مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هل يضغط أوباما على السيسي لوقف قمع الحريات في مصر؟

صورة من الأرشيف لاجتماع عقده جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي يوم 22 يوليو 2014 في القاهرة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. Keystone

شهدت المراجعة الدورية الشاملة لحقوق الإنسان التي عقدت بمقر الأمم المتحدة في جنيف في بداية شهر نوفمبر الجاري، إعراب وفود عديدة من الشرق والغرب عن "القلق العميق" إزاء انتهاكات نظام السيسي في مصر لحقوق المصريين، في التعبير والتجمع السلمي وقمع حرية الصحافة.

وفي تلك المناسبة، انتقد الوفد الأمريكي بكلمات قوية تردّي أوضاع حقوق الإنسان في مصر، بعد أسابيع قليلة من تعهّد الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطابه أمام الأمم المتحدة، بأن مصر ستضمن حرية التعبير. فهل بوسع الولايات المتحدة أن تقرن الفعل بالقول وتضغط على الحكومة المصرية لوقف قمع الحريات واستهداف الناشطين السياسيين، وفرض قيود على حرية الصحافة وصلت إلى حد السجن، والسيطرة على الخطاب الإعلامي؟ أم أن واشنطن غير راغبة في التضحية بتعاون مصر معها على حساب مبادئ الحرية والديمقراطية؟

استطلعت swissinfo.ch آراء عدد من الخبراء الأمريكيين في أوضاع الحريات وحقوق الإنسان في مصر، وسألتهم ما الذي يمكن لواشنطن أن تفعله إذا كانت راغبة أصلا في ممارسة أيّ نوع من الضغط على حكومة السيسي.

سياسة ذات وجهين 

شريف منصور، منسق برامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة حماية الصحفيينرابط خارجي في نيويورك، يرى أن تعهد السيسي في الأمم المتحدة “لم يكن تعهّدا مخلصا”. ويضيف: “السيسي ينتهج سياسة ذات وجهيْن. فبينما يترك الحبل على الغارب لأجهزته الأمنية لتقمع كل رأي مخالف، يحاول استرضاء المجتمع الدولي بالتعهد بكفالة حرية التعبير وحرية الصحافة،ويبرر أي قيود تشهدها مصر بأنها بسبب الحرب التي تشنها الدولة المصرية على الإرهاب”.

في السياق، يُشير السيد منصور إلى أنه مع اعتقال عشرات من الصحفيين لتغطيتهم عدم الإستقرار في مصر أو لانتقادهم الشديد للحكومة وبقاء أحد عشر صحفيا مصريا وراء القضبان ومقتل ستة صحفيين أثناء عملهم في مصر، أدرجت لجنة حماية الصحفيين مصر بعد سوريا والعراق، كـ “أخطر ثلاث دول بالنسبة للعمل الصحفي”.

ويُذكّر منصور أن الرئيس المصري طلب بصراحة ودون مُواربة في لقائه بالصحفيين المصريين أن لا يُهيّجوا الرأي العام بانتقادهم للحكومة، وأبلغهم بأن عليهم أن يحافظوا على هيبة الدولة، مما أدّى برؤساء التحرير في سبع عشرة مؤسسة صحفية حكومية وخاصة، إلى إصدار تعهد بالكف عن انتقاد مؤسسات الدولة ولم تعجب تلك الإستكانة الصحفيين المصريين، والتي سرعان ما أوجدت حالة من الرقابة الذاتية، حيث “أعرب مئات من الصحفيين المصريين عن رفضهم لذلك التعهّد ولمحاولة إجهاض التغطيات الصحفية للأحداث في مصر، والذي يشكل انتهاكا لدور الصحافة كسلطة رابعة”، على حد قوله.

واستشهد  منسق برامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لجنة حماية الصحفيين في نيويورك بقرار عدد من منظمات المجتمع المدني المصرية في آخر لحظة، بعدم المشاركة في المراجعة الدورية لحقوق الإنسان في جنيف، خشية من أن تنالها يد القمع كدليل على أجواء الخوف والترهيب التي تسود أوساط المدافعين عن الحريات وحقوق الإنسان في مصر.

تصريحات قوية وضغوط ضعيفة

ومع أن الرئيس أوباما تعهّد بأن تمارس الولايات المتحدة ضغوطا لوقف المحاولات المبذولة لقمع حرية الصحافة في مصر، ورغم أن وزير الخارجية كيريرابط خارجي طالب الحكومة المصرية بالإلتزام بضمان حرية التعبير والتجمّع السلمي وحرية الصحافة وتشجيع منظمات المجتمع المدني على ممارسة دور فعّال في التحوّل نحو الديمقراطية، فإن الإدارة الأمريكية لم تُمارس ضغوطا من شأنها دفْع الحكومة المصريةرابط خارجي إلى التراجع عن سياسات قمْع الحريات وتقييد حرية الصحافة ونشاط المجتمع المدني، وفي هذا الصدد، تقول ميشيل دان، كبيرة الباحثين في مؤسسة كارنيغيرابط خارجي للسلام العالمي: “حتى الآن رأينا إدارة أوباما راغبة في أن تنتقد بوضوح القيود المفروضة على الحريات في مصر، غير أنه من غير الواضح ما إذا كانت تريد بالفعل أن تقرن الأقوال بالأفعال”.

الخبيرة الأمريكية فسّرت تردّد الرئيس الأمريكي في ممارسة الضغط على السيسي قائلة: “وجدت إدارة أوباما نفسها أمام أولويات متناقضة، فمن ناحية أعربت عن قلقها على مسار الحريات والتحول الديمقراطي في مصر وسارعت إلى حجب جانب من المساعدات الأمريكية لمصر في أعقاب الانقلاب العسكري وأثارت مع المسؤولين المصريين قلقها من تردّي الحريات وانتهاكات حقوق الإنسان، ولكنها في نفس الوقت حريصة على بناء تحالف قوي من الدول العربية لمواجهة تنظيم “داعش” وتحرص على مشاركة مصر فيه”.

في المقابل، يرى ستيفن ماكينيرني، المدير التنفيذي لبرنامج الديمقراطية في الشرق الأوسط،رابط خارجي أنه مع إدراك حقيقة التركيز الحالي على ما يحدث في سوريا والعراق، يجب أن لا ينصرف الإنتباه عما يحدث في مصر، وأنه يتعين على إدارة أوباما أن تساعد جهود المصريين للمطالبة بحقوقهم الأساسية.

بدون الحرية والديمقراطية لن يكون هناك استقرار في مصر ستيفن ماكينيرني، المدير التنفيذي لبرنامج الديمقراطية في الشرق الأوسط

ماكينيرني استنتج من تردّد إدارة أوباما في أن تقرن أقوالها بأفعال حاسمة، أنها عادت إلى خيار تفضيل الإستقرار على الحرية والديمقراطية وقال: “إن ذلك خيار زائف، لأنه بدون الحرية والديمقراطية، لن يكون هناك استقرار في مصر. ولذلك، يجب أن يطرأ على العلاقات المصرية الأمريكية تحوّل أساسي يعكس التركيز على خطوات نحو الديمقراطية، يكون من شأنها تعزيز الإستقرار، وأن تدرك الحكومة المصرية أن القمع يهدّد فرص تدفق الإستثمارات الأجنبية والتي هي بأمس الحاجة إليها لإنقاذ الإقتصاد المصري”.

ويخلص ماكينيرني إلى أن الكونغرس الأمريكي يشترط لاستكمال تقديم المساعدات الأمريكية لمصر، أن يشهد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأن الحكومة المصرية تتّخذ بالفعل خطوات لتعزيز التحوّل نحو الديمقراطية، وهي شهادة مُستحيلة في ظل القمع الحالي للحريات في مصر.

لذلك يقترح ماكينيرني أن “تطرح إدارة أوباما على السيسي ما تراه من خطوات ضرورية يجب اتباعها” لكي يُمكنها تقديم الشهادة أمام الكونغرسرابط خارجي.

على واشنطن “ممارسة تأثيرها”

أما الخبيرة ميشيل دان، التي تشارك في رئاسة ما يسمى بـ “مجموعة العمل حول مصر”، فترى أنه وإن كانت الولايات المتحدة لا تستطيع التحكّم في ما يحدث في مصر، فإن بوسعها أن تقِف بصلابة لمساندة الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر وممارسة تأثيرها، بحيث تكون شراكتها في المنطقة مع حليف ديمقراطي حقيقي دعْما للإستقرار الذي تنشده، وتقول: “يمكن لمثل هذه الاستراتيجية أن تحقق نجاحا أكبر بكثير من دعم قمع وحشي يُعرّض مصالح الولايات المتحدة وآمال وطموحات الشعب المصري للخطر، فما تشهده مصر من قمع متصاعد للمعارضين السلميين والإستقطاب الشديد في المجتمع المصري، والهجمات المتنامية ضد أفراد الشرطة والجيش، يُظهر بكل وضوح أن الإستناد إلى الحلول الأمنية القمعية، لن يُسفر عن أي نوع من الإستقرار”.

أخيرا، نبّهت دان إلى أنه حتى إذا كانت الولايات المتحدة مهتمّة بالحفاظ على التعاون الإستراتيجي مع مصر، وخاصة في مجالات الإستخبارات ومكافحة الإرهاب، فإنه يتعيّن عليها أن توضح للحكومة المصرية أنها “لن تكون شريكة في دعم حملة قمع يقوم بها النظام ضد كل المعارضين السياسيين في مناخ يتعرض فيه النشطاء السياسيون والأكاديميون والمحللون ذوي التوجهات المعارضة، لاتهامات مشكوك فيها بالعمالة أو مساعدة الإرهاب”. 

مصر تلقي القبض على أحد قادة جماعة الإخوان

القاهرة (رويترز) – ألقت الشرطة المصرية يوم الخميس 20 نوفمبر 2014 القبض على محمد علي بشر أحد القادة القليلين لجماعة الإخوان المسلمين الباقين خارج السجون منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي للجماعة في يوليو 2013 بعد احتجاجات حاشدة على حكمه.

وإلقاء القبض على بشر الذي شغل منصب وزير التنمية المحلية في حكومة مرسي أحدث علامة على حملة تتعرض لها الجماعة. وقالت مصادر أمنية إنه متهم بالدعوة للتظاهر والتحريض على العنف بعد عزل مرسي.

وقالت وسائل إعلام محلية إن بشر متهم بالحث على المشاركة في مظاهرات دعا سلفيون لتنظيمها يوم 28 نوفمبر الحالي لإسقاط الحكومة.

وبعد أن أعلن الجيش عزل مرسي حظرت الحكومة جماعة الإخوان وأعلنتها منظمة إرهابية. كما ألقت القبض على ألوف من أعضائها ومؤيديها بجانب أغلب قادتها الذين لم يغادروا البلاد. ومن بين المقبوض عليهم مرسي والمرشد العام للجماعة محمد بديع.

وتقول الأجهزة الأمنية إن بشر قام بدور كبير في الحفاظ على نشاط الجماعة التي تحولت للعمل السري بعد إلقاء القبض على قادتها. كما أنه عضو قيادي في تحالف إسلامي تقوده الجماعة يطالب بإعادة مرسي إلى منصبه وينظم مظاهرات احتجاج أسبوعية في القاهرة ومدن أخرى وفي بعض القرى.

وحظرت الحكومة التحالف الذي يسمى التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب في شهر أكتوبر الماضي.
وأدان التحالف إلقاء القبض على بشر الذي ألقي القبض عليه في منزله بمدينة شبين الكوم عاصمة محافظة المنوفية بدلتا النيل. وألقي القبض أيضا أمس الأربعاء على 25 محتجا في وسط القاهرة. وأدان التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب في بيان في صفحته على فيسبوك إلقاء القبض على بشر وقال إنه “يرفض استمرار الهجمة المسعورة ضد مكونات التحالف وأعضائه… وضد أبناء وبنات الحركة الطلابية الثائرة” في إشارة إلى مظاهرات ينظمها طلاب مؤيدون لجماعة الإخوان في جامعات مصرية.

وقالت المصادر الأمنية في شبين الكوم إن الشرطة ألقت القبض على بشر فجرا بناء على إذن من النيابة العامة. وقال مصدر إنه متهم في نحو 15 قضية تظاهر وتحريض على العنف.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 20 نوفمبر 2014)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية