مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

المالكي يلجأ للتلفزيون الرسمي لرفع المعنويات وزيادة الثقة في القوات المسلحة

رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يتحدث في مؤتمر صحفي يوم 26 يوليو تموز 2014. تصوير رويترز. reuters_tickers

من ماجي فيك

بغداد (رويترز) – يعمل التلفزيون الرسمي العراقي بلا كلل لاقناع العراقيين بمساعدة رئيس الوزراء نوري المالكي على التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية الذي سيطر على مساحات واسعة من البلاد لكن السمعة التي اكتسبها المالكي الذي يصفه كثيرون بأنه شخصية طائفية قللت من تأثير دعوة الإعلام الرسمي للوحدة.

ومنذ خسارة معظم شمال العراق لصالح مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية تبث قناة العراقية الرسمية مقاطع فيديو لتأجيج المشاعر الوطنية يظهر فيها جنود وكوماندوس مدججون بالسلاح بل ومطربون وممثلون لحشد تأييد الرأي العام للحكومة.

وتعيد هذه الدعاية للأذهان ما كان يحدث في عهد الرئيس السابق صدام حسين الذي ساعدت آلته الدعائية على إضفاء صبغة إيجابية على كوارث مثل غزو الكويت عام 1990 أو الحرب مع إيران بين عامي 1980 و1988.

وبدلا من زيادة الثقة في المالكي سلطت الحملة الضوء على ما يقول منتقدون انه فشل من رئيس الوزراء في توحيد العراق ضد المتشددين المسلحين الذين عرضوا وضع العراق كدولة موحدة للخطر.

وقال قاسم السبتي وهو فنان تشكيلي في الستين من عمره “نحن نضحك بألم لأنهم يكررون نفس السخافات التي مارسها صدام.”

وقال محمد عبد الجبار الشبوط رئيس الشبكة الإعلامية العراقية التي تبث قناة العراقية ان ردود الفعل على مقاطع الفيديو جيدة في العموم على مستوى شرائح مختلفة من المجتمع العراقي.

وقال لرويترز “على الجانب الآخر خرجت بعض الأصوات التي لم تستحسن هذه الأغاني وقالو ان هذا يذكرنا بالأناشيد الوطنية التي كانت تملأ الشاشات في فترة صدام حسين.”

وأضاف “لكن هناك فارقا كبيرا لأن أناشيدنا تؤكد على حب الوطن والصمود والتسامح بينما أناشيد صدام كانت تمجد في شخص واحد.. كانت ترسخ فكرة عبادة القائد الأوحد… وتركز على شخصية صدام.”

لكن كثيرا من العراقيين لايزالون يرون أن المالكي شخصية مثيرة للاستقطاب وأنه عمق الانقسامات الطائفية كما يرون في قناة العراقية آلته الدعائية الخاصة وليس جهاز الخدمة العامة الذي يدعو للوحدة كما تقول القناة.

وبسبب تهميش المالكي للسنة وجد البعض أن لهم قضية مشتركة مع الدولة الإسلامية التي تهدف لفرض أيديولجيتها المتشددة.

ورفض المالكي الذي يقود حكومة تسيير أعمال منذ إجراء الانتخابات في أبريل نيسان دعوات السنة والأكراد بل وحتى بعض الشيعة للتنحي من أجل اختيار زعيم أقل إثارة للاستقطاب ليقود ردا موحدا في مواجهة أنشطة المتشددين المسلحين.

إعطاء الانطباع بأنه لا يقهر

وقال المحلل رمزي مارديني من مؤسسة المجلس الأطلسي البحثية “المالكي يقدم نفسه كزعيم وطني يواجه المتشددين المسلحين السنة. والرسالة هي… إذا كنت ضدي فأنت مع الإرهابيين.”

وأضاف “هو يفكر بأن هذا ليس وقت تقديم التنازلات أو الظهور بمظهر الضعيف.”

وبالنسبة لكثيرين فان المقاطع التلفزيونية تذكرهم بأن أزمات العراق لا تنتهي من الحرب إبان حقبة صدام إلى تكرار سيناريو العنف الطائفي الذي وضع البلاد على شفا حرب أهلية خلال الاحتلال الأمريكي بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للإطاحة به.

ومنذ 2003 تبث إعلانات تشيطن “الإرهابيين”. وبث التلفزيون الرسمي والقنوات المؤيدة للحكومة اعترافات رجال بعد إلقاء القبض عليهم وهو ما رفضه منتقدون باعتبار أن الغرض منه هو الدعاية الكاذبة.

وفي الآونة الأخيرة يخصص التلفزيون الرسمي وقتا طويلا لبث لقطات لطوابير من الجنود العراقيين وهم يسيرون في عروض عسكرية ببغداد قرب نصب تذكاري للحرب مع إيران شيده صدام ولم يمسه من حكموا البلاد بعده.

وفي حين أن صدام كان يسيطر سيطرة محكمة على الجيش فان المؤسسة التي يبلغ قوامها 800 ألف شخص وتدرب أفرادها على يد الولايات المتحدة تراجع أداؤها في عهد المالكي بسبب الفساد والانقسام الطائفي.

وانسحبت أعداد كبيرة من الجنود من مواقعها الشهر الماضي في مدينتي الموصل وتكريت اللتين سقطتا سريعا في يد تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات السنية المتحالفة معه.

ويرى العراقيون الآن في الميليشيات الشيعية التي دربتها إيران قوة يعتد بها تنافس الجيش في القدرة على التصدي للمتشددين المسلحين جيدا الذين يوثقون عملياتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

وفي الوقت ذاته تضغط الحكومة العراقية على وسائل الإعلام الخاصة لتبني رواية الإعلام الرسمي.

وبعد سقوط الموصل بفترة قصيرة أمرت هيئة الإعلام والاتصالات وسائل الإعلام العراقية بالتركيز على الانجازات الأمنية للقوات المسلحة وتفادي نشر أخبار عن أي شيء قد يفسر على أنه ضد قوات الأمن.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير صدر يوم الثالث من يوليو تموز إن هذه التوجيهات ستحصن الحكومة من الانتقادات بطريقة غير ملائمة وإن بعض وسائل الإعلام الخاصة اشتكت من أنها تعرضت للتهديد بسحب تراخيصها إذا لم تمتثل للأمر.

ولا توجد وسيلة لرصد عادات العراقيين في متابعة التلفزيون لكن كثيرين من مختلف الشرائح عادة ما يتابعون قنوات فضائية غير حكومية مثل قناة بي.بي.سي. العربية وقناة الجزيرة التي تقدم رؤية مختلفة للأحداث.

بعض الشك.. بعض الأمل

وتقابل جهود التلفزيون الرسمي لبث الثقة في القوات المسلحة العراقية بالشك.

ويبث التلفزيون كثيرا أغنية وطنية تحتفي بالفرقة الذهبية وهي وحدة لمكافحة الإرهاب يهيمن عليها الشيعة وتعمل تحت إمرة المالكي. ويقول سنة ان الوحدة تستهدفهم.

ويشدو المطرب محمد عبد الجبار في الأغنية قائلا “اللي ما يقدر يتقدم. احنا سباعه ونقدر.. احنا الموت الأحمر.”

ويرتدي الرجل زيا عسكرية ويلوح بمسدس في الهواء وهو يتمايل مع الإيقاع بينما يظهر وراءه رجال مدججون بالسلاح وهم يقومون بتدريبات عسكرية.

وفي بلد منقسم يرى بعض الناس أن هذه المشاهد تمنحهم الأمل.

وقال جندي في الثانية والعشرين من عمره ينظم حركة المرور بوسط بغداد ان الأغاني جيدة “لانها تلهب حماسنا. الجنود يشغلونها بعد الصلاة وقبل الهجوم (على المتشددين) وقبل اقتحام المباني وتنفيذ حملات المداهمة.”

واتفق معه في الرأي أبو عبد الله (45 عاما) وهو مهندس كهربائي.

وقال “أعتقد أن كثيرا من الناس يشاهدون هذه الأغاني لان الوضع صعب ونحن بحاجة لهذا الدعم النفسي. بالطبع ليس لدينا أي مصلحة في انتصار الارهاب. نحن نريد مواصلة حياتنا لا أكثر.”

ويخشى البعض ومنهم بعض المشاركين في الحملة الرامية لرفع المعنويات من أن مقاطع الفيديو لن تؤدي إلا لتأجيج الصراع الطائفي.

وقال الشاعر عامر عاصي جبار الذي كتب كلمات أنشودة “رجال الحق” التي يذيعها التلفزيون كثيرا منذ بدأ المسلحون يرفعون أعلامهم السوداء على الأراضي التي يسيطرون عليها “هذه الأغاني.. جزء من المشكلة وليست جزءا من الحل.”

كما حاول المالكي أن يلهب المشاعر ضد تنظيم الدولة الإسلامية من خلال كلمات يوجهها للمواطنين ويبثها التلفزيون كل أسبوع.

لكن كبار رجال الدين العراقيين لاقوا نجاحا أكبر في هذا المضمار. ففي خطبة بثتها قناة العراقية يوم 13 يونيو حزيران دعا المرجع الشيعي الأعلى آية الله علي السيستاني العراقيين لحمل السلاح ضد المتشددين المسلحين السنة واستجاب عشرات الالاف من المراهقين الى المتقدمين في السن لدعوته.

وقال الشبوط ان الشبكة الرسمية أنتجت أكثر من عشرة مقاطع فيديو.

وقال “الفن والفنانون يلعبون دورا مهما في المعركة الجارية التي يخوضها العراق ضد الإرهاب.”

لكن الحملة لم تبث الطمأنينة في قلوب أشخاص مثل عبير ماجد وهي أم سنية لثلاثة أبناء وتعمل في وكالة سياحة بوسط بغداد. وهربت عبير من حي مدينة الصدر الشيعي إلى حي الدورة خوفا على سلامة أسرتها.

ويقول سكان الدورة ان الجنود الشيعة وأفراد الميليشيا ينفذون عمليات عشوائية لتفتيش المنازل منذ تقدم الدولة الإسلامية بشكل سريع في الشمال الأمر الذي أثار قلق السنة الذين يخشون من أن يدفعوا ثمنا باهظا بسبب أنشطة المسلحين.

وقالت عبير “لا نحتاج الأغاني. نحتاج لخطوات ملموسة.”

(إعداد ليليان وجدي للنشرة العربية – تحرير دينا عادل)

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية