مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“سفارةٌ في القدس.. وحمّامُ دم في غزة”

مئات المتظاهرين والقنابل المسيلة للدموع تتساقط فوق رؤوسهم
في قطاع غزة، تصدت القوات الإسرائيلية بالقنابل المسيلة للدموع وبرصاص القناصة للتجمعات والتحركات السلمية التي نظمها عشرات الآلاف من الفلسطينيين يوم الإثنين 14 مايو 2018 باتجاه الحدود مع إسرائيل في إطار "مسيرة العودة الكبرى" ما أسفر عن سقوط العشرات من القتلى والمئات من الجرحى. Keystone

تصدرت التغطية المزدوجة لحفل تدشين السفارة الأمريكية في القدس والمذبحة الدامية التي شهدها قطاع غزة يوم الإثنين 14 مايو الجاري الصفحات الأولى لمعظم الصحف السويسرية الصادرة يوم الثلاثاء. وتراوحت العناوين بين "على حدود غزة، المذبحة!".. "سفارة في القدس وحمام دم في غزة".. "إدانة دولية بوجه تصاعد العنف".. "غزة تُسحق وسط الدماء".. "الجيش يطلق النار على الفلسطينيين في غزة".. "قطاع غزة وسط النار والدم"..  "نشوة في القدس وحمام دم في غزة"... "في غزة: الغضب والدم"... "إسرائيل تسحق أعمال الشغب التي أثارها ترامب"...

إدانة سويسرية لاستخدام القوة

أعربت سويسرا عن “إدانتها لاستخدام القوة من طرف إسرائيل” في قطاع غزة، الذي تسبب حتى الآن في مقتل 60 فلسطينيا من بينهم أطفال ومئات الجرحى. وذكّرت بضرورة إجراء تحقيق مستقل بشأن الأحداث التي شهدتها غزة.

وفي بيان صدر يوم الثلاثاء 15 مايو الجاريرابط خارجي، قالت برن إنها “تطلب احترام القانون الدولي وخاصة الحق في الحياة والحق في التظاهر السلمي”، كما دعت “جميع الأطراف إلى خفض التوتر”، وهو الطلب الذي نقلته يوم الإثنين 14 مايو الجاري إلى سفيري الولايات المتحدة وإسرائيل في برن.

وبوجه الوضع المأساوي للمستشفيات في قطاع غزة، التي اكتظت بآلاف الجرحى، “تطلب (برن) من إسرائيل ضمان وصول إنساني وبدون عوائق”. كما طلبت من السلطات في غزة “تحمّل مسؤولياتها” للتأكد من أن المظاهرات تظل سلمية.

يُشار إلى أن سويسرا انضمت في نهاية شهر مارس الماضي “إلى نداء الأمين العام للأمم المتحدة من أجل إطلاق تحقيق مستقل وشفاف حول الأحداث التي شهدتها غزة في الأسابيع الأخيرة”. واختتمت وزارة الخارجية بيانها بالتأكيد على أن تحقيقا من هذا القبيل أصبح اليوم “ضرورة”.

في افتتاحية نشرتها صحيفة “24 ساعة” و “تريبون دو جنيف”رابط خارجي بعنوان “لعبة قتل إسرائيلية”، ذكّر أندريس آلمان أن “مائة فلسطيني تقريبا قد فارقوا الحياة بعدُ في قطاع غزة منذ بداية “مسيرة العودة الكبرى” التي أطلقت يوم 30 مارس ويُنتظر أن تبلغ ذروتها هذا الثلاثاء (15 مايو 2018)، ذكرى “النكبة”.. كما أورد موقف السلطات الإسرائيلية التي تعتبر أن “الخطأ يقع على عاتق حماس الأصولية التي تسيطر على هذه الأراضي الفلسطينية و”تتلاعب” بالسكان، من خلال إرسال أبنائهم إلى الموت”.

كاتب الإفتتاحية علق مستنكرا: “يا له من استخفاف بالحياة البشرية! كيف يُمكن للمرء أن لا يُعرب عن مشاعر الإستنكار بوجه استخدام للقوة بمثل هذا القدر من عدم التكافؤ؟ وكيف لا يُمكن للمرء أن يرى فيه وحشية بلا عُقد لزعيم يعرف أنه مسنود بشكل أعمى من طرف رئيس الولايات المتحدة؟ قبل دونالد ترامب، كانت واشنطن بلا شك حليفا ثابتا لإسرائيل، لكنها كانت تفرض عليها – رغم كل شيء – بعض الحدود. أما في الوقت الحاضر، فنحن نرى بوضوح أن كل شيء مُباح”.

“رشّ الملح على جروح الفلسطينيّين”

“ليس هناك حاجة ملحّة اليوم لكي يعترف المرء بالقدس عاصمة لإسرائيل، حيث أنّ أحقيّة إسرائيل بالوجود لم تعد محلّاً للجدل في العالم الحديث، فكلّ مدينة تفي بالغرض بأن تكون عاصمة لها”، هكذا يرى كريستوف مونغا الأمر كما جاء في الإفتتاحية التي نشرتها صحيفة تاغس أنتسايغررابط خارجي، ويضيف بأنّ ترامب اعترف بالقدس كعاصمة لإسرائيل من أجل كسب أصوات الإنجيليين وأصدقاء إسرائيل. ويرى أيضاً أنّ قضيّة المدينة المقدّسة لا بدّ وأن تكون جزءاً لا يتجزأ من مفاوضات السّلام في الشّرق الأوسط ككل وعلى الأخص الجانب الفلسطيني منها. أمّا ترامب فيعدّ اليوم بطلاً في إسرائيل”.

في افتتاحية نشرتها صحيفة نويه تسورخر تسايتونغ،رابط خارجي لا يُخفي أولريش شميد تفهّمه لردّة الفعل الفلسطينيّة عبر المظاهرات الحاشدة كوسيلة لإيصال أصواتهم للعالم الصّامت ويرى “أنّ اليأس وقلّة الحيلة هي من تحرك النّاس هنا”، على الرّغم من كلّ الحجج الّتي تستخدم لتبرير ما يحدث من قتل على حدود غزّة وفي المظاهرات القائمة نحو القول بحقّ كل دولة بالدّفاع عن حدودها وحماية الأرض وشعبها وأنّ أحداً لم يُرغم الفلسطينيّين على الخروج والتّظاهر، كما نقلت عنه الصحيفة التي تصدر في زيورخ بالألمانية. أمّا خطوة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس فهي دليل – بالنّسبة له – على الأخطار الّتي تلوّح بها سياسة ترامب في فلسطين، وعلى أنّ الحلّ السّلميّ يبدو أبعد منه اليوم من أيّ وقت مضى. في الوقت نفسه، يضع شميد حماس واليهود المتشدّدين في قارب واحد ويحمّلهم مسؤوليّة تدهور الأمور هناك، كما ذكّر بحلّ الدّولتين “الّذي ما زال العالم يسعى للوصول إليه”، وبسياسة إيران وأمريكا “الّتي تشكّل فأل سوء على كل ّ من إسرائيل وفلسطين على حدّ سواء”، على حسب تعبيره.

“من الأفضل إسقاط جدار السجن..”

في مراسلة من القدس نشرتها صحيفة “لا ليبرتي”رابط خارجي، كتب غيوم جوندرون يقول: “المفارقة صارخة. الإحتفالات في القدس، التي تحولت إلى ديزني لاند موشحة بألوان ترامب بمناسبة آنتقال السفارة الأمريكية – الذي كان رمزيا أكثر مما هو عملي – إلى المدينة المقدسة. وفي غزة، الأسلاك الشائكة والقناصة والدم. من واشنطن، لم ير ترامب إلا “يوما عظيما لإسرائيل”، أما بنيامين نيتنياهو فقد تحدث عن “يوم مجيد”، لكنها “مذبحة مروعة” بالنسبة للسلطة الفلسطينية. فعلى حدود الجيب، لقي 55 غزاويا على الأقل مصرعهم – من بينهم ثمانية أطفال تقل أعمارهم عن 16 عاما، حسب السفير الفلسطيني لدى الأمم المتحدة رياض منصور – برصاص قناصة إسرائيليين، فيما تجمّع 40 ألف فلسطيني على الأقل على طول السياج الإسرائيلي في الأسبوع السابع من مسيرة العودة”.

مراسل الصحيفة التي تصدر بالفرنسية في فريبورغ أضاف أن “التوقيت الذي اختارته الإدارة الأمريكية، سواء كان ذلك مُتعمّدا أو ناجما عن نقص في الثقافة، وضع مزيدا من الملح على الجرح. فقد تساءل أحمد الطيبي، رئيس كتلة النواب العرب في الكنيست الإسرائيلي باستياء: “فيم كان يُفكر فريدمان وغرينبلات (على التوالي دافيد وجايسون، السفير الأمريكي ومبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط – التحرير) حينما اختارا ذكرى النكبة لاحتفالهما المخزي بالكراهية؟”.

“لا ليبرتي” لفتت أيضا إلى أن حركة حماس – رغم أنها لم تتبناها بشكل صريح – هيمنت على التحركات السلمية في البدايات التي انطلقت تحت راية غاندي ومارتن لوثر كينغ. وبمرور الأسابيع، جعل زعماؤها من العبور المكثف للحدود هدفا أقصى، كرد على الحصار الإسرائيلي المصري الذي بدأ تنفيذه منذ استيلائهم على السلطة في عام 2007. ففي مناسبة عقد ندوة صحفية غير مسبوقة، صرح يحيى السنوار، زعيم حركة حماس في قطاع غزة يوم الخميس الماضي (3 مايو 2018): “الأفضل أن نُسقط جدار السجن فلا يُمكن أن نبقى نموت ببطء”.

في مقابل ذلك، أشار غيوم جوندرون إلى أن نيتنياهو برّر في تغريدة نشرها على موقع تويتر تصرفات جيشه قائلا: “لقد أعلنت حماس بوضوح عن نيتها تدمير إسرائيل من خلال إرسال آلاف الأشخاص إلى الحدود. سنواصل التحرك بتصميم للدفاع عن سيادتنا ومواطنينا”. ومن جهته، صرح النائب آفي ديختر، الرئيس السابق للشابك (جهاز الأمن الداخلي) في الإذاعة: “لدى الجيش ما يكفي من الرصاص لهم جميعا”، لكن يهوذا شاؤول، مؤسّس منظمة “كسر الصمت”، وهي مجموعة من قدماء المحاربين المعارضين للإحتلال، لم يُخف صدمته ورد مستنكرا: “المأساة كانت كامنة في المقاربة، منذ البداية. استخدام قناصة بوجه متظاهرين غير مسلحين… بندقية القنص، هي سلاح لقتل العدو، وليس لتنظيم مظاهرة!”.

“مذبحة مُخطّط لها”

في صحيفة لوتونرابط خارجي، لاحظ لويس ليما أن الخطابات التي كانت تتوالى في حفل تدشين السفارة الأمريكية في القدس لم تتضمن أي تلميح إلى حمام الدم الذي كان يشهده قطاع غزة في نفس الوقت باستثناء جاريد كوشنر، صهر الر ئيس دونالد ترامب الذي قال إنه يُشاطر إسرائيل “نفس الإيمان بالحرية وحقوق الإنسان”، ثم أضاف – في إشارة حسبما يبدو إلى ما كان يحدث بالتزامن في غزة – “إن أولئك الذين يتسببون في العنف يُمثلون جزءا من المشكل، لا من الحل”.

في السياق، نقلت الصحيفة التي تصدر بالفرنسية في لوزان عن مها عبد الله، التي تعمل باحثة قانونية في منظمة “الحق” الفلسطينية التي سبق أن أعربت عن تخوفها من حدوث كارثة يوم الإثنين حيث سبق للجنود الإسرائيليين أن قتلوا العشرات من المتظاهرين على “الحدود” الفاصلة بين غزة وإسرائيل وجرحوا مئات آخرين قولها: “كل شيء يُقيم الدليل على أن المذبحة كان مخططا لها. لقد وثقت الفرق التابعة لنا (يوم الإثنين 14 مايو الجاري) مقتل 41 مدنيا و15 أشخاص آخرين يُمكن أن يُعتبروا أفرادا من المقاومة (أي أعضاء في حركة حماس التي تسيطر على غزة). إن الرغبة المعلنة لإسرائيل تتمثل في سحق أي حركة احتجاجية، ولكن أيضاً تهيئة مناخ الإفلات التام من العقاب، وهو ما يسمح لها بارتكاب هذا الصنف من الجرائم دون أن يُعرب أحد عن انزعاجه”.

وفيما صرح إيمانويل ناشون، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية بأن “مسيرة العودة المزعومة ليست سوى إرهاب..” مضيفا “لن نسمح للمشاغبين القتلة بالدخول إلى الأراضي الإسرائيلية. هذا أمر لن يفعله أي بلد آخر”، نقلت “لوتون” عن مها عبد الله أن “المستشفيات لم تعد لديها الوسائل لإجراء العمليات الجراحية نظرا للعد المرتفع جدا للضحايا، فالأجهزة الطبية غير متوفرة ويم الإثنين (14 مايو) كان العشرات من الجرحى مُمدّدين في الممرات في انتظار توفر سرير”. ففي الوقت الذي لا زالت تُعتبر فيه إسرائيل من طرف المجموعة الدولية “قوة محتلة” في غزة، يتعيّن عليها – نظريا – العمل على أن لا تحدث وضعية من هذا القبيل، لذلك تؤكد الباحثة الفلسطينية للصحيفة السويسرية أن “هذا يرقى بوضوح إلى جريمة حرب”.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية