مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

أمريكا تسقط مساعدات للمحاصرين في العراق وتوافق على شن ضربات جوية محدودة

الرئيس الأمريكي باراك أوباما يدلي بتصريحات بشأن العراق في البيت الابيض بواشنطن يوم الخميس . تصوير. لاري داوننج - رويترز reuters_tickers

من رحيم سلمان ومات سبيتالنيك

واشنطن/بغداد (رويترز) – بدأت الولايات المتحدة إسقاط مواد إغاثة على اللاجئين اليزيديين المحاصرين الذين يفرون من مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في العراق لكن لا توجد إشارة فورية يوم الجمعة على شن هجمات جوية أمريكية لوقف التقدم الكاسح للدولة الإسلامية.

وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إنه أجاز توجيه ضربات جوية أمريكية محدودة للحيلولة دون وقوع “إبادة جماعية” ولصد هجوم المسلحين السنة الذين استولوا على مساحات شاسعة من شمال العراق وأصبحوا على بعد نصف ساعة بالسيارة من أربيل عاصمة إقليم كردستان.

وهذه هي المرة الأولى التي تختار فيها الولايات المتحدة التدخل العسكري منذ بدأ مسلحو تنظيم الدولة الإسلامية هجومهم الخاطف في يونيو حزيران واستولوا على مساحات شاسعة في شمال وغرب العراق وأعلنوا قيام خلافة إسلامية في المناطق التي يسيطرون عليها في سوريا والعراق.

وعلى الرغم من احجامه عن تدخل قوات أمريكية في الشرق الأوسط مجددا بعد حربين مكلفتين في العراق وأفغانستان قال أوباما إنه وافق على استخدام القوة الجوية الأمريكية لضرب “أهداف محددة” لحماية الرعايا الامريكيين إذا تقدم متشددو الدولة الإسلامية أكثر صوب أربيل مقر حكومة الإقليم.

وأظهرت صور لرويترز يوم الخميس مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية وهم يرفعون أعلامهم السوداء فوق نقطة تفتيش على بعد 45 كيلومترا من أربيل ليقتربوا من المدينة التي يقطنها 1.5 مليون نسمة وهي العاصمة الاقتصادية للمنطقة أيضا.

وقال مصدر في قطاع النفط إن شركتي النفط الأمريكيتين إكسون موبيل وشيفرون قامتا بإجلاء عمالهما من إقليم كردستان يوم الخميس وهبطت أسهم عدة شركات نفطية تعمل بالمنطقة لليوم الثاني يوم الجمعة.

لكن متحدثا باسم شركة النفط النمساوية أو.إم.في التي تعمل في المنطقة منذ عام 2008 قال إن تقدم الإسلاميين لا يؤثر على عملياتها.

وأضاف المتحدث “كل شيء بالنسبة لنا تحت السيطرة.”

* أمريكا جاءت للمساعدة

وقال أوباما إن الضربات الجوية التي ستكون الاولى التي ينفذها الجيش الأمريكي في العراق منذ انسحابه في نهاية 2011 يمكن أيضا أن تستخدم لدعم القوات العراقية والكردية التي تحاول كسر الحصار الذي يفرضه متشددون إسلاميون على جبل سنجار حيث لجأ عشرات الالاف من اليزيديين.

وقال أوباما “في وقت سابق من الأسبوع صرخ عراقي في المنطقة (المحاصرة) للعالم قائلا (ما من أحد ليساعدنا)… اليوم أمريكا جاءت للمساعدة.”

ويعيش اليزيديون وهم أكراد يعتنقون ديانة قديمة منبثقة عن الزرادشتية بين مجموعة أقليات تعود إلى ما قبل ظهور الإسلام في شمال العراق. ويعتقد أن عددهم مئات الآلاف ويعيش معظمهم في العراق بينما يعيش قليل منهم في القوقاز وأوروبا.

وقال أوباما “يمكننا ان نعمل بحرص ومسؤولية لمنع عمل محتمل للابادة الجماعية” ووصف المسلحين “بالهمج”.

واصر أوباما على أنه لن يرسل أي قوات برية وانه ليس لديه أي نية “لأن تنجر الولايات المتحدة إلى حرب أخرى في العراق.”

وقالت وزارة الدفاع الأمريكية إن الطائرات ألقت 72 حزمة من الإمدادات بما في ذلك ثمانية آلاف وجبة طعام جاهزة وآلاف من جالونات مياه الشرب للمدنيين المهددين قرب سنجار.

ومنذ أمد بعيد يمثل شمال العراق أحد أكثر المناطق تنوعا في الشرق الأوسط إذ يضم أقليات عرقية ودينية نجت عبر مئات السنين من ضغط الاندماج في المنطقة الناطقة بالعربية.

وقد فر عشرات الآلاف من المسيحيين العراقيين أيضا خوفا على حياتهم بعدما اجتاح مسلحو الدولة الإسلامية مدينتهم قرقوش يوم الخميس.

وفي بغداد قال النائب اليزيدي محما خليل لرويترز إن ما يصل إلى 250 ألف يزيدي فروا من الإسلاميين وإنهم في حاجة ماسة إلى مساعدات لانقاذ حياتهم.

وقال خليل وهو على اتصال باليزيديين على جبل سنجار “سمعنا من وسائل الإعلام عن المساعدات الأمريكية لكن لا شيء على أرض الواقع.”

وأضاف أن المواد الإغاثية التي وصلت إلى المنطقة حتى الآن غير كافية بالمرة.

وقال عدة مرات “انقذونا! انقذونا! اغيثونا! اناسنا في الصحراء وهم معرضون لإبادة جماعية.”

من ناحية أخرى قال متحدث باسم الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة إن حوالي 200 ألف شخص يفرون من تقدم الإسلاميين قد وصلوا إلى بلدة دهوك على نهر دجلة في كردستان ومناطق قريبة من محافظة نينوى.

وأوضح مسؤولون أتراك أن عشرات الآلاف فروا شمالا إلى الحدود التركية.

* شكوك

وأثيرت تساؤلات بسرعة في واشنطن حول ما إذا كانت الهجمات الأمريكية الانتقائية على مواقع المسلحين واسقاط المساعدات الإنسانية كافية لتغيير التوازن على أرض المعركة ضد قوات الدولة الإسلامية.

وقال السناتور الجمهوري لينزي جراهام في تغريدة على موقع تويتر عقب إعلان أوباما “أنا أؤيد تماما المساعدات الإنسانية فضلا عن استخدام القوة الجوية… ومع ذلك فإن الإجراءات التي أعلنت الليلة لا تحول دفة المعركة.”

واصرت حكومة إقليم كردستان يوم الخميس على أن قواتها تتقدم وإنها “ستهزم الإرهابيين” وحثت الناس على التحلي بالهدوء. وحجبت السلطات المحلية وسائل التواصل الاجتماعي فيما قال مسؤول إنها محاولة لوقف انتشار الشائعات والذعر بين السكان.

وكان الوضع العام في أربيل يوم الجمعة هادئا لكنه مثير للقلق. وقال أحد السكان إن بعض السكان عادوا إلى ديارهم بعد أن تركوها خوفا من تقدم الإسلاميين.

وقال طبيب أسنان يدعى أوميد (37 عاما) وهو في طريقه إلى السوق “قبل يومين كان الخوف مسيطرا لكن الآن الوضع أفضل… قبل يومين غادر الناس المدينة إلى منازلهم في القرى. الآن عاد الذين غادروا.”

وأضاف أن السكان يخزنون الطعام والأسلحة.

وفي مواجهة معارضة الكونجرس والأمريكيين تخلى أوباما عن استخدام القوة الجوية ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد العام الماضي بعد استخدام الأسلحة الكيميائية. ومنذ ذلك الحين للأسد اليد العليا على قوات المعارضة المتشرذمة في الحرب الأهلية المستمرة منذ ثلاث سنوات.

لكن أوباما قال إن منع وقوع كارثة إنسانية وتجنب تهديد أرواح الأمريكيين والمصالح الأمريكية في كردستان كان مبررا كافيا لاستخدام القوة العسكرية الأمريكية في العراق.

ومع ذلك سعى أوباما إلى الابقاء على بعض الضغط على رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي وأصر على الحاجة إلى تشكيل حكومة عراقية “تمثل المصالح المشروعة لجميع العراقيين” من أجل القضاء على المتشددين.

وينتمي المالكي للأغلبية الشيعية في العراق ويتهمه السنة والأكراد وحتى بعض الشيعة بإدارة حكومة طائفية مما أدى إلى استياء السنة. ويتفاوض المالكي للتشبث بالسلطة لفترة ولاية ثالثة بعد انتخابات غير حاسمة في أبريل نيسان على الرغم من أن السنة والأكراد وحتى بعض زعماء الشيعة طالبوه بالتنحي.

وتقوم إيران التي تدعم المالكي جنبا إلى جنب مع واشنطن بجهود دبلوماسية في محاولة للعثور على شخصية أقل استقطابا قادرة على توحيد العراقيين. وتقول مصادر إيرانية إن طهران أرسلت أيضا نخبة من ضباط الحرس الثوري للمساعدة في تنظيم الدفاع عن بغداد.

وكان أوباما قد أرسل عددا صغيرا من المستشارين العسكريين الأمريكيين في يونيو حزيران لمساعدة جهود الحكومة العراقية في صد هجوم المسلحين الإسلاميين.

وأثارت مكاسب الإسلاميين في الآونة الأخيرة غضبا دوليا.

وقال مكتب الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند إنه تحدث هاتفيا مع رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني وقال إن باريس مستعدة لدعم القوات في الدفاع عن كردستان. وقال مسؤول فرنسي إن المساعدة ستكون “تقنية” وليست عسكرية.

ويمثل تنظيم الدولة الإسلامية أكبر تهديد لوحدة العراق منذ سقوط صدام حسين في 2003. ويتباهى مسلحو التنظيم بنشر تسجيلات مصورة على الإنترنت وهم يذبحون السجناء.

وتتهم جماعات حقوق الإنسان الميليشيات الشيعية التي احتشدت لحماية بغداد بارتكاب عمليات خطف وقتل. ومع سقوط آلاف القتلى وفرار مئات الآلاف من منازلهم عادت أسوأ أعمال عنف خلال الشهرين الماضيين في العراق منذ الاقتتال الطائفي في 2006 و2007.

ودفعت مكاسب تنظيم الدولة الإسلامية المالكي إلى اصدار أوامر لقواته الجوية بمساعدة الأكراد الذين تضررت سمعتهم كمحاربين اشداء بعد هزائم الأسبوع الماضي في مواجهة الدولة الإسلامية.

(شارك في التغطية مايكل جورجي في بغداد وايزابل كولز في أربيل – إعداد محمد اليماني للنشرة العربية – تحرير سها جادو)

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية