مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

هيئة أممية تسلط الضوء على التبنّي غير القانوني وتصمه بالعمل الإجرامي

طفلان سريلانكيان ينظران بتوجس إلى عدسة المصور
تم تبنّي أكثر من 700 طفل من سريلانكا ونقلهم إلى سويسرا من سبعينيات إلى تسعينيات القرن الماضي، لكن البعض منهم تم تبنّيه بطريقة غير قانونية. Keystone / Rafiq Maqbool

يقول أوليفييه دي فروفيل، خبير الأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، إن تقريراً حول الأطفال السريلانكيين الذين تَمَّ تبنيهم ونَقلِهم إلى سويسرا بشكل غير قانوني، يُظهر وجود علاقة واضحة بين الاتجار بالبَشر والاختفاء القسري.

في شهر مايو 2021، طالبت لجنة الأمم المتحدة المَعنية بحالات الإختفاء القسري سويسرا بإجراء تحقيق نزيه بشأن عمليات التَبَنّي غير القانونية من سريلانكا، التي حَدَثَت على مدى ثلاثة عقود، ابتداءً من سبعينيات القرن الماضي، لتحديد ما إذا كان بعض الأطفال قد وقعوا ضحايا للاختفاء الَقسري أو غيرها من الجرائم. وطلبت اللجنة من سويسرا – من بين أمور أخرى – تقديم تعويضات مالية للضحايا.

تأتي هذه التوصيات عَقِب الاستعراض الذي أجرته اللجنة المَعنية بحالات الاختفاء القسري، وهي هيئة من الخبراء المستقلين التي ترصد تنفيذ الدول الأطراف للاتفاقية. وكانت سويسرا قد صادقت على هذا النص في عام 2016، وعليها الآن تقديم تقريرها بحلول 7 مايو 2022رابط خارجي.

يُعرّف الاختفاء القسري بانه “الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحِرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دَعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رَفْض الاعتراف بِحِرمان الشخص المُختفي من حُرّيته أو إخفاء مَصيره، أو محل وجوده، مما يحرمه من حماية القانون بالتالي. وتُلقي هذه المُمارسة عِبئاً نفسياً كبيراً على عائلة الشخص المُختفي”.

في ديسمبر 2020، اعترفت الحكومة السويسرية بالتقصير إزاء إخفاقات سلطات الكانتونات والسلطات الفدرالية، التي كانت على عِلم بعمليات بالتبني غير القانونية من سريلانكا إلى سويسرا في الأعوام المُمتَدّة بين سبعينيات وتسعينيات القرن الماضي، ولم تَعمَل على منعها. وأعربت عن أسفها لما حدث.

وقد تم تفصيل هذه المخالفات في تقرير تاريخي نُشِرَ في فبراير 2020 من قبل جامعة زيورخ للعلوم التطبيقيةرابط خارجي. وكما جاءَ في التقرير، فقد تَمَّ تَبَنّي أكثر من 700 رضيع سريلانكي في سويسرا في عقد الثمانينيات، بعضهم بشكل غير قانوني.

بعد خروج هذه المعلومات إلى العَلَن، تعهدت الحكومة السويسرية بمساعدة المُتَضَرّرين على العثور عن أصولهم فيما يتعلق بالتبني غير القانوني. كما تعتزم السلطات السويسرية إجراء تحقيق تاريخي آخر لتحديد ما إذا كانت مُخالفات منهجية [لإجراءات التبني] قد حدثت أيضاً مع بلدان أصلية أخرى قدم منها أطفال تم تبنيهم في سويسرا. بالإضافة إلى ذلك، سوف يقوم فريق من الخُبراء بِفَحص نظام التبني المعمول به حالياً للتحقق مما إذا كانت لا تزال هناك أي ثغرات أو نقاط ضعف فيه.

في مقابلة مع swissinfo.ch، يوضح أوليفييه دي فروفيل، نائب رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري، كيف تم الإبلاغ عن العلاقة بين الاتجار بالأطفال وحالات الاختفاء القسري “لأول مرة، بشكل واضح للغاية” وكيف يُمكن أن يفيد ذلك عمل اللجنة في المستقبل.

SWI swissinfo.ch: كيف تَوَصَلَت لُجنة الأمم المتحدة المَعنية بحالات الاختفاء القسري إلى قرار مُراجعة عمليات التبني غير القانونية في سويسرا؟

أوليفييه دي فروفيل: في حالة سويسرا، لم نكن نتوقع أن تُعرض هذه المسألة على لجنتنا. كانت جمعية “العودة إلى الجذوررابط خارجي” السويسرية غير الحكومية هي التي قدمت تقريراً – وهذا من حقها – إلى اللجنة قبل الحوار مع الكنفدرالية.

متى تُعتَبَر عمليات التَبَنّي غير القانوني حالات اختفاء قسري في القانون الدولي لحقوق الإنسان ؟

الظروف تتباين. لكن بعضها مُثير للقلق بالفعل وتتداخل مع حالات الاختفاء القسري. هناك عددٌ من الحالات التي يُختَطَف فيها الأطفال وتُزَوَّر هوياتهم. وهنا، إما أن يكون الأطفال قد آختفوا قسراً، أو أنهم إختُطِفوا بعد اختفاء أولياء أمورهم أو مُمَثليهم القانونيين. وفي بعض الحالات، وُلد هؤلاء الأطفال أثناء الإختفاء القسري لأمهاتهم، ثم سُلِبوا مِنهُن وتم تَبَنيهم بشكل غير قانوني.

هناك قصص كثيرة لنساء أنْجَبْن ثم سُلِب أطفالهن منهن بعد الولادة مباشرة. كان الطاقم الطبي يُخبِرُهنّ أن الوليد قد مات، لكن لم يُسمح لهُن برؤية الجثة. لكن الحقيقة هي أن هؤلاء الأطفال قَد سُرِقوا وبيعوا لوسطاء في سريلانكا. وبدورهم قام هؤلاء بعرضِهم على أسر سويسرية للتبني.

كذلك وَرَدت أنباء مُرَوِعة عن “مزارع أطفال” يتم احتجاز النساء فيها قسراً وإجبارهن على إنجاب أطفال يتم الاستيلاء عليهم لاحقاً.

في العديد من هذه الحالات، كان وسطاء في سويسرا يتولّون عملية تبني أطفال سريلانكيين من عائلات سويسرية. وبغية تنفيذ هذه العمليات، كان يجب أن يكون هؤلاء الوسطاء مُرَخّصين ومُراقبين من قبل سلطات الكانتونات، حيث كانت عمليات التبني خاضعة لسيطرة هذه السلطات. مع ذلك، كان للحكومة الفدرالية حق الطَعن في تراخيص التبني الصادرة عن الكانتونات.

يقر تقرير الحكومة السويسرية بأن سلطات الكانتونات والسلطات الفدرالية على حدٍ سواء لم تتخذ التدابير الكافية لِمَنع العديد من عمليات التبني غير القانونية، بما في ذلك من خلال وسطاء سويسريين، على الرغم من التقارير التي كانت السفارة السويسرية في كولومبو ترسلها إلى سويسرا بهذا الخصوص منذ بداية الثمانينيات، والتي كانت تُحَذِّر فيها من الممارسات غير المشروعة في سريلانكا، والمُرتبطة ارتباطاً وثيقاً بسوق التبني الدولي.

ماذا كان رَد فِعل الوفد السويسري على ملاحظات لجنتكم ؟

لقد أثَرْنا القضية مع سويسرا إستناداً إلى الحقائق التي قدمتها لنا منظمة “العودة إلى الجذور”. وقد رَدّ الجانب السويسري أن إجراء توضيح الحقائق قد بدأ بالفعل من خلال تقرير الحكومة السويسرية ردّا على التماس النائبة “رويتس” 17.4181رابط خارجي. [وكانت ريبيكا آنآ رويتس الخبيرة في القانون الجنائي عضوة في مجلس النواب عن الحزب الإشتراكي بين عاميْ 2014 و2019]. كما اعترف الجانب السويسري أن بعض هذه الحالات – وليس كلها بالضرورة – قد تكون نَتَجَت عن حالات اختفاء قَسري بالمعنى المقصود في الاتفاقية.

 أعتقد أن السلطات السويسرية تأخذ هذه المسألة بجدّية بالغة، والأهم من ذلك أنها تتشاور بشكل وثيق مع الضحايا أنفسهم. نحن نأمل أن نتلقى أخباراً سارة في مايو 2022 عندما تُقَدِّم سويسرا تقريرها إلى اللجنة.

ما هي التزامات سويسرا بموجب الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري؟

هذه الاتفاقية تنطبق على جميع الحالات التي تندرج تحت تعريف “الاختفاء القسري” [أنظر الحاشية المصاحبة]. نحن من ناحية نُرحب بِتَبَنّي الحكومة السويسرية للتقرير، ونلاحظ بأنه يعترف بإخفاقات سويسرا ويُعرِب عن أسفه لذلك. لكننا من ناحية أخرى نشعر بالقلق، لأن سويسرا كما يبدو لا تفكر البَتّة في اتخاذ تدابير لمُقاضاة الجُناة والاعتراف بِحَق الضحايا في التعويض. لذا، فإننا نُذَكَّر سويسرا بأن جميع الدول الأطراف بالإتفاقية مُلزَمة بالتحقيق ومُعاقبة المُذنبين وتقديم تعويضات للضحايا. نحن نُؤَكد أيضاً على حَقّ الضحايا في مَعرفة الحقيقة، وأن الدولة مُلزمة بِدعمهم للوصول إليها، بما في ذلك من خلال التعاون مع البلدان الأصلية لهؤلاء الأشخاص مثل سريلانكا، التي هي أيضاً طرفٌ في الإتفاقية.

أوليفييه دي فروفيل، خبير أممي في مجال حقوق الانسان
أوليفييه دي فروفيل، مدير مركز أبحاث حقوق الإنسان التابع لجامعة “بانتيون أسّاس” Panthéon-Assas أو باريس الثانية، ونائب رئيس لجنة الأمم المتحدة المَعنية بحالات الاختفاء القسري. Christof Heyns

كيف ستؤثر هذه القضية مستقبلا على عمل لجنتكم؟

هذا المجال جديدٌ تماماً بالنسبة لنا. في السابق، كنا ننظر إلى مُمارسات التَبَنّي غير القانوني في سياقات أخرى؛ وكقاعدة عامة، كان الأمر يتعلق بالنزاعات المُسلحة أو الأنظمة الديكتاتورية، كما كان الحال في الأرجنتين أو حتى في إسبانيا تحت حكم فرانكو، عندما تم اختطاف آلاف الأطفال لتنشئتهم وفق أيديولوجية النظام. كما حدثت عمليات اختطاف الأطفال في سياقات القَمْع ضد المَدَنيين، أو كَجُزءٍ من الإبادة الجماعية في فترة الاستعمار أو ما بعده، كما جرى في أمريكا الشمالية أو أستراليا.

القضية الحالية تتعلق بنوع آخر من التَبَنّي غير القانوني ألا وهو الإختفاء القسري، الذي يرتبط أكثر بالجريمة المنظمة ذات الدوافع السياسية القليلة أو المعدومة، على الرغم من وجود خط رفيع أحياناً (بين الأمرين). من الواضح أن عمليات التبني غير القانونية تَعصف بالعديد من الدول. وفي الوقت الحاضر، يتم تَتَبُّع هذه المُمارسات بشكل أساسي من منظور القانون الدولي الخاص، واتفاقيَّة لاهاي لعام 1993 المتعلقة بحماية الأطفال والتعاون في مجال التبنِّي على الصعيد الدولي، وحقوق الأطفال (اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل وبروتوكولها الاختياري بشأن بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي المواد الإباحية)، وكذلك بروتوكول الأمم المتحدة لمكافحة الاتجار بالبَشر، وصكوك إقليمية أخرى.

إن الاختفاء القسري يُضفي بُعداً جديداً على هذه القضية. من المُحتمل أن يكون هناك عدد كبير من الضحايا. لذا تتمثل مهمتنا الأساسية في العمل المنسَّق والوثيق مع هيئات مُختصة أخرى تعمل في ظل أُطُر قانونية أخرى. وثانياً، علينا أن ندرس بعناية ما يَندرج تحت تعريف “الاختفاء القسري”، ومُراعاة وجود حالات قد لا تندرج في هذا النطاق.

في ظل هذه الخلفية، يمكن أن تأتي وجهة نظرنا بالكثير لتعزيز حقوق الضحايا في الوصول إلى الحقيقة والعدالة والانصاف في اعتقادي. علاوة على ذلك، يجب أن يعلم المجرمون الذين يستفيدون من سرقة الأطفال من أسرهم وبيعهم مَحَلّيا أو في الخارج، أن الاختفاء القسري جريمة خطيرة جداً، بل وقد تكون، في ظل ظروف معيّنة، جريمة ضد الإنسانية. ليس هذا فقط، ولكنها جريمة لا تسقط بالتقادم، بمعنى أنها تَستَمر بعد الاختطاف حتى يتم العثور على الشخص المُختفي. لذا، يمكن أن يُعاقَب المجرمون عليها بعد سنوات طويله من حدوث الاختطاف.

تم تحرير هذه المقابلة وتكثيفها من أجل مزيد من الوضوح.

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية