مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العلاقات المغربية المصرية.. أزمـةٌ عـابـرة أم مواقفُ غير محسوبة؟

على عكس الموقف الرسمي، عبر مؤيّدون لجماعة العدل والإحسان المغربية عن استنكارهم للإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي من طرف الجيش، ونظموا يوم 16 أغسطس 2013 مسيرة احتجاجية جابت شوارع الرباط. swissinfo.ch

لم تظهر حتى الآن مؤشرات على قرب حل أزمة اندلعت بين القاهرة والرباط بدون سابق إنذار. في المقابل، لم تفاجئ هذه الأزمة المتتبعين لمسار العلاقات المصرية - المغربية منذ عزل الرئيس المنتخب محمد مرسي ولترتيبات القاهرة تجاه خصومها وحلفائها وحساباتها المحلية والإقليمية، وهي ترتيبات أغفلت أطرافا عربية ذهبت منذ الثالث من يوليو 2013 باتجاه الحكم الجديد وتوفير الدعم له.

فجأة، ظهرت يوم الخميس أول يناير 2015، على شاشة التلفزيون الرسمي المغربيرابط خارجي، بقناتيه الأولى والثانية، تقارير حول مصر تشير إلى أن ما وقع يوم الثالث من يوليو 2013، يُعدّ انقلابا عسكريا، وقالت القناة الأولى إن “الجيش قام بانقلاب عسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي، وعزل الرئيس المنتخب محمد مرسي، وعطل العمل بالدستور، وصدرت أوامر باعتقال المئات من المعارضين”.

وأضافت القناة أنه “منذ إعلان بيان الإنقلاب، خرجت العديد من المظاهرات في أنحاء مختلفة من مصر وأصيب العشرات في اشتباكات بمحافظة الشرقية مسقط رأس مرسي… وقد أجهض الإنقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي مسلسل الإنتقال الديمقراطي الذي دخلت فيه مصر، هذا الإنقلاب وضع حدا لمطامح الشعب المصري، حيث أنهى عُهدة الرئيس المنتخب محمد مرسي…هي عملية اعتبرت ردّة على خيارات الشعب المصري”.

وجاء في التقرير أيضا أن مصر “عاشتْ منذُ الإنقلاب العسكري الذي نفذه المشير عبد الفتاح السيسي عام 2013 على وقع الفوضى والإنفلات الأمني، حيث اعتمد هذا الإنقلاب على عدد من القوى والمؤسسات لفرضه على أرض الواقع، وتثبيت أركانه” وتحدثت القناة الرسمية المغربية عن الإعتقالات، وأعمال قتل طالت 500 من المعتصمِين في ميدان رابعة العدويَّة في القاهرة، دون أن تغفل ردُود الفعل الدولية التي أعقبت فضَّ اعتصام ميدان رابعة، من خلال التنبيه إلى أنَّ دور العسكر في مصر يبعثُ على القلق، بعد التراجع عن استحقاقات قال فيها الشعب المصري كلمته. وقالت إن خروقاتٍ شابت الإنتخابات الرئاسية في مصر، من خلال إعلان فوز السيسي بنسبة 96 بالمائة، بالرغم من حديث اللجنة العليا للإنتخابات في البلاد عن مشاركة لمْ تتعدَّ 47 بالمائة من إجمالي الناخبين.

محتويات خارجية

القناة الثانيةرابط خارجي بثت تحقيقا لمدة 4 دقائق و7 ثوان عن تراجع السياحة بمصر، وقالت في تقريرها: “إن الأزمة بدأت منذ الثورة على الرئيس حسني مبارك في 2011، وتوالت ما بعد الإطاحة بالشرعية الإنتخابية المتمثلة في محمد مرسي من طرف الجيش، حيث وصل المشير عبد الفتاح السيسي إلى منصب الرئاسة في انتخابات محسومة النتائج مسبقاً”.

انقلاب في الموقف الرسمي 

هذا الخطاب الإعلامي يتماهى مع خطاب أشد المعارضين للنظام المصري وللرئيس عبد الفتاح السيسي، بل يتجاوزه، كما أنه لم يُبث من طرف وسيلة اعلام مغربية عادية، بل في القناتين الرسميتين اللتين يضع خطهما الإعلامي صناع القرار المغربي، لانهما المعبرتان عن مواقف الدولة تجاه القضايا الداخلية والخارجية، بعيدا عن تدبير الحكومة للشأن الإعلامي، وبالتالي فإن ما بُث في القناتين بنفس الوقت، بنفس المضمون واللغة والتعابير، لا يمكن أن يقرأ إلا على أنه يمثل انقلابا في الموقف الرسمي المغربي مما يجري في مصر.

بالعودة إلى الوراء، لا مفر من التذكير بأن المغرب الرسمي كان من أوائل المُرحّبين بحركة الثالث من تموز/ يوليو في مصر، وطرفا “غير رسمي” ضمن التكتل الرسمي العربي “الحامي” لهذه الحركة. فقد بعث العاهل المغربي الملك محمد السادس مهنئا خصوم الرئيس مرسي، وزار وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار القاهرة، واستقبله عبد الفتاح السيسي يوم 5 يونيو 2014. إضافة إلى ذلك، هنأ الملك محمد السادس الرئيس عبد الفتاح السيسي بعد اختياره رئيسا للبلاد وجاء في رسالته حينها: “أشيد بالثقة التي حظيتم بها من لدن الشعب المصري الشقيق في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخه الحديث، لقيادته إلى تحقيق ما يصبو إليه من ترسيخ لروح الوئام والطمأنينة، وتقدم وازدهار، في ظل الأمن والإستقرار”.

في الأثناء، كان التباين بين موقف الدولة المغربية من تطورات الوضع في مصر وموقف الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية رابط خارجيذو المرجعية الإسلامية، محل اهتمام ومتابعة، بل ذهب مراقبون إلى اعتبار أن حركة الثالث من يوليو في مصر، وما استقطبته من تحالفات إقليمية لمواجهة التيارات والأحزاب ذات المرجعية الاسلامية، قد تعني “بداية نهاية مرحلة تواجد هذه الأحزاب (في كل من تونس والمغرب وليبيا) في السلطة أو في تدبير الشأن العام، ومواجهة محتملة في المغرب بين الدولة وحزب العدالة والتنمية”. لكن تدبير هذا الإختلاف، بحرص الحكومة رابط خارجيعلى عدم الإقتراب من الملف المصري وحرص الدولة على عدم ربط ما جرى بمصر بالوضع المغربي، أبعد شبح هذه المُواجهة.

وطوال الأيام التي تلت “الإنقلاب” أو “الصدمة” المغربية، بقيت الأزمة وذيولها، محصورة ببعدها الإعلامي، إذ أنه إضافة إلى الصمت الرسمي في كل من القاهرة والرباط، فُسّر تواجد محمد العلمي، السفير المغربي لدى مصر بالرباط بُعيد الأزمة رسميا بأنها مجرد “زيارة خاصة بمناسبة الأعياد”، فيما عزت مصادر مسؤولة اعتذار منتخب كرة اليد المغربي عن المشاركة في شرم الشيخ في المباريات التمهيدية للبطولة العالمية لكرة اليد، إلى “عدم تلقي المغرب دعوة رسمية للمشاركة”.

في مقابل ذلك، تُركت مهمة شرح أسباب الإنقلاب الإعلامي المغربي، وأبعاده وأهدافه وآثاره، إلى وسائط إعلامية ومحللين وخبراء، في تباين واضح ليس فقط بين أولئك المتحدثين من الرباط والمتكلمين من القاهرة، بل إن الإختلاف كان واضحا أيضا في صفوف الطرفين، إلا أن الإبتعاد عن ممارسة “الردح المصري” التقليدي في مُواجهة الخصوم و”الإعتذار” الذي ساد التحليلات والمداخلات الصادرة في القاهرة ومن وسائل الاعلام المقربة من الجنرال السيسي، والتمجيد (المبالغ فيه) للمغرب ملكا وشعبا، وتحميل جماعة الاخوان المسلمين وتركيا، مسؤولية توتير العلاقات، كشفت عن حجم الصدمة التي أصابت المسؤولين الرسميين في القاهرة.

التقارب الذي أزعج الرباط 

في السياق، نأى المحللون المصريون بأنفسهم عن قراءة تحولات ومواقف وإساءات مصرية رسمية أو شبه رسمية تجاه المغرب ورموزه وقضاياه وشعبه على امتداد سنة 2014، وهي مسائل كانت تُتابع في المغرب الأقصى بحساسية لعدم وجود أي مبرر مقبول ومفهوم لكل ذلك، وقد شكلت تراكما كان لا بد من حصول الرد المغربي عليها بعد استفحاله وربطه بسياسات إقليمية انتهجتها القاهرة خلال العام المنصرم.

لقد كان الهدف الأول للدبلوماسية المصرية وتحالفاتها محاصرة تنظيم الاخوان المسلمين والتيارات الاسلامية والوضع المتفجر في ليبيا وتأمين دعم مالي وفك العزلة الإقليمية عن مصر ما بعد محمد مرسي، إلا أن المغرب لم يكن يُشكل يشكل قبلة لهذا الهدف. فبالإضافة إلى وجود حزب مغربي ذو مرجعية إسلامية على رأس الحكومة، فان المغرب ليس عضوا في الإتحاد الافريقي رابط خارجيالذي اتخذ قرارا بتجميد عضوية مصر في أعقاب الإطاحة بالرئيس مرسي. وهنا يأتي دور الجزائر، الشقيق اللدود للمغرب، فهي حليف طبيعي لأي طرف يناهض التيارات الإسلامية، وعضو فاعل ومؤثر داخل الإتحاد الإفريقي، وبلد منتج للغاز الذي تحتاجه مصر. لذلك خصّص المشير عبد الفتاح السيسي أول زيارة خارجية له كرئيس لبلاده للجزائر في طريقه لحضور أشغال القمة الإفريقية.

بالحسابات المغربية، فإن الجزائر عادة ما تسترد فواتيرها الدبلوماسية بمواقف تجاه نزاع الصحراء الغربية ودعم جبهة البوليساريو التي تساندها الجزائر في سياق مناهضة السيادة المغربية على الصحراء، وبغض النظر عما إذا كانت الجزائر قد طلبت من مصر تسديد فواتير دعمها صحراويا أو كانت المسألة مجرد اجتهادات مصرية، فقد سُجّل اهتمام إعلامي وثقافي مصري (رسمي وشبه رسمي) بالقضية الصحراوية يميل باتجاه تبني مقاربة جبهة البوليساريو للنزاع، حيث أنجزت سلسلة تحقيقات صحافية وثقافية عن مخيمات تندوف حيث يُوجد التجمع الرئيسي للجبهة وللاجئين الصحراويين ثم تُــوّج هذا الاهتمام بتجميع هذه التحقيقات وإصدارها في كتاب تم الإحتفاء به في الجزائر العاصمة وسط حضور مصري لافت. وكما هو معلوم، فإن مسألة الصحراء تمثل بالنسبة للمغرب خطا أحمر ومقياسا ثابتا للصداقة أو العداوة مع الرباط، وهو ما لم يُدركه صناع القرار في مصر أو لم يولوه اهتماما.

أزمة العلاقات الثنائية 

في الواقع، لم تقتصر انعكاسات التقارب المصري الجزائري المزعج للمغرب على قضية الصحراء، بل امتدت لتشمل التعاطي مع الموقف حيث لاحظت الرباط تبني القاهرة للسياسة الجزائرية في التعاطي إقليميا مع الإرهاب، وتحديدا في تدبير الملف الليبي، باستبعاد المغرب نهائيا منه، وهو ما نجحت به الجزائر مع امتداد هذه السياسة في مواجهة الإرهاب إلى منطقة الساحل ومعالجة الأزمة في مالي.

لعدة أشهر، ظلت الإشارات المغربية للتعبير عن الإنزعاج من القاهرة، تأتي من وسائل إعلام غير رسمية تكتفي بالرد على الإساءات المصرية دون أن تتجاوز ذلك السقف، ويبدو أن الجهات المعنية في مصر لم تنتبه، فانفجر المغاربة الذين عيل صبرهم في تقريرين إخباريين، لتصحوا القاهرة من غفوتها وتحاول أن تعيد حساباتها وتضع سياسة إقليمية تُراعي فيها مصالح جميع الأطراف القريبة منها (وليس لفائدة طرف على حساب طرف آخر)، وهو ما تُعدّ له القاهرة حسبما يبدو ومن المنتظر أن يشرحه وزير خارجيتها سامح شكري اثناء زيارته للرباط المقررة ليوم الأحد 18 يناير الجاري، بعد أن عاد السفير المغربي إلى مقر عمله للإعداد لهذه الزيارة بهدف تطويق أزمة لم يعترف بها المسؤولون في العاصمتين، ولم يُكشف رسميا عن الأسباب الكامنة وراءها. 

على كلّ، تحمل هذه الأزمة القائمة بين القاهرة والرباط، في طياتها تعبيرا مكثفا عن أزمة العلاقات الثنائية العربية – العربية، وهي عبارة عن أزمات تندلع فجأة، ثم تنعكس سلبا حتى على العلاقات بين المواطنين العاديين، ثم تُطوى لاحقا دون أن تُعرف أسبابها أو دواعيها.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية