مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

احتجاجات الحوثيين توسّع دائرة الصراع وتضاعف المخاطر محليا وإقليميا

أنصار جماعة الحوثي يتظاهرون في أعقاب مقتل عدد منهم في صدام مع الشرطة اليمنية شهدته العاصمة صنعاء يوم الجمعة 12 سبتمبر 2014. Keystone

وضعت الحشود القبلية والشعبية لجماعة الحوثيين، التي تُـطوِّق العاصمة اليمنية صنعاء منذ أكثر من أسبوعين، البلاد وجهود التسوية السياسية على عتبات مرحلة جديدة من غموض المستقبل السياسي، الذي كانت ملامحه قد أوشكت على الوضوح في خارطة الطريق التي رسمها مؤتمر الحوار الوطني.

ويقول الحوثيون الذين يقودون الاحتجاجات الشعبية، إن ما يقومون به ثورة شعبية لها مطالب مشروعة تتمثل في إسقاط قرار رفع الدعم عن الوقود، وتشكيل حكومة جديدة، وتنفيذ مخرجات الحوار الوطنيرابط خارجي.

ولهذه الأسباب يقولون إنهم نصبُوا خِيامهم في المداخل المُحيطة بالعاصمة، تحت شعار الانتصار لمظلومية الشعب، فيما هم يسعوْن إلى أهداف أبعد ممّا هو مُعلَـن، تُحرِّكها دوافِع إنتقامية وتصفية حسابات سياسية بين مراكز النفوذ.

تحالفات الحوثيين

ونجح الحوثيون في حركتهم الاحتجاجية، بضمِّهم مُوالين لهم من قِوى سياسية وحِزبية وقبلية أخرى، سواء من داخل المُنتمين للمذهب الزيدي للجماعة أو من خارجه، وعلى وجه الخصوص من حزب المؤتمر الشعبي العامرابط خارجي، الذي يرأسه الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، ومن أحزاب أخرى ومستقلين، وهذا خفّف إلى حدٍّ ما من الطابع الطائفي للحركة الشيعية الحوثية، الجامع بين أطرافه المتناقضة، رفضهم لهيمنة حزب التجمّع اليمني للإصلاحرابط خارجي وحلفائه والانتقام منهم، كما هو حال الرئيس المخلوع صالح، الذي زجّ بحزبه المؤتمر الشعبي وراء جماعة الحوثيين.

وتحالُف صالح مع الحوثيين في احتجاجاتهم، لم يعد مجرد تكهنات، بل خرج إلى العلن بعد إعلان الأسبوع الماضي عدد من قيادات وأطر الحزب رفضها لتحالف علي عبدالله صالح مع جماعة الحوثي، أبرزها أمين عام الحزب للشؤون السياسية والعلاقات الخارجية سلطان البركاني، وعضو اللجنة العامة أحمد الميسري وقيادات حزبية أخرى من المحافظات الجنوبية، أعلنوا جميعهم تمرّدهم على صالح لتحالُفه مع جماعة الحوثيين بشكل منفرد خارج أطر الحزب، واتّهموه بتهميش اللجنة العامة للحزب (اللجنة المركزية) مطالبين بموقف صريح للحزب حيال ما أسموه جماعات مسلّحة تحاصر العاصمة وتُـقوض الأمن والسِّلم الأهليين.

أهم مراحل الظاهرة الحوثية

– مدينة صعدة الواقعة شمال العاصمة (240 كم) هي المعقل التاريخي للزيدية منذ أكثر من ألف عام عندما ظهر الإمام الهادي قادماً من مكة.

– في عام 1979، أسس شيخ السلفية اليمني الراحل مقبل بن هادي الوادعي مركز (دماج) في مديرية وادِعة القريبة من مدينة صعدة، ومثَّـل ذلك تحدياً كبيراً لمعقل الزيدية التاريخي واستثار النزعة المذهبية الزيدية.

– عام 1986، أنشأ الشيخ صلاح أحمد فليتة، اتحاد الشباب لتدريس أفراد الطائفة الزيدية، وكان من ضمْن مدرِّسيه مجد الدين المؤيدي وبدر الدين الحوثي، والد عبد الملك الحوثي، وكان ينظم حلقة تعليمية صيفية، يتعلّم فيها الطلاب الخطابة والأناشيد والمسرحيات واللقاءات والحوارات الجماعية، إلى جانب دروس دينية، كالفِقه والحديث والتفسير والعقائد. وخلال سنوات قليلة، صار للمنتدى أكثر من 67 حلقة تدريس ومدرسة، تجاوزت صعدة إلى قرابة 9 محافظات يمنية… إلخ، وتضم المراكز نحو 15,000 طالب.
الحوثية هي النسخة الحديثة للزيدية، ظهرت في البداية مقترنة بالتعدّدية السياسية التي تمَّت كشرط رئيسي للوحدة عام 1990.
– عام 1992، تشكّلت النواة الأولى لما سُمي بـ “منتدى الشباب المؤمن” على يد محمد سالم عزان ومحمد بدر الدين الحوثي وآخرين، ثم حدث انشقاق في صفوفه سيطر بموجبه حسين بدر الدين الحوثي ومعه عبدالله الرزامي على المنتدى.

1994، سافر بدر الدين الحوثي وابنه حسين إلى إيران، التي اختاراها بحُكم التقارب الفِكري، رغم الاختلاف المذهبي في قضايا أساسية، الأمر الذي يعود إليه انتشار بعض الأفكار الغريبة بين أتباع الحوثي والترويج لظهور حسين اليماني، الممهد للمهدي، أسطورة المهدي متلازمة بظهور اليماني حامل الرايات السود سيظهر في اليمن، وهو في المرجعية الشيعية أهدى الرايات في عصر الظهور، وهذا يعني بأنه المُمهِّـد الرئيسي لقيام الإمام المهدي (ع)، وكل راية أو دعوة تُعارضه، فهي باطل وانحراف، ولا يمكن أن يُقرَن به أحد مهما كان.

1997، تحوّل المنتدى على يد حسين بدر الدين الحوثي، من الطابع الثقافي إلى حركة سياسية تحمل اسم تنظيم الشباب المؤمن، وعلى إثر ذلك، غادر كلٌّ من صلاح أحمد فليتة ومجد الدين المؤيدي التنظيم واتّهماه بمخالفة المذهب الزيدي.

2002، بدأ المنتدى يرفع شعار الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام، وكانوا يهتفون به في المساجد وتسبّب في صِدامات مع الشرطة.

2004، بدأت الحرب الأولى في صعدة، التي شكلت نقلة للشباب المؤمن إلى العمل المسلح، وتوالت تلك الحروب بشكل متقطع حتى وصلت إلى الحرب السادسة، انتهت في فبراير 2010.

مارس 2013، أعلِن عن تشكيل مؤتمر الحوار وأعضائه البالغ عددهم 565 وحاز الحوثيون على 35 مقعداً.

كذلك حذّرت مجموعة “الأزمات الدولية” في آخر تقرير لها من غزْو للعاصمة اليمنية صنعاء من قِبل مَن أسمَتهم أنصار جماعة الحوثي المسلّحة، المرتبطين بالرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذين يقيمون مخيمات احتجاجية في محيط المدينة، ما يشكِّل تهديداً ضمنياً بفرض حِصار أو غزو عسكري، وفق ما جاء في تقرير المجموعة.

جدل حول طبيعة الإحتجاجات

وألقى تحالف صالح مع الحوثين بظلاله على توصيف طبيعة الاحتجاجات. ففي حين أطلقت عليها الجماعة ثورة شعبية، إلا أن عودة صالح إلى الواجهة السياسية من بوابة تلك الاحتجاجات ودعمه لها، أوجد انقساماً حاداً داخل المجتمع ووسط النخب بشأن توصيف الاحتجاجات بين قائل بأنها امتداد واستمرار للثورة الشعبية، وقائل بأنها مجرّد حصار مسلّح وغزْو للعاصمة.

يقول الدكتور أمين الغيش، أستاذ العلوم السياسية في جامعة صنعاء في حديثه لـ swissinfo.ch: “أعتقد أن ما هو موجود اليوم من احتجاجات، هو استمرار لثورة 11 فبراير 2011، وقد وجدت هذه الاحتجاجات وَقُـودها في الفساد الغيْر مسبوق لحكومة الوفاق، وآخرها رفع الدعم عن المشتقّات النفطية “الجرعة”، التي كانت بمثابة القِشّة التي قصَمت ظهْر البعير، التي هي في الأصح للحالة اليمنية، حمل يُثقِـل كاهل اليمنيين”.

ويستطرد الغيش: “صحيح أن هناك فَـرقا بين أهداف ومطالب 2014 وأهداف ومطالب 2011، من حيث كون الأخيرة كانت أكثر اتّساعا وشمولا بمناداتها بإسقاط النظام السياسي برمّته، ليشمل السلطات الثلاث بأكملها، بما فيها رئيس الدولة. أما أهداف الاحتجاجات اليوم، فهي أقل وتُطالِب بإسقاط جزء أو فرْع من السلطة التنفيذية، متمثل في الحكومة فقط، بالإضافة إلى إلغاء الجُرعة وتنفيذ مَخرجات الحوار”.

مع أن المطالب التي رفعتها الجماعة تلتقي مع هموم وتطلعات الغالبية العظمى من اليمنيين، التي يطحنها الفقر وتهيج المشاعر الشعبية السّاخطة على سوء الأوضاع، واستطاعت إلى حدٍّ ما أن تحقِّق تجاوباً شعبياً لافتاً، كما بدا من خلال الحشود المشاركة في ميادين وساحات الإحتجاجات، إلا أن تلك الاحتجاجات حملت رسائل غير مُطمئِنة للشارع اليمني.

رسائل تقلق اليمنيين

فإلى جانب ثبوت مشاركة حزب الرئيس السابق في تلك الاحتجاجات، كان لظهور رجال القبائل وهُم يحملون مختلف أنواع الأسلحة في المخيّمات الواقعة في مداخل العاصمة، وارتفاع نبرة الشحن المذهبي والطائفي، وهذه كانت بمثابة رسائل مقلقة جعلت العديد من الأوساط ينظرون إليها بتوجّس، لاسيما في ضوء الصراع المذهبي الشيعي السُني، الدائر بين الجماعتين على مستوى المنطقة العربية عامة، واليمن على وجه الخصوص، والذي بات يُهيِّج المشاعر الطائفية ويُثيرها بشكل غير مسبوق.

أما الاستاذ نجيب غلاب، رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات فيرى في تعليق له على الإحتجاجات التي تشهدها اليمن أن “الحوثي يدير معركته كالمُقامر الباحث عن معركة استنزاف تنهِك الدولة والآخرين، لفرض إرادته وخياراته.. نحن أمام حركة احترفت الحروب لا التفاوُض، وعقد الصّفقات ولديها عجْز في فهْم السياسة، إلا باعتبارها حالة حرب ضد الكل، ولا تمتلك مشروعا فعليا للخروج من المُعضلة التي تعيشها اليمن، وتبدو كحالة انفِعالية لا يُمكن عقلنتها، وهذا يجعلها…. تكوينا قهريا لا يمكن ضبطه”.

ووجه الخطورة في احتجاجات الحوثي وضغوطه المتواصلة على العاصمة، كما يسردها غلاب أن “النظام السياسي مع بداية 2011، أصبح أمام مأزق وجودي، لا يمتلك القوّة الكافية لحماية نفسه، والبناء الذي استند عليه والوعْي الذي حكم منظوماته في إدارة صِراع المصالح وتحصيلها، يقوده إلى حتفه. وليست الحوثية إلا التجلّي الأبرز لعجْز النظام، وهي اليوم ترى نفسها بديلا في واقع معقّد في تركيبته وتكويناته ومشاكله، وحلولها الخلاصية التي تتحدّث عنها، تضع الجميع في بؤرة قاتلة. لا يمكن لنظام في دولة عالم ثالث، طبقته السياسية مركّبة من تحالفات عشوائية متنازعة بلا قانون يحكمها، أن تبني منظومة متقنة لشرعنة وجودها بقواعد”.

مفاوضات لربح الوقت

وتُـراهن أطراف عديدة على نجاح المُفاوضات الجارية مع هذه الجماعة، التي تجري بإشراف مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة السيد جمال بن عمررابط خارجي، أن تتدارك الموقف وتضع مَخرجاً للمَـخاطر المُحتمَلة، لكن يبدو أنه حتى في حالة نجاح تلك المفاوضات، تبقى الكثير من المخاوف قائمة حسب ما يراه الدكتور الغيش بقوله: “ما يجب الحذر منه، هو أن يقع الالتِفاف على المفاوضات الجارية حاليا وإفراغها من مُحتواها، مثلما حدث مع 11 فبراير 2014. مُستطرداً بأن: هذه المَخاوف تتمثّل في المُحاولات المُستميتة التي تبذُلها قِوى النفوذ، والتسلّط في سبيل الإبقاء على بِنية حكومة الُمحاصصة، حتى وإن تغير أشخاصها. التغيير يقتصِر فقط على توسيع الكعكة ليشتَرك فيها آخرون، دون أن يغيِّر جوهريا من بنيتها وآلية عملها”.

من ناحيته يقول غلاب: ماراثون المفاوضات يرمم قوة الحوثي ويزيد من مخاطر هذه القوة على الأمن القومي والعربي ويُضعِف بقية الأطراف ويدفع المقامرة الحوثية إلى تفجيرٍ صاعقٍ، الفوضى أو الاستسلام لها دون أن يكون لها أي رؤية واضحة فيما يخُص المشاكل العويصة، فتبدو كانفعال مقامر على الحرب، باعتبارها وظيفة اعتادت عليها وتبحث عن نقائضها وتخلق الأعداء عبر الوهم، لتصبح هي الشعب”.

الخلاصة، أن البلاد أمام تحوّل واضح للظاهرة الحوثية بنُسختها الثورية المدعومة بقوة بالسلاح وبتحالفاتها مع رأس النظام السابق المسكون بهواجس الانتقام من كل الذين وقفوا ضدّه، الأمر الذي يرفع وتيرة التحدّي، ليس في وجه اليمنيين فقط، بل وفي وجه المجتمع الدولي الرّاعي لعملية نقل السلطة، والذي أصدر تحذيراته المتواترة للجماعة عبْر بيان مجلس الأمن الدولي أو عبر بيانات الدول العشر الراعية للتسوية السياسية، ما يزيد من مخاطر الأزمة وتوسّع الصِّراع في بلد يُعاني من صعوبات مُركبة يسعى كل طرف إلى استغلالها واستثمارها على شكل مكاسب سياسية.  

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية