مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

زيد بن رعد: “الأوضاع الراهنة لحقوق الانسان في العالم العربي سيئة للغاية”

تقلد الأمير الأردني زيد بن رعد الحسين منصب المفوض الأممي السامي لحقوق الإنسان منذ 1 سبتمبر 2014. swissinfo.ch

انتقدت جمعيات أهلية ومنظمات حقوقية دور "مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان" في العالم العربي حيث تشتعل حرائق الصراعات من ليبيا إلى اليمن، مرورا بسوريا والعراق، فيما وعد المفوض السامي الأمير زيد بن رعد بدعم إقامة آليات وطنية مستقلة لرصد الانتهاكات وحالات التطرف والكراهية، كما وعد بحثّ الدول التي لم تُصدق على الإتفاقيات الدولية الخاصة بحماية حقوق الإنسان على الإسراع باستكمال التصديق.

وفي تصريحات لـ”Swissinfo” على هامش المؤتمر الذي أقيم يومي 12 و13 يناير الجاري في الدوحة لتقويم دور مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في العالم العربي، قال المفوض السامي: “إن الأوضاع الراهنة سيئة للغاية، إذ لم تشهد المنطقة العربية في تاريخها القديم والمعاصر هذا المستوى من العنف والتشريد، فرغم التفاؤل الذي ظهر مع انطلاق الربيع العربي أدت الأحداث اللاحقة إلى مزيد من التوتر وتفاقمت الإنتهاكات وتراجعت الحريات وضُربت المبادئ والقيم والتعايش الديني الذي تنعمت به هذه المنطقة منذ آلاف السنين، وما أعتبره أكثر غرابة هو ظهور أصوات تؤيد وتبرر مثل تلك الأعمال الهمجية”.

وأكد أن من واجبه كمفوض سام أن يُنبه إلى ثلاثة مسائل رئيسية متصلة بحالة حقوق الانسان في العالم العربي تتمثل أولاها في أن ضمان الأمن واجب أساسي على كل دولة. وأضاف أن دول المنطقة تواجه اليوم تحديا جسيما في إطار مكافحة الإرهاب، إلا أن المعالجات والحلول الأمنية التي لا تُراعي حقوق الإنسان والعدالة والإنصاف لن تعطي نتيجة إيجابية، كما أن التصدي للعنف والارهاب لن يُعطي ثماره ما لم تعالج جذوره الإجتماعية والثقافية، وخاصة في ظل وجود مناهج تعليمية تحضّ على الكراهية والتمييز ضد الآخر.

أرقام مفزعة

قدمت سكرتيرة صندوق مَنح حقوق اللإسان لورا دولتشي كنعان خلال المؤتمر الذي انعقد في العاصمة القطرية أرقاما مُفزعة عن ضآلة الامكانات التي توضع تحت تصرف ضحايا التعذيب، عن طريق صندوق الدعم المُخصص لهم والذي تأسس منذ 35 سنة.

السيدة دولتشي كنعان أكدت أن الدعم الذي أتى من ثلاث دول عربية لم يتجاوز.. 24 ألف دولار فقط! 

كما أن صندوق دعم ضحايا العبودية الذي أنشئ قبل 25 عاما يُعاني من شح مماثل إذ سيُقدم 42 منحة في 35 دولة خلال السنة الجارية، بينما يوجد 21 مليون شخص من ضحايا العبودية والعمل القسري في العالم.

التنمية هي الانسان أولا

المفوض السامي شدد أيضا على أن “أي رفاه اقتصادي أو معدلات تنمية تتحقق من دون أن يكون أساسها الانسان قد تُؤخر الحراك الشعبي فقط لكنها لن تقضي على أسبابه لأن الانسان لا يحيى بالطعام والشراب وحسب بل تحيى نفسه بالتكريم والحماية من الذل والقهر”.

والمسألة الثانية هي أن الدول العربية قطعت شوطا في التصديق على الاتفاقات الدولية الخاصة بحقوق الانسان، غير أنه من حيث التطبيق لا يلمس المواطن العربي أثرا لتلك الالتزامات القانونية، كما أن الالتزام بالقوانين الدولية يتطلب تطوير التشريعات المحلية لتتواءم معها.

أما الثالثة فهي أن كثيرين يتطرقون لمسألة الخصوصية الثقافية للمنطقة العربية لكنهم يُغفلون أن أساس الإسلام هو المساواة بين البشر والتعايش بين الشعوب مصداقا لقوله تعالى: “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.

ومضى الأمير زيد بن شاكر شارحا “تطرق الإسلام لغالبية الحقوق الأساسية للإنسان بالمفهوم المعاصر لتلك المبادئ، كما ضمن حماية المستشفيات ودور العبادة، وإذا كان الصحابة الأوائل قد هاجروا إلى الحبشة طلبا للأمان، فكيف لا تُفتح الأبواب اليوم للاجئين ولا نوفر لهم الحماية؟”.

مضايا وتعز

وجوابا على سؤال لـ” Swissinfo” قال المفوض السامي إن المفوضية لا تستطيع فرض أي قرار على الدول التي لم تُصدق بعدُ على الإتفاقات الدولية الخاصة بحماية حقوق الانسان، لكنها تحضها على القيام بإجراءات التصديق، ونأمل من خلال التواصل أن تقوم الدول المعنية بتلك الخطوة.

وعن الحصار المضروب على مضايا في سوريا وتعز في اليمن قال: “إننا ندين بشدة تلك الإنتهاكات الجسيمة”، وعزا عدم الإشارة إليها في خطابه الافتتاحي في المؤتمر إلى “ضيق الوقت”، كما أوضح أن المفوضية “جمعت المعلومات حول ما يجري في مضايا وأرسلتها إلى الجهات المعنية في الأمم المتحدة”.

ولاحظ الأمير زيد بن رعد أنه بالرغم من التفاؤل الذي ساد في أعقاب انطلاق “الربيع العربي” قبل خمس سنوات فإن الأحداث اللاحقة دفعت المنطقة نحو مزيد من الصراع والتوتر، وبدل تعزيز حقوق الانسان زادت الانتهاكات وتقهقرت الحريات.

وردا على سؤال في شأن التداعيات المتوقعة مُستقبلا لتدهور أوضاع حقوق الانسان والحريات في المنطقة العربية، حذر من ظهور تنظيمات متطرفة في المناطق التي تشهد عنفا واقتتالا وغيابا لدولة القانون، ولفت إلى أن هذه التنظيمات “تُدمر كل المكاسب الحضارية للأمة العربية وتقضي على الوئام الوطني والتعايش الديني اللذين ميزا تاريخ هذه المنطقة منذ آلاف السنين، فضلا عن ممارسات طفت على السطح بعدما خلناها امحت إلى الأبد وتجاوزتها البشرية مثل العبودية والتعذيب والقتل على الهوية والإستغلال الجنسي للنساء من الأقليات الدينية والعرقية”.

14 مليون طفل!

كشف متحدثون في المؤتمر أن 14 مليون طفل عربي في سن الدراسة لا يؤمّـون المدارس حاليا، مما يُشكل انتهاكا كبيرا لحقوق الانسان. وأوضحوا أن هذا العدد يخص خمسة بلدان فقط لم يُسمّوها.

جبر الضرر للضحايا

على مدى اليومين اللذين استغرقهما هذا المؤتمر الاقليمي بمشاركة 250 منظمة وهيئة وطنية، طالب المشاركون بوضع آليات وطنية مستقلة لرصد حالات التطرف والكراهية وتقديم المشورة وبلورة الخطط للمكافحة والوقاية، إلى جانب حث الدول التي لم تنضم بعدُ للإتفاقات الدولية على التخلي عن تحفظاتها ومُلاءمة التشريعات الوطنية مع المعاهدات الدولية. وفي السياق، دعا ممثلو منظمات المجتمع المدني بشكل مُحدد المفوضية السامية لحقوق الانسان إلى “دعم الجهات الفاعلة في المجتمعات المدنية العربية بُغية حماية حقوق الانسان في جميع أنحاء المنطقة”، وحثوا على “إشراكها في برامج الأمم المتحدة لحقوق الانسان”.

كما دعا المتحدثون في المؤتمر المؤسسات الوطنية لحقوق الانسان إلى العمل على جبر الضرر لضحايا انتهاكات حقوق الانسان وإيلاء مزيد من العناية لإشراك هؤلاء الضحايا في إعداد برامج حقوق الانسان على الصعيدين الاقليمي والوطني وتنفيذها، إلى جانب حماية الأطفال والنساء واللاجئين والنازحين من التعديات والانتهاكات.

في المقابل، تطرق بعض ممثلي المنظمات والهيئات المشاركة إلى ضرورة زيادة الدعم للمدافعين عن حقوق الإنسان في المنطقة العربية، بالاضافة إلى المساهمة بقدر كاف في تمويل المفوضية السامية لحقوق الانسان وصناديق التبرعات الإنسانية، وخاصة “صندوق الأمم المتحدة للتبرعات لضحايا التعذيبرابط خارجي” و“صندوق الأمم المتحدة الإستئماني للتبرعات المعني بأشكال الرق المعاصرةرابط خارجي“.

مجاملات…

أثناء جلسات المؤتمر، انتقد الدكتور موسى بريزات رئيس الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان رابط خارجيالطريقة التي تُعدُّ بها التقارير الدورية عن حقوق الإنسان، مؤكدا أنها لا تقدم المعلومات الكافية على مدى سنوات، فيما وصف عمل الآليات الوطنية بـ “الروتيني الذي تطغى عليه المجاملات” بُغية تفادي الصدام مع الحكومات، مُستخلصا أن هذه الآلية غير فعالة، ومُقترحا أن تُركز التقارير على قضايا محددة وواضحة بدل التوسع في السرد على نحو يُضيّع القضايا الحساسة، مع ضرورة إصدار التقارير في الوقت المناسب.

من جهته، لاحظ الناشط الحقوقي عادل المدني الذي يعمل مستشارا لمجموعة من جمعيات المجتمع المدني في جنيف أن “المسألة الجوهرية في المطالب الكثيرة التي تُوجهها مُكونات المجتمع المدني العربي إلى المفوضية السامية لحقوق الانسان تتعلق بالتدريب والتأهيل والتعريف”، مُشددا على “ضرورة التواصل بين الطرفين لنشر الوعي بحقوق الإنسان وإقامة الشراكة المفيدة للجانبين”.  

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية