مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حوار الطرشان في برلين.. وحكومة جديدة في لبنان تفتقر إلى ثقة الشارع

على وقع النتائج الباهتة لمؤتمر برلين حول ليبيا والموجة الجديدة من الاحتجاجات العنيفة التي صاحبت الاعلان عن الحكومة الجديدة في لبنان، تابعت عدة صحف سويسرية هذا الأسبوع ولكن بشكل محدود سير الأحداث في هذين البلدين العربيين من خلال مراسلات ميدانية. 

متظاهرون يرشقون قوات الأمن بالحجارة وسط بيروت
متظاهرون مناهضون للحكومة اللبنانية يلقون بالحجارة على أفراد من شرطة مكافحة الشغب وراء حاجز خلال مظاهرة نظمت خارج مقر البرلمان مساء 22 يناير 2020 وسط العاصمة بيروت. Keystone / Wael Hamzeh

 حوار الطرشان بين الفرقاء الليبيين أو “عرس بلا عرسان”

في عددها الصادر يوم 20 يناير الجاري، ذهب مارك فيليكس سيراو، مراسل صحيفة نويه تسورخر تسايتونغرابط خارجي في العاصمة الألمانية إلى أن خطة وقف إطلاق النار بين أطراف الصراع في ليبيا غامضة وأن احتفاء برلين بمؤتمرها حول ليبيا ليس له مبرر، فطرفا الصراع الرئيسيان لم يلتقيا ولم يتواجدا حتى في الغرفة ذاتها.

المشاركون في المؤتمر الدولي حول ليبيا وافقوا على خطة لوقف دائم لإطلاق النار. وبالإضافة إلى حظر الأسلحة، الذي يجب مراقبته عن كثب في المستقبل، وافق المشاركون على أن الحل عسكري فشل في وقف الصراع، كما قالت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل. ووفقًا للإجماع الدولي، لا يُمكن إنهاء هذه الأزمة إلا عبر حل سياسي. وبالتالي، يمثل مؤتمر برلين “مساهمة مهمة في جهود السلام التي تبذلها الأمم المتحدة”، كما قالت رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين. أما وزير الخارجية الألماني هايكو ماس فقال إنه كانت هناك “روح تعاون” تجاوزت ما تم معايشته في اجتماعات أخرى.

لكن المراسل انتقد عدم نجاعة الاتفاق وشكك في جديته ولا سيما مع غياب آليات حقيقية لتنفيذه ولاحظ أنه “ليس هناك جدول زمني ملموس. ووفقًا للمعلومات الواردة من المستشارية الألمانية، لم يكن هناك أي حديث عن نظام لمراقبة وقف إطلاق النار أو فرض عقوبات محتملة على الانتهاكات. وقال المضيفون أيضًا إنهم لم يتمكنوا من جلب اللاعبين الرئيسيين – رئيس الوزراء الليبي فايز السراج وخصمه خليفة حفتر – إلى طاولة واحدة، ناهيك عن غرفة الاجتماعات ذاتها. وكان الاثنان حاضرين في برلين، ولكن ليس كمشاركين رسميين في المؤتمر”.

ميركل من جانبها أكدت أنه تمت استشارة رئيس الوزراء فايز السراج والجنرال خليفة حفتر دائمًا وبشكل مستقل عن الآخر. أما الاتفاق الذي تم التوصل إليه بهذه الطريقة فهو ينص على تشكيل لجنة عسكرية “خمسة زائد خمسة”، التي تمهد الطريق لتحويل وقف إطلاق النار الحالي إلى وقف دائم لإطلاق النار. ومن المقرر أن يتم إرسال الدعوة لعقد أول اجتماع للجنة في وقت قريب، حيث وعدت القوى الكبرى والدول الأخرى، التي كانت تعمل في السابق في الخلفية، بعدم تقديم أي دعم إضافي لأي طرف في الحرب الأهلية.

مارك فيليكس سيراو أشار أيضا إلى أن ليبيا محط اهتمام الكثير من الدول الإقليمية والدولية بسبب موقعها الجغرافي ومواردها النفطية، وكتب يقول: “بين مؤيّدي حفتر و”جيشه الوطني الليبي” روسيا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر، من ناحية. ودعم كل من تركيا وقطر حكومة السراج بالوسائل العسكرية من ناحية أخرى. تخشى بعض الأطراف المتورطة في الصراع الحالي على الأراضي الليبية أحيانا من تراجع نفوذها السياسي في شمال إفريقيا أو على تأثير التطورات الحالية على احتياطيات ليبيا من النفط والغاز الطبيعي. الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وصف عواقب الصراع على المواد الخام بأنها “مقلقة للغاية”، فالعديد من موانئ النفط في البلاد مغلقة حاليا، وقبل فترة وجيزة من المؤتمر، توقف إنتاج حقل نفط. في هذا الصدد أكد وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أن المفاوضات المقبلة ستتناول بشكل أساسي مسألة كيفية تقسيم الدخل من تجارة المواد الخام”.

تعدد الأطراف الأوروبية المتدخلة في الصراع الليبي وتغاير مواقفها منه يزيد أيضا من تعقيدات الوضع، وفق المراسل “من منظور أوروبي، تعدّ ليبيا أيضًا ذات أهمية حيوية كبوابة للمهاجرين القادمين من إفريقيا. كلما كانت الظروف غير مستقرة هناك، كان من الصعب التحكم في عصابات التهريب. ومع ذلك، لم يتمكن الاتحاد الأوروبي حتى الآن من الاتفاق على موقف موحد، فالمصالح الوطنية للدول الأوروبية كانت متغايرة تماماً عن ذلك. وفق المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في برلين فإن أعضاء المجتمع الدولي اقتربوا من بعضهم البعض. من بين أمور أخرى، أشادت ميركل بالتزام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي وكان الاثنان في الآونة الأخيرة في مواجهة سياسية لأن فرنسا اصطفت بجانب الجنرال خليفة حفتر”.

وختم المراسل بالقول: “المأمول الآن من هذا المؤتمر أن تحوّل الأطراف المتنازعة والدول الداعمة لها هذا الاتفاق إلى واقع ملموس في الأسابيع المقبلة”. 

“ليبيا بلد صغير لا يُسمع لكلامه”

في تحقيق بعث به من طرابلس، نقل ماتيو غالتييه، مراسل صحيفة “لوتون”رابط خارجي (تصدر بالفرنسية في لوزان) صورة مصغرة عن معاناة عدد سكان العاصمة الليبية الذي اضطروا للفرار منها منذ بدء هجوم قوات الجنرال خليفة حفتر عليها يوم 4 أبريل 2019.

وفقا لمنظمة الهجرة الدولية، يُقدر عدد الأشخاص الذين غادروا منازلهم الواقعة في المناطق التي تدور فيها المعارك جنوب العاصمة بمائة وخمسين ألف نسمة، أعاد حوالي سبعين ألف منهم الاستقرار في وسط طرابلس وفي المدن الملاصقة لها مثل تاجوراء التي تستقبل حوالي عشرين ألف مهجر داخلي.

يقول مصطفى ميلاد، الذي التقاه الصحفي وسط مُجمّع سكني لم تكتمل أعمال البناء فيه في تاجوراء: “هاتوا لِي مسؤولا ليبيا أو أجنبيا! سأقول لهم الأمور على حقيقتها. الناس هنا ملّت!”.

في المقابل، يرد عبد السلام عثمان، المكلف بمتابعة هؤلاء النازحين في بلدية تاجوراء قائلا: “نحن نفعل ما نقدر عليه لكن لا إمكانيات لدينا رغم وعود الحكومة (الوفاق الوطني بقيادة فائز السراج). فمنذ الأشهر التسعة للنزاع لم تتحسن ظروف معيشتهم”.

وإذا كان الاجتماع الذي انعقد في برلين يوم الأحد 19 يناير الجاري “يكشف بوضوح عن تسلل الجغرافيا السياسية إلى تفاصيل الوضع الليبي”، فإن الحياة اليومية لسكان طرابلس هي التي “انقلبت رأسًا على عقب”، كما يقول المراسل السويسري. فقد تسبب وصول المُرحّلين الداخليين في ارتفاع كبير في قيمة الإيجارات العقارية. فعلى سبيل المثال، يجب أن يدفع زوجان مع ثلاثة أطفال ما بين 1000 و1500 دينار (692 و1038 فرنك سويسري) شهريًا لشقة من أربع غرف مقابل 500 دينار (346 فرنك سويسري) في السابق. ومع أن التضامن الأسري أو العشائري لعب دورة في التخفيف من حدة الأزمة إلا أن “الأمور تفاقمت بعد مرور تسعة أشهر” على بدء المواجهات.

عموما، لا يعتقد أي شخص في طرابلس أن الحل سيأتي من برلين، حيث ينقل المراسل على لسان محمد، وهو طالب يتابع دراسته في المالية (23 عاما) التقى به وسط المدينة قوله: “على أي حال، نحن بلد صغير وليس لدينا رأي. لكن لا مجال لأن أغادر طرابلس. فهذه مدينتي”. أما أيمن، فلديه خطط أخرى، حيث يقول: “لقد تمكنتُ من الحصول على تأشيرة طالب لقبرص. أحتاج إلى استراحة لمدة عام على الأقل، بعيدًا عن كل هذا” مشيرا بيده إلى ازدحام مروري هائل أصبح أمرا معتادًا مع وصول النازحين وإلى أكوام القمامة المتراكمة في الشارع بعد أن أصبح من المتعذر الوصول إلى مكبّ النفايات الرئيسي للمدينة لأنه يقع في مرمى نيران المعارك”.

“لا أحد في مأمن” من تداعيات الأزمة 

في عددها الصادر يوم الثلاثاء 21 يناير الجاري، نشرت صحيفة “24 ساعة”رابط خارجي الصادرة بالفرنسية في لوزان مراسلة بعثت بها جيني لافون من بيروت سلطت فيها الضوء على ضراوة الأزمة الاقتصادية التي يُعاني منها اللبنانيون، وكتبت تقول: “في الأشهر الأخيرة، ازدادت الأزمة الاقتصادية تفاقما بتسريح عشرات الآلاف من الأشخاص وإغلاق مئات الشركات، وفي توقعات مثيرة للقلق، اعتبر البنك الدولي أن أكثر من نصف اللبنانيين سينزلون في غضون شهرين إلى ما تحت مستوى الفقر”.

ونقلت المراسلة عن وائل، وهو أب لعائلة يبلغ خمسين عاما من العمر ويعمل إطارا رفيعا في نفس المؤسسة منذ عشرين عاما أنه تم إبلاغه بتسريحه من العمل دون إعلام قانوني مُسبق وقال: “أفقد مرتبي وأخسر أيضا الضمان الاجتماعي لأبنائي الثلاثة وزوجتي ونفسي. حتى في فترة الحرب الأهلية (1975 – 1990)، لم نعش أوقاتا بمثل هذه الصعوبة. لا أحد في مأمن.. ما يحدث كارثي”.

في الوقت نفسه “يواجه لبنان شحا حقيقيا في العملات الصعبة وأزمة سيولة بالتزامن مع مديونية تزيد عن 150% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد (تقدر بـ 90 مليار دولار) وفي ظل عجز قياسي لميزان الدفوعات الذي ارتفع في عام 2019 إلى مستويات قياسية لم يصل إليها أبدا في تاريخ البلاد. أما الواردات فتجاوزت العام الماضي 20 مليار دولار، فيما لم تكد تصل الصادرات إلى 2.6 مليار دولار”، كما تقول الصحيفة.

في هذا الصدد، عزا إيلي ياشوي، الخبير الاقتصادي والأستاذ في جامعة القديس يوسف في بيروت، الأسباب العميقة لهذه الأزمة إلى “السياسات التي قادها ابتداء من عام 1993 رفيق الحريري (رئيس الوزراء آنذاك) ومحافظ البنك المركزي رياض سلامه”، حيث تراجع الاهتمام بالقطاع الخاص وبالبنى التحتية فيما لم تتوقف المديونية عن الارتفاع، أي أنه “لم يتم بناء اقتصاد إنتاجي قادر على جلب نمو مستدام. على العكس، تم انتهاج سياسة ريعية”.

“ما ينقص الحكومة اللبنانية الجديدة هو ثقة الشارع”

في عددها الصادر يوم 22 يناير الجاري، تناولت صحيفة نويه تسورخر تسايتونغرابط خارجي تشكيل حكومة جديدة وفرص نجاحها مع التحديات الكبرى التي يواجهها لبنان، وكتب مراسل الصحيفة في بيروت كريستيان فايسبول: “من يصدق كلام رئيس الوزراء اللبناني الجديد حسن دياب، فإن كل شيء سيكون على ما يرام في لبنان، “فهذه حكومة نزيهة من الخبراء ولا يمكن أن تتأثر بالسياسة”، وسوف تستجيب حكومته لمطالب الحركة الاحتجاجية وتعمل على مستقبل واعد للبلاد، حسب قول دياب.

الغالبية البرلمانية طلبت من حسن دياب تشكيل حكومة جديدة في منتصف ديسمبر الماضي. وكان دياب البالغ من العمر 60 عامًا وزيرًا للتعليم من 2011 إلى عام 2014، ولا ينتمي لأي حزب سياسي. وبالتالي، فهو على الأقل يفي رسمياً برغبة الحركة الاحتجاجية في تشكيل حكومة تكنوقراط مستقلة. وفي أول خطوة، نجح دياب أيضًا في تقليص عدد الوزراء من 30 إلى 20 في بلد صغير مثقل بالديون، حتى وإن بدا أن اندماج وزارتي الثقافة والزراعة أمر غير منطقي.

وأشار المراسل إلى “تحدي اختيار شخصيات توافقية ترضي معسكريْ 8 آذار المدعوم من سوريا ولبنان و14 آذار، المتحالف مع الغرب ومع دول الخليج، والذي لم يشارك حتى الآن في تشكيل الحكومة. وقد نجح دياب في هذا الاختبار الأولي.

وبعد التغلب على العقبة الأولى يواجه رئيس الوزراء تحديات كبيرة، فالمواطن اللبناني يتوقع من دياب أن يقتلع الفساد على نطاق واسع وأن يكرس أجهزة الدولة في خدمة السكان، في بلد يعاني من مشاكل هيكلية، فلا يوجد نظام تعليمي أو صحي فعال في لبنان، ولا توجد شبكة مياه وكهرباء جيدة والدولة مثقلة بالديون ولا تملك في الأساس أي أموال لعمليات تحديث كامل.

ولكي يقدر رئيس الوزراء على تنفيذ إصلاحات جذرية، فإنه يعتمد في نهاية المطاف على الأحزاب التي أسست النظام الفاسد وتشكل جزءًا منه ولن يكون دياب قادراً على التصرف ضد مصالح الأحزاب، خاصة أنه لا يمكنه حتى الآن الاعتماد على دعم حركة الاحتجاج.

ليس هناك شك في أن دياب وحكومته لم يكتسبوا بعد ثقة الحركة الاحتجاجية في الشارع اللبناني، ولن ينجح في هذا إلا إذا اتخذ دياب خطوات جادة لتلبية مطلب إجراء انتخابات برلمانية مبكرة بموجب قانون انتخابي جديد. وفي مساء يوم الثلاثاء 21 يناير الجاري، علق دياب بشكل غامض فقط على هذه القضية ووعد بأنه سيتم دراسة قانون الانتخابات.

إلى جانب ضرورة كسب ثقة الشارع اللبناني بشكل عام، “هناك أيضا حاجة لكسب ثقة الجناح السني منه لا سيما وأن دياب ابن الطائفة السنية كان مرشح حزب الله وأن الغالبية العظمى من البرلمانيين السنة ينتمون إلى حزب سعد الحريري، الذي يمثل المصالح الموالية للغرب والمؤيّدة للسعودية. لذلك، يمكن أن يفهم الغرب وخاصة الولايات المتحدة أن حكومة حسن دياب هي “حكومة حزب الله”، عندها سيواجه لبنان عقوبات من واشنطن. ومن الواضح أن دياب يدرك هذا الخطر، لذلك أعلن أن رحلته الأولى إلى الخارج ستكون إلى دول الخليج، فبلاده بحاجة ماسة إلى أموال أجنبية لمنع أو على الأقل كبح أي انهيار مالي”، وفق مراسل الصحيفة.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية