مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

دول الخليج تقرّر ترحيل خلافاتها إلى “وقت لاحــــق”

وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد الخليفة (الثاني عن اليسار) لدى وصوله يوم 25 نوفمبر 2014 إلى مقرّ انعقاد اجتماع وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي في العاصمة القطرية الدوحة. Keystone

على رغم تأكيد وزير الخارجية القطري خالد العطية أن الخلاف بين بلده وثلاثة من دول الخليج "أصبح من الماضي" وأن أعضاء مجلس التعاون الخليجي "يُركزون الآن على ترسيخ روح التعاون الصادق بين دول المجلس من أجل خليج قوي ومتماسك"، فالأرجح أن الزعماء الخليجيين قرروا ترحيل الخلافات إلى وقت آخر بعدما توصلوا إلى ترضية تُعلق الحملات الإعلامية وتُطوق النزاع بين قطر وكل من السعودية والامارات والبحرين.

ولوحظ أن تبادل الزيارات المكوكية بين أطراف النزاع، بمشاركة بارزة من أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، الذي تترأس بلاده مجلس التعاون لدول الخليج العربيةرابط خارجي، أسفر عن ترضية قبلت بها كل من السعودية وقطر خلال لقاء مع الملك عبد الله بن عبد العزيز جمع أيضا أميري قطر والكويت.

وبعدما تم تهديد الحكام القطريين بنقل القمة الخليجية السنوية رابط خارجيمن الدوحة إلى الرياض أو الكويت بسبب المقاطعة المتوقعة من غالبية الزعماء الخليجيين، اتُفق على الإبقاء عليها في قطر مع تحديد موعدها بيومي 9 و10 ديسمبر الجاري.

وكان لافتا في هذه الأجواء أن يؤدي ولي عهد أبو ظبيرابط خارجي زيارة إلى قطر التي كانت القطيعة مُستحكمة معها، ثم تكتب وسائل الإعلام الإماراتية أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بحث مع أمير “الشقيقة” قطر العلاقات الأخوية التي تربط البلدين “وسبل دعمها وآفاق تعزيزها في شتى المجالات بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين”، وهو خطاب جديد اختفى من قاموس الإعلامين القطري والإماراتي منذ فترة غير قصيرة.

صقور وحمائم؟

غير أن تلك الزيارة الأولى من نوعها منذ سنوات لم تمنع من يُصنّفون في خانة “الصقور” في الإمارات من العودة إلى مهاجمة الدور القطري، إذ اعتبر أنور قرقارش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أن نجاح قمة الدوحة مرهون بما سماه “لجم أي خطاب إعلامي هابط والتحيز لعمل خليجي جدي مشترك ودعم مصر”، وهو يقصد طبعا قناة “الجزيرة” القطرية التي ما انفكت تهاجم العسكر في مصر وتنتقد “الحركة” التي قادها الفريق عبد الفتاح السيسي في بداية يوليو 2013 للإطاحة بأول رئيس مصدني منتخب في مصر.

ورأى قرقارش أن أمام القمة “مهمة كبيرة لترميم الفجوة التي تركها الخلاف القطري مع ثلاث دول خليجية في العمل المشترك وفي مسيرة مجلس التعاون طيلة ثلاث وثلاثين عاما”.

وسألت swissinfo.ch الخبير السعودي معمر أبو زلفى عن دوافع اللجوء إلى تعليق الخلافات وإعادة سفراء كل من السعودية والإمارات والبحرين إلى قطر بعدما تم سحبهم، فذكر سببين رئيسيين هما “الهاجس الأمني”، الذي يُشكل خطا أحمر لجميع الدول الخليجية، التي تعتبر أن انهيار الوضع الأمني الداخلي، أو حتى مجرد ضعضعته خطر داهم يُهدد بتقويض الأنظمة والأسر الحاكمة ذاتها. وأضاف أستاذ العلوم السياسية معمر أبو زلفى أن “السبب الثاني، هو التقدم النسبي في المحادثات بين طهران والدول الست (الأعضاء الدائمون الخمسة في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا) في شأن الملف النووي الإيراني”.

فعلى رغم تمديد المفاوضات تخشى العواصم الخليجية من تقديم الدول الست تنازلات لإيران على حسابها في الجولات المقبلة، ولذا أعلن مسؤول إماراتي كبير أن ما يُريده الخليجيون من المفاوضات الجارية مع طهران هو “وضع اتفاق مُحكم يمكن التأكد من خلاله من أن المنطقة لن تتعرض لسلاح نووي مستقبلا”.

شرطة خليجية

على الصعيد الداخلي، استطاع وزراء الداخلية الخليجيون الإتفاق أخيرا على إنشاء شرطة خليجية في إطار الإعداد لقمة الدوحةرابط خارجي. وقام فريق متخصص من الدول الست بإعداد الجوانب التنظيمية والمالية والإدارية لهذا المشروع الذي اختيرت العاصمة الإماراتية أبو ظبي مقرا له.

وفي هذا السياق قال المتخصص البريطاني في شؤون الخليج ريتشارد لوس لـ swissinfo.ch: “إن التحدي المتزايد للإصلاح الداخلي في المنطقة أثّر في العلاقات بين دول مجلس التعاون، بالاضافة إلى ارتفاع التهديد الايراني لدرجة ان صناع القرار في مجلس التعاون الخليجي باتوا اليوم عاجزين عن تصور المنطقة من دونه”. 

تُواجه هذه الملكيات خيارات صعبة بين التحرك نحو الردود القمعية على غرار البحرين وعُمان والإمارات أو القيام بتعديلات مؤسسية محدودة ريتشارد لوس، مُتخصّص بريطاني في شؤون الخليج

هذا الرأي أيّده البروفسور الإماراتي حبيب الشامسي الذي أكد لـ swissinfo.ch أن “الديناميات الداخلية أصبحت تؤثر في سياسات دول الخليج داخليا وخارجيا لكن ليس من خلال الضغط الشعبي بقدر ما هو من خلال الظروف المحلية العامة، فالتركيبة السكانية والظروف الإقتصادية وخصوصيات النظام غالبا ما تكون العناصر الأساسية التي تحدد سياسات دول مجلس التعاون، ويمكنها أيضا أن تفسر الخلافات بينها”.

مع ذلك، رأى الباحث الأمريكي جيمس مانفريد، المتعاون مع مؤسسة “فرايد” (FRIDE) وهي مجموعة تفكير أوروبية تتخذ من مدريد مقرا لها، أن “قرارات الحكومات الخليجية صارت تُصنع مع أخذ الميول العامة في الإعتبار، فحتى مع وجود مساءلة محدودة يُدرك الحكام ضرورة عدم توتير العلاقات مع شعوبهم”. وأضاف “من المهم أن نلاحظ أن حكام الخليج يسعون إلى الحصول على التأييد الشعبي ليس فقط من خلال إعادة توزيع ثروتهم الريعية، ولكن أيضا من خلال السعي للأصول غير الملموسة مثل الإستقرار وهيبة الحكم”.

غير أن ريتشارد لوس قلل من احتمالات الإقدام على إصلاحات وقال: “إن ما يُمكن أن يُقدّمه القادة الخليجيون على هذا الصعيد ضئيل، إذ لن ينطوي على نقل حقيقي للسلطة على نحو يُغير الوضع الراهن بدرجة كبيرة”.

ورأى لوس أن “دولا مثل الإمارات العربية المتحدة أمامها مجال لإصلاحات غير أساسية مثل توسيع المجالس أو الوعد بإجراء انتخابات”، وتابع قائلا: “بينما يبدو أن الربيع العربي أثّـر تأثيرا محدودا في دول مجلس التعاون (عدا البحرين والكويت)، فإنه وضع تحديات خطرة أمام أنماط الحكم السائدة حتى الآن في تلك البلدان، فهي بلدان تعتمد أنظمتها على اقتصاد ريعي يسمح بتجميع ثروة كبيرة من الموارد الطبيعية، وإعادة توزيعها بشكل يُعزز موقعها”.

وأضاف المتخصص البريطاني في شؤون الخليج “في الدول ذات الكثافة السكانية المتزايدة وخاصة المملكة السعودية ازداد الآن الإنفاق من الخزينة وردت دول الخليج على تهديد الإنتفاضات الشعبية بزيادة الإنفاق العام بشكل كبير، لكن هذه الإستجابة غير مُوفّقة إلى حد الآن، أو على الأقل فشلت في القضاء على المظالم، ولذلك تُواجه هذه الملكيات خيارات صعبة بين التحرك نحو الردود القمعية على غرار البحرين وعُمان والإمارات، أو القيام بتعديلات مؤسسية محدودة”.

كيانات إسلامية أكثر فاعلية

في الجهة المقابلة، رأى البروفسور الشامسي أن “هناك دلائل على إعادة تنظيم الجماعات الأصولية في منطقة الخليج وتحولها إلى كيانات أكثر فاعلية مع ازدهار الحركات الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة”. واعتبر أن “السياسات الداخلية التي تُقيّد النشاط السياسي مثل حظر الأحزاب تساهم في تطوير تلك الجماعات” ضاربا المثل بجماعة الإصلاح في الإمارات. أما في البحرين فتظل جماعة الإخوان المسلمين وجناحها السياسي “المنبر” من بين أهم القوى الموالية للنظام، مما يؤكد أن “تتبع السياسة الداخلية لكل دولة على حدة يُظهر أنه لا توجد حالتان متشابهتان في الخليج”، على حد قوله. وانتهى الشامسي إلى خلاصة مفادها أن “مجلس التعاون مازال يُعاني من أزمة هوية خاصة به لا يمكن حلها في القمم ولا بواسطة قرارات وإجراءات سياسية”.

وفي الختام، سألت swissinfo.ch الخبراء الثلاثة عن مدى قدرة شركاء مجلس التعاون (أي الإتحاد الأوروبي وأمريكا) على الدفع في اتجاه مزيد من الإصلاحات، فأكدوا أنه يُنظر عادة إلى أوروبا على أنها تُذعن للولايات المتحدة في تعاطيها مع دول الخليج. وقال الخبراء إن شعور الإتحاد الأوروبي بمحدودية دوره خليجيا أصبح واضحا.

فعلى سبيل المثال استنكرت ألمانيا بطريقة صامتة غلق مكاتب مؤسسة كونراد أديناور سيفتونغ (وهي مركز أبحاث ألماني له فروع في عدة دول عربية) في دبي، كما كان الأوروبيون شبه غائبين في أزمة البحرين إذ توقف دبلوماسيوهم عن مقابلة المعارضة، بل إن بعض دول الخليج قد “تُعاقب” دولا كبيرة، مثلما فعلت الإمارات عندما أغلقت إحدى القواعد العسكرية في وجه الكنديين، الذين كانوا يستخدمونها لتزويد القوات الكندية في أفغانستان، بسبب خلاف على حقوق الهبوط في القاعدة، وذهب الإماراتيون إلى حد فرض تأشيرات مُكلفة على الكنديين الوافدين عليها.  

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية