مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

العراق وسوريا وأوكرانيا وغزة تتداعى وسط عجز كيري عن مد يد العون

وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في سيدني يوم الثلاثاء. تصوير: جاسون ريد - رويترز reuters_tickers

من بيتر فان بيورن

(بيتر فان بيورن من كتاب المقالات في رويترز والآراء الواردة في هذا المقال هي آراؤه الشخصية) (رويترز) – يتلمس وزير الخارجية الأمريكي جون كيري طريقه في أنحاء العالم بينما يخرج من أزمة ليخوض في أخرى.. ويبدو أن الفكرة التي من المفترض أن يتضمنها الفصل الأخير من مذكراته والتي تظهره كشخص صاحب القول الفصل لم تجد مكانها بعد بين السطور.

لكن أهي غلطة كيري -الذي يتبوأ منصبا سيكون الأخير له بشكل شبه مؤكد في الحياة السياسية العامة- أم أن التخبط التاريخي الذي تعاني منه السياسة الخارجية الأمريكية يجرفه في طريقه؟

اتخذت سياسة أمريكا الخارجية منحى هجوميا بعد هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 وها هي بعد مضي عقد من الزمن تستبدل التخبط الاستراتيجي في سياستها الخارجية بالحسم الاخرق.

غير أن التصرف النمطي المشترك بين تلك الحقبة والحقبة الحالية هو أن كيري يجسد في أسوأ حالاته ممثلا رديئا في فيلم أكثر رداءة. وعلى الرغم من أنه يسهم بالنزر اليسير لرفع مستوى الفيلم لكنه في الوقت ذاته لا يتحمل مسؤولية فعلية عن فشله.

هناك قدر من الحقيقة في هذه المقولة لكن يغيب عنها قدرة كيري الحقيقية على تحمل سوء الطالع.. فعلى مر العقود لم يواجه أي من وزراء الخارجية السابقين مثل جورج شولتز وجيمس بيكر وكولن باول ومادلين أولبرايت وهيلاري كلينتون مثل هذا الفشل المتتالي.

ولفهم إخفاقات كيري -التي تكاد تكون فريدة من نوعها- في منصبه كوزير للخارجية من المهم معرفة كيف يجري التحضير لرحلات الوزير الخارجية وكيف استخدم وزراء الخارجية السابقون صلاحيات منصبهم لتنفيذ أهدافهم.

لقد خبرت هذا الأمر لأنني خلال مهنتي الممتدة على مر 24 عاما في وزارة الخارجية كنت الطرف المتلقي للكثير من هذه الزيارات.

يجري التخطيط لزيارة وزير الخارجية بدقة متناهية كل من طاقم موظفي الخارجية في واشنطن والسفارة (في البلد المزمع زيارته) على الأرض. إن إشعارنا بالزيارة قبل مهلة قصيرة كان يعني فقط بقاء المزيد من طاقم العمل مستيقظين حتى وقت متأخر من الليل للإعداد.

فيما يخص الطاقم فإن الأشخاص الذين يحتلون المناصب العالية الشأن في الوزارة والذين يتولون هذه المهام بدأوا على الأرجح عملهم في الحكومة منذ إدارة الرئيس الأمريكي الراحل رونالد ريجان إذ أن موظفي الخارجية ليسوا مرتبطين بتغير السياسة وهم يخدمون الإدارات الديمقراطية والجمهورية على السواء على امتداد مهنتهم.

ولدى استلام وزراء الخارجية الجدد مناصبهم يوجه غالبية الموظفين لهم نصائح مثل “استخدم قدرات هذا المبنى” و”استغل خبرة الطوابق الستة الموجودة تحت مكتبك” لأن لا أحد يعرف كل شيء.

وتشكل “نقاط الحديث” البنية التخطيطية الرئيسية التي تختصر كل تلك الخبرة. إن وجود نقاط محددة أمام وزير الخارجية المرهق والمشغول تضمن عدم حاجته لمعرفة كل شيء وعدم إغفاله مسألة مهمة أو انحرافه عن مسار السياسة الرسمية. فعندما تكون مصالح قوى عظمى -ناهيك عن حركة الأسواق العالمية واحتمال نشوب الحرب- على المحك تعتبر دقة الخطاب أمر حاسم.

ما هو المثال على العواقب التي تسبب فيها كيري بشكل غير متعمد؟ إنها تلك الملاحظة الارتجالية التي أدلى بها وزير الخارجية قبل أقل من عام والتي قال فيها إن من الممكن أن تتجنب سوريا الضربات الجوية الأمريكية فيما لو سلمت أسلحتها الكيميائية ما دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمسارعة للعب دور صانع السلام بشكل غير متوقع.

لم يقم كيري حينها بما يجب فعله أكثر من أي وقت مضى في مثل هذا الموقف الحاسم.. كان عليه فقط لأن يقرأ البطاقات الموضوعة أمامه.

أما الإخفاق الثاني لكيري فيتمثل في عدم استفادته من نوابه الكثر للتحضير لزياراته.

ففي الربيع الماضي قام كيري برحلة كان يفترض أن تكون إنجازه الدبلوماسي الذي سيشكل علامة فارقة في مسيرته وهو رعاية اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين غير أن إعلان اسرائيل بعد أشهر قلائل تراجعها عن خطوة إطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين أجهض العملية برمتها. ألم يحضر أحد مسبقا لموافقة إسرائيل على شروط الاتفاقية؟

إن إيفاد نواب وزراء الخارجية لا يهييء الأرضية فقط لرحلة ظافرة للوزير بل يمنع مثل هذه الاخفاقات المتماثلة. فإذا جرت الأمور بشكل جيد مع نواب وزير الخارجية يكون هذا أمرا عظيما.. لكن في حال انهيارها حينها لن يكون الوزير متورطا فيها بشكل مباشر.

إن القيام بالأمور بطريقة عكسية يجعل النجاح صعبا للغاية فمن النادر أن ينجح الدبلوماسيون الأقل رتبة في إعادة الأمور إلى نصابها وفي أفضل الأحوال تترك الأمور للسفارات لتتخبط بينما تحاول أن تضمن ألا تعرقل عثرات الدبلوماسيين الرفيعين أمورها اليومية.

كانت الزيارة الوزارية تجري تقليديا لتتويج جهود كبيرة وليس لإطلاق خطوات صغيرة وإلا سيظهر الوزير أو الوزيرة ضعيفا وغير متماسك.

لكن كيري يهبط بالمظلة في كل أزمة في مرحلة لا تلبث فيها الأزمات أن تخمد في منطقة لكي تظهر في منطقة أخرى من العالم.

ففي العراق تنزلق البلاد إلى أتون الحرب الأهلية لكن كيري يكتفي بزيارة قصيرة يظهر فيها فقط لإطلاق ضمانات فارغة لوحدة البلاد.

وفي أفغانستان حيث يتبادل المرشحون الرئاسيون إتهامات بالتزوير الانتخابي يقوم كيري برحلة أبعد ليرعى اتفاقية وضعت على عجل بين الطرفين المتنازعين يبدو أنها لم تمنع الأمور من التازم من جديد.

لكن لماذا يختفي كيري بعد كل ظهور إلى أن تتولد أزمة جديدة من الازمة السابقة وتستيقظ الأشباح الهاجعة؟ لأنه توجه إلى 36 بلدا خلال فترة تقل عن الثمانية أشهر الماضية حتى انه كان يتوجه إلى أكثر من محطة واحدة في الأسبوع إلى حد بدا وكأن كيري هو المسؤول الوحيد في وزارة الخارجية الذي يملك بطاقة الائتمان التي تتيح له القيام برحلات خارجية.

من جهة أخرى يبدو أن معرفة الفرق بين بذل الجهود وتحقيق نتيجة يختلط على كيري في الوقت الذي تتبع فيه وزارة الخارجية بهوس أوقات سفر وزير الخارجية ما يؤدي إلى القول بأن دبلوماسيته المحمومة تترك له القليل من الوقت ليتابع ما أسفرت عنه جهوده السابقة.

فعلى سبيل المثال توجه كيري خلال الأسبوعين الماضيين إلى الهند في زيارة استمرت 72 ساعة وحضر منتدى المجتمع المدني الافريقي في واشنطن بين 4 و 6 أغسطس آب كما قام بزيارة غير معلنة إلى أفغانستان أتبعها بزيارة استمرت ستة أيام إلى ميانمار وأستراليا وجزر سولومون وهاواي.

وفي الوقت الذي تلهث فيه الولايات المتحدة للحاق بخطوات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا وتقدم الدولة الاسلامية في العراق فان كيري موجود فعليا في وسط المحيط الهادي.

وها هو كيري يقول بعد آخر إخفاقاته في غزة “على الأقل تعرف أنك بذلت تلك الجهود لانقاذ الأرواح والبحث عن طريقة مشروعة للمضي قدما. هذا هو عملنا.. أن نحاول القيام بذلك.”

لكن “المحاولة”… تبدو غاية محدودة لكبير دبلوماسيي أقوى دولة في العالم.

(إعداد داليا نعمة للنشرة العربية – تحرير محمد هميمي)

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية