وإقليمية. مع احتمال خروج باب المندب من تحت سيطرة اليمنيين … فلو افترضنا أن روسيا وإيران دعمتا طرفا (من أطراف الصراع اليمني)، ودعمت أمريكا ودول الخليج طرفا آخر.. فمن منهما سيقبل أن يذهب المضيق إلی طرف معين؟… مع ترجيحي بإمكانية ذهابه للطرف الذي تسانده دول الخليج مهما كلفه ذلك”.

خطوة متوقعة

في الأثناء، ترتفع وتيرة الصراع والتنافس بين الأطراف الداخلية متأثرة بالصراع والتنافس الإقليمي بين إيران من جهة والسعودية ودول الخليج الأخرى من جهة ثانية، كما بدا في مسارعة جماعة الحوثي إلى توقيع اتفاق تسيير رحلاته جوية مع طهران كرسالة موجهة إلى السعودية ودول الخليج الأخرى.

الكاتب الصحفي صدام أبوعاصم قال في معرض تعليقه على ذلك: “هذه الخطوة كانت متوقعة من حليف إيران في اليمن وجاءت كردة فعل على انسحاب السفارات من صنعاء وانتقالها إلى عدن، لقد أرادت إيران منها كسر عزلة صنعاء، وتوجيه رسالة بأنها تاخمت الحدود السعودية من جهة الجنوب. وربما يأتي في إطار الضغط على الأطراف المتفاوضة مع ايران في ملفات كثيرة من بينها الملف النووي والملف السوري والعراقي.. غير أن الخشية أن تدفع اليمن الثمن، لاسيما أن عدد الرحلات بين البلدين ربما قد يكون الهدف منه نقل خبراء عسكريين وعناصر من الحرس الثوري وأسلحة متطورة لمساعدة الحوثيين في دولتهم الناشئة وربما قد يدفعهم لاستيطان مناطق قريبة من السعودية ومن ممر الملاحة البحرية الأهم؛ باب المندب”.

مع ذلك، تبقى وثيقة الحوار لدى جميع الأطراف المعنية (سواء منها الأحزاب والمكونات السياسية اليمنية أو الشركاء الإقليميين والدوليين رعاة التسوية السياسية) هي المخرج المتاح من المأزق القائم. وقد تأكد ذلك بوضوح في مواقف الدول الراعية للتسوية السياسية بما فيها مواقف روسيا والصين التي تؤكد جميعها على الحوار. وهي مواقف “لايمكن أن تتغير”، حسب ما يراه الحميدي حيث ستبقى امتدادا لدورها في رعاية التسوية السياسية مضيفاً أن “ما يزكي ذلك تصويتهما علی قرار مجلس الأمن الأخير والبيان الذي أيّد شرعية هادي، بل إن روسيا أصدرت بيانا عبر خارجيتها تطلب فيه اليمنيين بالإمتثال للحوار والتزام مرجعية التسوية.. وبالتالي فإن الطرف الذي سيصر علی التمسك بنتائج الحوار سيجد دعما دوليا له”، حسب رأيه.

إجمالا، يُمكن القول بأن أغلبية الأطراف متفقة على مرجعية الحوار وضرورة استكمال مساره بمن فيها دول التعاون الخليجي والأطراف الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وأن أيّ خيار آخر لن يكون إلا “مغامرة انتحارية”، حسب رأي البعض.

اتفاق مثير للجدل بين الحوثيين وطهران

وقّـع الحوثيون الذين يسيطرون على جزء كبير من الشطر الشمالي للبلاد ويديرُون الوزارات في صنعاء يوم السبت 28 فبراير 2015 اتفاقا للملاحة الجوية المدنية مع إيران. وقالت وكالة الأنباء اليمنيةرابط خارجي (سبأ) التي تديرها جماعة الحوثي إنه سيجري تسيير 14 رحلة جوية أسبوعيا في الإتجاهين.

وأضافت (سبأ) أن أولى الرحلات الجوية وصلت إلى صنعاء يوم الأحد 1 مارس وتوجّه وفد برئاسة أحد كبار زعماء الحركة إلى طهران على رأس وفد اقتصادي لبحث التعاون بين البلدين.

ولكن مصدرا مسؤولا في رئاسة الجمهورية اليمنية في عدن قال يوم الاحد: “إن الاتفاقية التي وقعت بين هيئة الطيران اليمنية ونظيرتها الإيرانية غير مُلزمة لليمن لكونها وقعت من أشخاص ليس لهم شرعية قانونية ودستورية”.

وعبّر المصدر في تصريح صحفي عن إدانته لهذا العمل قائلا إنه يندرج في “إطار الدعم الإيراني للجماعات الحوثية التي انقلبت على الشرعية الدستورية”.

(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 1 مارس 2015)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية