مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

الوقوف على القدميْن من جديد؟ احتمال مُمكن في المستقبل!

laif

تشير وسائل الإعلام بانتظام إلى ظهور آمال في أن يتمكّن قريبا المصابون بالشلل من المشي على أقدامهم من جديد بفضل منجزات التقدم العلمي. في المقابل، يُحذر الباحثون من أن هذا التقدّم سوف يستغرق وقتا طويلا، كما أن المضي قُدما في هذا المجال سيكون بخطوات بطيئة.

أنظر من حولك، وسوف تعثر من دون شك على تقارير تتحدث عن المعاقين الذين تمكنوا من المشي من جديد بفضل ما يسمى “الهياكل الخارجية”. ففي العام الماضي مثلا، شاركت كلار توماس في ماراتون لندن حتى نهايته بفضل معطف ذي تطبيقات بيولوجية، حتى وإن كانت قد انهت السباق بعد 17 يوما من انطلاقته.

آنذاك، كان سعر هذا الجهاز الألكتروني الذي ساعدها خلال الماراتون يتجاوز 63.000 فرنك سويسري. وهذه التكلفة العالية هي التي تعيق انتشار هذا النوع من المعدات الروبوتية. فالنظم التي تزوّد بها هذه الأجهزة مُكلفة للغاية، ويتوقّف الحصول عليها على الوضع الاجتماعي للراغبين في اقتنائها، وهي ليست في متناول أغلب المرضى السويسريين.

فإذا كانت الإصابة بالعجز ناجمة عن مرض، فإنه من واجب شركات التأمين ضد العجز التأكّد من أن إجراءات “بسيطة ومناسبة” قد اتخذت لمساعدة المرضى. أما إذا كان الشلل نتيجة حادث، فإن حجم التأمين قد يكون أكبر، والنتائج قد تكون أكثر إيجابية. فالأنظمة الروبوتية لا تقدّم حلا يناسب الجميع، إذ ما يصلح لمريض قد لا يصلح لآخر. (أنظر الفيديو المرافق). وبالتالي فإن السباق القائم الآن يرمي إلى إيجاد حلول علاجية تكون أقلّ تكلفة، وأيسر استخداما.

في تصريحات لـ swissinfo.ch، يقول غريغوار كورتين، الباحث في علوم الدماغ بالمعهد التقني الفدرالي العالي بلوزان: “هناك سعي حقيقي لنكون أوّل من يكتشف أفضل علاج”، ثم يضيف “إنه ميدان يتسم العمل فيه بصعوبة كبيرة، لأن الجميع يعتقدون أن لديهم الحل، وأن الآخرين لا يفهمون منه أي شيء”.

المزيد

اهتمام إعلامي واسع

في العام الماضي، احتلت أبحاث كورتين عناوين الصحف، وتم تناوله على وجه الخصوص على صفحات نيويورك تايمز وشبكة CNN الإخبارية. أما بحثه الذي لفت الأنظار على المستوى العالمي، فقد نشر في مجلة “Science” وبيّن أنه بإمكان الفئران التي تعاني من شلل تام وتشكو من الإصابة على مستوى النخاع الشوكي “أن تتعلّم” المشي من جديد. وبعد اسابيع من إعادة التأهيل العصبي بإستخدام عجلة وروبوت اختباري، وتحفيز كهربائي وكيميائي، أصبحت الفئران تركض وتتسلّق السلالم، وتتجنّب العقبات.  

وعلى الرغم من الضجيج الإعلامي، يجد كورتين صعوبة في الإقناع بأن ما توصّل إليه هو وفريق الباحثين العاملين معه ليس علاجا. وأوضح في حديث إلى swissinfo.ch أنه “إذا أصبح المرضى قادرين على قطع بعض الخطوات بإعتماد جهاز مساعد على المشي، فهذا هو على الأرجح أقصى ما يمكن أن نتوقّع. ولكن المرضى يسرّون إليّ بأن الامر سيكون رائعا، وأن حياتهم ستكون مختلفة جدا”.

ثم يضيف هذا الخبير: “هذا هو هدفي: أن يقول الناس إن حياتهم قد أصبحت أفضل بسبب العمل الذي نقوم به. ولكن، لن نرى هؤلاء يجوبون الشوارع من جديد، فمن يحلم بذلك طوباوي”.

يهدف كورتين إلى وضع نظام طموح يجمع بين صفيفات كريات النخاع الشوكي المطاطة، والعقاقير، وربوتات إعادة التأهيل. ولكنه لا يبدو مندفعا بتهوّر لتحقيق ذلك. ويقول: “نحن نمضي قدما بطريقة منهجية. أنا لا أريد أن أقفز [هكذا] من التجارب على الفئران إلى البشر، خصوصا في ما يتعلّق بالآثار السلبية الممكنة للعقاقير الصيدلانية”.

ومن المحتمل أن تبدأ التجربة السريرية الأولى المستخدمة للموصلات الكهربائية في وقت لاحق من هذه السنة، بالتزامن مع النظام الروبوتي الذي يتم تطويره حاليا من قبل شركة لم يكشف عنها. أما المستحضرات الصيدلانية، والتي أثبتت جدواها في تجارب أخرى سابقة على البشر، فسيكون عليها الإنتظار لفترة أطول قليلا. لأنه يجب حقنها في مكان قريب من إصابة النجاع الشوكي، والشيء الأوّل الذي يجب التأكّد منه هو تأثير الأدوية العصبية التي جُـرّبت على غير الكائنات البشرية ابتداءً.

ويضيف كورتين: “في غضون ثلاث إلى خمس سنوات، نأمل أن نكون قادرين على استخدام المستحضرات الصيدلانية في الإختبارات التي نجريها على المرضى بأسرع ما يمكن بعد إصابتهم. والسؤال الكبير هو: هل ستكون هذه الأدوية فعالة في حالة البشر؟”.

مساعدة ضحايا السكتة الدماغية

في الأثناء، تبدو شركة “أبيليتي” (Ability)، الرائدة، التي يوجد مقرها بزيورخ، أقلّ طموحا. فهي تقوم حاليا بتطوير نظام صُمّم ليحلّ مكان العجلات الدائرة المستخدمة لإعادة تأهيل ضحايا السكتة الدماغية وتدريبهم على المشي من جديد. ويُلاحظ كورنال شتويشلي، رئيس مجلس إدارتها أنه “في سويسرا لوحدها، يتعرض نحو 15.000 شخص لإصابة بالسكتة الدماغية ثم تكتب لهم النجاة. ولقد اخترنا الإهتمام بهؤلاء المرضى أوّلا، وسنتيح للأطباء اقتراح تطبيقات أخرى”. 

النظام الذي تعتمده هذه الشركة يستند إلى اقتراح المشي الطبيعي والتركيز على حركة بعينها تظل طي الكتمان، وهو يجد الدعم من مستثمرين خواص. أما ميزته الأساسية فتتمثل في أن من شأنه المساعدة على خفض عدد الأشخاص المشاركين في دورة إعادة التأهيل، وهو ما يسمح بوجود ثلاثة معالجين للعناية بمريض واحد.

وعلى غرار البحث الذي أنجزه كورتين، يعتمد هذا النظام إلى حدّ ما على الدماغ وامكانيات الجهاز العصبي في “تجديد شبكة أسلاكه” أو ما يسمى تكيّفه المرن، مع حدّ أدنى من التحفيز. غير أن نظام شركة “أبيليتي” يمكن أن يعزل الدماغ نفسه عن المعادلة ككل بدلا من التأكيد على حقيقة مفادها أنه لكي تقوم بعض المحركات بوظائفها بشكل صحيح، فإنها لا تحتاج إلى المادة الرمادية (تصوّر حركة دجاجة مباشرة بعد قطع رأسها) وأنه بإمكانها تعلّم الحركة من جديد.  

لقد كان التقدّم المحقق بطيئا حتى الآن، ولكن شتيوشلي يقول: “إن عوامل سهولة الإستخدام والسلامة وتجنّب الإفراط في استخدام الهندسة الإصطناعية كانت على رأس أولويات الشركة”، ويضيف أن “الجهاز، مثل جسم الإنسان، يجب أن يكون مناسبا لوظيفته، وبعبارة أخرى، أن تكون له جدوى متأصلة”.  

ولا يُخفي المدير التنفيذي لشركة “أبيليتي” اقتناعه بأن النتيجة النهائية ستكون أفضل من استخدام أجهزة مثل الهياكل الخارجية، ولكنه يعترف أيضا – كرجل أعمال – بأن التكلفة ستلعب دورا حاسما في تحديد قرار العملاء المحتملين، خاصة بالنسبة للعيادات التي تحاول اجتذاب الزبائن. ويقول شتيوشلي: “يجب أن يأخذ الأطباء ومقدمو الخدمات والمرضى هذا النظام في الحسبان حتى يكون حلا مُجديا وقابلا للتنفيذ”، لكن “سوق إعادة التأهيل العصبي تنمو بسرعة لأن العيادات على استعداد للإستثمار في هذا المجال”، على حد قوله.

في هذا السياق، كانت ردود الفعل الأوّلية إيجابية ويكفي أن ينظر المرء إلى أبعد من الدوائر السريرية، ويمكن كذلك لنظام شركة “أبليتي” أن يخضع للمزيد من التكييف من أجل علاج مرضى آخرين.

في نهاية المطاف، يتجه كل من شتيوشلي وكورتين إلى تحقيق نفس الهدف المعلن، أي جعل المُقعدين يقفون على أقدامهم من جديد، على الأقل لفترة من الزمن، لذا يؤكد شتيوشلي على أن “الإقلاع عن استخدام الكرسي المتحرّك والإعتماد على الذات من جديد أمر بالغ الأهمية بالنسبة للمرضى، والمهم هو أن يكون الإنسان قادرا على الاعتناء بنفسه”.

(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية