مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

متى تشكل عمليات القتل على نطاق واسع إبادة جماعية؟

إيموجين فولكس

في الفترة الأخيرة، تردد مصطلح "الإبادة الجماعية" مُجددا في وسائل الإعلام، لا سيما فيما يتعلق بمعاملة الصين لسكانها من أقلية الأويغور. ولكنّ التعريف المقيّد جدا للمصطلح يجعل من الصعب جدّاً تطبيقه، كما تكتب إيموجين فولكس.

قبل فترة وجيزة، اختتم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورة مطولة أخرى تناول فيها بعض أوضاع حقوق الإنسان الخطيرة للغاية حول العالم شملت ميانمار وجنوب السودان وسوريا وكوريا الشمالية وروسيا البيضاء… وكثير غيرها. ولكن لنكن صادقين، لا يُوجد بلد واحد لديه سجل مثالي فيما يتعلق بحقوق الإنسان. فعلى سبيل المثال، عندما ناقش المجلس العنصرية المنهجية، تركّـز الاهتمام – لأسباب وجيهة – على الأحداث الأخيرة في الولايات المتحدة. أما أحدث تقاريره حول فقر الأطفال فأظهر أن المملكة المتحدة توجد في وضع لا تُحسد عليه.

إلّا أنّه هناك بعض انتهاكات حقوق الإنسان التي تصدمنا إلى أبعد الحدود، ونراها أكثر خطورة من كل التجاوزات الأخرى، ويعتقد معظمنا على الأقل أنه لا بدّ من إخضاعها للمحاسبة. وعلى رأس تلك الجرائم نجد “الإبادة الجماعية” التي يُثير مجرد التعريف المتداول لها الخوف حقاً، فهي “القتل المتعمّد لعدد كبير من الناس من أمة أو مجموعة عرقية معينة بهدف تدمير تلك الأمة أو المجموعة”.

ولكن دعونا نلقي مجددا نظرة على هذا التعريف لنكتشف أنه ضيّق للغاية في واقع الأمر، حيث يقتصر على “عدد كبير” من الأشخاص الذين ينحدرون من “أمة أو مجموعة عرقية معينة”. وقد تم طرح المصطلح لأول مرة من طرف المحامي الدولي رافائيل ليمكين في عام 1944، في محاولة لتعريف جريمة الهولوكوست الهائلة، التي فقد فيها العديد من أفراد عائلته.

وفي عام 1948، تمت المصادقة في إطار الأمم المتحدة على “اتفاقية منع ومعاقبة جريمة الإبادة الجماعية”، في محاولة للحيلولة دون تكرار حدوث مثل هذه الجرائم المرعبة، أو على الأقل لضمان محاسبة أولئك الذين حاولوا ارتكاب أو أقدموا بالفعل على ارتكاب مثل تلك الجرائم. ومنذ ذلك الحين، ظلت الاتفاقية “دون تغيير” يُذكر، كما أخبرتني باولا غايتا، أستاذة القانون الدولي في معهد جنيف للدراسات العليا.

إبادة جماعية أم جرائم ضد الإنسانية؟

في شهر يناير الماضي، قرر وزير الخارجية الأمريكي المنتهية ولايته مايك بومبيو اتهام الصين (عبر موقع تويتر) بارتكاب جرائم “إبادة جماعية” ضد أقلية الأويغور في مقاطعة شينجيانغ، ووضع بذلك المصطلح على جدول الأعمال الإخباري من جديد. وبعد مرور شهر على تصريحات بومبيو، عبّر البرلمان الكندي عن رأي مماثل.

من المثير للاهتمام في هذا الصدد أن المجموعات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان نفسها تميل إلى عدم التوسع في استخدام مصطلح “الإبادة الجماعية”. ليس لأن الأحداث في مكان مُعيّن ليست “سيئة حقًا حقًا”، ولكن لأن تعريف “الإبادة الجماعية”، كما رأينا سابقا، مقيد للغاية، كما أوضح كين روث، المدير التنفيذي لـمنظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية.

على سبيل المثال، يُمكن وصف المذبحة التي تعرض لها أفراد قبيلة التوتسي في رواندا عام 1994 إلى حد كبير بالإبادة الجماعية، إلّا أن المصطلح لا يناسب ما يُعرف بـ “العام صفر” في كمبوديا، ليس لأن عمليات القتل كانت قليلة أو أقل وحشية، ولكن لأن معظم من قُتِلَ في كمبوديا لم يُقْتَل بسبب عرقه، ولكن بسبب انتماءاته السياسية أو الاجتماعية.
عندما أدين الزعيمان السابقان للخمير الحمر، نون تشيا وخيو سامفان، بارتكاب “إبادة جماعية” وجرائم ضد الإنسانية، كانت إدانة “الإبادة الجماعية” تتعلق باضطهاد وقتل الأقلية المسلمة الصغيرة الحجم في كمبوديا، أما الجرائم ضد الإنسانية فشملت الجميع.

قال لي روث: “يشعر الناس، بأنّك إذا لم تطلق عليها تسمية إبادة جماعية، فهي ليست خطيرة، وهذا أمر غير صحيح”.

هل نحن بحاجة لاتفاقية جديدة؟

تبعا لكل ما سبق، هل نعلق الكثير من الخطورة على مصطلح الإبادة الجماعية، وليس بما يكفي للجرائم ضد الإنسانية؟ يعتقد روث أننا أحيانًا “ننظر إلى الإبادة الجماعية على أنها التعريف الوحيد لما هو سيء حقًا”. أما غايتا فتشير إلى أن الإبادة الجماعية تحصلت بعدُ على مكانة “اتفاقية”، لكن الجرائم ضد الإنسانية لم تحصل عليها بعدُ “أو على الأقل حتى الآن”.

ثم مرة أخرى، لم تتمخض الدورة الأخيرة للمجلس عن صدور عدد كبير من الإدانات. ذلك أنه من الصعب إقامة الدليل على وجود “هدف تدمير” شعب ما أو مجموعة معينة من البشر. إن نيّة ارتكاب إبادة جماعية، وعملية الإبادة الجماعية نفسها، هي عملٌ يقوم به نظام، أو منظمة، ولا يُنفذ من قبل فرد واحد، ولكن القانون يُقاضي الأفراد بطبيعة الحال. وإلى حين حلول موعد جلب هؤلاء الأفراد للمثول أمام المحكمة، انتظر الضحايا غالبًا سنوات طويلة لتحقيق العدالة. فعلى سبيل المثال، أدين الجنرال الصربي راتكو ملاديتش في نهاية المطاف سنة 2007 بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، أي بعد مرور اثني عشر عاما طويلة على حصول مذبحة سريبرينيتشا.

ومثلما يشير وارنر: “يُمكنك تحديد هوية شخص والتسلسل القيادي، [لكن] كم هو عسير تقديم ذلك الشخص إلى العدالة”.

يستند هذا المقال إلى حصيلة الحوار الذي دار في الحلقة الأخيرة من بودكاست swissinfo.ch، من داخل جنيف الدولية (الحوار متاح باللغة الإنجليزية).

(ترجمه من الإنجليزية وعالجه: ثائر السعدي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية